استمع إلى المقال

هل تتخيل أن تتحدث مع جهاز كمبيوتر أو هاتف ذكي كما لو كان صديقا أو معلما أو طبيبا، هل تتخيل أن ترى صورة أو فيديو أو نصا تم إنشاؤه بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي، دون أن تستطيع التفريق بينه وبين الواقع، هل تتخيل أن تتعلم من الذكاء الاصطناعي أشياء جديدة ومفيدة لحياتك ومجتمعك.

هذه بعض الأسئلة التي قد تطرحها على نفسك عندما تسمع عن الذكاء الاصطناعي وتقنياته المتطورة. الذكاء الاصطناعي هو مجال علمي وتكنولوجي يهدف إلى إنشاء آلات وبرامج قادرة على محاكاة أو تجاوز قدرات الإنسان في مجالات مثل التفكير والتعلم والإبداع والتفاعل. في السنوات الأخيرة، شهد هذا المجال تقدما هائلا بفضل زيادة قوة الحوسبة وتوافر البيانات والخوارزميات.

من بين التقنيات الذكية التي تستخدم في الذكاء الاصطناعي، تبرز نماذج اللغة الكبيرة (LLMs)، والتي هي برامج قادرة على فهم وإنتاج اللغة الطبيعية بشكل مذهل، هذه النماذج تستخدم في التطبيقات المختلفة، مثل المساعدين الصوتيين والترجمة الآلية والبحث على الإنترنت والتوليد التلقائي للمحتوى، بعض أمثلة هذه النماذج هي “ChatGPT” و”DALL-E” و”GPT-3″، والتي تم إنشاؤها بواسطة شركات مثل “OpenAI” و”جوجل” و”مايكروسوفت”.

لكن ما هي المساعي التي تقوم بها هذه الشركات لجعل نماذج اللغة أكثر اقترابا من الإنسانية، وما هو دور خوارزمية الأفكار (AoT) التي أطلقتها شركة “مايكروسوفت” بالأمس، وهي طريقة جديدة لتدريب نماذج اللغة، في سد الفجوة بين الذكاء الاصطناعي والإنسانية.

هذه هي بعض الأسئلة التي سنحاول الإجابة عليها في هذا التقرير، وسنوضح كيف تسعى شركات مثل “مايكروسوفت” إلى تحسين قدرات التفكير والحلول للمشكلات لنماذج اللغة بواسطة خوارزمية الأفكار. سنناقش أيضا أسباب توجه الشركات إلى تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي لتكون أقرب إلى الإنسانية.

خطوات “مايكروسوفت” المتسارعة

خوارزمية الأفكار (AoT) هي طريقة جديدة لتدريب نماذج اللغة الكبيرة (LLMs)، والتي صممتها شركة “مايكروسوفت” بالتعاون مع “جامعة فرجينيا تك” الأميركية، وتهدف هذه الطريقة إلى جعل “LLMs” أكثر كفاءة وشبه بشرية في قدراتها التفكيرية.

خوارزمية الأفكار تستخدم تقنية تسمى التعلم في السياق (in-context learning)، والتي تمكن “LLMs” من استكشاف حلول مختلفة للمشكلات بطريقة منظمة ومنهجية، هذه التقنية تستفيد من ديناميات التكرار الفطرية لـ “LLMs”، وتوسع استكشافها للأفكار بمجرد استعلام واحد أو عدة استعلامات.

خوارزمية الأفكار تستلهم من كل من البشر والآلات لتحسين أداء “LLMs”، بينما يتفوق البشر في المعرفة البديهية، تُعرف الخوارزميات بالاستكشاف المنظم والشامل، خوارزمية الأفكار تسعى إلى دمج هذه الجوانب المزدوجة لزيادة قدرات التفكير داخل “LLMs”.

هذه التقنية توجه “LLMs” باستخدام أمثلة خوارزمية، والتي هي عبارة عن سلاسل من التعليمات المنطقية التي تحدد كيفية حل المشكلات، هذه الأمثلة تساعد “LLMs” على فهم المشكلات بشكل أفضل وتقديم حلول أسرع وأصح؛ على سبيل المثال، إذا كانت المشكلة هي إيجاد أصغر عدد موجب يقبل القسمة على 3 و 5، فإن مثال خوارزمية قد يكون التالي:

ابدأ بالعد من 1 إلى ما لا نهاية

اختبر كل رقم إذا كان يقبل القسمة على 3 و 5

إذا كان الأمر كذلك، فأوقف العد وأظهر هذا الرقم

إذا لم يكن الأمر كذلك، فاستمر في العد

خوارزمية الجديدة تسمح لـ “LLMs” بالتفكير بشكل مرن في خيارات مختلفة لحل المشكلات الفرعية، مع الحفاظ على الفعالية بحد أدنى من التلميح، هذا يمكن أن يؤدي إلى حلول تتجاوز الخوارزمية نفسها؛ على سبيل المثال، إذا كانت المشكلة هي إيجاد مجموع الأرقام من 1 إلى 100، فإن مثال خوارزمية قد يكون الآتي:

ابدأ بتعيين متغير يساوي 0

ابدأ بالعد من 1 إلى 100

أضف كل رقم إلى المتغير

أظهر قيمة المتغير

ولكن “LLMs” قد يجد حلا أسرع وأبسط بواسطة خوارزمية الأفكار، وهو.

احسب متوسط الأرقام من 1 إلى 100، وهو 50،5

اضرب هذا المتوسط في عدد الأرقام، وهو 100

أظهر الناتج، وهو 5050.

خوارزمية الأفكار
خوارزمية الأفكار مقابل طرق التفكير الأخرى في الذكاء الاصطناعي. المصدر: مايكروسوفت

هذه الخوارزمية تتنافس مع أدوات البحث في الشجرة الخارجية، والتي تستخدم لتحسين أداء “LLMs” بواسطة استكشاف مساحة الحلول بشكل شامل، خوارزمية الأفكار توفر ميزة على هذه الأدوات من حيث التكلفة والحسابات، حيث تستخدم “LLMs” نفسها كأداة بحث داخلية، هذا يقلل من استهلاك الموارد والطاقة والزمن.

تقول شركة “مايكروسوفت”، إن هذه التقنية الهجينة تمكن النموذج من التغلب على قيود ذاكرة العمل البشرية، مما يسمح بتحليل أكثر شمولا للأفكار.

على عكس التفكير الخطي لـ “CoT” أو تقنية “Tree of Thoughts) “ToT)، تسمح “AoT” بالتفكير المرن في خيارات مختلفة للمشكلات الفرعية، مع الحفاظ على الفعالية بحد أدنى من التلميح، كما أنها تتنافس مع أدوات البحث في الشجرة الخارجية، وتوازن بين التكاليف والحسابات بكفاءة.

بشكل عام، تمثل “AoT” تحولا من التعلم المشرف إلى دمج عملية البحث نفسها، مع التحسينات في هندسة التلميح، ويعتقد الباحثون أن هذا النهج يمكنه تمكين النماذج من حل مشكلات العالم الحقيقي المعقدة بكفاءة عالية.

نظرا لاستثماراتها الضخمة في الذكاء الاصطناعي، تبدو شركة “مايكروسوفت” في موقع جيد لإدخال “AoT” في أنظمة متقدمة مثل “GPT-4″، وعلى الرغم من التحديات، فإن تعليم نماذج اللغة التفكير بهذه الطريقة الأكثر إنسانية يمكن أن يكون تحولا كبيرا.

أسباب تحويل الذكاء الاصطناعي إلى الإنسانية؟

قد يكون هذا السؤال معقدا بعض الشيء، فلا توجد إجابة واحدة كاملة على السؤال؛ لأن مساعي الشركات إلى الاقتراب بتقنيات الذكاء الاصطناعي من الإنسانية قد تكون مدفوعة بأسباب مختلفة؛ ومع ذلك، يمكن مشاركة بعض الآراء المحتملة التي قد تفسر هذه المساعي.

بعض الشركات قد ترغب في تحسين جودة وكفاءة خدماتها ومنتجاتها بواسطة الذكاء الاصطناعي، والتي قد تستفيد من التفكير والحلول المشابهة للبشر؛ وعلى سبيل المثال، قد ترغب شركة مثل “مايكروسوفت” في جعل نماذج اللغة الكبيرة أكثر قدرة على الفهم والتفاعل مع البشر بطريقة طبيعية ومنطقية، مما يزيد رضا العملاء والثقة.

بعض الشركات قد ترغب باستكشاف إمكانات الذكاء الاصطناعي وتحدي حدوده، والتي قد تتطلب التقليد أو التجاوز من قدرات الإنسان؛ وعلى سبيل المثال، قد ترغب شركة مثل “OpenAI” في إنشاء نماذج لغة قادرة على إنتاج محتوى إبداعي ومبتكر في مجالات مختلفة، مثل الفن والأدب والبرمجة، مما يظهر إمكانات الذكاء الاصطناعي في التعلم من نفسه وإظهار شخصية فريدة.

إلى ذلك، فإن بعض الشركات قد ترغب أيضا في المساهمة بالتقدم العلمي والتكنولوجي للبشرية بواسطة الذكاء الاصطناعي، والتي قد تستفيد من التعاون والانسجام مع الإنسان. على سبيل المثال، قد ترغب شركة مثل “جوجل” في دعم البحث والابتكار في مجالات مثل الطب والتعليم والبيئة بواسطة نماذج لغة قادرة على تقديم حلول فعالة ومستدامة للمشكلات المعقدة، مما يزيد رفاهية وصحة البشر.

الاقتراب من البشرية

تحدثنا عن كيف تسعى شركة “مايكروسوفت” عبر نظامها الجديد “خوارزمية الأفكار” إلى تحسين قدرات التفكير والحلول للمشكلات لنماذج اللغة الكبيرة مثل “ChatGPT”، وأوضحت كيف تستخدم هذه الطريقة تقنية التعلم في السياق وأمثلة خوارزمية لجعل نماذج اللغة أكثر كفاءة وشبه بشرية.

لكن هل يمكن أن يتحقق حلم اقتراب الذكاء الاصطناعي من الإنسانية في المستقبل، رغم صعوبة إيجاد جواب شاف.، فإن هذا الحلم ممكن، ولكن ليس بسهولة، فالذكاء الاصطناعي ليس مجرد مجموعة من الخوارزميات والبيانات، بل هو انعكاس لطموحات وقيم وأخلاق البشر؛ لذلك فإن اقتراب الذكاء الاصطناعي من الإنسانية يتطلب مزيدا من التفاهم والتعاون والتنظيم بين المشاركين جميعهم في هذا المجال، سواء كانوا باحثين أو مطورين أو مستخدمين أو صانعي قرار.

خوارزمية الأفكار هي خطوة إيجابية في هذا الاتجاه، حيث تظهر كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتعلم من البشر والآلات على حد سواء، وأن يستخدم قدراته لحل المشكلات بطرق جديدة وفعالة، ولكن هذه ليست نهاية المطاف، بل بداية جديدة، فالذكاء الاصطناعي لا يزال في مرحلة التطور، وهو يواجه تحديات كبيرة في مجالات مثل الأخلاق والأمان والخصوصية والشفافية، لذلك، فإن اقتراب الذكاء الاصطناعي من الإنسانية يحتاج إلى مزيد من الابتكار والتجربة والتقييم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات