استمع إلى المقال

يوم السبت الماضي، أعلنت شركة “Ant Group” الذراع المالي لشركة التجارة الإلكترونية الصينية “علي بابا”، في بيان رسمي أنها ستدخل تعديلات على هيكلية ملكية أسهمها، بحيث تمنع أي مساهمين من السيطرة والتحكم في الشركة، بشكل منفرد أو جماعي، ويُترجم هذا البيان إلى أن جاك ما، الملياردير الصيني سيتخلى عن إدارة شركة “Ant Group” بشكل تام.

 بحسب ما زعمت شركة “Ant Group” في البيان الصادر عنها، إن هذا الإجراء يهدف لتعزيز استقرار هيكلية الشركة واستدامة التنمية على المدى الطويل.

 بكين قررت في العام 2021، تعليق عملية إدراج “Ant Group” في البورصة، وهي تُعتبر الذراع المالية لمجموعة “علي بابا”، والفاعل الأول في العالم في الأداء عبر الإنترنت، وهو التعليق الذي جعل جاك ما، يخسر مليارات الدولارات.

 الحزب “الشيوعي” الحاكم لم يتوقف عند هذا الحد، بل قام بفتح تحقيق حول اشتباه ممارسات احتكارية في شركة “علي بابا”، تحت ذريعة ضرورة تشديد الرقابة من أجل مكافحة الاحتكار والحيلولة دون توسع الرأسمال.

 أسباب معاقبة جاك ما

في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2021، وخلال قمة نُظّمت بشنغهاي، التي حضرها نخبة من الفاعلين من حول العالم، انتقد جاك ما، النظام المصرفي الصيني، إذ اعتبر أنه يقدم قروضا مقابل رهون، وهذا ما يعيق الابتكار، وهذا من وجهة نظر جاك التي جاءت مخالفة لما درج عليه تصريحات رجال الأعمال الصينيين، التي لا تنتقد أو تعارض قوانين سلطات بكين بأي شكل من الأشكال.

بكين قامت بفرض عقوبات وغرامات على مجموعة “علي بابا” بقيمة 2.78 مليار دولار أميركي، بذريعة تجاوزات تتعلق بموقعها المهيمن على السوق، وإلزام التجار الراغبين في بيع منتجاتهم على منصته وتفادي التعامل مع مواقع التجارة الإلكترونية المنافسة.

قد يهمك: هل تتعافى أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى هذا العام من هبوطها التاريخي العام الماضي؟

 تأثيرات ضرب شركة “علي بابا”

العقوبات التي تم فرضها ضد عملاق التجارة الإلكترونية الصيني “علي بابا” من قبل بكين، متحججة بذريعة كبح الأعمال الاحتكارية غير الخاضعة للتنظيم، لم تكن فعليا سوى بداية النهاية للقطاع الخاص الصيني.

 بحسب ورقة بحثية بقلم إدوارد كننغهام المتخصص في أسواق الطاقة التكنولوجيا الصينية كُتبت في صيف 2022، ذكر أن كل من Chong-En Bai من جامعة ” تسينغ – هوا” الصينية و Chang-Tai Hsieh من جامعة “شيكاغو” الأميركية، أن الشركات الخاصة التي لديها مستثمرون على علاقة وطيدة بمسؤولين في الحزب “الشيوعي” الحاكم، زادت من 14.1 بالمئة من إجمالي رأس المال المسجل في الصين في عام 2019 إلى 33.5 بالمئة في عام 2000، بعكس الشركات الخاصة التي كانت تتمتع ببعض الاستقلالية.

الشركات الخاصة في الصين تفوقت على قطاع الدولة من حيث الكفاءة والربحية وخلق فرص العمل والابتكار التكنولوجي، في المقابل أظهر الحزب “الشيوعي” الحاكم في الصين غموضا تجاه هذه الظاهرة، واعترف على مضض بالأداء المتميز للشركات الخاصة، بينما شدد من ناحية أخرى على أولوية قطاع الدولة على حساب القطاع الخاص، وأصرّ بقوة على قبول الشركات الخاصة لتوجيهات الحزب.

بحسب ورقة عمل نُشرت في نيسان/أبريل 2022، من قبل مؤسسة “Bruegel” المهتمة بالقضايا الاقتصادية، من الواضح أن من بين جميع الشركات الصينية المدرجة في تصنيفات ” Fortune Global 500″، وهو الترتيب السنوي لأكبر 500 شركة في الصين إذا ما قيست من حيث الإيرادات، انخفضت حصة القطاع الخاص من إجمالي إيراداتها بشكل طفيف في عام 2021 عن مستوى عام 2020، أما بالنسبة للقيمة السوقية، فقد تراجعت حصة القطاع الخاص من بين أكبر 100 شركة صينية مدرجة في البورصة من ذروة بلغت 55.4 بالمئة من الإجمالي اعتبارا من منتصف عام 2021 إلى 42.1 بالمئة بنهاية آذار/مارس 2022، كما انخفضت حصة القطاع الخاص في معظم المقاييس الأخرى في عام 2021.

حصة إجمالي إيرادات الشركات الصينية في تصنيفات Fortune 500
الحصة من إجمالي القيمة السوقية لأكبر 100 شركة مدرجة في الصين
حصة الشركات غير العامة من المقاييس الإجمالية للشركات الصينية

 أزمة شركات التكنولوجيا

شركة “Ant Group”، الذراع المالية لـ “علي بابا”، لعبت دورا اقتصاديا حيويا ليس فقط في توفير أنظمة الدفع، بل توفير قروض للشركات الصينية الصغيرة والمتوسطة الحجم التي لا تزال حتى يومنا هذا معزولة إلى حدّ كبير عن التمويل من البنوك المملوكة للدولة.

على مدار العامين الماضيين، شهدت الصين تشددا كبيرا في موقف الحزب تجاه قطاع التجارة الإلكترونية في الصين، وظهرت العلامات الرئيسية على هذا التحول في أواخر عام 2020، عندما أدت ضغوط من الحكومة بكين إلى قيام “علي بابا” بإفشال الاكتتاب العام الأولي لشركة “Ant Group” في هونج كونج، والذي كان من المتوقع أن يجمع 37 مليار دولار أميركي.

المسؤولون الصينيون كانوا يركزون على المراقبة الاجتماعية، من خلال جعل منصات التجارة الإلكترونية أكثر مراقبة من قبل الحزب، وهذا ما أتاح وصولا أكبر إلى البيانات لقطاع كبير من السكان.

بالرغم من كل المحاولات بقي الحزب “الشيوعي” الحاكم غير مرتاح بشكل حاد بشأن الشركات الكبيرة، والتي تمتلك ثروة ضخمة في الخارج، والتي قد تمثل مركزا بديلاً للقوة أو النفوذ، ومما زاد من تفاقم هذا القلق لدى بكين، سلوك مؤسس شركة “علي بابا”، جاك ما، الذي بدا وكأنه يتخلى عن النهج الصيني.

 في الآونة الأخيرة، فرضت الحكومة الصينية غرامة على شركات التجارة الإلكترونية “بايدو” و “تينسنت” بنفس حجة غرامة “علي بابا” وهي “الممارسات الاحتكارية”.

 شركات التجارة الإلكترونية استجابت مرغمة لضغوط بكين، وأنشأ كل من “تينسنت” و “علي بابا” صناديق أسهم اجتماعية، تحت عنوان “مساعدة المناطق الأكثر فقرا في الصين” ولكن مع عدم وجود أمل واضح في تحقيق عائد على هذا الاستثمار، وقد تم تصنيف إجمالي 31 مليار دولار أميركي في هذين الصندوقين على أنه استيلاء الحكومة على أموال المساهمين من تلك الشركات.

 شركة “علي بابا” وافقت على مضض على حصول شركة مملوكة للدولة على حصة 20 بالمئة في أعمال تمويل المستهلك بشركة “Ant Group، لا شك أن ضخ الأموال هذا يحسن كفاية رأس مال الشركة، لكنه أيضا مثال صارخ على عدم وجود خيار أمام القطاع الخاص سوى الانهيار.

قد يهمك:

قد يهمك: الاحتجاجات تتسع.. سياسة “صفر كوفيد” تقصم ظهر الصين اقتصادياً وتكنولوجيا؟

 مستقبل القطاع الخاص الصيني

منذ تفشي فيروس “كوفيد-19” في عام 2020، تبنت بكين ما يسمى بسياسة “صفر كوفيد” حيث استخدم عمليات الإغلاق الصارمة والاختبارات الجماعية كمحاولة للسيطرة على تفشي الفيروس. لكن هذه السياسة أثّرت على الاقتصاد، وأثّرت على الشركات، وبحسب شبكة CNBC التلفزيونية، فقد سجلت شركتا الإنترنت “تينسنت” و”علي بابا” أبطأ معدلات نمو في الإيرادات إطلاقا في عام 2022.

بعد ذلك أدت عمليات التعديل الاقتصادي أو التشديد التنظيمي المفروض من قبل بكين على الشركات الصينية، كنوع من إيجاد نموذج هجين بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص كمحاولة للانتعاش الاقتصادي للبلاد.

لا تشير الدلائل إلى التقارب بين الشركات الحكومية والخاصة فحسب، بل تشير على نحو رئيسي إلى اتجاه طويل الأجل، وهذا ما قد يزيل الحيوية والابتكار الذي شهدناه في القطاع الخاص الصيني الذي ظهر مؤخرا، سيكون هذا بالطبع على حساب اقتصاد الصين، وخلق الثروة، والقدرة التنافسية، وقدرتها على تسلق سلّم التكنولوجيا، وكل ما في الأمر أن هذه الخطوة تتماشى تماما مع الاتجاه السياسي للحزب “الشيوعي” الحاكم نحو مزيد من الاستبداد والسيطرة باستمرار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.