استمع إلى المقال

جدل يرافقه قلق كبير يشغل سوق العمل في كل أنحاء العالم، يتمحور حول إمكانية استيلاء الذكاء الصنعي على قطاع الأعمال، خاصة بعد إطلاق روبوت “ChatGPT”، فهل بات الذكاء الصنعي يهدد العاملون بفقدان وظائفهم.

مجلة “فوربس” الأميركية حاولت الإجابة عن هذا السؤال، وخلصت في تقرير لها، إلى أن ثمة 5 وظائف في العالم سيداهمها الذكاء الصنعي خلال العقد المقبل، وقد يجد العاملون بها أنفسهم بلا وظائف ويتحولون إلى صفوف العاطلين عن العمل.

التقرير قال، إن الذكاء الصنعي حقق نجاحا كبيرا في العديد من المجالات، إذ تروّج الشركات الناشئة للقدرة على توظيفه في كل صناعة يمكن تخيلها تقريبا، كما أنه أصبح موجودا في كل مكان الآن تقريبا، بعد أن كانت شعبيته وأهميته تتزايد ببطء في السابق، لكنه بدأ يشهد انتشارا واسعا مؤخرا.

بحسب المجلة، فإن “استخدام الذكاء الصنعي ينمو طوال الوقت عبر جميع قطاعات الاقتصاد المختلفة، ومن المحتمل أن ينتهي هذا باختفاء العديد من الوظائف”، مستعرضة الوظائف الخمس التي يمكن أن تختفي خلال 10 سنوات، ويحل بدلا منها الذكاء الصنعي والآلات،

إطلاق “ChatGPT” في أواخر العام الماضي، أثار مخاوف واسعة النطاق بشأن تأثير الذكاء الصنعي على سوق العمل، وهنا قالت صحيفة “ديلى ميل” البريطانية، إن “مايكروسوفت” استثمرت 10 مليارات دولار في الروبوت الذكي، مستطردة أن التكنولوجيا ستغير كيفية تفاعل الناس مع أجهزة الكمبيوتر. 

قد يهمك: هل بات الذكاء الصنعي يهدد مجال التعليم؟ 

استبدال البشر بالروبوتات؟

خبير الذكاء الصنعي ريتشارد ديفير، وهو رئيس الهندسة الاجتماعية في “Ultima”، قال: “أعتقد أن ChatGPT يمكن أن يحل محل 20 بالمئة من القوى العاملة كما هي”، مردفا أن “ChatGPT ليس بدعة، إنه ثورة تكنولوجية جديدة. الروبوتات ليست بالضرورة قادمة من أجل وظائفك، لكن الإنسان الذي يمتلك روبوتا سيفي بالغرض”. 

بحسب ديفير، فإن العملية لن تكون بين عشية وضحاها، إذ “سيتم استبدال البشر تلقائيا بالروبوتات، وستكون الموجة الأولى من الأشخاص الأقل خبرة الذين يستخدمون أدوات الذكاء الصنعي للمساعدة في مهامهم اليومية”. 

ما يجدر ذكره، أن منظمة “DoNotPay” تستخدم تقنية “ChatGPT” للدفاع عن الأشخاص في المحكمة ضد غرامات السرعة، وفي المملكة المتحدة، تمكن الروبوت من تأمين مكان في قائمة مختصرة لمقابلة عمل من خلال إكمال مهمة كتابية. 

بالعودة إلى تقرير مجلة “فوريس”، فإنه في مقدمة الوظائف الخمس التي يهددها الذكاء الصنعي، هي وظيفة “عامل المصنع”، فقد حدث هذا بالفعل منذ بعض الوقت، فاستخدام الروبوتات في قطاع التصنيع له تاريخ أطول بكثير مما قد يمكن تتخيله.

في هذا الإطار، فإن شركة “جنرال موتورز” هي أول شركة مصنعة كبرى تدخل الروبوتات في خط التجميع الخاص بها، إذ قامت بتثبيت آلة (UNIMATE) في مصنع نيوجيرسي في العام 1962، والأمور تقدمت منذ ذلك الحين، حيث توجد حاليا العديد من الشركات المصنعة التي تضم مصانعها مئات الروبوتات، بعضها مؤتمت بالكامل.

الوظيفة الثانية التي يمكن أن تختفي، هي “السُعاة”، إذ كانت شركة “أمازون” العملاقة حريصة على دفع عمليات التغليف والنقل الداخلي نحو الأتمتة، واستخدمت الروبوتات والذكاء الصنعي على نطاق واسع، ويعتبر تسليم الطرود أحد قطاعات الاقتصاد التي ازدهرت تماشيا مع الزيادة المستمرة في البيع بالتجزئة عبر الإنترنت، إلا أنها تتجه حالياً نحو الأتمتة.

ثالث الوظائف المهددة بالتبخر بحسب “فوربس”، هي “محلل استثمار”، حيث يتم استخدام قدر هائل من القوة العاملة في الصناعة المالية لجمع البيانات وتصنيفها وتحليلها، وهذا ليس فقط مملا ويستغرق وقتا طويلا، ولكن هناك حدود لمقدار المعلومات التي يمكن للإنسان معالجتها.

قد يهمك: صراع الفنانين والذكاء الصنعي.. من المحق؟ 

شركات التكنولوجيا والذكاء الصنعي

“دائما هناك احتمال لحدوث أخطاء، ولهذا السبب فإن العالم يتجه لاستبدال هذا النوع من الوظائف بالتطبيقات المحوسبة التي تعتمد على تكنولوجيا الذكاء الصنعي”، وفق تقرير المجلة الأميركية.

أما الوظيفة الرابعة في هذا المجال، فهي “خدمة الزبائن”، إذ حتى الآن يتم استخدام روبوتات المحادثة على نطاق واسع في مجال خدمة الزبائن، حيث تقدم معظم مواقع الإنترنت نافذة منبثقة ودية في الزاوية اليمنى السفلية تسأل عما إذا كنا بحاجة إلى بعض المساعدة، وفي كثير من الحالات تعمل بشكل جيد للغاية.

“فوربس” تقول، إنه بالنسبة للطلبات البسيطة أثبتت هذه الروبوتات بالفعل أنها ناجحة جدا في حل مشكلات العملاء بسرعة، وستظل الاستعلامات الأكثر تعقيدا تنتهي حتما بإعادة التوجيه إلى شخص حقيقي.

الوظيفة الخامسة المهددة بالاختفاء خلال العقد المقبل، هي “حراس الأمن”، حيث سيظل الأمن دائما مهما، وستستمر العديد من المنازل والشركات في الرغبة بالحماية لضمان سلامتها، إلا أنه مع ذلك من المحتمل أن نرى استبدال المزيد من أدوار أفراد الأمن التقليديين بالذكاء الصنعي.

ما يعزز ذلك، أن التكنولوجيا مثل التعرف على الوجه والتعرف على الأنماط البشرية للذكاء الصنعي، تسمح بتتبع التهديدات المحتملة وحتى التنبؤ بحركتها، ويمكن بعد ذلك استخدام هذه المعلومات لتشغيل أجهزة الحماية الآلية وتنبيه الحراس البشريين أو الشرطة.

من جهة أخرى، ذكرت مجلة “إيكونوميست”، بأن شركات التكنولوجيا تمثل بحد ذاتها أول قطاع اعتمد الذكاء الصنعي، إذ منذ مطلع القرن الحالي، قدمت تقنيات تعلم الآلات مساعدة إلى “جوجل” في تعزيز النشاط الإعلاني عبر الإنترنت. 

على نحوٍ مماثل، بات ذكاء الآلات يقدم يد المساعدة اليوم لمستخدمي الموقع في الحصول على نتائج بحث محسنة، واستكمال الجمل التي يكتبونها في رسائلهم الإلكترونية عبر تطبيق “جي ميل” التابع لمحرك البحث “جوجل”. 

قد يهمك: الذكاء الصنعي يكتب لـ “إكسڤار” عن رؤيته لمستقبل علاقته مع البشر

انتشار شركات الذكاء الصنعي

استطلاع أجرته مؤسسة “ماكينزي” الاستشارية، بيّن أن 50 بالمئة من الشركات حول العالم جربت العام الماضي تطبيقات تخص الذكاء الصنعي بطريقة أو بأخرى، مقارنة بـ 20 بالمئة عام 2017. ونسبت ذلك إلى انتقال سريع للنماذج التأسيسية في الذكاء الصنعي من المختبرات إلى العالم الفعلي.

خلال الخريف الماضي، بدأت “جون دير”، وهي شركة أميركية مصنعة للجرارات، بشحن جرارات ذاتية القيادة إلى عملائها من المزارعين، وزودت كل جرار بعدد 6 كاميرات تستخدم الذكاء الصنعي في التعرف على العقبات وتجاوزها، بحسب “إيكونوميست”. 

وفق جوليان سانشيز، رئيس الوحدة التكنولوجية المؤسَّسة حديثا في شركة “جون دير”، تزود الأخيرة المزارعين بآلات تتعرف على الأعشاب الضارة من بين المحاصيل وترشها بمبيدات، إلى جانب حصّادات تقلل كمية الهدر في المحاصيل التي تجمعها. 

هنا لا بد من الإشارة، إلى أن الذكاء الصنعي يدير سلاسل الإمداد لدى “أمازون” ويأمر الروبوتات في مخازن الشركة ويفرز طلبات التوظيف لديها، كما تستند “سيري”، أداة المساعدة الرقمية لدى “أبل”، إلى الذكاء الصنعي الذي يعزز أيضا المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي التي تملكها “ميتا”. 

ضمن الصورة نفسها، يستطيع تطبيق “تيمز” التابع لـ “مايكروسوفت” حجب الضجيج في الخلفية الصوتية أثناء نقل وقائع المؤتمرات عبر الفيديو، ناهيك عن أن مستخدمي تطبيق “باور بوينت” الذي تصدره “مايكروسوفت”، يسهل عليهم صنع مسودات لعروضهم التقديمية، بفضل الذكاء الصنعي في ذلك التطبيق.

ما يلفت النظر، أنه بين كانون الثاني/يناير وتشرين الأول/أكتوبر 2022، نشأت 28 شركة في مجال الذكاء الصنعي، تبلغ قيمة كل منها مليار دولار على الأقل، ويُزعم إن شركة “مايكروسوفت” تدرس زيادة حصتها في شركة “Openai” المصنعة لروبوت “ChatGPT”، في حين تعتزم “ألفابت” ضخ 200 مليون دولار في “كوهير” المنافسة لـ “Openai”. 

من كل ما سبق، يتبين أن الذكاء الصنعي قد لا يهدد بشكل فعلي قطاع الأعمال في الوقت الراهن أو على المدى القصير جدا، لكنه بالتأكيد سيكون تهديدا حقيقيا وفعليا للموظفين ولسوق العمل بدءا من العقد المقبل وصعودا. 

قد يهمك: كيف يدعم الذكاء الصنعي العمليات التجميلية؟  

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.