استمع إلى المقال

هل تعلم أنه لغاية كانون الثاني/يناير 2021، كان هناك 4.66 مليار شخص يستخدمون الإنترنت، وبزيادة 316 مليون مستخدم، أي بمعدل 7.3 بالمئة عن العام الماضي، هل تساءلت يوما كيف يمكن لهؤلاء الأشخاص التواصل والتفاعل والحصول على المعلومات من مصادر مختلفة ومتنوعة عبر شبكة عالمية ضخمة، الجواب هو الويب العالمي، أو ما يسمى اختصارا بالويب.

الويب هو نظام من المستندات والصور والفيديوهات والبرامج وغيرها من المحتويات المرتبطة ببعضها بروابط إلكترونية، والتي يمكن لأي شخص الوصول إليها وعرضها وإنشاؤها وتحديثها باستخدام متصفحات الإنترنت.

الويب هو أحد أهم اختراعات القرن العشرين، فقد غير طريقة نشر واستهلاك المعلومات، وأحدث ثورة في مجالات عديدة من الحياة، مثل التعليم، والتجارة، والإعلام، والثقافة، والسياسة، والترفيه، وغيرها.

هنا في هذه المقالة، سنبحر معا باستكشاف تاريخ اختراع الويب العالمي، ودور المخترع تيم بيرنرز لي في إنشائه وتطويره بمركز سيرن في جنيف، ناهيك عن شرح المفاهيم والتقنيات الأساسية التي استخدمها تيم بيرنرز لي في إنشاء الويب، مثل روابط الإنترنت (URLs)، ولغة ترميز النص الفائق (HTML)، وبروتوكول نقل النص الفائق (HTTP)، وأول متصفح ومحرر للويب.

قد يهمك: جيفري هينتون الأب الروحي للذكاء الصنعي.. كيف ألهم جيلاً من الباحثين؟

اختراع الويب العالمي ودوافع تيم بيرنرز لي

في عام 1980، كان تيم بيرنرز لي يعمل كمستشار هندسة برمجيات في مركز سيرن، المختبر الأوروبي للفيزياء النووية في جنيف، وهناك كان يحتاج إلى طريقة لتخزين وتبادل المعلومات بشكل سهل وسريع بين العلماء المتعاونين من مختلف أنحاء العالم، فأنشأ نظاما اسمه “Enquire”، يستخدم فيه مفهوم الارتباطات الإلكترونية أو الروابط (links) لربط المستندات والصفحات ببعضها. هذا النظام كان أول نموذج لما سيصبح فيما بعد الويب.

في عام 1989، قدم تيم بيرنرز لي اقتراحا رسميا لإنشاء نظام عالمي من المستندات المرتبطة بروابط، يستخدم شبكة الإنترنت كوسيلة للاتصال، وأطلق على هذا النظام اسم “Word Wipe Wild”، وهو ما نعرفه بـ “WWW” أو الشبكة العالمية. هدفه كان تسهيل تبادل المعلومات والتعاون بين العلماء في مجالات مختلفة، وجعل المعرفة متاحة للجميع.

في عام 1990، نجح تيم بيرنرز لي بتطوير أول خادم وأول متصفح وأول محرر للويب، باستخدام حاسوب من نوع “NeXT”، كما ابتكر 3 عناصر أساسية لإدارة وعرض المستندات على الويب، وهي رابط الإنترنت (URL)، والذي يحدد عنوان كل صفحة؛ وبروتوكول نقل النص الفائق (HTTP)، والذي يحدد طريقة اتصال المتصفح بالخادم؛ ولغة ترميز النص الفائق (HTML)، والتي تحدد هيكل وشكل كل صفحة، وقام بإطلاق أول موقع ويب في العالم في 6 آب/أغسطس 1991، وهو http://info.cern.ch، والذي كان يحتوي على معلومات عن مشروع الويب وكيفية استخدامه وإنشاء صفحات جديدة.

في العام نفسه، أعلن تيم بيرنرز لي عن مشروعه للجمهور في مجموعة نقاشية على الإنترنت، وبدأ في توزيع برنامج المتصفح والمحرر للويب مجانا لأي شخص يرغب باستخدامه؛ وبذلك، فتح الباب لانتشار الويب بسرعة كبيرة، حيث بدأت الجامعات والمؤسسات والشركات والأفراد في إنشاء مواقعهم الخاصة ومشاركتها مع العالم.

المفاهيم والتقنيات الأساسية التي استخدمها تيم بيرنرز لي

لفهم كيف يعمل الويب، يجب أن نتعرف على 3 عناصر رئيسية، رابط الإنترنت (URL)، ولغة ترميز النص الفائق (HTML)، وبروتوكول نقل النص الفائق (HTTP). هذه العناصر تساعد على تحديد وتنظيم وعرض المستندات على الويب.

  • رابط الإنترنت (URL)

هو عبارة عن سلسلة من الحروف والأرقام والرموز التي تحدد عنوان محدد لصفحة ويب أو ملف آخر على شبكة الإنترنت. مثلاً، https://www.exvar.com/who-are-we/ هو URL لصفحة ويب لمؤسسة “إكسڤار”.

كل “URL” يتكون من ثلاثة أجزاء رئيسية: نظام التسمية (scheme)، والذي يحدد نوع الاتصال المستخدم (مثل http أو https)، واسم المجال (domain name)، والذي يحدد اسم المضيف أو الخادم الذي يحتوي على المستند (مثل www.exvar.com)، والمسار (path)، والذي يحدد مكان المستند داخل المضيف أو الخادم مثل (/who-are-we/).

  • لغة ترميز النص الفائق (HTML)

هي لغة بسيطة تستخدم لإنشاء وهيكلة المستندات على الويب، كل مستند “HTML” يتكون من عدة عناصر (elements)، والتي تحدد أجزاء مختلفة من المستند، مثل العناوين، والفقرات، والصور، والروابط، وغيرها.

كل عنصر يكتب بشكل عام بين قوسين زاوية (<>)، مثلا <p> هذه فقرة </p>. كل مستند “HTML” يبدأ بعلامة <html> وينتهي بعلامة </html>، ويلزم أن يحتوي على قسم رأس (head) وقسم جسم (body).

قسم الرأس يحتوي على معلومات عامة عن المستند، مثل العنوان، واللغة، والترميز، والأنماط، وقسم الجسم يحتوي على المحتوى الرئيسي للمستند، مثل النصوص، والصور، والروابط، والجداول، والقوائم، وغيرها.

  • بروتوكول نقل النص الفائق (HTTP)

هو بروتوكول يحدد قواعد وإجراءات التواصل بين المتصفحات والخوادم على الويب، “HTTP” يستخدم طريقة طلب-استجابة (request-response) لتبادل المعلومات، المتصفح يرسل طلب (request) إلى الخادم يحتوي على نوع الطلب (مثل GET أو POST) وعنوان URL للمستند المطلوب، الخادم يرسل استجابة (response) إلى المتصفح تحتوي على رمز حالة (status code) يحدد نتيجة الطلب (مثل 200 OK أو 404 Not Found) والمستند المطلوب أو رسالة خطأ.

  • أول متصفح ومحرر للويب

هو برنامج اسمه “World Wide Web”، كتبه تيم بيرنرز لي في عام 1990 باستخدام حاسوب من نوع “NeXT”، هذا البرنامج كان يسمح للمستخدم بعرض المستندات على شكل نص فائق (hypertext)، وكذلك إنشاء وتعديل المستندات باستخدام لغة “HTML”. وكان أولى خطوات تحقيق رؤية تيم بيرنرز لي لجعل الويب شبكة تفاعلية وديناميكية، لا مجرد مجموعة من المستندات الثابتة.

اول متصفح صممه تيم بيرنرز لي
المصدر: wikipedia

تأثير الويب العالمي

فيما يلي تأثير الويب العالمي على بعض المجالات المختلفة.

في مجال التعليم، أصبح الويب العالمي مصدرا هاما للمعرفة والتعلم، حيث يمكن للطلاب والمعلمين الوصول إلى موارد تعليمية متنوعة ومحدثة، والتفاعل مع خبراء وزملاء من جميع أنحاء العالم، والانضمام إلى دورات وبرامج تعليمية عبر الإنترنت.

كما أن الويب العالمي يسهل عملية التقييم والشهادات والاعتراف بالمؤهلات التعليمية على المستوى الدولي.

في مجال التجارة، أحدث الويب العالمي ثورة في طرق البيع والشراء والتسويق، حيث أصبح بإمكان المستهلكين والشركات الوصول إلى سوق عالمي ضخم، والاستفادة من المنافسة والتنوع والابتكار، كما أنه ساعد على تحسين كفاءة وشفافية سلاسل التوريد والخدمات المالية والضرائب والجمارك.

في مجال الإعلام، أصبح الويب العالمي منصة قوية لنشر وتبادل المعلومات والآراء والأخبار، حيث يمكن للصحفيين والناشطين والشخصيات العامة والجهات المؤثرة التواصل مع جمهور عريض، وتقديم رؤى وتحليلات مختلفة، وسهل على المستخدمين التحقق من صحة المصادر والحقائق، وتجنب المضللة والزائفة.

في مجال الثقافة، أصبح الويب العالمي جسرا للتواصل بين الثقافات المختلفة، حيث يمكن للأفراد والجماعات التعرف على تاريخ وتقاليد وفنون وأدب شعوب أخرى، وتبادل التجارب والقيم، ويساهم في حفظ وإثراء التراث الثقافي للإنسانية، من خلال نشره وحمايته.

في السياسة، فإن الويب العالمي يعد أداة قوية لتعزيز المشاركة والديمقراطية، حيث يمكن للمواطنين متابعة شؤون بلدهم والعالم، والتعبير عن رأيهم ومطالبهم، والتصويت والانتخاب والرقابة، كما يسمح بتشكيل شبكات وحركات سياسية عابرة للحدود، وتعزيز التعاون والحوار بين الدول والمنظمات الدولية.

تيم بيرنرز لي

التحديات والمخاطر

من المحاور المهمة في عالم الويب العالمي، هي التحديات والمخاطر التي تواجهه في عصر الذكاء الصنعي والشبكات الاجتماعية والبيانات الضخمة.

الويب العالمي يستفيد من تطورات الذكاء الصنعي في تحسين خدماته وتوسيع إمكاناته، مثل تحليل اللغة والصورة والصوت، وتوليد المحتوى والتوصيات، وزيادة الأمن والخصوصية؛ لكن في الوقت ذاته، يواجه خطر استغلال الذكاء الصنعي لأغراض سلبية أو مضللة، مثل إنتاج صور وفيديوهات مزيفة، أو استخدام روبوتات إلكترونية للتأثير في الرأي العام.

الشبكات الاجتماعية تشكل جزءا كبيرا من استخدامات الويب العالمي، حيث تسمح بتبادل المعلومات والآراء والأخبار بسرعة وسهولة، ولكن هذه الميزة تحمل معها مخاطر مثل انتشار المعلومات المضللة أو الزائفة، أو التحرش والتنمر والتمييز عبر الإنترنت، أو انتهاك خصوصية المستخدمين أو استغلال بياناتهم.

البيانات الضخمة هي مجموعة من المعلومات التي يتم جمعها وتخزينها وتحليلها عبر الويب العالمي، والتي تستخدم لغرض مفيد أو ضار، فالبيانات الضخمة تساعد على اكتشاف أنماط واتجاهات وفرص جديدة في مجالات مختلفة، مثل الصحة والتعليم والأعمال، ولكنها أيضا تشكل خطرا على حقوق المستخدمين في التحكم ببياناتهم، أو على سلامة المؤسسات من هجمات إلكترونية.

تيم بيرنرز لي كان دائما -وما زال- يدافع عن رؤيته للويب كشبكة مفتوحة وديمقراطية وحرة، فهو يطالب بإصلاح الشبكة لضمان احترام حقوق المستخدمين في خصوصية بياناتهم، وحرية التعبير، والحصول على معلومات موثوقة ومتاحة.

كما يدعو إلى تعزيز التعاون بين الحكومات والشركات والمجتمع المدني لوضع قواعد ومعايير وأخلاقيات تحكم استخدام الويب العالمي بشكل مسؤول وشفاف.

قد يهمك: براشانت ساوثيكال.. اسم ساطع في عالم تحليل البيانات

تيم بيرنرز لي.. مخترع ومصلح

الويب العالمي هو من أعظم الاختراعات في تاريخ البشرية، فهو يربط بين الأفراد والمجتمعات والثقافات بخيوط من الضوء، ويفتح آفاقا جديدة للمعرفة والتعلم والإبداع والتنمية، ولكن مع كل إنجاز يأتي تحد جديد، فالويب العالمي يواجه مخاطر وتهديدات تستدعي الحذر والحكمة والمسؤولية، فكيف نحافظ على روح الويب العالمي كشبكة مفتوحة وديمقراطية وحرة، وكيف نستخدمه لخير الإنسانية وليس لشرها.

هذه الأسئلة تطرحها علينا رؤية تيم بيرنرز لي، المخترع الذي أهدى العالم هذا الإنجاز العظيم، والذي يسعى إلى إصلاح الشبكة لتحقيق مبادئها الأصيلة، فهو المدافع عن حقوق المستخدمين في خصوصية بياناتهم، وحرية تعبيرهم، والحصول على معلومات موثوقة ومتاحة.

تيم بيرنرز لي هو أحد أبرز المخترعين في التاريخ، فهو لم يكتفِ بابتكار شبكة غيرت حياتنا جميعا، بل يسعى إلى تطويرها وتحسينها باستمرار، فهو يؤمن بأن الويب العالمي هو ميراث للإنسانية جمعاء، وأنه علينا جميعا المساهمة في حمايته وإثرائه. ولذا من المهم أن نستلهم من رؤيته وجهوده، ولنجعل من الويب العالمي شبكة تضم دون أن تفرّق، وتثقف دون أن تضلل، وتبدع دون أن تخرب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات