استمع إلى المقال

عصر تكنولوجي متقدم إلى حد كبير يعيشه العالم في الوقت الراهن، حيث يتم تطوير تقنيات الذكاء الصنعي بمعدل متسارع، وهذا ما نشهده ونتابعه بشكل يومي على صفحات الأخبار من تسارع للشركات والتطبيقات لدمج هذه التقنية في منتجاتهم، مما يسفر عن تغييرات كبيرة في حياتنا اليومية، ومن بين التأثيرات الأكثر شيوعا للذكاء الصنعي، هو القلق والخوف من هذه التقنية الجديدة.

البعض يشعر بالقلق والخوف من الذكاء الصنعي؛ بسبب الرؤية التي نشرتها الروايات والقصص وحتى أفلام الخيال العلمي، ولكن هناك أيضا مخاوف حقيقية ومشروعة تتعلق بالتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية لتلك التقنية.

بعيدا عن الجزئية المتعلقة بالخوف من استحواذ الذكاء الصنعي على العديد من الوظائف في المستقبل، يجدر التساؤل عن الأمور التي تدعو إلى القلق والخوف من الذكاء الصنعي وأسبابه، وهل هي مجرد روايات ومفاهيم خاطئة، سنوضح فيما يلي حقيقة التأثيرات الكامنة حول غزو الذكاء الصنعي لحياتنا.

قد يهمك: أنشأت “ChatGPT” وبدايتها من “تسلا”.. من هي ميرا موراتي؟

وعود كاذبة

في عام 2019، أطلقت مجموعة بحثية تدعى “OpenAI” تطبيقا يتميز بقدرته على كتابة فقرات من النصوص المترابطة، وتحليل الأفكار الأولية والمعلومات بدون تعليمات مسبقة، في البداية، قررت المجموعة عدم توفير هذا الاختراع الذي يُعرف باسم “GPT-2” للعامة، خشية من الاستخدامات السيئة لهذه التقنية، مثل إنتاج كميات هائلة من المعلومات المضللة والإعلانات الكاذبة.

المجموعة وصفت هذا التطبيق بأنه “خطير للغاية”، وذلك خلال المؤتمر الصحفي الذي أعلنت فيه عن قرارها، ولكن بعد مرور ثلاث سنوات فقط، تقدمت قدرات الذكاء الصنعي بمعدل سريع جدا وبشكل ملحوظ.

لدى المقارنة مع النسخة السابقة المحدودة كما أدعو، كان برنامج GPT-3 متاحا للجميع في نوفمبر/ تشرين الثاني، وهو ما أدى إلى إطلاق العديد من المقالات والمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام خدمة الدردشة المشتقة منه “ChatGPT”، حيث قام المحررون والخبراء بتقييم قدراته، وحصلت النتائج على إعجابهم.

منذ بضعة أيام فقط، كشفت شركة “OpenAI” عن إصدارها الأحدث “GPT-4″، الذي يتميز بقيود صارمة على الاستخدامات المسيئة، وقد انضمت بعض الشركات الكبرى إلى استخدامه مثل “مايكروسوفت” كأوائل العملاء من خلال دردشة “Bing”.

الذكاء الصنعي

مخاوف صناع القرار

سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة “OpenAI”، صرح في مقابلة حصرية مع قناة “ABC News” الإخبارية، بأن تقنية الذكاء الصنعي التي تم تطويرها في “ChatGPT” ستغير المجتمع كما نعرفه، وأشار إلى أن هذا يترتب عليه مخاطر حقيقية، ولكنه أيضا يعتقد أن هذه التقنية يمكن أن تكون “أعظم تقنية طورتها البشرية حتى الآن”، إذا استخدمت بشكل صحيح، لتحسين حياتنا بشكل كبير.

ألتمان أكد على أهمية تشارك المنظمينَ والمجتمع في طرح “ChatGPT”، وأن التعليقات ستساعد على التصدي للعواقب السلبية المحتملة للتكنولوجيا على البشرية، وأشار إلى أنه يحافظ على “اتصال منتظم” مع المسؤولين الحكوميين، ويأتي هذا التصريح بعد طرح “GPT-4″، النموذج الأحدث للغة الذكاء الصنعي التي تم تطويرها في شركة “OpenAI”.

رغم أن “GPT-4” ليس مثاليا بحسب ألتمان، إلا أنه حقق نسبة نجاح وصلت إلى 90 بالمئة في امتحان نقابة المحامين الموحدة، وسجل أيضا درجة شبه مثالية في اختبار الرياضيات “SAT”، كما بإمكانه الآن كتابة أكواد برمجية بكفاءة في معظم لغات البرمجة.

“GPT-4” يمثل خطوة واحدة نحو هدف “OpenAI” في بناء الذكاء الصنعي العام في نهاية المطاف، وتهدف هذه الخطوة إلى تجاوز عتبة الذكاء الصنعي القوي الذي يمكن وصفها بأنها أنظمة ذكاء صنعي أذكى بشكل عام من البشر.

رغم الاحتفال بنجاح المنتج، أكد ألتمان على شعوره بالقلق إزاء التطبيقات الخطيرة المحتملة للذكاء الصنعي، الأمر الذي يجعله يبقى مستيقظا في الليل، وأضاف ألتمان قائلا “أنا قلق على نحو خاص من إمكانية استخدام هذه النماذج في التضليل على نطاق واسع، ويمكن استخدامها في الهجمات الإلكترونية الهجومية عبر كتابة الأكواد البرمجية الخبيثة”.

أحد أكثر المواضيع إثارة للاهتمام حول إمكانيات وفوائد برامج الذكاء الصنعي، كانت خلال مؤتمر “South by Southwest Interactive Conference” المنعقد في أوستن بتكساس، والذي جمع بين صانعي السياسات التقنية والمستثمرين والمديرين التنفيذيين، في الفترة الممتدة من 10 إلى 19 آذار/مارس الحالي.

في هذا السياق، صرحت آراتي بارباكار، كبيرة مستشاري الرئيس بايدن، للعلوم والتكنولوجيا، بأنها متحمسة لقدرات الذكاء الصنعي، لكنها تشعر ببعض القلق أيضا، وأضافت في حديثها أمام جمهور المؤتمر، “ما نشاهده جميعا هو ظهور تلك التكنولوجيا المتطورة بقوة شديدة، وهي نقطة فاصلة، فالتاريخ يشير إلى أن هذه الأنواع من التقنيات القوية الجديدة يمكن استخدامها للخير والشر على حد سواء”.

لماذا نحن خائفون؟

هناك العديد من الأسباب التي تجعلنا نخشى الذكاء الصنعي ومنها.

أفعال غير أخلاقية

في عام 2014، صرح عالم الكونيات لقناة “بي بي سي نيوز” بأنه في المستقبل، يمكن أن يؤدي تطوير هذه التقنية الكامل إلى نهاية الجنس البشري، هذه الفكرة الغريبة ليست بالمستبعدة، إذ يمكن للتكنولوجيا في يد الأشرار أن تُستخدم لأغراض شريرة، وكلما تطورت الحوسبة، زادت خطورة تلك الأفعال غير الأخلاقية، وكذلك المخاطر المحتملة التي يمكن أن تتسبب بها تلك التهديدات المستقبلية، إذا كان الذكاء الصنعي سيسيطر عليه الأشرار، فإن النتائج قد تكون كارثية.

الخوف من المجهول

تميل غرائزنا الحمائية إلى النظر لأي شيء جديد من منظور سلبي واعتباره تهديد، وتتغير وجهة نظرنا فقط عند إثبات عدم تهديد هذا الشيء.

الخوف من المجهول شعور مرافق للبشرية منذ الأزل، وهذا الشعور يزداد الآن مع تزايد تطور هذه التقنية ومجالاته. الذكاء الصنعي هو مفهوم معقد جدًا، ورغم وجود كمية هائلة من الأبحاث التي تحاول تبسيط هذه التقنية، لا فائدة منها إذا كانت حتى الآن لا تعرف كيفية تفسيره أو تبسيطه للجمهور.

ربما يكون الخوف الأكثر شيوعًا بشأن الذكاء الصنعي، هو أن يثور في يومٍ من الأيام أجهزة الكمبيوتر والروبوتات في جميع أنحاء العالم على البشر وتتفوق عليهم.

دون تدخل البشر

أندي هوبسباوم، رئيس مجلس إدارة “Loops“، يقول إنه “قبل ثلاثين عاما، قال المؤرخ الأسترالي بيتر كوكرين إنه لا يهم إذا ساعدت الحواسيب طائراتنا بالهبوط بأمان، ولكن يشعر الناس بالقلق عندما يهزمون في لعبة الشطرنج، يتم تتضخم هذه المخاوف بشكل كبير من الذكاء الصنعي اليوم، حيث تصبح الآلات أكثر ذكاء على نحو ظاهر، وتبدأ في تطبيق ذكائها بشكل متزايد مثل البشر”.

هل يصل الذكاء الصنعي إلى المرحلة التي لا يحتاج فيها إلى تدخل بشري لتطوير نفسه وتحسين أدائه، هذا ما لا يزال غير معروف، ورغم أن الذكاء العام الصنعي لا يزال حاليا مفهوما نوعا ما، فإن هذا الأمر يثير بعض الأسئلة المحيّرة التي يصعب الإجابة عليها، مثل كيفية قياس الذكاء، وهل يمكن للبشر أن يجدوا أنفسهم متخلفين عن الحواسيب وغير قادرين على مواكبة التقدم السريع.

المعلومات المضللة

تطوير “GPT-4” تم بتحسينات هائلة عن الإصدارات السابقة، مما يتيح له القدرة على فهم الصور واستخدامها كمدخل، وتظهر العروض التوضيحية لهذا النموذج القدرة على وصف محتويات ثلاجة شخص ما وحل الألغاز.

ولكن تجدر الإشارة إلى أن هناك مشكلة دائمة مع نماذج الذكاء الصنعي المعتمدة على اللغة، مثل “ChatGPT”، وهي تقديم معلومات خاطئة للمستخدمين والتي يمكن أن تكون غير دقيقة من الناحية الواقعية، وهي ما تُعرف باسم الهلوسة، حيث يتم تقديم المعلومات بثقة عالية وهي فعليا حقائق مختلقة بالكامل وغير صحيحة.

هذا النموذج يعاني جزئيا من هذه المشكلة؛ لأنه يستخدم التفكير الاستنتاجي عوضا عن الحفظ، وفي حديثها لقناة “ABC News” الإخبارية، صرحت ميرا موراتي، كبيرة مسؤولي التكنولوجيا في “OpenAI”، بأن “أحد أكبر الاختلافات التي رأيناها في التحديث من GPT-3.5 إلى GPT-4 هو القدرة الناشئة على التفكير بشكل أفضل”.

وأضافت موراتي قائلة، “كان الهدف هو التنبؤ بالكلمة التالية، ومع ذلك، نرى أن هناك فهما للغة”.

قد يهمك: ما جديد “GPT-4” عن “ChatGPT”؟

الذكاء الصنعي

المستقبل للذكاء الصنعي

هناك العديد من البحوث والتقارير المتعلقة بتقنية الذكاء الصنعي، التي تثبت بأن مستقبل هذه التقنية يبدو واعدا ومشرقا، وذلك رغم كل المخاوف التي تحوم حوله، وتطرحها بعض الأطراف المهتمة بالموضوع.

الذكاء الصنعي يمثل تقنية حديثة ومتطورة تساهم في تحسين الكثير من جوانب حياتنا، سواء في المجالات الطبية أو التجارية أو الصناعية أو غيرها، حيث يمكنها أن تساعد على تحسين الإنتاجية والجودة وتقليل التكاليف والوقت المستغرق في العديد من العمليات.

علاوة على ذلك، يمكن للذكاء الصنعي أن يساهم في حل العديد من المشاكل البيئية والاقتصادية التي نواجهها، مما يجعلها تقنية ذات أهمية كبيرة ولا غنى عنها في المستقبل.

لذلك، هناك الكثير من المساعي المهتمة بتطوير هذه التقنية بما يتوافق مع القيم الأخلاقية والمبادئ القانونية، وتطوير التدابير اللازمة لتعزيز الشفافية والمساءلة والتحكم في استخدامه، وتوفير فرص العمل الجديدة التي تتيح للبشر العمل جنبا إلى جنب مع هذه التقنية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.