استمع إلى المقال

هل تشعر بالقلق من أن أطفالك أو شبابك يقضون وقتا طويلا في استخدام الهاتف ومواقع التواصل الاجتماعي، وهل تلاحظ أنهم يصبحون أكثر عزلة وانسحابا عن العالم الحقيقي، ثم هل تتساءل عن التأثيرات السلبية لهذا الإدمان على صحتهم وتعليمهم وسلامتهم، إذا كان الجواب نعم، فأنت لست وحدك.

الدول تتخذ الآن خطواتها الأولى للسيطرة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الكبيرة مثل “فيسبوك” و”إنستغرام” و”تيك توك” بشكل مبالغ فيه وربما ضار لحد كبير، فالصين ترغب في تقليل وقت الشاشة إلى 40 دقيقة للأطفال دون سن الثامنة، بينما فرضت ولاية يوتاه في الولايات المتحدة حظرا رقميا على القصر، بالإضافة إلى موافقة الوالدين لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتستهدف فرنسا الشركات المصنعة، حيث تُلزمها بتثبيت نظام مراقبة أبوية.

الاتحاد الأوروبي لديه خططه الواسعة النطاق في هذا المجال، إذ أنه يتخذ خطوات جريئة من خلال قانون خدمات الرقمنة (DSA)، الذي اعتبارا من نهاية هذا الشهر، سيجبر أكبر منصات الإنترنت على فتح أنظمتها للفحص من قبل المفوضية الأوروبية وإثبات أنها تبذل قصارى جهدها للتأكد من أن منتجاتها لا تلحق ضررا بالأطفال مهددة بغرامة كبيرة تصل إلى 6 بالمئة من إجمالي إيرادات الشركات على الصعيدين العالمي والسنوي.

مرض الشاشة

العلاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وصحة المراهقين ما تزال مثيرة للجدل، حيث تحقق هذه الشركات الرقمية أرباحها من جذب الانتباه والاحتفاظ به لأطول فترة ممكنة، مما يجلب لهم أموال المعلنين، وهم محترفون في ذلك مهندسين جرعات من التحفيز لأدمغتنا.

من الصعب عدم الامتثال لهذه الحوافز بالنسبة للبالغين، لذا، من المخيف التفكير في مدى عواقبها الحقيقية والسلبية للشباب الضعفاء، مثل القلق والاكتئاب وضعف التركيز.

استطلاعات الصحة النفسية في الولايات المتحدة تؤكد هذه المخاوف، إذ توجد زيادة ملحوظة على مدى الـ 15 عاما الماضية في عدم السعادة بين المراهقين، وبالأخص خلال جائحة “كوفيد-19″، وهذه الزيادات تشمل عددا من المقاييس منها الأفكار الانتحارية والاكتئاب، وأيضا صعوبات النوم. وهذا الاتجاه هو أكثر وضوحا بين الفتيات المراهقات.

في الوقت ذاته، انفجر استخدام الهواتف الذكية، مع حصول المزيد من الأشخاص على هاتف في سن مبكرة، كما أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ارتفع أيضا بشكل كبير.

الباحثون يتفقون من جميع جوانب الجدل، على أن التكنولوجيا تلعب دورا في ذلك، ولكنهم يختلفون فيما يتعلق بموقع التأثير.

إدمان الهواتف

لوكا براغييري، أستاذ مساعد في الاقتصاد في “جامعة بوكوني” في إيطاليا، قال إنه “كان في البداية يعتقد أن القلق بشأن فيسبوك مبالغ فيه، لكنه غيّر رأيه بعد بدء البحث في هذا الموضوع، وقام بحذف حسابه على فيسبوك منذ ذلك الحين”.

براغييري وزملاؤه فحصوا استطلاعات الصحة النفسية في الجامعات الأميركية من عام 2004 إلى عام 2006، وهي الفترة التي تم فيها تدشين فيسبوك لأول مرة بالجامعات الأميركية، وقبل أن يكون متاحا للجمهور العام. وجد أن صحة الطلاب تراجعت في الجامعات التي تم فيها تقديم فيسبوك مقارنة مع الجامعات التي لم يُطلق فيها فيسبوك بعد.

ما الجديد؟

في الأربعينيات من القرن الماضي، كانت هناك مخاوف من إدمان الراديو والأطفال، في الستينيات كان إدمان التلفزيون هو المشكلة، والآن لدينا إدمان الهاتف؛ لذا فالسؤال هو هل هذه المرة مختلفة، وإذا كان الأمر كذلك، فما هو الاختلاف، هذا ما تسأله إيمي أوربن، من وحدة البحوث العلمية وعلوم الدماغ في مجلس الأبحاث الطبية بالمملكة المتحدة، بجامعة كامبريدج.

إنها لا تجاهر بالأضرار المحتملة لوسائل التواصل الاجتماعي، ولكنها تدعو إلى نهج أكثر تعمقا، وهذا يعني التركيز على الأشخاص الذين هم أكثر ضعفا، وعلى المنصات والميزات الخاصة التي قد تكون أكثر خطورة.

هناك فرق بين الاعتقاد العام والأدلة الفعلية التي تشير، إلى أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مضر، وقالت أوربن، التي تابعت بالثناء على قواعد الاتحاد الأوروبي الجديدة، من بين توجيهاتها المتعددة، “ستسمح قواعد الاتحاد الأوروبي الجديدة للباحثين للمرة الأولى بالحصول على البيانات المدفونة عميقا داخل خوادم الشركات”.

أوربن أوضحت، أنه على الرغم من أن الكثير من الاهتمام تم توجيهه إلى الآثار السلبية لاستخدام وسائل الإعلام الرقمية على حساب الأمثلة الإيجابية، فإن البحث الذي أجرته حول رفاهية المراهقين خلال جائحة “كوفيد-19” على سبيل المثال، لوحظ أن المراهقين الذين لديهم وصول إلى الأجهزة المحمولة كانوا أكثر سعادة من أولئك الذين لا يمتلكونها.

إدمان الهواتف

لكن عندما يتعلق الأمر بمخاطر الضرر على الأطفال، اتبعت أوروبا نهجا احترازيا، ليس جميع الأطفال سيعانون من الضرر الناجم عن هذه المخاطر الناجمة عن الهواتف الذكية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

باتي فالكنبرغ، رئيسة مركز البحث حول الأطفال والمراهقين ووسائل الإعلام في جامعة أمستردام، قالت خلال حدث عقدته في حزيران/يونيو الماضي، “بالنسبة للقصر، نحن بحاجة إلى اعتماد مبدأ الحذر، يجب أن يكون الواقع أن الضرر الممكن حدوثه كاف لتبرير اتخاذ تدابير لمنع أو التخفيف من المخاطر المحتملة”.

رقابة العائلة

من أجل مواجهة الضغوط المتزايدة في السنوات الماضية، قامت منصات مثل “إنستغرام” و”يوتيوب” و”تيك توك” بتقديم مجموعة متنوعة من الأدوات لتهدئة المخاوف، بما في ذلك وسائط التحكم الأبوي. 

منذ عام 2021، تقوم “يوتيوب” و”إنستغرام” بإرسال تذكيرات للمراهقين الذين يستخدمون منصاتهم لأخذ فترات استراحة، وأعلنت “تيك توك” في وقت سابق، أنه يجب على القصّر إدخال رمز مرور بعد ساعة على التطبيق لمتابعة مشاهدة مقاطع الفيديو.

لكن شركات وسائل التواصل الاجتماعي سيتعين عليها قريبا أن تتجاوز هذه الخطوات، بحلول نهاية آب/أغسطس الجاري، إذ ستكون على الشركات الكبيرة جدا عبر الإنترنت التي يزيد عدد مستخدميها على 45 مليون مستخدم في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك شركات مثل “إنستغرام” و”سناب شات” و”تيك توك” و”بينتيرست” و”يوتيوب”، أن تلتزم بأطول قائمة من القواعد.

يجب عليهم تقديم تقييمهم السنوي الأول للتأثير الرئيسي لتصميمهم وخوارزمياتهم وإعلاناتهم وشروط خدماتهم للمراقبة المنصوص عليها في قانون الخدمات الرقمية من قبل اللجنة الأوروبية، وذلك على مجموعة من القضايا المجتمعية مثل حماية القصر والرفاهية العقلية؛ وبعد ذلك، سيتعين عليهم اقتراح وتنفيذ تدابير ملموسة تحت مراقبة شركة تدقيق، واللجنة والباحثين الموثقين.

هذه التدابير يمكن أن تشمل ضمان أن الخوارزميات لا توصي بمقاطع فيديو تتعلق باتباع الحمية للفتيات المراهقات، أو إيقاف تشغيل التشغيل التلقائي على نحو افتراضي، حتى لا يبقى القصر مشغولين بمشاهدة المحتوى.

أيضا سيتم حظر تتبع أنشطة الأطفال عبر الإنترنت لعرض إعلانات مخصصة لهم، حيث تم ربط التصاميم الاستفزازية مثل الصفحة الرئيسية لمواقع التواصل الاجتماعي التي تحتفظ بالمستخدمين على المنصات بسلوك الإدمان، وسيكون من غير المسموح للشركات التكنولوجية بهذا.

مع ذلك، لن يكون قانون المحتوى الجديد للاتحاد الأوروبي عصا سحرية قد يبحث عنها الآباء، قواعد المحتوى لا تنطبق على الترفيه مثل الألعاب عبر الإنترنت أو تطبيقات المراسلة ولا على الأجهزة الرقمية ذاتها.

ما زال الأمر غامضا بشأن كيف ستقوم اللجنة الأوروبية بالتحقيق ومتابعة شركات وسائل التواصل الاجتماعي إذا اعتبرت أنها لم تنجح في تقييد الآثار السلبية لمنصاتها على الرفاهية العقلية، وقد تواجه الجهات المدققة الخارجية والباحثون عقبات للغوص في مجموعات البيانات وسلاسل الشيفرات للعثور على دلائل وتحدي مطالب الشركات التكنولوجية.

مدى استعداد الشركات للتصدي لنموذج أعمالها من أجل صحة مستخدميها العقلية هو أيضا سؤال مفتوح، كما قال جون ألبرت، خبير سياسات في مجموعة الدفاع عن التكنولوجيا “AlgorithmWatch”، لقد بذلت الشركات التكنولوجية جهدا جادا في مكافحة أبشع أنواع الانتهاكات، مثل التنمر الإلكتروني أو اضطرابات الأكل، وقال ألبرت أن مستوى الشفافية الذي أتاحته القواعد الجديدة لم يسبق له مثيل.

الحفاظ على التوازن

في ظل التطور المتسارع للتكنولوجيا والإنترنت، لا بد أن نسأل أنفسنا، هل نستخدم الهواتف الذكية بحكمة ومسؤولية، هل نحافظ على توازن بين الحياة الرقمية والحياة الواقعية، وهل نحمي أنفسنا وأطفالنا من المخاطر والمضايقات التي قد تواجهنا على شبكة الويب.

لا شك في أن الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي لها فوائد عديدة بمجالات التعليم والترفيه والتواصل والإبداع، ولكن يجب أن نكون حذرين من أن نصبح مدمنين أو معزولين أو مضطهدين بسببها، ويجب أن نستثمر في تطوير مهاراتنا الرقمية والتعاونية، وأن نستفيد من الفرص التي تقدمها لنا هذه الأدوات العجيبة.

لكي نحقق ذلك، يجب أن نعمل جميعا، الأهل والتدريسيين والحكومات والشركات والشباب أنفسهم، ويجب أن نضع قوانين وسياسات وبرامج تحفز استخدام الهواتف الذكية على نحو آمن وصحي وإيجابي، كما يجب أن نثق في قدرات شبابنا على التعلم والابتكار والتغيير فضلا عن تشجيعهم على استخدام الهواتف الذكية كأصدقاء لا كأعداء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات