الاحتجاجات تتسع.. سياسة “صفر كوفيد” تقصم ظهر الصين اقتصادياً وتكنولوجيا؟ 

الاحتجاجات تتسع.. سياسة “صفر كوفيد” تقصم ظهر الصين اقتصادياً وتكنولوجيا؟ 
استمع إلى المقال

احتجاجات كبيرة يشهدها مصنع “آيفون” في مدينة تشنغتشو بولاية هينان وسط الصين، لم تنتهِ بعد، بل على العكس توسعت رقعتها، وكل ذلك بسبب سياسة “صفر كوفيد” التي ينتهجها “الحزب الشيوعي” الحاكم في بكين، فما التداعيات السلبية لتلك السياسة على الاقتصاد الصيني والقطاع التكنولوجي.

مصنع “أبل”، يعد أكبر مصنع في العالم لهواتف “آيفون”، وتملكه شركة “فوكسكون” التايوانية، وبدأت الاحتجاجات فيه، بعد أن علم العمال البالغ عددهم أكثر من 200 ألف شخص، ويتم إيوائهم بشكل عام في موقع العمل، عن تأخر في مدفوعات الحوافز والمكافآت التي وعدتهم بها الشركة؛ بسبب فرضها تدابير الحجر الصحي منذ منتصف تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بعد الكشف عن وجود بؤرة من الإصابات بفيروس “كورونا”.

مجموعة “فوكسكون” التايوانية، أقرت في بيان رسمي أول أمس الأربعاء، وقوع أعمال عنف في مصنعها، واعترفت بأحقية شكوى العمال من ظروف العمل في المصنع، لكن ذلك لم يغير من الوضع المتأزم، فالاحتجاجات تزداد حدتها، نتيجة الظروف غير الإنسانية التي يعيشها العمال في المصنع، بسبب سياسة “صفر كوفيد”.

استراتيجية “صفر كوفيد” إلى أين؟

منذ بداية انتشار فيروس “كورونا” عام 2019 في الصين، أعلن “الحزب الشيوعي” الحاكم، عن فرض مجموعة من السياسات والإجراءات الشديدة التي من ضمنها استراتيجية “صفر كوفيد” لمكافحة الفيروس، وذلك من خلال فرض الإغلاق التام ومنع السفر بين بعض الولايات، ناهيك عن إلزام الاختبارات للكشف عن الفيروس لدخول الأماكن العامة واستخدام وسائل النقل العام

واقعيا، ورغم إجراءات بكين، وإعلان الرئيس شي جين بينغ عن سياسة “صفر كوفيد” قبل أكثر من عامين ونصف، واستمرار الصين بالتمسك بتلك السياسة، حتى وصل الأمر إعلان بعض القيادات في “الحزب الشيوعي” الحاكم، انتصار بكين على الوباء، إلا أن كل ذلك لم يحد من عودة انتشار الوباء بضراوة في الصين.

قد تكون السياسات الصينية المتبعة نجحت في التخفيف من حدة انتشار الفيروس في العامين الأولين من الأزمة، وسمحت ببعض الانتعاش الاقتصادي للشركات، وقدمت للمواطنين حياة طبيعية إلى حد ما، إلا أنها في نهاية الأمر تظهر مدى خلل السياسة المتبعة من قبل بكين في الحد من انتشار الفيروس.

في أوائل شهر آذار/مارس الماضي أعلنت “الحزب الشيوعي” الحاكم، عن ارتفاع حاد في عدد الإصابات بفيروس “كورونا”، وهذا ما أثار الشكوك حول نجاعة الاستراتيجية المتبعة من قبل بكين، والتي كانت تعتمد بشكل رئيسي على فرض تدابير إغلاق سريعة ومنع السفر وفرض فترات حجر صحي مطولة على المواطنين.

 بحسب وكالة “فرانس “24، فقد أعلنت وزارة الصحة الصينية يوم أمس الخميس، تسجيل عدد قياسي من الإصابات خلال الـ 24 ساعة الأخيرة، بلغ 31.444 حالة منهم 27,517 حالة لم تُظهر أعراضا، ويتجاوز هذا العدد الرقم القياسي السابق البالغ 29.317، والذي تم تسجيله في منتصف نيسان/أبريل الماضي.

إحصائية من موقع worldometers تظهر استقرار عدد المصابين من شهر مارس 2020 لغاية مارس 2022 ومن ثم ارتفاع العدد بشكل متزايد ليصل إلى ما يقارب 300 ألف إصابة لغاية تاريخ الأمس.

“أبل” وسياسة “صفر كوفيد”

لم تكن شركة “أبل” بمنأى عن تدهور الاقتصاد الصيني، إذ وفق تقديرات نشرتها وكالة “بلومبرغ”، فإن مصنع “أبل” في منشأة “فوكسكون”، يتم فيه تجميع 80 بالمئة من طراز “آيفون 14” الجديد، بما في ذلك أكثر من 85 بالمئة من أجهزة “آيفون 14 برو”.

في المقابل أصدرت شركة “أبل”، الأحد الماضي، بيانا صحفيا أوضحت فيه، بأن سياسات الحجر الصحي المتبعة من قبل بكين، أثرت مؤقتا على منشأة تجميع “آيفون 14″ و”آيفون 14 برو” في مدينة تشنغتشو، وتعمل المنشأة الآن بطاقة إنتاجية محدودة للغاية.

“أبل” قالت إنها تدقق في الوضع، وتعمل عن كثب مع “فوكسكون” لضمان معالجة مخاوف موظفيها، وستبذل قصارى جهدها للاستجابة بطريقة استباقية لمشاغل الموظفين وطلباتهم المعقولة. 

مع ذلك، فإن الاضطرابات في مركز التصنيع الرئيسي لشركة “أبل” في مدينة تشنغتشو الصينية، قد تؤدي إلى نقص في الإنتاج يصل إلى ما يقرب من 6 ملايين وحدة من هواتف “آيفون برو” في 2022، وفق تقرير لوكالة “بلومبرغ”.

في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فر آلاف الموظفين من منشآة “فوكسكون” ، بعد نقص مزمن في الغذاء، ليحل محلهم موظفون جدد ثاروا على الأجور وممارسات الحجر الصحي، في وقت تنتج منشأة “فوكسكون” الغالبية العظمى من أجهزة “آيفون 14 برو”، و”برو ماكس”، وهي أكثر أجهزة “أبل” طلبا هذا العام.

بسبب سياسة “صفر كوفيد”، خفّضت شركة “أبل” هدف الإنتاج الإجمالي إلى حوالي 87 مليون وحدة من توقع سابق يبلغ 90 مليون وحدة، ناهيك عن أن “أبل” نفسها ومعها “فوكسكون” زادتا من تقديراتهما للنقص في تشنغتشو خلال الأسبوعين الماضيين؛ بسبب الاضطرابات المتزايدة.

يستضيف مجمع التصنيع الضخم لمنشآة “فوكسكون”، ما يصل إلى 200 ألف عامل خلال ذروة موسم إنتاج “آيفون”. وبحسب تقارير صحفية، غادر المجمع أكثر من 20 ألف موظف جديد بعد الاحتجاجات.

حسب مسح أجرته “غرفة التجارة الألمانية”، فقدت الشركات الألمانية في الصين ربع موظفيها الأجانب، حتى أن عدد الألمان الذين لديهم رأي سيئ عن الصين، تضاعف إلى 74 بالمئة، مقارنة بعام 2005، وفق استطلاعات أجراها معهد “بي إي دابليو” لقياس مؤشرات الرأي.

غرفة “التجارة الأوروبية” من جانبها، قالت إن “سياسة صفر كوفيد غير المرنة وغير المتسقة، تدفع 23 بالمئة من الشركات الأوروبية، إلى التفكير في الاستثمار خارج الصين (…) وهذه النسبة في أعلى مستوياتها منذ 10 سنوات”.

احترازات جديدة

في أيلول/سبتمبر الماضي، كشفت شبكة “سي إن إن” الأميركية، عن سلسلة من الاحترازات الجديدة من قبل بكين بتوجيه من “الحزب الشيوعي” الحاكم، وكاستمرار في تطبيق استراتيجية “صفر كوفيد”، بأنه منذ 20 آب/أغسطس الماضي، فرضت الحكومة الصينية على 74 مدينة على الأقل يبلغ عدد سكانها مجتمعة 313 مليونا تقريبا، عمليات إغلاق تغطي مدنا أو أحياء بأكملها، وأن 33 مدينة تخضع حاليا للإغلاق الجزئي أو الكامل، ومن المحتمل إضافة المزيد من المدن في الأسابيع المقبلة.

 كل ذلك، وما تزال الصين تصر على أن سياسة “صفر كوفيد” هي السياسة الأنجح في إنقاذ أرواح المواطنين، لكن بحسب شبكة “سي إن إن”، علل مسؤولو الصحة سبب أن العديد من القيود لا تزال سارية، إلى معدل التطعيم المنخفض نسبيا للمسنين وعدم كفاية الرعاية الصحية الريفية.

العمالة الأجنبية وكماشة السياسة الصينية

بعد الزيادة في عدد الحالات المصابة بفيروس “كورونا” على مستوى البلاد بشكل واضح خلال الأشهر القليلة الماضية، أُجبر الكثير من العمال المهاجرين على العودة إلى ديارهم، حيث أغلقت الشركات الصغيرة والمتوسطة، بسبب ضغوطات الحكومة الصينية مثل الاختبارات الجماعية وعمليات الإغلاق المطبقة بصرامة.

ذلك ليس كل شيء، إذ أكدت تقديرات تقريبية، انخفاض عدد المديرين والأيدي العاملة الماهرة من الأجانب في ثاني أكبر اقتصاد في العالم لأكثر من النصف، إذ كان يوجد في الصين 850 ألف أجنبي، لكن لا أحد يعرف بالضبط كم عددهم اليوم، حيث تدفع الأزمة الكل إلى الرحيل.

سياسات “الحزب الشيوعي” الحاكم في البلاد، وتطبيقه لعمليات الإغلاق المتكررة والمراقبة المستمرة وعزلة البلاد عن الدول الأجنبية، أدت إلى خفض جودة الحياة هناك وزيادة خطر وقوع الأجانب تحت وطأة هذه الإجراءات المشددة من قبل بكين.

فيما يتعلم بقية العالم التعايش مع الفيروس كأمر واقع، تبقى الصين ثابتة على عدم التسامح معه مطلقا، إذ يجب أن يخضع الوافدون إلى البلاد للحجر الصحي الفندقي لمدة 7 أيام، إضافة إلى 3 أيام في عزلة منزلية يتم تطبيقها بشكل تعسفي، وحتى الآن لا تزال قيود السفر إلى الصين صعبة للغاية بشكل يحول دون الاحتفاظ بالموظفين الأجانب أو استحالة التفكير في اجتذابهم.

استراتيجية “صفر كوفيد” والاقتصاد الصيني

بالرغم من حالة الاستقرار في عدد الإصابات بفيروس “كورونا”، في الفترة ما بين آذار/مارس 2020 وآذار/مارس 2022، إلا أن الرئيس شي جين بينغ، كان مصرا في استمرار تطبيق سياسة “صفر كوفيد”. 

مع ظهور متغير “أوميكرون” شديد العدوى في أواخر عام 2021 وأوائل عام 2022، جعل بينغ هذه الاستراتيجية غير قادرة على احتواء انتشار العدوى، وسرعان ما تزايدت أرقام الإصابات.

في نهاية عام 2021، تم إغلاق مدينة شيان عاصمة إقليم شنشي، تلتها مدينة شنجن الجنوبية، وتعتبر من أكبر المناطق الاقتصادية في الصين، والتي تضاهي وادي السيليكون في أميركا، وفي شهر نيسان/أبريل، تم إغلاق مدينة شنغهاي، أكبر مركز تجاري في الصين.

 بسبب عمليات الإغلاق وسياسة العزل الصارمة التي تنتهجها الصين من خلال استراتيجية “صفر كوفيد”، التي تعتقد الصين بأنها الورقة الرابحة ضد “كورونا’، أصبح الاقتصاد الصيني في أسوأ حالاته منذ أوائل عام 2020، بعد أن توسع بالكاد في الربع الثاني من عام 2022 مقارنة بالربع نفسه في عام 2021. على أساس ربع سنوي.

الاقتصاد الصيني عاد إلى الانكماش بنسبة 2.6 بالمئة، في وقت كان من المفروض أن ينمو بنسبة 7 إلى 8 بالمئة في النصف الثاني لتحقيق هدف النمو البالغ 5.5 بالمئة للعام بأكمله، بحسب وكالة “رويترز“، والذي أصبح من الواضح بأنه بعيد المنال.

بحسب موقع “اقتصاد الشرق”، فقد هبط الناتج الصناعي بشكل غير متوقع بنسبة 2.9 بالمئة خلال شهر نيسان/أبريل الماضي بالمقارنة مع السنة الماضية، بينما انخفضت مبيعات التجزئة 11.1 بالمئة خلال نفس الفترة، في مقابل التوقعات البالغة 6.6 بالمئة، كما ارتفع معدل البطالة إلى 6.1 بالمئة، وسجل معدل البطالة وسط فئة الشباب رقما قياسيا.

سلاسل التوريد

في ظل استمرار سياسة الحجر الصحي القائمة في الصين، أصبحت بيئة الأعمال هناك غير مستقرة، وهذا ما دفع الكثير من الشركات الأوروبية إلى التفكير في الاستثمار خارج الصين، حتى آن الكثير من الشركات أُغلقت، ناهيك عن توقف المصانع والطرق السريعة وموانئ الحاويات والبنية التحتية وتعطل سلاسل التوريد.

رغم محاولات الصين الحثيثة على دعم سلسلة التوريد عبر تسهيل حركة البضائع، والتي تشمل السيارات والإمدادات الطبية، والإلكترونيات، والضروريات اليومية وتقديم امتيازات متعددة، إلا أن الضرر الناجم عن سياسات “الحزب الشيوعي” الحاكم، كان شديدا للغاية، بحيث لا يمكن إصلاحه بسهولة.

الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني لعام 2022، الذي أعلن عنه مكتب الإحصاء الصيني في 17 تموز/يوليو الماضي، نما بنسبة 0.4 بالمئة فقط مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، مما يوضح حجم التباطؤً الكبير عن النمو الذي بلغ 4.8 بالمئة مقارنة بالربع الأول من العام نفسه.

قطاع التكنولوجيا في ظل “كوفيد-19”

مما لا شك فيه، أن فيروس “كورونا” وتحولاته الجديدة، قد أثّر على الكثير من القطاعات في الصين، منها قطاع السياحة والصناعة والتعليم والتكنولوجيا وغيرها، لكن تضرر قطاع التكنولوجيا تحديدا قد أثر على العالم بشكل عام، وذلك بسبب موقع الصين المتقدم من صناعة الإلكترونيات والسيارات حول العالم.

بحسب التقارير الواردة، سجلت شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة أسوأ أداء فصلي على الإطلاق، وذلك بسبب سياسة الصين المتبعة في عملية السيطرة على انتشار الفيروس التاجي، “صفر كوفيد” في البلاد.

على سبيل المثال، سجلت شركة التجارة الإلكترونية الصينية المعروفة “علي بابا”، استقرارا في إيراداتها على أساس سنوي لأول مرة على الإطلاق خلال الربع الثاني من العام الجاري، وهو ما يعتبر تراجعا مقارنة بالسنوات الماضية المليئة بالإنجازات.

شركة “جي دي دوت كوم”، ثاني أكبر شركة للتجارة الإلكترونية بالصين، سجلت أكبر تباطؤ في نمو إيراداتا بتاريخها، في وقت سجلت فيه شركة “اكسبينغ” لصناعة السيارات الكهربائية، خسائر أكبر من التوقعات.

بالمحصلة، فإن سياسة “صفر كوفيد” المتبعة من قبل “الحزب الشيوعي” الحاكم، جاءت نتائجها عكسية على الصين، فتضرر اقتصادها بشكل واضح، وفي حال استمرار الاحتجاجات بمصنع “أبل” سيزداد التضرر أكثر، ولو انسحبت الشركات التكنولوجية الأوروبية والغربية من بكين، فإن ذلك سيتسبب بضربة قاصمة لاقتصاد الصين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.