لماذا تسعى الحكومات إلى التأثير على مؤثّري مواقع التّواصل؟ ‏

لماذا تسعى الحكومات إلى التأثير على مؤثّري مواقع التّواصل؟ ‏
استمع إلى المقال

أفاد تقريرٌ جديد بأن الصّين جنّدت جيشًا من المؤثّرين الغربيين الذين يتابعهم مئات الآلاف على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل: تيك توك، وإنستاجرام، وتويتش، وذلك بهدف نشر صورة إيجابية عنها خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي تنطلق الشهر المقبل.

وذكر تقرير نشرته صحيفة الجارديان البريطانية قبل أيام أن الحكومة الصينية عيّنت متخصّصين غربيين في العلاقات العامة لتلميع صورتها على مواقع التواصل، وذلك لمواجهة رد الفعل الدّولي العنيف ضد انعقاد دورة الألعاب في بكين وسط موجة من المقاطعات الدبلوماسية.

ولكن ما السّبب الذي يجعل دولة بحجم الصين تعتمد على أشخاصاً لا يميّزهم إلّا أن هناك أُناسَاً يتابعونهم على مواقع التواصل الاجتماعي؟ وهل الصين هي الدولة الوحيدة التي تؤثّر على المؤثّرين، أم أن هذا الأمر أصبح شائعاً في هذا العصر؟

تاريخ التّأثير

ولنفهمَ الأمر جيداً، دعونا نعود بالتاريخ كثيرًا هذه المَرّة، إذ إن الملوك والسلاطين منذ قديم الزمان اعتمدوا على فئة من المجتمع يمكنها التأثير على عامة الناس، وكان هذا أسلوب الملوك الذين يريدون سياسة الناس بعيدًا عن فرض آرائهم بقوة السلاح، فيطلبون من وسائل الإعلام – التي اختلفت على مر العصور – إيصال رسائلهم إلى الناس. فكانوا يعتمدون في ذلك على الشعراء، والسّحَرة، ورجال الدين وغيرهم.

وفي العصر الحديث وخاصةً في القرن العشرين، بدأت الدول تستخدم “القوة الناعمة” في التأثير على شعوبها والشعوب الأخرى.

القوّة النّاعمة

ومصطلح “القوة الناعمة” هو مصطلح صاغه (جوزيف ناي) في ثمانينيات القرن الماضي، وهو يصف قدرةَ بلدٍ ما على إقناع أو إكراه الآخرين دون استخدام القوة. وأظهرت دول، مثل: الولايات المتحدة، واليابان، وكوريا الجنوبية نجاحًا هائلًا على مدى العقود العديدة الماضية في تعزيز قوّتها الناعمة من خلال الثقافة الشعبية في استخدام الأفلام، والفن، والموسيقى.

وأثبتت إستراتيجية تعزيز القوة الناعمة في هذه البلدان نجاحها في تحسين صورتها في جميع أنحاء العالم، والتي تجلّت في الانتشار العالمي لوسائل الإعلام التلفازية، مثل الأفلام من الولايات المتحدة، والرسوم المتحركة من اليابان، وموسيقى البوب من كوريا الجنوبية. وقد عمِلت المنصّات الاجتماعية الرّقمية، مثل: تويتر، وإنستاجرام على تضخيم هذا الانتشار بدرجة كبيرة.

وبعد عقود من هيمنة وسائل الإعلام التقليدية، مثل: التلفاز، والصحف، والمجلات، ظهرت خلال العقد الماضي وسائل التواصل الاجتماعي، التي غيّرت قواعد اللعبة، فبعد أن كانت الحكومات تسيطر على وسائل الإعلام التقليدية، التي لم يكن للناس مفر من متابعتها ومشاهدتها، جاءت وسائل التواصل الاجتماعي لتُصبح مَنبراً لمن لا مَنبر له، وتتيح للجميع على حد سواء إمكانية الانتشار والتأثير.

والمقصود بالتأثير هنا، هو قدرة بعض الشخصيات على مواقع التواصل الاجتماعي إقناع متابعيهم، الذين قد يصل عددهم في بعض الحالات إلى عشرات الملايين؛ سواءً بشراء سلعة معينة، أو توجّه سياسي، أو غير ذلك.

ظهور المؤثّرين على السّاحة

ومع عزوف الناس عن وسائل الإعلام التقليدية التي كانت تلجأ إليها الشركات للترويج لمنتجاتها، والتوجّه إلى وسائل الإعلام الجديدة، أصبحت تلك المنصّات مصدرَ دخلٍ جديد للكثير من المؤثّرين الذين تستأجرهم الشركات للترويج لمنتجاتها.

وبعد أن أدركت الحكومات أيضًا أن القوة الناعمة لم تعُدْ تقتصر على وسائل الإعلام التقليدية، أصبحت هي الأخرى تستأجر المؤثرين للترويج لها سياسيًا، أو سياحيًا، أو حتى لتلميع صورتها في الداخل والخارج.

وأظهرت دراسة نُشرت مطلع عام 2020 أن بعض الدول أصبحت تستأجر المؤثرين من أجل جذب السياح الآخرين وتشكيل التّصورات عن الوجهات السياحية، وهو ما ينطبق على ما ذكرناه في البداية عن استئجار الصين للمؤثرين للترويج لها.

الصين تؤثّر على المؤثّرين

ففي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وبينما كان (جو بايدن) يفكر في مقاطعة الصين دبلوماسيًا، وقّع (فيبيندر جاسوال)، وهو مساهم في مجلة (نيوزويك) Newsweek الأمريكية الشهيرة، ومدير سابق في شبكة (فوكس نيوز) Fox News، ومصرف (إتش إس بي سي) HSBC، عقدًا بقيمة 300,000 دولار أمريكي مع القنصلية العامة للصين في نيويورك “لوضع إستراتيجية وتنفيذ” حملة مع المؤثّرين في الولايات المتحدة للترويج لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين.

ويضع العقد، الذي سُجِّل لدى وزارة العدل الأمريكية، إستراتيجية مفصّلة للعلاقات العامة. ووفقًا للاتفاقية، فإنه خلال المدة بين 22 تشرين الثاني/ نوفمبر، و 13 آذار/ مارس عند انتهاء دورة الألعاب الأولمبية الشتوية للمعاقين، سيُطلب من كل مؤثر إنتاج 3 إلى 5 “مُخرجات”، أي محتوى مُصمم ليلائم الجمهور المستهدف.

وينص العقد على أن 70% من المحتوى سيكون مرتبطًا بالثقافة، ومن ذلك: تاريخ بكين، والآثار الثقافية، وحياة الناس الحديثة، والاتجاهات الجديدة في الصين؛ في حين سيسلّط 20% من المحتوى الضوء على “التعاون وأي شيء جيد في العلاقات الصينية الأمريكية”.

وفي الشهر الماضي، أعلن بايدن أن إدارته ستجري مقاطعة دبلوماسية لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية، وذلك لإظهار الخلاف القائم بسبب تعامل الحكومة الصينية للأقلية المسلمة من الأويغور في إقليم شينجيانغ. ومنذئذ، انضم العديد من حلفاء الولايات المتحدة، منهم: المملكة المتحدة، وأستراليا، إلى الدعوات بعدم إرسال مسؤولين حكوميين إلى الصين.

وبالحديث عن تعامل الصين مع أقلية الأويغور، فقد كشف تقرير سابق لصحيفة نيويورك تايمز بأن الصين جنّدت العديد من مؤثّري مواقع التواصل لتحسين صورتها، حيث سمحت لأولئك المؤثرين بدخول إقليم شينجيانغ، ونشر الرسالة التي تريدها بكين، وتُنافي ما يعرفه العالم عن تعاملِها مع مسلمي الأويغور.

وليس الأمر مقتصرًا على الصين، إذ إن هناك العديد من الدول حول العالم التي تستأجر المؤثرين لتغيير توجهات الناس السياسية، كما حدث في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2020، والانتخابات المحلية في إندونيسيا عام 2018.

وفي السنوات الأخيرة أيضًا، سعت حكومات، مثل كوريا الشمالية، ومن المنطقة العربية، مثل: المملكة العربية السعودية إلى الاستفادة من التسويق القائم على المؤثّرين لتلميع صورتيهما على المسرح العالمي.

ففي عام 2019، تعرّض عددٌ من المؤثرين الأمريكيين لانتقادات بعد الترويج للسياحة في العاصمة السعودية، الرياض. وقد قوبل مؤثرو وسائل التواصل الاجتماعي ونجوم هوليوود، مثل: عارضة الأزياء (أليساندرا أمبروسيو)، والممثل (ويلمر فالديراما)، بالنّقد بسبب الترويج للسياحة في البلاد.

وبالمثل، فإن كوريا الشمالية، المعروفة على نطاق واسع بديكتاتورها الذي لا يرحم (كيم جونغ أون)، وضع (لويس كول) البريطاني البالغ من العمر 33 عامًا على موقع يوتيوب مأزق  بعد سلسلة من مقاطع الفيديو التي نشرها أثناء السفر في البلد المنغلق على نفسه.

ومع أن كول دافع عن مقاطع الفيديو الخاصة به من خلال إبداء رغبته في التركيز على “الأشياء الإيجابية” في البلاد، إلا أنه تعرّض لانتقادات واسعة لإدامة الدعاية.

وعلى الرغم من أن استخدام المؤثّرين على وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز القوة الناعمة لهذه الأنظمة الاستبدادية لم يثبت نجاحه بعد، إلّا أنّه يثير التساؤل بشأن كيفية استمرار مشهد القوة الناعمة في التّقدم في عوالم الفضاء الرقمي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات