الحق في إصلاح الهواتف المحمولة.. هل المبادرة مهمة حقاً؟

الحق في إصلاح الهواتف المحمولة.. هل المبادرة مهمة حقاً؟
استمع إلى المقال

عملية صيانة الهواتف المحمولة قد تبدو أمرا سهلا ولا يحتاج إلى الكثير من القوانين والتشريعات لتنظيمها، ولكن الحقيقة قد تكون أبعد من ذلك، لأن الشركات تضع قوانين وشروط تجعل من عملية صيانة الهواتف المحمولة خارج مراكزها المعتمدة أمرا صعبا، لذلك ظهرت حملة الحق الذاتي في إصلاح الهواتف المحمولة. 

الحملة تهدف بكل بساطة إلى جعل صيانة الهواتف المحمولة والأجهزة المختلفة حقا أصيلا لأي مستخدم يمتلك الجهاز، وتمنع الشركات من وضع قيود قانونية أو قيود في العتاد تجعل عملية الصيانة غير ممكنة إلا في مراكزها المعتمدة، ولكن هل هذه المبادرة مهمة حقا. 

البداية 

قد يهمك أيضا: هل يتعافى قطاع الهواتف المحمولة في مصر؟

الوصول إلى لحظة البداية أو النقطة التي بدأت فيها رحلة مبادرة الحق في إصلاح الهواتف المحمولة أمر صعب قليلا لعدة أسباب، وعلى رأس هذه الأسباب أن المبادرة ليست مقتصرة على الهواتف المحمولة، بل هي تشمل جميع الأجهزة المختلفة بداية من الأجهزة الإلكترونية الرائدة مثل الحواسيب المحمولة والحواسيب اللوحية وصولا إلى المعدات الزراعية المختلفة والسيارات وغيرها من الأجهزة، ولكن الأمر المؤكد هو أن هذه المبادرة حصلت على دفعة قوية في الأعوام الأخيرة بسبب تزايد الدعم الحكومي لها وإجبار عدة شركات على الالتزام بها مثل “أبل” و “سامسونج”. 

الشركات لا تمنع المستخدمين من إصلاح هواتفهم أوأجهزتهم المختلفة، وهي لا تمتلك هذا الحق بشكل قانوني، ولكنها تضع عدة عراقيل تجعل من عملية الإصلاح بعيدا عن مراكز الخدمة الخاصة بها أو حتى المراكز المعتمدة منها أمرا شبه مستحيل، وذلك لأنك لن تستطيع إيجاد قطع الغيار المناسبة أو المهارات الفنية اللازمة لتغيير هذه القطع بشكل جيد والحفاظ على الجهاز من التلف، كما أن بعض الشركات ترفق ملصقات تحذيرية مع أجهزتها، وهي تحذر المستخدمين من محاولة إصلاح الجهاز خارج مراكز الخدمة المعتمدة حتى لا تخسر الضمان المرفق مع الجهاز. 

غياب المراكز البديلة يجبرك على التوجه إلى مراكز الخدمة المعتمدة لتصبح فريسة سهلة لهم، إذ يمكن لهذه المراكز أن تطلب منك أي قيمة مقابل الإصلاح وستكون مضطرا لدفعها حتى وإن لم تكن القيمة متناسبة مع العطل. 

المبادرة التي ظهرت مؤخرا والقوانين التي تتبعها تدعو الشركات لصناعة أجهزتها بطريقة تسهل صيانتها إلى جانب ترك باب الصيانة الخارجية مفتوحا أمام المستخدم ليختار ما يفضله، وألا يكون مجبرا على التعامل مع الشركة، كما تجبر الشركات على بيع قطع الغيار في الأسواق المختلفة وإتاحتها للمستخدمين المعتادين. 

هل نحتاج إلى قوانين لإجبار الشركات؟ 

الأمر قد يبدو بديهيا وليس في حاجة إلى قوانين تجبر الشركات، ولكن في الحقيقة هناك بعض الشركات التي تتبع أساليب غير متوقعة ومنطقية من أجل منع المستخدمين من إصلاح أجهزتهم بعيدا عن مراكز الخدمة المعتمدة التابعة لها، وتعد “أبل” أحد أشهر المشاركين في مثل هذه السلوكيات. 

أجهزة “أبل” بشكل عام تستخدم نوع خاص من البراغي الذي تصنعه “أبل” لنفسها، وبالتالي لن تستطيع فك هذه البراغي بإستخدام المعدات التقليدية، وعليك البحث عن المعدات اللازمة للتعامل معها، وهي تكون مهرّبة في العادة من مراكز إصلاح “أبل”.

لم تتوقف “أبل” عند استخدام معدات خاصة فقط، بل سعت إلى دمج وإلصاق مكونات الحواسيب المحمولة مع بعضها البعض حراريا ليصبح من المستحيل تغيير مكون دون الآخر، ويعني هذا أن بطاقات الذاكرة العشوائية في الحواسيب إلى جانب البطارية والقرص الصلب والمعالج جميعا متصلة باللوحة الأم وملتصقة بها، لذلك إن كنت ترغب في تغيير بطارية الحاسوب أو حتى زيادة سعة الذاكرة الخاصة به، فإنك تحتاج إلى تغيير اللوحة الأم بأكملها والحصول على لوحة جديدة تماما، وهو ما يجعل تكلفة صيانة أجهزة “ماك بوك” تقترب من تكلفة شراء جهاز جديد تماما.

الأمر يظهر بوضوح أكثر في قطاع السيارات أيضا، وخاصة تلك السيارات الحديثة التي تمتلك شرائح حاسوب بداخلها، إذ يتعرف الحاسوب على المعدات خارج مراكز الصيانة المعتمدة ويغلق ذاته أو يرفض التعرف على قطع الغيار الجديدة، وهو ما يجبر المالك على التوجه إلى مراكز الصيانة المعتمدة. 

قد يهمك أيضا: ما هي شركة Fairphone التي تقدم هواتف ذكية صديقة للبيئة

وجود القوانين التي تبعد الشركات عن مثل هذه الممارسات هو أمر هام وضروري، إذ لا يمكن ترك الشركات تتصرف كما ترغب في مثل هذا الأمر تحديدا. 

سهولة الإصلاح كفلسفة 

بعض الشركات قررت تبنّي سهولة إصلاح الأجهزة كفلسفة خاصة بها تبني حولها منتجاتها ، لتصبح هذه المنتجات سهلة الصيانة والتحديث دون الحاجة إلى شراء منتج جديد بالكامل، وهو الأمر الذي بدأ ينتشر قليلا في قطاع الحواسيب المحمولة. 

شركة “Framework” هي إحدى الشركات الناشئة  التي تبنّت هذه الفلسفة بشكل كامل وقررت أن تجعل أجهزتها قابلة للإصلاح والتعديل بكل سهولة، وذلك عبر تصميم “Modular” يعتمد على مكونات مختلفة يمكن إزالتها وتركيبها بسهولة، وقد لاقت منتجات الشركة استقبالا مميزا حول العالم. 

حاسوب “Framework” القابل للتعديل

“نوكيا” تحاول الاستفادة من هذه المبادرة أيضا، إذ قدمت هاتف محمول في مؤتمر “MWC” يأتي مع معدات الإصلاح اللازمة له ويمكن تفكيكه بالكامل وإعادة تركيبه بشكل كامل في دقائق، وقد لاقى هذا الهاتف استحسان الكثير من المستخدمين حول العالم. 

تحركات قانونية 

المبادرة حصلت على دعم قانوني كبير حول العالم، وربما كان دعم الرئيس الأميركي جو بايدن لها في تموز/ يوليو 2021 هي اللحظة الأكبر في تاريخها، إذ طلب بشكل رسمي من هيئة “FTC” أن تتدخل للحد من سيطرة الشركات على عملية الإصلاحات، وحتى الآن صدرت قوانين في 17 ولاية أميركية تجبر الشركات بداية من هذا العام أن تعمل على تبسيط عملية إصلاح الهواتف المحمولة. 

برنامج الإصلاح الذاتي من “أبل”

الشركات بدأت في الاستجابة لهذه المطالبات وأصبحت توفر برامج إصلاح ذاتية مختلفة، وربما كان برنامج “أبل” للإصلاح الذاتي أبرز مثال على ذلك، إذ كانت الأخيرة من أكبر المعارضين له، كما انضمت لها “سامسونج” وعدة شركات أخرى أصبحت توفر هذا الحق.

هل المبادرة مهمة حقا؟ 

الإجابة على هذا السؤال ليست بالوضوح الذي تبدو عليه، إذ أن الحق في إصلاح الأجهزة هو أمر ضروري لكل مالك لأي جهاز مهما كان نوعه، وذلك لأن الأجهزة الإلكترونية والسيارات وغيرها أصبحت تشكل استثمارا طويل الأمد، لذلك من المنطقي أن تكون قادر على العناية بإستثمارك وإصلاحها بسهولة، ولكن بعض الإصلاحات قد تسبب بأضرار أكبر بسبب عدم التدريب أو عدم المعرفة الكافية بطريقة الإصلاح، لذلك يجب على الشركات أيضا أن توضح الطريقة الأفضل لإصلاح الأعطال المختلفة. 

هناك جانب آخر لهذه المبادرة، وهو التوابع البيئية للتخلص من الأجهزة الإلكترونية المختلفة، إذ يفضّل البعض شراء جهاز جديد تماما إذا ما اقتربت تكلفة الإصلاح من تكلفة الجهاز الجديد، وهو ما يؤدي لزيادة النفايات الإلكترونية ذات التأثير الضار على البيئة. 

قد يهمك أيضا: الملتقى العالمي للهواتف المحمولة 2023.. تسونامي من الابتكارات؟

السؤال الحقيقي يبقى، هل ستستجيب جميع الشركات لهذه المطالبات، أم ستجد طريقة مبتكرة جديدة لخداع المستخدمين وإجبارهم على التوجه إلى مراكز الصيانة التابعة لها؟ 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.