استمع إلى المقال

واقعيا، شكل انطلاق روبوت “ChatGPT” المعتمد على الذكاء الصنعي، طفرة كبيرة لهذا المجال، لكنه في ذات الوقت بات بمثابة خطر كبير على العديد من القطاعات، قد يدفع لزوال العاملين بها، فهل مهنة الصحافة ستتأثر جراء هذا الأمر، وما مستقبلها.

فعليا، يضع الذكاء الصنعي مهنة الصحافة والمؤسسات الإعلامية أمام تحديات مختلفة، ولذا فإنه لا خيار أمامها سوى التكيف مع التكنولوجيا مثلما تكيفت معها على مختلف الأزمنة سابقا، لكن هل التكيف وحده يكفي.

التكيف مع الذكاء الصنعي بل واستخدامه، بدأت به مؤسسات إعلامية متعددة منذ عدة سنوات، ومن أبرزها صحيفة “نيويورك تايمز”، التي نفذت في عام 2015، مشروعها التجريبي للذكاء الصنعي، المعروف باسم “المحرر”.

الصحيفة الأميركية، هدفت من خلال “المحرر” إلى تبسيط العملية الصحفية، إذ تعلّم برنامجها الذكي بمرور الوقت، التعرف على العلامات الدلالية، كما تعلم الأجزاء الأكثر أهمية من مقال ما، ناهيك عن أنه يُسهّل على صحفييها الوصول إلى المعلومات والحقائق المرتبطة بموضوعهم والموثقة ضمن أرشيف الصحيفة.

قد يهمك: أول مجلة في العالم من إنشاء الذكاء الصنعي.. ما قصتها؟ 

هل يكفي التكيف الحالي؟

“نيويورك تايمز” جربت أيضا الذكاء الصنعي لفلترة تعليقات القراء وتشجيع النقاش البناء، وحذف التعليقات المسيئة، في وقت كانت توظف في قسم التعليقات فريقا مكونا من 14 شخصا مسؤولين عن المراجعة اليدوية لأكثر من 11 ألف تعليق يوميا.

صحيفة “واشنطن بوست”، هي الأخرى جربت مشروع الأخبار الآلية، أو ما يُصطلح عليه بصحافة الروبوت، إذ تستخدم برنامجا ذكيا يدعى “هيليوغراف”، يقوم بجمع المعلومات ذات الصلة بموضوع ما، ويشكلها وفق قوالب سردية مخزنة لديه، ثم ينشرها على شكل لُقمات نصية سريعة. 

ذلك الأمر، حرّر مجموعة من صحفيي “واشنطن بوست” من متابعة بعض المواضيع البسيطة، مثل نتائج الأولمبياد والدوريات الرياضية، والتفرغ نحو إنتاج محتوى آخر أكثر تعقيدا.

وكالة “رويترز” هي الأخرى، اشتركت في عام 2016 مع شركة “غرافيك” للتكنولوجيا البيانية، لتزويد الناشرين الإخباريين بمجموعة واسعة من الصور والبيانات التفاعلية حول مجموعة متنوعة من الموضوعات، بما في ذلك الترفيه والرياضة والأخبار.

الجديد في الخدمة التي اشتركت بها “رويترز”، أنها استخدمت خوارزميات ذكية، تستطيع بنفسها التعامل مع البيانات المتصلة، وتحويلها تلقائيا إلى أشكال بصرية بيانية تقدمها للقراء.

لكن مع كل ذلك التكيف، قال تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية، إن الذكاء الصنعي يهدد اليوم وظائف الصحفيين، “إذ بات البقاء للمؤسسات التي تتمكن من إنتاج المحتوى الفريد والخاص، والذي لا تتمكن أدوات الذكاء الصنعي مثل ChatGPT على تجميعها”.

قد يهمك: هل يعيد الذكاء الصنعي أمجاد “مايكروسوفت” ويمنحها التفوق على “جوجل” مجددا؟ 

الذكاء الصنعي والصحافة المستقلة

“الغارديان” نقلت عن الرئيس التنفيذي لمجموعة ألمانيا للإعلام والنشر، ماتياس دويبفنر، قوله إن “الصحفيين معرضون لخطر استبدالهم بأنظمة ذكاء صنعي مثل ChatGPT وغيره”.

دويبفنر أفصح عن ذلك ضمن إطار خطته لزيادة إيرادات في صحيفة “بيلد” الألمانية وتحويلها نحو الإعلام الرقمي البحت، مشيرا إلى أن تخفيضات الوظائف لا تزال قائمة، جراء تطور الذكاء الصنعي ودعمه في إنتاج المواد الصحفية.

في الإعلام المرئي، كانت كوريا الجنوبية أطلقت أول مذيعة أخبار افتراضية على قناة “MBN” تعمل بتقنية الذكاء الصنعي، لتشارك المذيعة الحقيقية كيم جو ها، تقديم نشرة الأخبار وتبادلها الحديث.

المذيعتان ظهرتا كما لو أنهما توأم متماثل، فلم يقتصر التشابه بينهما على طبقات الصوت ومخارج الحروف فقط، بل تعداه إلى لغة الجسد والإيماءات والحركات، ومع أن المشاهدين كانوا يعرفون مسبقا أن إحداهن افتراضية لكنهم عجزوا عن التمييز وتحديد من هي.

العجز عن تحديد من هي الافتراضية ومن هي المذيعة الحقيقية، استمر حتى نهاية النشرة حين قالت المذيعة الافتراضية: أنا كيم جو ها الافتراضية، وأشكر زميلتي كيم جو ها الحقيقية على مشاركتي في تقديم النشرة.

دويبفنر اعتبر في رسالة داخلية إلى الموظفين، أن الذكاء الصنعي يدفع الصحافة المستقلة لتكون أفضل مما كانت، أو ببساطة سيستبدلها، مردفا أن أدوات الذكاء الصنعي، مثل “ChatGPT”، تعد ثورة في ميدان المعلومات، وستكون قريبا أفضل في تجميع المعلومات من الصحفيين البشر.

قد يهمك: الذكاء الصنعي يكتب لـ “إكسڤار” عن رؤيته لمستقبل علاقته مع البشر 

تهديد حقيقي للصحفيين؟

التكيف المستقبلي بحسب تقرير “الغارديان”، سيكون ضروريا لاستمرارية المؤسسات الصحفية في المستقبل؛ لأن المؤسسات التي ستتميز بالقدرة على إنشاء محتواها الأصلي الذي لا يتمكن الذكاء الصنعي من تجميعه ستبقى على قيد الحياة، على حد ما ورد في الصحيفة.

التقرير نقل عن دويبفنر قوله، إنه “يجب التركيز على الصحافة الاستقصائية والحديث الحصري، وتتبع الدوافع الحقيقية وراء الأحداث. هذه الأمور هي التي ستظل مهمة الصحفيين”، على حد تعبيره.

دراسة لوكالة “أسوشيتد برس” قبل 5 أعوام، تنبأت أنه في المستقبل وخلال 10 أعوام، أي حنى عام 2028، سيكون بمقدور الذكاء الصنعي أن يفعل أكثر بكثير من إعداد تقارير إخبارية مباشرة، إذ سيحلل البيانات، فضلا عن تحديد الأنماط والاتجاهات من مصادر متعددة، ورؤية الأشياء التي لا يمكن للعين المجردة رؤيتها، وهو ما بدأنا نراه اليوم فعليا.

ما يمكن قوله، إن ثورة تطور الذكاء الصنعي بعد انتشار تطبيق “ChatGPT” الذي يتيح للأشخاص كتابة الأسئلة وتلقي الإجابات على مجموعة كبيرة من الموضوعات لم تتوقف البتة، وما يدلل على ذلك خطوة الملياردير الأميركي، إيلون ماسك مؤخرا.

ماسك المالك الجديد لمنصة “تويتر” الشهيرة، تواصل مع باحثين في الذكاء الصنعي بهدف تأسيس مختبر أبحاث جديد لتطوير منافس لتطبيق “ChatGPT” التابع لشركة “أوبن إيه آي” التي كان ماسك أحد مؤسسيها، وفق موقع “ذي إنفورميشن”.

أخيرا، من الواضح أن الذكاء الصنعي ضمن وسيضمن أمكنة متعددة في مجال الصحافة، وأبرزها غرف الأخبار، وهذا سيوفر الكثير من الوقت والمال، لكن الجانب الأخطر منه أنه تهديد حقيقي للصحفيين، إذ يمكن أن يفقد الكثير من الصحفيين عملهم في مهنة الصحافة.

قد يهمك: نمو قياسي لروبوت “ChatGPT”.. ما مستقبل الذكاء الصنعي؟  

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.