استمع إلى المقال

تبرز قضية “واتساب” (WhatsApp) ضد مجموعة “إن إس أو” (NSO Group)، المطوّرة لبرنامج التجسس “بيغاسوس” (Pegasus)، كمثال صارخ على التحديات التي تواجهها شركات التكنولوجيا في حماية مستخدميها ضد الهجمات الإلكترونية، حيث تظل المعارك القضائية بين عمالقة التكنولوجيا وشركات صناعة البرمجيات الخبيثة شاهداً على الطريق الوعر لتحقيق هذا الهدف.
الأسبوع الماضي، شهدت هذه المعركة القضائية تطوّراً كبيراً عندما أمر قاضٍ فيدرالي في كاليفورنيا مجموعة “إن إس أو” بتسليم رمز برنامجها السّري المحمي للغاية كجزء من إجراءات اكتشاف الأدلة في الدعوى القضائية التي رفعها “واتساب”.
هذا الأمر لا يمثّل فقط انتصاراً لتطبيق المراسلة الشهير، ولكنه يُعدّ أيضاً إشارة واضحة إلى الأضرار المحتملة التي يمكن أن تلحق بشركات صناعة البرمجيات الخبيثة نتيجة لممارساتها. 

قضية غير أخلاقية

الحصول على كود برنامج “بيغاسوس” من قِبل القضاء يمثّل نقطة تحوّلٍ هامة في الصراع الدائر لحماية الخصوصية والأمان الرقمي. هذا الإجراء يسمح لخبراء الأمان في “واتساب” وجهات أخرى، بفهمٍ عميق لكيفية عمل البرنامج واستغلاله لثغرات الأمان، مما يوفّر فرصة ذهبية لتطوير حماية أكثر فعالية ضد هجمات مشابهة في المستقبل. 

أكثر من ذلك، فإن الكشف عن الكود يعزّز موقف “واتساب” في الدعوى القضائية ضد مجموعة “إن إس أو”، مقدّماً دليلاً ملموساً على الادعاءات الموجّهة ضد الشركة.

وفي الوقت نفسه، التحليلات الناتجة عن الوصول إلى الكود قد تكشف عن استخدامات غير قانونية أو غير أخلاقية لبرنامج “بيغاسوس”، مما يؤدي إلى تكثيف الضغوط العامة والسياسية على “إن إس أو” وشركات التجسس الأخرى.
هذا يمكن أن يُسهم في تشديد التنظيمات المحيطة ببرمجيات التجسس ويعزز الأمن الرقمي بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، فالكشف عن تقنيات “بيغاسوس” يمنح المطوّرينَ وشركات التكنولوجيا القدرة على سدّ الثغرات الأمنية بشكل أكثر فعالية، مما يحسّن من أمان البرمجيات والخدمات الرقمية على نطاق واسع.

الوجه “القبيح” للتجسّس الرقمي 

مجموعة “إن إس أو” (NSO Group)، هي شركة تكنولوجيا إسرائيلية متخصصة في تطوير وبيع برمجيات وأدوات التجسس الرقمي. تأسست في عام 2010، وقد اكتسبت شهرة عالمية بسبب برنامجها “بيغاسوس”، الذي يُعتبر واحدًا من أكثر برامج التجسس تطوّراً وقوة في العالم.

برنامج “بيغاسوس”، هو أداة تجسس سيبراني تمكّن المستخدمينَ من اختراق الأجهزة المحمولة بطريقة شديدة التعقيد، موفّراً إمكانية الوصول الكامل إلى الجهاز المستهدف. 

ويمكن لهذا البرنامج التجسس على الرسائل النصية والبريد الإلكتروني، والاستماع إلى المكالمات، وتتبع مواقع الأجهزة، وحتى تشغيل الكاميرا والمايكروفون دون علم المستخدم. كما تم تصميم “بيغاسوس” ليعمل بشكل خفي تماماً، مما يجعل اكتشافه من قِبل المستهدفينَ أمراً صعباً للغاية.

تزعم مجموعة “إن إس أو”، أن “بيغاسوس” مخصص للاستخدام الحكومي فقط، ويهدف إلى مساعدة الحكومات في مكافحة الإرهاب والجريمة. ومع ذلك، تم الكشف عن استخدام البرنامج في عدّة حالات للتجسس على صحفيينَ، ونشطاء حقوق الإنسان، ومعارضينَ سياسيينَ، ودبلوماسيينَ في جميع أنحاء العالم، مما أثار جدلاً واسعاً حول الخصوصية وانتهاكات حقوق الإنسان.

الانتهاكات المرتبطة بـ”بيغاسوس” وغيرها من أدوات التجسس التي تطوّرها مجموعة “إن إس أو”، أدت إلى دعوات دولية لتنظيم استخدام تكنولوجيا التجسّس ووضع ضوابط أكثر صرامة على صادراتها. كما واجهت المجموعة عدّة دعاوى قضائية وتحقيقات، بما في ذلك الدعوى المرفوعة من قِبل “واتساب”، التي تسلّط الضوء على التحديات الأخلاقية والقانونية المرتبطة بصناعة التجسس الرقمي.

“بيغاسوس” والتجسس الصامت

تمثل برمجية “بيغاسوس” تهديداً متطوّراً يعيد تعريف مفهوم الخصوصية والأمان الرقمي. ما يميز هذا البرنامج الخبيث ليس فقط قدرته الفائقة على التجسس والوصول إلى بيانات حساسة، ولكن أيضاً طريقة اختراقه للأجهزة بما يُعرف بـ”هجمات الصفر ضغط”، حيث لا يتطلب الأمر من المُستخدِم أي تفاعل مثل النقر على رابط أو تحميل ملف مشبوه. هذه القدرة تجعل من “بيغاسوس” سلاحاً رقمياً فائق الخطورة يمكنه التسلّل إلى أعماق الأجهزة دون إثارة أي شكوك.

شركات التكنولوجيا الكبرى تواجه تحدّياً هائلاً في محاولاتها لسدّ الثغرات الأمنية التي تستغلها برمجية “بيغاسوس”. والصراع لا يتوقف عند حدّ تطوير برمجيات مضادة للفيروسات أو تحديثات أمان، ولكنه يمتد إلى ضرورة إعادة تصميم الأساسيات الأمنية لأنظمة التشغيل والشبكات. أما الهدف فهو إنشاء بنية تحتية رقمية تقلّل من فرص الاختراق، معزّزة بتقنيات تحليل سلوكي لرصد ومنع الهجمات قبل أن تحدث.

إن التحدي الذي تواجهه الشركات ليس فقط تقنياً بل يشمل أيضاً جانباً أخلاقياً وقانونياً، حيث يتطلب التعاون الدولي ووضع إطار تشريعي يحكم استخدام وتصدير برمجيات التجسّس. وفي هذا السياق، تبرز أهمية الشفافية والمساءلة لضمان عدم استغلال التكنولوجيا في انتهاكات حقوق الإنسان أو التجسس السياسي.

تجسس “بيغاسوس”.. إلى متى؟

على الرغم من الإدانات المتكررة التي واجهتها مجموعة “إن إس أو” في المحافل القضائية حول العالم بسبب ممارساتها المتعلقة ببرمجية “بيغاسوس”، تستمر الشركة في بيع هذه الأداة القوية للتجسس الإلكتروني.
الاستخدام المسيء لـ”بيغاسوس” من قِبل الحكومات للتجسس على المعارضين السياسيين، الصحفيين، ونشطاء حقوق الإنسان يظل موضوع قلق دولي كبير، مما يثير تساؤلات جدّية حول الأخلاقيات والتبعات القانونية لتجارة برمجيات التجسس.
هذا الوضع يدعو إلى تفعيل دور أكبر للمجتمع الدولي والهيئات التنظيمية لوضع ضوابط أكثر صرامة على تجارة واستخدام برمجيات التجسس. كما يتطلب من شركات التكنولوجيا والمطوّرين تكثيف جهودهم لتعزيز الأمان السيبراني وحماية خصوصية المستخدمينَ في مواجهة هذه التهديدات المتزايدة.
القضايا المرفوعة ضد مجموعة “إن إس أو” والجدل المستمر حول استخدام “بيغاسوس” يسلّط الضوء على الحاجة الماسة لإيجاد توازن بين التقدم التكنولوجي وحماية حقوق الإنسان. ويجب على الحكومات والشركات والمجتمعات العمل معاً لضمان أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تُستخدم بطريقة تدعم الحرية والديمقراطية، وليس كأدوات للقمع وانتهاك الخصوصية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات