المخاوف تتسع من سيطرة بكين على عالم الألعاب

المخاوف تتسع من سيطرة بكين على عالم الألعاب
استمع إلى المقال

الحزب “الشيوعي“ الحاكم في الصين يرى بأن الألعاب أشبه بالمخدرات الروحية، لذلك تمنع أبنائها من الاستمتاع بالألعاب الإلكترونية لأكثر من ثلاثة ساعات يوميا مما خفّض استخدام الأطفال والمراهقين للألعاب الإلكترونية وأثّر سلبا على دخل الشركات المطورة لها، وذلك إلى جانب عمليات تضييق الخناق المستمرة التي تتبعها حكومة بكين على شركات الألعاب مثل ”Tencent“ و “NetEase” اللذان يعدان أكبر شركات تطوير الألعاب الصينية. 

اجتماع هذه العوامل معا دفع شركات تطوير الألعاب الصينية لحمل حقائبها والتوجه إلى الأسواق العالمية والاهتمام بها بشكل أكبر، وذلك عبر توسيع استثماراتها بها والاستحواذ على المزيد من الاستوديوهات الغربية الشهيرة مثل ”يوبي سوفت“ وإطلاق ألعابها خارج حدود الصين، ورغم أن بكين اتخذت من حماية أطفالها سببا لهذا التضييق، إلا أن السبب الحقيقي وراء هذه التضيقات هو دفع شركات الألعاب الصينية لتصدير ”مخدراتها الروحية“ إلى خارج البلاد مؤثرة في أطفال الدول المعادية لأيديولوجية الحزب “الشيوعي” الحاكم. 

العام الأسوأ على قطاع الألعاب في الصين 

قطاع الألعاب في الصين يمثل أحد أكبر القطاعات التقنية، التي تهتم بها الكثير من الشركات التقنية في المنطقة، إذ يقدر عدد اللاعبين في الصين بأكثر من 685 مليون لاعب وذلك يعني نصف سكان الدولة، وهو الذي جعل هذا القطاع يدرّ أرباحا تصل إلى 23.25 مليار دولار في عام 2022 رغم تضييق الخناق عليه. 

قد يهمك أيضا: سياسة “صفر كوفيد”.. مسمار آخر في نعش التقنية الصينية؟

الأرباح التي حققها قطاع الألعاب في عام 2022 لا تروي القصة كاملة، إذ وفق موقع “Statista“ للإحصائيات، فإن قطاع الألعاب شهد تراجعا في النمو عام 2022 مقارنة مع عام 2021، حيث انخفض نمو الأرباح الناتجة عن شبكات الألعاب الإلكترونية إلى 13.7 بالمئة مقارنة مع 26.4 بالمئة لعام 2021، وكذلك شهدت الألعاب الجماعية نموا وصل إلى 4.7 بالمئة مقارنة مع 11.9 بالمئة للعام الأسبق، وأما الإنخفاض الأكبر في النمو كان من نصيب سوق ألعاب الهواتف المحمولة التي سجلت انخفاضا في الأرباح بمقدار 6.5 بالمئة، أي أن نموها كان سلبيا. 

سوق ألعاب الهواتف المحمولة هو الأكبر عالميا وفي الصين كذلك، إذ وصلت أرباح ألعاب الهواتف المحمولة عالميا إلى 89.6 مليار دولار بنهاية عام 2021 شارك اللاعبون الصينين بأكثر من 34 مليار دولار بها، وهي المشاركة الأكبر عالميا، ورغم أن بيانات أرباح عام 2022 لم تصدر بعد، إلا أن التوقعات تتجه لأن يصل سوق ألعاب هواتف المحمولة هذا العام إلى 103 مليار دولار مسجلا نمو بمقدار 5.1 بالمئة، وذلك رغم النمو السلبي الذي سجله القطاع ذاته في الصين. 

أرباح قطاع ألعاب الهواتف المحمولة عالميا إلى جانب ألعاب الحاسوب المعتادة أغرت الشركات الصينية للاستثمار في شركات الألعاب الغربية، كما أن القيود التي وضعتها بكين على أعمال هذه الشركات ساهمت بشكل كبير في هذا التوجه، إذ ينتعش عالم ألعاب المحمول العالمي بينما يعاني مثيله في الصين من انخفاض تاريخي. 

لماذا الخوف من الألعاب الصينية؟ 

الألعاب الصينية ليست مثل بقية الألعاب التي تطورها الشركات العالمية، وذلك ليس لاختلاف اللغة أو توجهات الحزب “الشيوعي” الصيني فقط، بل بسبب اختلاف طريقة عمل اللعبة واعتمادها على فلسفة دفع الأموال من أجل الربح، وهو يجسد ثقافة سيئة عانى منها عالم الألعاب مؤخرا. 

قائمة الألعاب الأكثر ربحا لعام 2022 تضم ثلاثة ألعاب صينية بمجموع أرباح يتجاوز 4 مليار دولار أميركي وهي ألعاب “Honor Of Kings”و ”PUBG Mobile“ إلى جانب “Genshin Impact“ وذلك وفقا لتقرير موقع “AppMagic”. 

قد يهمك أيضًا: لماذا كثفت تينسينت استثماراتها في شركات الألعاب خارج الصين؟

اللعبتين الأكثر تحميلا و ربحا في قائمة عام 2022 تعودان إلى شركة واحدة وهي “Tencent” التي سجلت انخفاضا في أرباحها العام الماضي يصل إلى 3 بالمئة في آب/أغسطس الماضي وفق تقرير ”رويترز“ العالمية. 

لا يمكن لأي لاعب الاستمرار في تجربة الألعاب الصينية دون دفع الأموال بداخلها وشراء ”العملات الداخلية“ بها مهما كان مسمى هذه العملات، وبينما تعتمد الكثير من الألعاب الغربية على طرق مماثلة لبيع النقاط التجميلية في اللعبة، إلا أن الألعاب الصينية تُجبر اللاعب على شراء هذه النقاط من أجل الحصول على ترقيات تساعده في إكمال اللعبة، وفي حالة قرر المستخدم عدم شراء هذه النقاط، فإن اللعبة تعاقبه عبر جعله أضعف من منافسيه معطلة مسيرته في اللعبة. 

”ألعاب مقامرة مفترسة“ هكذا قرر لاعبو “Genshin Impact” وصف لعبتهم المفضلة بعد أن أنفقوا ما يصل إلى 90 ألف دولار بها وفق حديثهم مع موقع ”Kotaku”، إذ سجل الموقع حالات إنفاق في اللعبة تبدأ من 1000 دولار على الأقل وحتى 90 ألف دولار في الحالات القصوى. 

آلية الألعاب الصينية تعرف بإسم ”Gacha“ وبسبب إنتشار هذه الآلية وسط الألعاب الصينية، فإن محبي الألعاب و صحفييها ابتكروا فئة خاصة لتجمع هذه الألعاب معا، وتعمل هذه الآلية بكل بساطة مثل آلات الحظ في أماكن المقامرة، إذ تجبرك على شراء عملات تختلف قيمتها المالية من لعبة إلى الأخرى، وفي مقابل هذه ”العملة“ فإنك تستطيع تجربة حظك مع الآلة من أجل الحصول على مكافآت داخل اللعبة سواء كانت شخصيات جديدة أو ترقية لشخصياتك الحالية وفي الكثير من الأحيان مجرد قطع تجميلية. 

الألعاب تتيح لك تجربة هذه الآلات لأكثر من مرة مجانا على فواصل زمنية مختلفة، ولكن إذا كنت ترغب في الحصول على عدد أكبر من التجارب وفي فواصل زمنية أقل، فإنك يجب أن تدفع للعبة، وهي آلية تشبه كثيرا ألعاب القمار التي تجر اللاعبين إلى إدمانها وإنفاق أموالهم عليها دون ضمان فائدة حقيقية داخل اللعبة، إذ لا توجد طريقة لتتحكم في نتائج هذه الآلة أو حتى معرفة نوع المكافآت التي ستحصل عليها. 

الشركات المطورة لهذه الألعاب مثل ”NetEase“و “Tencent” حققت أرباحا عالية بسبب آلية العمل هذه، وذلك رغم كون ألعابها مجانية تماما للتحميل، لذلك تجد أن أرباح شركة ”tencent“ وصلت إلى 86 مليار دولار مع نهاية عام 2022 مع إجمالي أصول تجاوزت 250 مليار دولار وفق تقدير موقع ”فوربس“، وبالتالي من غير المتوقع تماما أن تغير الشركة سياستها المالية التي درت عليها مئات المليارات من الدولارات في الأعوام الماضية لأنها فقط انتقلت إلى قطاع الألعاب العالمية بدلا من المحلية بالصين. 

”Tencent“ وأمثالها من الشركات الصينية التي توجهت إلى القطاع العالمي واستحوذت على شركات عالمية لتطوير الألعاب ستفرض سيطرتها وسياستها في بناء ألعاب القمار على هذا القطاع، وبالتالي سنرى المزيد والمزيد من ألعاب “Gacha” المفترسة مستقبلا. 

استحواذات عملاقة 

”NetEase“ وهي الشركة الثانية في حجم الاستثمارات بعد ”Tencent“ أعلنت نيتها للاستثمار في شركات الألعاب الغربية، وذلك بداية مع شركة “SkyBox Labs” التي ساهمت في تطوير عدة عناوين ضخمة لمنصات الألعاب المنزلية مثل ”Halo Infinite“ إلى جانب لعبة ”ماين كرافت“ الشهيرة، وهي شركة كندية ذات صلات مع مختلف الشركات العملاقة في عالم الألعاب مثل ”مايكروسوفت“، كما أنها أطلقت عدة ألعاب للهواتف المحمولة سابقا. 

”يوبي سوفت“ الشركة المطورة لسلسلة ”Assassin’s Creed“ المحبوبة عالميا كانت أحد الأوجه التي وضعت “Tencent” أموالها فيها وزادت من حصتها مؤخرا، ونتج عن ذلك إعلان الشركة تركيزها على ألعاب الهواتف المحمولة بدلا من ألعاب المنصات الكبيرة، إلى جانب إلغاء عدة عناوين ومشاريع غير معلن عنها كانت الشركة تعمل عليها. 

اهتمام الشركات الصينية بالألعاب الغربية والشركات المطورة لها لن يقف عند هذا الحد، وسنرى خلال الشهور القادمة المزيد من الاستحواذات مع اختفاء وإيقاف تطوير المزيد من الألعاب التي كانت تضيف التنوع إلى قطاع الألعاب العالمي ليتحول هذا القطاع إلى ”آلة قمار كبيرة“ 

الخطر الحقيقي وراء هذا التوجه 

الشركات التقنية الصينية تعاني من وصمة عار ضخمة عندما يتعلق الأمر بحماية بيانات المستخدمين في التطبيقات التي لا تطلب منهم أموالا مثل ”تيك توك“ أو حتى في الأجهزة التقنية مثل أجهزة ”هواوي“، وذلك لأنها تخضع لسيطرة الحزب ”الشيوعي” الحاكم بشكل كامل ولا ترفض له طلبا، ولذلك ظهرت الكثير من التوجهات الدولية لحظر التطبيقات والمعدات الصينية، ويزداد الأمر خطورة عندما يتعلق بالحسابات البنكية أو البطاقات البنكية المختلفة التي تحتاجها لشراء العملات المختلفة داخل الألعاب الصينية، وهي الطريقة الوحيدة للاستمتاع بهذه الألعاب، لذلك تزداد مخاوف الخصوصية من هذه الألعاب. 

قد يهمك أيضا: لماذا اتجهت يوبي سوفت إلى ألعاب الجوالات؟

السياسة التي تتبعها الألعاب الصينية – وهي ألعاب موجهة لصغار السن- في غالبية الأحوال تشجع على العادات السلبية، وبينما استخدمت الشركات الغربية مثل “EA” سياسات مشابهة، إلا أنها سرعان ما تراجعت عنها بسبب خضوعها للقوانين الغربية التي تجبرها على تعديل هذه السياسات مباشرة. 

ولكن من سيُخضع الشركات الصينية لهذه القوانين؟ 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.