الاحتجاجات الصينية تقضي على حلم توسع الشركات التقنية في بكين؟

الاحتجاجات الصينية تقضي على حلم توسع الشركات التقنية في بكين؟
استمع إلى المقال

الاحتجاجات التي انفجرت في الصين مؤخرا تُعد ظاهرة نادرة الحدوث، حيث لم تشهد بكين مثلها منذ أكثر من ثلاثين عاما، ورغم أن مطالب المتظاهرين في البداية كانت تتلخص في رفع الحظر المطبق بفعل سياسة “صفر كوفيد“، إلا أنها سرعان ما تصاعدت لتصل حد إقالة الرئيس الصيني شي جين بينغ، بسبب تجاهل الحكومة للمطالب الأولية للمظاهرات.

الآن حكومة الحزب “الشيوعي” الصيني، بدأت في إرخاء قيود “صفر كوفيد” قليلا في محاولة منها لتهدئة الوضع وجعل المتظاهرين يعودون إلى منازلهم، ورغم أن تقليل الإجراءات الاحترازية جاء بسبب التظاهرات بشكل مباشر، إلا أن إعلان بكين عن هذا التخفيف كان بسبب ضعف “الفيروس الجديد”، مما يجسد تجاهل الحكومة لمطالب المتظاهرين.

جهود بكين في السيطرة على التظاهرات وتقليل أثرها تنحصر مع المواطنين المشاركين فيها، إلا أن الأثر الحقيقي لتلك التظاهرات يمتد لأبعد من ذلك، إذ وصل إلى الشركات التقنية العملاقة التي بدأت تخسر ثقتها في المشهد الاقتصادي الصيني، وهي الثقة التي بدأت بالاهتزاز منذ بدء الحظر الأميركي.

قد يهمك أيضًا: سياسة “صفر كوفيد“.. مسمار آخر في نعش التقنية الصينية؟

ضغط من الجانبين

Embed from Getty Images

سياسة “صفر كوفيد” ليست غريبة عن الشركات التقنية العاملة في الصين، كما أنها ليست الوحيدة التي تثير قلق الشركات التقنية الخارجية أو حتى المحلية، إذ أطلق الحزب “الشيوعي” الحاكم، سياسة الازدهار المشترك التي كانت سببا في هرب جاك ما، مؤسس عملاق التجارة الصينية ”علي بابا” وأحد أثرى أثرياء العالم، كما أنها كانت سببا في اختفاء أكثر من تريليون دولار على شكل أسهم مختلفة بيعت بسعر دولار واحد فقط.

سياسات الصين المختلفة تتزامن مع تصاعد وتيرة القوانين الأميركية التي تقوض من نفوذ الشركات الصينية خارج حدود الصين، إذ أعلنت الحكومة الأميركية في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي عن حظر استخدام كاميرات المراقبة من الشركات الصينية بشكل كامل، واتفقت معها بريطانيا في ذلك لتعلن الحظر ذاته.

قد يهمك أيضًا:أسباب حظر الولايات المتحدة وبريطانيا لكاميرات المراقبة الصينية

واشنطن تسير بخطى ثابتة وسريعة نحو إنتاج الشرائح وأشباه الموصلات داخل المصانع الأميركية، وهو ما يتفق معه إعلان “TSMC” التايوانية استعدادها لإنتاج شرائح “آيفون” القادمة من مصنعها بولاية أريزونا رغم أن بناء المصنع لم يكتمل بعد، وذلك إلى جانب مصانع أشباه الموصلات والشرائح التابعة للشركات الأخرى مثل “سامسونج“.

يضاف إلى ذلك تضيق الخناق على شركات الشرائح الصينية، عبر منع المصنعين الأميركيين من التعامل معهم، وهو ما يزج بالشركات الصينية إلى الحافة عندما يتعلق الأمر بالتقنيات الأميركية، أو حتى المعدات التي تعتمد عليها الشركات بشكل كبير في صناعة الشرائح وأشباه الموصلات داخل الصين.

الشركات الصينية تجد نفسها محصورة بين مطرقة الحظر الأميركي وسندان سياسة “صفر كوفيد”، دون أي منفذ أو مهرب واحد من هذا المأزق، إذ تحولت كلمة “شركة تقنية صينية” لتصبح لعنة على الشركة التي تحملها، وهي لعنة تمنعها من التوسع أو المنافسة عالميا.

سياسة القفز من السفينة الغارقة

معاناة الشركات التقنية صينية المنشأ مختلفة عن مثيلتها الغربية التي تعمل في الصين، إذ تستطيع الأخيرة الهرب خارج حدود الصين لتترك شي جين بينغ، جالسا بمفرده مع سياسة “صفر كوفيد” والتقنيات التي تطورها الشركات التقنية، إذ لن ترغب الشركات في تعطيل إنتاجها الذي سيؤثر بشكل كبير على أرباحها نهاية العام.

“أبل” كانت أول من قفز من السفينة، إذ أعلنت الشركة رغبتها في الانتقال إلى الهند أو فيتنام، من أجل صناعة هواتف “آيفون” دون التأثر بأي سياسات صينية داخلية، وذلك بعد تزايد وتيرة المظاهرات واندلاع مظاهرات من مصنع “فوكسكون” الأكبر بمدينة تشنغتشو، إذ انخفضت توقعات الشركة لإنتاج الهواتف هذا العام بعد بداية التظاهرات.

قد يهمك أيضًا: أين تذهب الشركات والمصانع التقنية في موسم الهجرة العظيمة خارج الصين، ولماذا؟

“أبل” كانت الوحيدة التي أعلنت رسميا خطتها للخروج من الصين بعد بداية الاحتجاجات، ولكن هذا لا يعني أنها الوحيدة التي تخطط لذلك، إذ أن خطوات الشركات التقنية للهرب خارج حدود الصين هربا من السياسات المجحفة أصبحت واضحة للجميع، وذلك تحديدا مع الشركات الغربية العملاقة.

“أمازون” أصبحت تعتمد على مصنعها في الهند لصنع أجهزة “FireTV” بعد إغلاقها لمنشأتها في الصين، و“سامسونج” نقلت عمليّات التصنيع بالكامل إلى فيتنام منذ عام 2019، وينطبق هذا الأمر كذلك على “مايكروسوفت” و “جوجل” اللتان تحاولان الانتقال خارج الصين تماما.

الانتقال خارج الصين لا يقتصر على شركات الهواتف المحمولة أو الشركات العملاقة فقط، بل إن شركات صناعة قطع الحواسيب الشخصية بدأت في اتخاذ الخطوات للابتعاد عن الساحة الصينية بحسب ما نقله موقع “فوربس”.

أما الشركات الصينية، فإنها تحاول جاهدة الابتعاد عن التصنيع داخل الصين، وكان ذلك واضحا في بناء عدة شركات لمصانع لها داخل مصر مثل شركة “فيفو” و“أوبو” مؤذنة بذلك قرب نهاية أسطورة الصناعة في الصين.

قد يهمك أيضًا: صناعة الهواتف المحمولة في مصر.. حقيقة أم سراب؟

طرق مسدودة

Embed from Getty Images

الصين تمكنت من جذب الشركات الغربية من مختلف أرجاء العالم لأسباب ليست سياسية، إذ أن الشركات تبحث عن أفضل مكان لصناعة أجهزتها مع أقل تكلفة وتوافر التسهيلات اللازمة حتى تتمكن من العمل في كل هدوء، وبينما كانت الصين توفر ذلك سابقا، إلا أن التكلفة الخفية لصناعة الأجهزة أصبحت تتجاوز التكاليف الأخرى، وهي متمثلة في الإغلاقات المستمرة نتيجة سياسة ”صفر كوفيد” إلى جانب المخاطرة بحظر الأجهزة في الولايات المتحدة، كونها صُنعت في الصين.

الحزب “الشيوعي” الحاكم في الصين، وضع نفسه في مأزق لا مخرج سهل منه، فمن ناحية تتصاعد وتيرة احتجاجات الشعب المطالبة بإقالة شي جين بينغ، ومن الناحية الأخرى بدأت الشركات التقنية بالتخلي عنه لوجود اختيارات أفضل خارج حدود الصين، وهو الأمر الذي يتوقع أن يزداد مستقبلا إذا ما استمرت بكين في اتخاذ القرارات المجحفة ذاتها.

سياسة “صفر كوفيد” ليست المطلب الوحيد للمحتجين أو الشركات، إذ أن السياسات الأخرى ومطاردة الولايات المتحدة من الناحية الأخرى، قد تجعل الشركات تترك الصين تماما حتى بعد رفع الحظر وإجراءات “صفر كوفيد”، وهو ما لا يستوعبه الحزب “الشيوعي” الحاكم وشي جين بينغ، الذي لن يجد أمامه مفرا إلا الرضوخ لضغط الجماهير والشركات في التنازل عن الحكم لتسجل الصين سابقة جديدة في تاريخها.

أما إن رفض شي جين بينغ، الحل المذكور أعلاه بشكل مطلق، فإن رحلة نهوض التنين الصيني ستنتهي في لحظتها، ليتوسع المجال لدول شرق آسيا الأخرى مثل الهند أو فيتنام وغيرهما.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.