آثار التوسع الصيني التكنولوجي على الخليج العربي.. التحديات والتشوهات

آثار التوسع الصيني التكنولوجي على الخليج العربي.. التحديات والتشوهات
استمع إلى المقال

خلال السنوات الأخيرة، أصبح للصين حضورا متزايدا في الشرق الأوسط، وبالأخص منطقة الخليج العربي، مدفوعة بمصالحها الاقتصادية التوسعية في العالم، في حين أن الصين لا تزال جديدة نسبيا على المنطقة وحذرة في مقاربتها للتحديات السياسية والأمنية الدولية.

بسبب هذا التوسع المريب والمتسارع في منطقة الخليج العربي، الكثير من المحللين الجيوسياسيين والاقتصاديين بدأوا يفكرون في الدور المحتمل للصين في البنية الأمنية المستقبلية للمنطقة، ومدى تأثيره الاقتصادي والسياسي وحتى الاجتماعي.

مع ذلك، فإن الأغلبية لديه فهمٌ محدود لأهداف الصين وغاياتها في منطقة الخليج العربي، والتأثير المحتمل لهذه الأهداف على الاستقرار الإقليمي و الديناميكيات السياسية على المدى الطويل، وبالنظر إلى المنافسة الجيوسياسية المتزايدة التي أثارها صعود الصين في جوار أوروبا، يجب على صانعي السياسة في العالم توخي الحذر، والبدء بأخذ الصين بالاعتبار في تخطيطهم الاستراتيجي للشرق الأوسط.

قد يهمك: ما مصير القطاع الخاص في الصين بعد تقييد أعمال شركة “علي بابا”؟

  التوسع الصيني

علاقة الصين مع دول الخليج العربي تتركز في عدة محاور منها، الطلب على الطاقة والتكنولوجيا الحديثة ومبادرة “الحزام والطريق”، التي تم إطلاقها في عام 2013.

في عام 2015، أصبحت الصين رسميا أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، حيث يأتي ما يقرب من نصف إمداداتها من الشرق الأوسط، فالصين بحاجة ماسة إلى نفط منطقة الخليج العربي، فبحسب مجلة “quincyinst” التحليلية، بأنه على مدى السنوات 25 الماضية، زادت واردات الصين من النفط من الخليج العربي ليس فقط من حيث القيمة المطلقة ولكن أيضا في حصة الخليج العربي من إجمالي واردات الصين من النفط الخام.

في عام 1996، استوردت الصين ما قيمته 1.2 مليار دولار من النفط من الخليج العربي وبنسبة 34.6 بالمئة من وارداتها من النفط الخام.

بحلول عام 2019، استوردت 106.5 مليار دولار من دول الخليج العربي بنسبة 43.9٪ من إجمالي وارداتها من النفط الخام.

من عام 2010 إلى عام 2019، قدمت دول الخليج العربي، في المتوسط، 48 بالمئة من واردات الصين من النفط. اليوم، تستورد الصين ما يقرب من 40 بالمئة من نفطها.

توضح هذه الأرقام مدى حاجة بكين لنفط الخليج بعيدا عن أي اعتبارات أخرى، وتؤكّد نوايا وتوجهات بكين لمنطقة الخليج العربي، بعيدا عن الشعارات التي يتم تداولها إعلاميا حول الصداقات والتعاون المشترك.

باعتبار منطقة الخليج مفترق طرق مهم من الناحية الاستراتيجية لطرق التجارة والممرات البحرية التي تربط آسيا بأوروبا وإفريقيا، يلعب الشرق الأوسط دورا مهما في مبادرة “الحزام والطريق” أيضا، التي تم تصميمها على أنقاض طريق الحرير، ولوضع الصين في مركز شبكات التجارة العالمية.

من الناحية التكنولوجية، تحاول الصين الاستفادة من الطلب الاقتصادي المتزايد في منطقة الخليج العربي، الذي يتيح لها الحصول على الإيرادات الجديدة والزيادة في الأرباح.

الصين قررت الاستثمار بقوة في شركات التكنولوجيا التابعة لها مثل، “هواوي” و “ZTE”، للدخول في الشراكات والمشاريع الإنشائية في منطقة الخليج العربي، كالمشاريع البنائية والإنشاءات الجديدة، وشبكات الاتصالات والطاقة الشمسية، وهذا ما ساعد شركات التكنولوجيا الصينية من الدخول في هذا الاقتصاد الجديد من أكبر الأبواب.

  الآثار السلبية من توسع الصين

مع زيادة توسع وهيمنة الصين في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا منطقة الخليج العربي، يزداد اعتماد المنطقة على الصين في التكنولوجيا والاستثمار، مما يؤدي إلى فقدان السيادة الاقتصادية لدول المنطقة، حيث قد تضطر دول الخليج العربي إلى تعديل سياساتها وأنظمتها الاقتصادية لتتماشى مع الصين، وهذا ما قد يغيّر ميزان القوى في المنطقة، مما قد يكون له تداعيات على الاستقرار الاستراتيجي، ويكون له تأثير سلبي على علاقات دول المنطقة مع البلدان الأخرى.

الشركات الصينية ستحل محل الصناعات والأعمال المحلية، بسبب أن الشركات الصينية لديها موارد وإمكانيات ضخمة، مما يمنحها أفضلية على الشركات المحلية، وقد يؤدي ذلك إلى تراجع القدرة التنافسية للشركات المحلية وفقدان الوظائف، وما يقابله من تراجع في الاقتصاد المحلي

نظرا لأن التكنولوجيا الصينية أصبحت أكثر انتشارا في منطقة الخليج العربي، فقد تتعرض دول المنطقة لمزيد من الهجمات الإلكترونية وتسريب البيانات، وقد يتم الضغط على شركات التكنولوجيا الصينية أيضا لتوفير وصول خلفي لحكومة بكين أو كيانات أخرى مرتبطة بالحزب “الشيوعي” الحاكم، مما يمنحها القدرة على الوصول إلى البيانات والأنظمة الحساسة، كما من الممكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة مراقبة الأفراد والجماعات في المنطقة على حساب احترام خصوصيتهم.

في هذا السياق تحدث خبير الأمن السيبراني دلشاد عثمان، بشكل مفصل في تصريح خاص سابق لـ “إكسڤار”، ضمن تقرير نُشر تحت عنوان “التداعيات الأمنية لاتفاقية معدات الاتصالات الصينية السورية“، أن غالبية الحكومات في منطقة الشرق الأوسط، لا تلزم الشركات الأجنبية بتخزين البيانات الشخصية للمواطنين ضمن أراضيها، ويعود ذلك إلى عدم وجود مراكز بيانات محلية قادرة على احتواء هذه البيانات، ما يؤدي إلى نقل هذه البيانات إلى مناطق تتبع للسلطات القضائية والأمنية الخاصة بالحكومة الصينية، وهو ما يتيح للصين وصولا غير محدود لبيانات المستخدمين.

 خيارات دول الخليج

هناك بعض الأصوات التي تتعالى في منطقة الخليج العربي، في ضرورة وجود لوائح تنظيمية، للتحكم باستخدام ونشر التكنولوجيا الصينية داخل حدود دول الخليج، وذلك لضمان استخدام هذه التكنولوجيا بصورة آمنة ومسؤولة، وهذا ما يدفع دول الخليج إلى خيار تعزيز دفاعاتها في مجال الأمن السيبراني وتطوير استراتيجيات للحماية من التهديدات السيبرانية من الصين، وتدريب وإنشاء فِرق الاستجابة للحوادث.

بعض الشركات في منطقة الخليج العربي تحاول تطوير القدرات المحلية، من خلال دعم الشركات التكنولوجية الناشئة، والاستثمار في التعليم والبحث لتطوير القدرات التكنولوجية الخاصة بدول الخليج وتقليل الاعتماد على التقنيات الأجنبية وخلق قطاع تكنولوجي أكثر اكتفاءً.

قد يهمك: الاحتجاجات تتسع.. سياسة “صفر كوفيد” تقصم ظهر الصين اقتصادياً وتكنولوجيا؟

 الموقف من التوسع الصيني

الولايات المتحدة تنتقد توسع الصين في المنطقة، معتبرة ذلك جزءا من نمط أوسع لمخططات الصين، كما كانت الولايات المتحدة أيضا قلقة بشأن الوجود العسكري الصيني المتنامي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقدرتها على تحدي مكانة الولايات المتحدة المهيمنة في المنطقة.

توسع وجود الصين في منطقة الخليج العربي أدى إلى زيادة المخاوف بشأن تأثيره على الأمن والاستقرار الإقليميين. بعض الخبراء والمحللين يعتقدون بأن النفوذ العسكري والاقتصادي المتنامي للصين في المنطقة يمكن أن يؤدي إلى زيادة المنافسة والتوتر بين الجهات الفاعلة الإقليمية.

بالرغم من مزاعم الصين عن نواياها السليمة، ورغبتها في التعاون في تطوير ورقمنة منطقة الخليج العربي، يبقى هناك تخوف كبير من أن هذه المبادرة يمكن أن تؤدي إلى دبلوماسية فخ الديون، وهذا ما يزيد من تَبعية البلدان للصين.

أخيرا، كان المجتمع الدولي يراقب عن كثب تواجد الصين المتزايد في المنطقة، وتتخذ بعض الدول خطوات لتعزيز علاقاتها مع الجهات الفاعلة الإقليمية وموازنة نفوذ الصين، على سبيل المثال، واصلت الولايات المتحدة الحفاظ على وجودها في المنطقة، في حين تعمل دول مثل اليابان وأستراليا أيضا على زيادة تعاونها الاقتصادي والأمني مع دول المنطقة.

 التواجد الصيني إلى أين؟

جوشوا كورلانتزيك، الصحفي الأميركي ومؤلف لمجموعة من الكتب، تحدث في كتابه الجديد، “هجوم بكين الإعلامي العالمي“، حول حملة الصين غير المتكافئة للتأثير على آسيا والعالم. تريد الصين بشكل متزايد وصريح إعادة تشكيل العالم على صورتها، سواء من خلال وسائل الإعلام الحكومية أو الدعاية أو حملات التأثير الأخرى لتدوير التغطية الإخبارية والروايات الإعلامية لصالح الصين، تحاول بكين الترويج لما يسميه “علامتها التجارية الاستبدادية القائمة على التكنولوجيا”.

كورلانتزيك وضّح أيضا في كتابه، أن الصين تريد توسيع نطاق نموذجها للإنترنت المحلي المغلق والمسيطر عليه والترويج لجوانب الرأسمالية الاستبدادية التي تدعم التكنولوجيا، لديها بعض العملاء الراغبين والمتحمسين في الشرق الأوسط.

نموذج الصين يحظى بجاذبية هائلة للمملكة العربية السعودية، التي تسعى في بعض النواحي ما حاولت الصين الحصول عليه من الرأسمالية الاستبدادية التي قد توفر نموا مرتفعا، وشركات قادرة على المنافسة عالميا، ولكن هذا ما يجعل قادة الشركات مقيدينَ بشكل كامل، كما هو الحال في الصين، هذا ما قاله جوشوا.

التوسع الصيني في منطقة الخليج العربي لا يزال يشكّل قضية معقدة ومتعددة الأوجه تنطوي على عوامل اقتصادية واستراتيجية وسياسية، وتستمر في التطور بكل تعقيداتها وتشابكها، ومصدر قلق للعديد من دول المنطقة والمجتمع الدولي، ويتطلب اهتماما وتعاونا مستمرَين للحفاظ على الاستقرار والأمن في المنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.