استمع إلى المقال

يشكل الكشف المبكر عن الأمراض تحديا هاما في مجال الرعاية الصحية، قد تساهم التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي وتطوير الخوارزميات في تحسين القدرة على التنبؤ بالأمراض قبل ظهور الأعراض الواضحة، مما يتيح فرصة للعلاج المبكر وتحسين نتائج العلاج.

يعد مرض الكلى مثالا مهما، حيث يعاني مرضى السكري من النوع الثاني من ارتفاع خطر الإصابة بهذا المرض، وسنستعرض معا كيف يمكن استخدام الخوارزميات المتطورة في التنبؤ بمرض الكلى وتحقيق الكشف المبكر.

تطوير الخوارزميات للتنبؤ بالأمراض

في الآونة الأخيرة، قام الباحثون بتطوير خوارزميات تستند إلى الذكاء الاصطناعي، وتعتمد على تحليل البيانات الوراثية والسريرية للمرضى. يمكن لهذه الخوارزميات أن تحدد نمطًا محتملاً للأمراض أو الاختلالات الصحية في مرحلة مبكرة، وبالتالي تمكن الأطباء من اتخاذ إجراءات وقائية قبل ظهور الأعراض الواضحة.

في حالة مرض الكلى لمرضى السكري من النوع الثاني، تم تطوير خوارزمية تحليل العلامات الوراثية المرتبطة بمرض الكلى لتوقع إمكانية إصابة المرضى بالكلى المرتبطة بالسكري قبل سنوات من ظهور المشاكل الصحية.

يمكن لهذا التحليل المبكر أن يساهم في تشخيص ومعالجة الأمراض المرتبطة بالسكري التي تصيب الكلى في مرحلة مبكرة. عندما يتم تشخيص المرض في مرحلته المبكرة، يمكن للأطباء أن يبدأوا في تنفيذ خطة علاج فورية ومناسبة للحد من تطور المرض وتقديم الدعم اللازم للمرضى.

وفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية في عام 2021، كان هناك نحو 537 مليون بالغ (تتراوح أعمارهم بين 20 و79 عاما) مصابين بمرض السكري، ويمثّل مريض السكري واحدا من كل 10 أشخاص في جميع أنحاء العالم، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 643 مليونا بحلول عام 2030 و783 مليونا بحلول عام 2045.

من المضاعفات الشائعة لمرض السكري، مرض الكلى، المعروف أيضًا باسم اعتلال الكلية السكري.

يتسبب مرض السكري في زيادة مستويات السكر في الدم؛ ومع مرور الوقت، يؤدي ارتفاع مستوى السكر في الدم إلى تلف وحدات الترشيح الصغيرة في الكلى، مما يؤثر سلبا على قدرتها بتصفية الفضلات من الدم وإعادة تدوير الدم النظيف في الجسم.

يكون الضرر غير قابل للعكس، وينتهي في النهاية بالفشل الكلوي، مما يستلزم إما العلاج بواسطة غسيل الكلى أو زراعة كلية، في الولايات المتحدة، يعزى 44 بالمئة من حالات أمراض الكلى وغسيل الكلى في مرحلة متقدمة إلى مرض السكري.

باحثون من جامعة “هونغ كونغ” قدموا بالتعاون مع “معهد سانفورد برنهام بريبيس” الطبي الأميركي، نموذج حسابي مبتكر يستطيع التنبؤ بمدى احتمالية تطور أمراض الكلى لدى الأشخاص المصابين بمرض السكري من النوع الثاني.

مثيلة الحمض النووي

رونالد ما، المؤلف المشارك في الدراسة، أشار إلى أن هناك تقدما كبيرا في تطوير علاجات لأمراض الكلى لدى مرضى السكري، وأضاف رونالد، أن تقييم خطر إصابة المريض الفردي بأمراض الكلى يمكن أن يكون صعبا استنادا إلى العوامل السريرية وحدها، ولذا فإن تحديد المعرضين الأكثر للإصابة بأمراض الكلى السكرية يعتبر حاجة سريرية مهمة.

لمعالجة هذه الحاجة السريرية، استعان الباحثون بتقنية مثيلة الحمض النووي، وهي عملية بيولوجية يتم فيها إضافة مجموعات الميثيل إلى جزيء الحمض النووي، ويساهم هذا التغيير الوراثي (الجيني) في التحكم بنشاط الجينات وتنظيمها في أي وقت، ويمكن قياسه بسهولة من خلال اختبار الدم.

مثيلة الحمض النووي تعتبر تغييرا وراثيا مرتبطا بالسرطان وأمراض أخرى، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، وقد تمت محاولات سابقة لتحديد علامة حيوية يمكنها التنبؤ بمرض الكلى السكرية، وبينما حققت دراسات الارتباط على مستوى الجينوم (GWAS) بعض النجاح في تحديد العلامات الجينية لمرض السكري من النوع الثاني، يُعتقد أن العلامات اللاجينية، مثل المثيلة، توفر طريقة لالتقاط التفاعل بين الجينات والعوامل البيئية.

الاستخدام الذي قام به الباحثون لمثيلة الحمض النووي كعلامة لتعليم نموذجهم الحسابي في تنبؤ وظائف الكلى يستحق الاهتمام، حيث تم جمع البيانات من 1271 مريضا يعانون من مرض السكري من النوع الثاني في سجل السكري في هونغ كونغ، وتم اختبار النموذج على مجموعة منفصلة تضم 326 أميركيا مصابين بمرض السكري من النوع الثاني أيضا، مما يضمن أن النموذج يمكن أن يتنبأ بأمراض الكلى في مجموعات سكانية مختلفة.

النتائج توضح، أن النموذج الحسابي أظهر قدرة جيدة في التنبؤ بوظائف الكلى، كما حقق النموذج معدل أداء مقبول، هذه النتائج تدل على أن النموذج قادر على التفريق بين الحالات الإيجابية والسلبية بشكل واضح، لم يتأثر أداء النموذج بالعوامل الأخرى مثل الجنس والعمر، مما يعزز موثوقيته في التنبؤ بأمراض الكلى لدى مرضى السكري من النوع الثاني.

“نموذجنا الحسابي قادر على استخدام علامات المثيلة الموجودة في عينة الدم للتنبؤ بوظيفة الكلى الحالية وكيفية عمل الكلى في المستقبل، هذا يعني أنه يمكن تنفيذها بسهولة جنبا إلى جنب مع الطرق الحالية لتقييم خطر إصابة المريض بأمراض الكلى”، وفقا لكيفن ييب، المؤلف المشارك للدراسة.

الكلى السكري

نتائج هذه الدراسة ذات أهمية كبيرة؛ نظرا لانتشار مرض السكري من النوع الثاني عالميا وإمكانية الوقاية من مرض الكلى السكري، قد تسهم هذه النتائج في وجود طرق لتشخيص المرض وعلاجه في مراحل مبكرة.

الباحثون يعملون حاليا على تحسين نموذجهم، ويخططون لتوسيع نطاقه ليشمل بيانات إضافية قد تعزز قدرته على التنبؤ بالمشاكل الصحية الأخرى المتعلقة بمرض السكري.

رونالد ما، صرح قائلا “يسرنا أن نرى نتائج هذه الدراسة قد تحسن الرعاية الصحية المستقبلية، وتسهم في تحديد الأشخاص الذين سيستفيدون الأكثر من التطورات العلاجية الجديدة لمنع تلف الكلى الناجم عن مرض السكري، العلم مستمر في التقدم، ونحن نعمل على دمج معلومات إضافية في نموذجنا لتعزيز دقة الرعاية الصحية في مجال طب السكري”.

تحسين رعاية مرضى السكري

في ختام هذا التقرير، ندرك أهمية الدراسات العلمية في تحسين رعاية مرضى السكري والوقاية من مضاعفاتهم المحتملة، مثل مرض الكلى السكري، استخدام نماذج حسابية تعتمد على علامات المثيلة يمثل تطورا هاما في مجال الطب الدقيق والتنبؤ الصحي.

نتائج الدراسة تبعث على التفاؤل، حيث يمكن لهذا النموذج التنبؤ بوظيفة الكلى وتقدير تطورها في المستقبل بدقة، وهذا يمهد الطريق لتشخيص وعلاج مرض الكلى السكري في مراحله المبكرة، مما يحسن فرص الشفاء، ويعزز جودة حياة المرضى.

عليه، يجب على المجتمع العلمي والمتخصصين في مجال الرعاية الصحية أن يستثمر في هذه الابتكارات والأبحاث المستقبلية، لتحقيق تقدم مستدام في علاج السكري ومراقبة صحة المرضى، إننا على ثقة أن المعرفة والتكنولوجيا ستسهم في إحداث ثورة في مجال رعاية الصحة، وتحسين حياة المرضى ومنع المضاعفات المحتملة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات