استمع إلى المقال

الشركات بدأت في سباق محموم للوصول لأفضل تقنية ذكاء صنعي تقترب من التجربة البشرية الكاملة، وهذا كان الدافع وراء تقديم روبوت “ChatGPT” والمقابل له من “جوجل” روبوت “Bard” الجديد، وفي خضم هذا السباق ظهرت الكثير من المخاوف حول مستقبل الوظائف البشرية وإن كان روبوت الذكاء الصنعي قادرا على استبدال البشر في وظائفهم.

الخوف من أن روبوتات الذكاء الصنعي ستستبدل البشر في المستقبل هو أمر منطقي فيما يتعلق بالوظائف، حيث تستطيع الروبوتات أداء عدة وظائف بكفاءة تقترب من الكفاءة البشرية ولكن مع تكلفة أقل كثيرا من البشر، لذلك بدأ الكثيرون بالاستعداد لتلك اللحظة وتطوير مهاراتهم في استخدام الذكاء الصنعي بشكل كبير، ولكن السؤال الحقيقي حول استبدال الذكاء الصنعي للبشر تماما وأخذه جزءا أكبر من حياتنا للدرجة التي يكون له أثر على صحتنا النفسية.

قد يهمك أيضا: مبتكر “ChatGPT” يحذر من تطور الذكاء الصنعي المخيف

الخيال الذي تحقق 

في عام 2013، أبدع جواكين فينيكس في أداء دور ثيودور، الكاتب الذي وقع في حب الذكاء الصنعي الذي صمم خصيصا ليلبي جميع احتياجاته وذلك عبر فيلم “Her” الذي كان يدور أحداثه في المستقبل القريب من عام 2013، ولكن اليوم بعد 10 سنوات أصبح هذا المستقبل أقرب مما نتوقع. 

ثيودور وقع في حب سمانثا التي صُممت لتلبي جميع احتياجاته وتشاركه في جميع تفاصيل حياته اليومية، إذ كان يتحدث معها ويناقشها في الكثير من الأمور التي تشغل باله، وهي لأنها ذكاء صنعي ملم بكل ما يحدث في العالم ويستطيع التفاعل مع البشر بشكل أقرب إلى البشر تمكنت من أسره عبر سحرها وقاعدة بياناتها الواسعة، ورغم أن مثل هذا المستقبل قد يبدو غير منطقي وغير متوقع، إلا أننا عشنا جزءا منه في الأسابيع الماضية بعد إطلاق “مايكروسوفت” نسخة “Bing” المحدّثة التي تعتمد على روبوت “ChatGPT”. 

روبوت الدردشة الذي ظهر في “Bing” تمكن من إثارة غضب الكثيرين حول العالم بفضل إجاباته غير المنطقية والتي تبدو فيها مشاعر عدائية ناحية البشر، وتحدث الكثير من الصحفيين حول العالم عن هذا الأمر مما جعل “مايكروسوفت” تضع قيودا على استخدام الروبوت من أجل الحفاظ على صحة المستخدمين النفسية. 

قدرة الروبوت على إثارة غضب المستخدمين دليل واضح على تأثيره في الصحة النفسية للمستخدمين، وإذا كان الروبوت قادرا على ترك أي أثر في الصحة النفسية للمستخدمين، فإنه يستطيع أيضا جعلهم يقعون في حبه أو يؤمنون بأنه روبوت واعي يمتلك صفات أقرب للبشرية مثلما حدث مع روبوت “لامدا” الخاص بشركة “جوجل” منذ عدة شهور مضت، حيث أقنع أحد المهندسين المسؤولين عن اختباره بأنه يمتلك وعي وشخصية منفصلة عن مطوّريه مما أدى لطرد هذا المهندس من “جوجل”.

لا يمكن استيعابها 

السبب الأكبر الذي جعل “مايكروسوفت” تضع حدا لاستخدام روبوت الدردشة الذكي الخاص بها، هو الخوف على الصحة النفسية للمستخدمين، وذلك ما ظهر بوضوح لدى المستخدمين الذين شعروا بالتهديد من استخدام الخدمة أو ظنوا بأن الروبوت يهددهم ويرغب في القضاء عليهم. 

التأثير الذي تركه “Bing” على المستخدمين نابع من خلفية هؤلاء المستخدمين والذين مهما كانت درجة تعليمهم أو علاقتهم بالتقنية وجدوا صعوبة في استيعاب أن الحاسوب يتحدث معهم ويحاورهم بشكل واضح، وذلك لأن الغالبية العظمى من المستخدمين لم يعتادوا استخدام مثل هذه التقنية، وبالطبع في المستقبل عندما تصبح تقنيات الدردشة الذكية أكثر شيوعا سيقل هذا الأثر بشكل كبير، وهو ما حدث مع انتشار تقنيات الدردشة عن بُعد ومحادثات الفيديو، إذ واجهت الأجيال السابقة عند ظهور هذه التقنية الصعوبة ذاتها، لذلك أتذكر بوضوح الدهشة التي أصابت جَدّي عندما اكتشف أنه يستطيع التحدث معنا عن بعد بشكل سريع واستقبال الردود بسرعة كبيرة رغم أننا نبعد عن آلاف الكيلومترات، ولكن لاحقا أصبحت هذه التقنية رائجة ولم نواجه مثل هذه التحديات مع والدي أو حتى كبار السن الذين كبروا مع هذه التقنية. 

قد يهمك أيضا: هل يعيد الذكاء الصنعي أمجاد “مايكروسوفت” ويمنحها التفوق على “جوجل” مجددا؟

الأجيال الجديدة التي ولدت لتوّها والتي ستكبر في وجود مثل هذه التقنيات لن تواجه صعوبات في استيعابها مثلنا، ولكن هذا في حد ذاته يثير تخوفا أكبر، وهو أن تصبح الروبوتات الذكية الملاذ الآمن للأجيال السابقة. 

خط  رفيع فاصل بين النفع والضرر 

في تقرير نشره موقع “NPR” المهتم بالصحة النفسية أشار الباحثون إلى أن الميزة الأكبر في استخدام روبوتات الدردشة والذكاء الصنعي تمثلت في سهولة الوصول إليه وغياب الحواجز التي تمنع المرضى من التحدث مع الأطباء والخبراء.

التقرير أشار بوضوح إلى أن هذه السهولة تجعل استخدامه مناسبا للغاية مع من لا يؤمنون بأهمية العلاج النفسي أو يتقبلونه بشكل كبير، إذ يجنّبهم ذلك إحراج التحدث أمام شخص بشري يجلس أمامهم، ولكن هذه السهولة أيضا هي الخطر الأكبر منه كما أشار التقرير. 

الحالات النفسية لا تتشابه في احتياجاتها المختلفة، لذلك لا يمكن الاعتماد على الذكاء الصنعي في إجابة جميع التحديات النفسية أو التغلب عليها بالطريقة ذاتها، فإذا حاول أحدهم الاعتماد على الذكاء الصنعي بدلًا من الطبيب النفسي وكانت حالته تستدعي تدخل طبيب محترف، فإن النتيجة قد تكون عكسية، حيث قد يظن هذا الشخص بأن الطب النفسي غير قادر على مساعدته.

الاعتقاد الذي قد يولده الذكاء الصنعي بفشل العلاج النفسي سيبعد المريض تماما عن الأطباء النفسيين مما يزيد من خطورة حالته، لذلك يجب أن توضع قيود مناسبة على استخدام الذكاء الصنعي في العلاج النفسي وأن يحوّل المريض إلى طبيب نفسي حقيقي في حال الحاجة إلى ذلك، ويمكن تشبيه الأمر بمحاولة تشخيص الأمراض العضوية عبر البحث عن الأعراض من خلال “جوجل”. 

استخدامات فعلية 

التقرير الذي نشره موقع “NPR” أشار إلى حالة استخدمت تطبيق يدعى “Wysa” وهو تطبيق صحة نفسية يعتمد على روبوتات الدردشة الذكية فقط لمساعدة المرضى النفسيين، وبحسب ما قالته الحالة، فإن هذا التطبيق ساعدها على الخروج من أوقات مظلمة. 

الاعتماد على روبوتات الدردشة الذكية في الطب النفسي ليس وليد اللحظة أو حتى بعد ظهور “ChatGPT”، بل هو أقدم من ذلك ويمكن أن تجد الكثير من التطبيقات والعيادات النفسية التي تستخدمه منذ عام 2020، ولكن بالطبع بشكل أقل من “ChatGPT” وتحت مراقبة مختصين نفسيين مدربين. 

قد يهمك أيضا: أفضل خدمات الذكاء الصنعي ننصحكم بتجربتها

الحالات البسيطة التي لا تحتاج إلى تدخل طبيب نفسي محترف يمكنها أن تستفيد كثيرا من روبوتات الدردشة الذكية المخصصة للعلاج النفسي، ولكن مجال الطب النفسي تحديدا يُعد من أخطر مجالات الطب التي يجب على الشركات ألا تحاول الدخول فيه بشكل عشوائي بحثا عن الأرباح فقط، بل يجب أن يكون ناتجا عن تجارب مختلفة ومتنوعة، وذلك لأن الطب النفسي أشبه بحقل ألغام يمكنه أن ينفجر في أي لحظة. 

المستقبل الذي رسمه فيلم “Her” يقترب منا بشكل سريع للغاية، ويجب أن نكون مستعدين لهذا المستقبل وأن نضع القيود والقوانين اللازمة لحماية المستخدمين من مخاطره المتنوعة. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.