تويتر أصبح ملكًا لإيلون ماسك.. ما تِبعات ذلك على الموقع نفسه وموظفيه ومستخدميه؟

تويتر أصبح ملكًا لإيلون ماسك.. ما تِبعات ذلك على الموقع نفسه وموظفيه ومستخدميه؟
استمع إلى المقال

“الطائر أصبح حرًّا”، بتلك العبارة الدرامية، أعلن إيلون ماسك، مساء أمس الخميس، إغلاق صفقة تويتر بعد أكثر من ستة أشهر في واحدة أكثر المفاوضات التجارية فوضوةً وشهرةً في الذاكرة الحديثة، إذ أصبح الأمر حقيقة الآن: إيلون ماسك هو المسؤول عن تويتر.

وأفادت تقارير أن ماسك أقال الرئيس التنفيذي باراغ أغراوال واثنين من كبار المديرين التنفيذيين، المدير المالي نيد سيغال ورئيس السياسة القانونية والثقة والسلامة فيجايا جادي، وفقًا لتقارير “CNBC” وواشنطن بوست ونيويورك تايمز

وتعني عملية الاستحواذ المبلغ عنها أن ماسك سيتجنب معركة قانونية طويلة من شأنها أن تجبره على الإدلاء بشهادته في المحكمة والكشف عن المزيد من المراسلات الخاصة، التي يحتمل أن تكون محرجة، والتي عرضت بعضًا منها صحيفة “ذا أتلانتيك”، مع أصدقائه حول الصفقة كجزء من عملية التحقيق القانوني.

ولكن إذا كنت تعتقد أن ملحمة ماسك وتويتر قد انتهت، فأنت مخطئ. فالدراما الحقيقية لم تأتِ بعد.

حتى وقتٍ قريب، كانت تتركز اهتمامات ماسك التجارية الأساسية في بناء السيارات الكهربائية والصواريخ الفضائية والقطارات فائقة السرعة. لكن سيتعيّن عليه الآن اكتشاف تحدٍ تجاري جديد ومختلف تمامًا: كيفية إدارة منصة وسائط اجتماعية بشكل فعال يستخدمها ما يقرب من 400 مليون شخص، بما في ذلك قادة العالم المؤثرين والصحفيين والشخصيات العامة الأخرى. يحتاج ماسك أيضًا إلى اكتشاف نموذج أعمال أفضل للشركة التي تمرّ في فترة تخبّط من الناحية المالية. إذ لم يحقق موقع تويتر أبدًا ما يقرب من أرباح منافسيه على وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك ويوتيوب، كما شهد الموقع أيضًا انخفاضًا كبيرًا في قيمة أسهمه في العام الماضي. ووفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن رويترز، فإن أكثر مستخدمي الخدمة نشاطًا وربحًا قد غادروها بأعدادٍ كبيرة.

وحتى الآن، طرح ماسك الكثير من الأفكار -غالبًا في شكل تغريدات- حول كيف يخطط لتغيير موقع تويتر. فيما يلي أهمها.

تغييرات جذرية أم فوضى ووعود؟

  1. جعل تويتر منصةً لـ “حرية التعبير”

أكثر رسائل ماسك اتساقًا حول سبب رغبته في شراء تويتر هي أنه يريده أن يكون “المدينة الرقمية حيث تتم مناقشة الأمور الحيوية لمستقبل البشرية” دون تدخل أو سلطة. لقد قال إنه سيسمح لأي شخص بقول أي شيء يريده على المنصة، طالما أنه قانوني.

لكن ليس من الواضح بالضبط كيف يخطط ماسك لتنفيذ وعده بحرية التعبير، أو حتى ما يعنيه بذلك. إذ أظهر الانتشار الأخير للمنصات التي تحمل موضوعات “حرية التعبير” مثل “Parler” و “Truth Social” و “Gettr” أنه إذا سمحت لأي شخص أن يقول ما يريد على تطبيق وسائط اجتماعية، فهناك فرصة كبيرة أن يصبح التطبيق مليئًا بالكراهية والعنصرية.

كما أن جزئية “طالما أنه قانوني” ليست محددٍ كافٍ. إذ أن هناك الكثير من الأشياء القانونية تمامًا التي يمكن قولها، لكنها تبقى غير محمودة: كالعبارات العنصرية، والمحتوى البصري العنيف، والتنمر وغير ذلك. يعد هذا النوع من المحتوى سيئًا بشكل عام للأنشطة التجارية لأن معظم المستخدمين -والمعلنين- لا يريدونه حولهم.

يعرف ماسك ذلك جيدًا. وهذا هو السبب في أنه قال إنه سيستخدم الخوارزميات للترويج للمحتوى أو لخفض تققيمه، مدافعًا عن “حرية التعبير” ولكن ليس “حرية الوصول”. وقال ماسك في يونيو: “أعتقد أنه يجب السماح للناس بقول أشياء شائنة تقع ضمن حدود القانون، ولكن ألا يتم انتشارها على نطاقٍ واسع، ولا تحصل وصولٍ كبير”.

لكن ماسك لم يشرح كيف سيقرر نوع المحتوى الذي سيحقق معدلات وصول عالية أو منخفضة، وكيف سيكون مختلفًا عما يفعله تويتر حاليًا.

يوم الخميس، بدا ماسك وكأنه يحاول معالجة المخاوف بشأن نهج عدم التدخل في تعديل المحتوى من خلال تغريدةٍ اعتبرها بمثابة مذكّرة عامة للمعلنين. لقد كتب أن تويتر “لا يمكن أن يصبح منصةً مجانيًا للجميع، حيث يمكن قول أي شيء دون عواقب!” وأضاف أنه يريد أن يكون تويتر مكانًا “حيث يمكنك اختيار التجربة التي تريدها وفقًا لتفضيلاتك، تمامًا كما يمكنك اختيار الأفلام وألعاب الفيديو المفضلة”.

ومع ذلك، فمن غير الواضح كيف ستعمل هذه الاستراتيجية مع رؤية ماسك الأصلية “ساحة الأفكار الرقمية المفتوحة”، حيث يناقش الناس مجموعة واسعة من المعتقدات في نفس المكان. فالتوازن بين السماح بحرية التعبير وجعل منصة التواصل الاجتماعي مكانًا مرحبًا بالجميع هو أمرٌ صعب لا يتحقق بين ليلةٍ وضحاها، ولدى ماسك الكثير من التفاصيل هنا سيحتاج إلى اكتشافها.

  1. إعادة  ترامب

قال ماسك إنه سيعيد حساب الرئيس السابق دونالد ترامب على تويتر، والذي تم حظره بسبب تغريداته حول اقتحام مؤيديه مبنى الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني 2021. إذ قال ماسك لصحيفة فاينانشال تايمز في مايو/أيار: “أعتقد أن حظر ترامب من تويتر لم يُسكت صوته، بل أعلاه في الأوساط اليمينية. لهذا كان قرار الحظر خاطئًا وغبيًا”.

تعليقات ماسك حول إعادة ترامب، إلى جانب دعواته لحرية التعبير، جعلته يتمتع بشعبية لدى المحافظين الذين شعروا منذ فترة طويلة بالرقابة من قبل تويتر وشبكات التواصل الاجتماعي الأخرى، على الرغم من عدم وجود دليل ملموس على التحيز المنهجي المناهض للمحافظين في ظل استمرار حصول المؤثرين المحافظين على متابعين هائلين على منصات مثل تويتر.

  1. التخلص من الروبوتات

من المفارقة أنه على الرغم من أن ماسك قال إن أحد أسباب شرائه تويتر هو التخلص من الروبوتات، فقد جعل وجود الروبوتات أساس قضيته لمحاولة الخروج من الصفقة، بحجة أن الشركة لم تفصح عن عددها الحقيقي على المنصة. لكن وعد ماسك بإصلاح مشكلة “الروبوتات” في تويتر؛ ما يعني الحد من انتشار الحسابات التي تنشر رسائل غير مرغوب فيها أو محتوى غير أصلي مثل مخططات الثراء السريع بالعملات الرقمية وعمليات التصيد الاحتيالي.

تعد الروبوتات مشكلة رئيسية معروفة على تويتر، وعلى الرغم من أن الشركة أكدت أنها تمثل أقل من 5% من جميع الحسابات. قال ماسك إنه يعتقد أن هذا الرقم أعلى بكثير، حوالي 20% أو أكثر. وعلى عكس إعادة حساب ترامب، ربما يكون التخلص من الروبوتات واحدةً من أقل خطط ماسك إثارة للجدل لأن الجميع تقريبًا يتفق على أنها “مشكلة” بالفعل.

فوضى داخلية

إضافةً إلى تلك الخطط، يريد ماسك أن يحوّل تويتر إلى تطبيقٍ فائق يشبه نموذج تطبيق “WeChat” في الصين، حيث يستخدم الناس التطبيق للمحادثة الفورية والدفع الإلكتروني والنقل وغيرها. لكن إذا أراد ماسك تحقيق أي من هذه الأهداف، سيحتاج إلى أشخاص أكفاء في تويتر لمساعدته. لكن مع وجود موظفين محبطين بالفعل، وخطته المُبلغ عنها للتخلي عن 75% من الموظفين الحاليين، سيكون ذلك صعبًا.

وصف العديد من الموظفين مناخًا من الفوضى وعدم اليقين في الشركة. كما وزّع بعض الموظفين عريضةً يوم الثلاثاء الماضي احتجاجًا على خطط ماسك لخفض القوى العاملة في تويتر بنسبة 75% -ما يعني تسريح قرابة الـ 5600 موظف- مطالبين بـ “عدم التعامل معهم على أنهم مجرد بيادق في لعبة يلعبها المليارديرات.”

ونشر أحد مهندسي تويتر الذي يدعى “مارنو كورنيت” رسومًا متحركة على مدونته تعكس الحالة المزاجية الحالية في تويتر. وفي إحدى تلك الرسومات، رسم كورنيه ركابًا جالسين على متن طائرة تحمل علامة تويتر، جاثمين ويستعدون لما أسماه “تأثير إيلون ماسك”.

المصدر: مدونة Twitoons

كيف ستؤثر تلك الصفقة على البيانات الشخصية؟

عانى تويتر لسنوات من مشكلات الخصوصية والأمان، بينما كان يتباطأ أيضًا في تنفيذ الحلول الممكنة. والنتيجة هي أنه من المتصور أن كل ما فعلته أو قلته على تويتر، عامًا كان أو خاصًا -بما في ذلك الرسائل المباشرة- قد يصبح قريبًا في قبضة واحد من أغنى الأشخاص في العالم، رجل معروف بأنه لا يمكن التنبؤ به، وطفولي بعض الشيء، وحتى انتقامي.

ما زلنا لا نعرف الكثير، لكن تقول الشركة أنه في حال قرر المستخدم حذف حسابه، سيتمّ ذلك تمامًا بناءً على طلبه، لكن الأمر يستغرق 30 يومًا على الأقل حتى يحدث ذلك. وقد تظل الرسائل المباشرة الخاصة بك على خوادم تويتر لسنوات حتى بعد أن تعتقد أنك حذفتها.

كما أن رسائل تويتر المباشرة ليست مشفرة من طرف إلى طرف كما هو الحال في منصات “ميتا”، على الرغم من مطالبة العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي وماسك نفسه الشركة لفعل ذلك. هذا يعني أن تويتر لديها حق الوصول إلى محتويات الرسائل الشخصية الخاصة بك، والتي من المحتمل أن يعتبرها العديد من المستخدمين هي البيانات الأكثر حساسية أو حميمية التي تمتلكها الشركة. وتنص سياسة خصوصية تويتر بوضوح على أنه يجوز للشركة “مشاركة معلومات عنك أو بيعها أو نقلها فيما يتعلق بدمج الأصول أو الاستحواذ أو البيع أو الإفلاس”. وهو ما يحتمل حدوثه.

لقد رأينا مواقف أخرى كانت فيها الضوابط على بيانات المستخدم شرطًا للموافقات التنظيمية، مثل اندماج جوجل مع “فِت بِت” (Fitbit). إذ وافق الاتحاد الأوروبي حينها على هذا الاستحواذ بشرط فصل بيانات مستخدم “فِت بِت” تقنيًا عن بيانات جوجل المُستخدمة للإعلان لمدة 10 سنوات على الأقل. ولكن تم الإعلان عن هذه الشروط قبل إتمام عملية الدمج وكان الهدف منها التخفيف من مخاوف المنافسة. هذه ليست مشكلة في صفقة تويتر الحالية، ولم يتم الإعلان عن مثل هذه الإعلانات حتى الآن.

لكن في هذا الصدد، ذكّرت المفوضية الأوروبية إيلون ماسك بأنه يجب عليه اتباع قواعد الاتحاد الأوروبي بعد التأكيد على أنه سيطر على تويتر. إذ قال تييري بريتون، مفوض الاتحاد الأوروبي للسوق الداخلية، في تغريدةٍ صباح اليوم الجمعة: “في أوروبا، سيحلّق الطائر وفقًا لقواعدنا”.

عودةً إلى خصوصية البيانات، هل سيذهب ماسك إلى مقر تويتر ويشغل جهاز الكمبيوتر الخاص به ويبدأ على الفور في قراءة الرسائل الخاصة للمستخدمين وجمع أرقام هواتفهم؟ من شبه المؤكد أن لا يحدث ذلك، وربما لا ينبغي على مستخدمي تويتر القلق بشأن تسريب بياناتهم إلى ماسك، ولكن تسربها إلى الجميع. فسجلّ تويتر عندما يتعلق الأمر بالأمان حافلٌ بالعثرات.

ففي يوليو/ تموز 2020، تم اختراق تويتر من قبل مراهق تمكن من الوصول إلى بعض أكبر حسابات المنصة، بما في ذلك حساب ماسك نفسه، وبعض الرسائل المباشرة الخاصة بهذه الحسابات. استجاب موقع تويتر للاختراق من خلال توظيف الهاكر الشهير “بيتر زادكو” الذي يلقب نفسه بـ “Mudge”، وتعني الطين، لرئاسة قسم الأمن في نوفمبر/تشرين الثاني 2020. لكن غادر زاتكو الشركة في يناير/كانون الثاني 2022. وبحلول سبتمبر/أيلول، كان يشهد أمام الكونجرس أن تويتر لديه مشكلات أمنية كبيرة ونقاط ضعف عديدة منها الفشل في حماية بيانات المستخدمين بشكلٍ صحيح. وادعى زاتكو أن حوالي نصف موظفي تويتر البالغ عددهم 7500 موظف يمكنهم الوصول إلى المعلومات الشخصية لأي مستخدم.

جيسون غولدمان، أول رئيس منتج في تويتر وعضو سابق في مجلس الإدارة، غرّد ليلة الأربعاء بأن “عددًا لا يستهان به من الأشخاص الذين عملوا على هذا الموقع” ينزّلون أرشيفاتهم وتوقفوا عن إرسال أي شيء لا يريدون أن ينتشر على الملأ. لكنه قال إنه لا يعتقد أنه سيكون هناك أي “تسريبات أو عمليات حذف شائنة”، لكنه يعتقد أن فترة الفوضى المفترض أن يمر بها تويتر ستعني الكثير من الاضطرابات، وسيرافق ذلك ارتفاع في مخاطر حدوث بعض الأخطاء الجسيمة.

ومع ذلك، هناك جانبٌ مشرقٌ محتمل: أبدى ماسك اهتمامًا بتشفير الرسائل الشخصية من طرف إلى طرف. وهذا يعني أنه لن يتمكن أحد من رؤيتها باستثناء المرسل والمتلقي، بما في ذلك ماسك نفسه.

وفي ظل كل ذلك، إن كان هناك شيء واحد مؤكد الآن في هذه الصفقة، فهو أن ما يقول ماسك أنه سيفعله يمكن أن يكون مختلفًا تمامًا عما سيفعله حقًا في النهاية. ولكن خلال الأشهر القليلة المقبلة، يجب أن يكون موظفو تويتر، ومستخدميه، والمراقبين، مستعدين للكثير من الصخب والاضطرابات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.