استمع إلى المقال

في نيسان/أبريل 2020، انطلقت منصة “كلوب هاوس” (Clubhouse)، تلك الشبكة الاجتماعية الجديدة التي تحمل في طياتها فكرة فريدة ومبتكرة، حيث تتيح لمستخدميها المشاركة في محادثات صوتية مباشرة في غرف افتراضية مع مستخدمين آخرين، هذا الاقتراح الجديد أحدث ضجة كبيرة وجلب ملايين المشتركين إلى هذا التطبيق، وأثار الإعجاب بين المستثمرين والمشاهير.

“كلوب هاوس”، تمثلت بلا شك بهيئة بطلة جديدة في ميدان وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قدمت وسيلة جديدة للناس للتواصل والتفاعل مع بعضهم البعض، وقد عرفت هذه المنصة شعبية هائلة خلال جائحة “كوفيد -19″، حيث سعى الناس إلى البحث عن وسائل جديدة للتواصل مع الآخرين أثناء فترات العزل المنزلي.

هذه المنصة تحولت بسرعة إلى مركز حيوي للنقاش حول مواضيع متنوعة تشمل السياسة والأحداث الجارية وثقافة البوب ​​وأسلوب الحياة، حيث يمكن للمستخدمين الانضمام إلى الغرف التي تهمهم، والمشاركة في النقاشات، وحتى إنشاء غرفهم الخاصة.

المنصة شهدت انتشارا سريعا بين الجماهير الملمة بأمور التكنولوجيا، وقامت السياسة الحصرية للدعوة فقط بخلق شعور بالاستثنائية حول التطبيق، حيث كان بإمكان المستخدمين تنزيل التطبيق فقط من خلال دعوة من مستخدم قائم، مما جعله صعب الوصول إليه بالنسبة للكثيرين.

هذا العامل الندرة ساهم في إثارة حماسة المستخدمين، وأسهم أيضا في تفشي التطبيق، وتصميم التطبيق الفريد والحصري سرعان ما لفت انتباه المستثمرين، حيث جمعت “كلوب هاوس” مليون دولار من شركات رأس المال الاستثماري في أيار/مايو 2020، واستمرت نمو المنصة في الارتفاع، حيث بلغ عدد المستخدمين المسجلين في كانون الأول/ديسمبر 2020 حوالي 600 ألف مستخدم.

“كلوب هاوس” بالأرقام

في نيسان/أبريل 2020، تم إطلاق منصة “كلوب هاوس” بمشاركة 1500 مستخدم تجريبي، وفي أيار/مايو من العام نفسه، كان لديها حوالي 270 مستخدما يوميا، واستمر عدد المستخدمين في الارتفاع تدريجيا، حتى وصل إلى 600 ألف مستخدم في كانون الأول/ديسمبر 2020.

في كانون الثاني/يناير 2021، كان هناك 2 مليون مستخدم أسبوعي على المنصة، وتم تقييم المنصة بقيمة مليار دولار في الشهر نفسه.

شباط/فبراير 2021 شهد نموا كبيرا حيث ازداد عدد المستخدمين خمسة أضعاف أي حوالي 10 ملايين مستخدم أسبوعي، وأكبر نمو حدث بين 1 و16 شباط/فبراير 2021، عندما انضم أكثر من 4،6 ملايين مستخدم إلى المنصة، وذلك بعد جهود لتوسيع قاعدة مستخدميها، حيث اشترت الشركة،

 صفحة إعلام اجتماعي تعتمد على “إنستغرام” (The Tinder Blog) بمبلغ غير معلن عنه، وكانت الصفحة تحظى بـ 4،2 مليون متابع وتجذب أكثر من مليار مشاهدة شهريا.

كلوب هاوس

في نيسان/أبريل 2021، تسربت سجلات 1،3 ملايين مستخدم من المنصة.

بتاريخ 4 نيسان/أبريل 2021، سُجل أن عدد تنزيلات منصة “كلوب هاوس” وصل إلى 13 مليون تنزيل حول العالم.

بالنسبة للمستخدمين في عام 2021، تراوح متوسط وقت استخدام معظم مستخدمي “كلوب هاوس” بين 11 و22 ساعة أسبوعيا، واتسعت غرف “كلوب هاوس” لـ 5000 شخص، وغالبا ما تمتلئ بسرعة؛ نظرا لوجود العديد من الأشخاص المعروفين ضمن مجتمع المنصة.

تجاوزت المنصة تقييما بنسبة 4،8 من أصل 5 نجوم من قبل أكثر من 400 ألف مستخدم على متجر التطبيقات لنظام “أبل”.

في كانون الثاني/يناير 2022، انخفضت المنصة من المرتبة الخامسة لأكثر التطبيقات تحميلا على نظام “iOS” إلى المرتبة الثامنة عشرة، وفي شباط/فبراير 2022 تم تقدير قيمتها بـ 4 مليارات دولار.

انطلاق مدوي نابع من عدة عوامل

زيارة ماسك

في كانون الثاني/يناير 2021، أضاءت منصة “كلوب هاوس” بنجم ساطع عندما قام الرئيس التنفيذي لشركة “تسلا”، إيلون ماسك، بالمشاركة في إحدى الغرف على المنصة، ظهور ماسك كان دفعة معنوية كبيرة للتطبيق، وساهم بشكل كبير في جذب المزيد من المشاهير والشخصيات المؤثرة إلى المنصة، أصبح “كلوب هاوس” مركزا لمناقشات عالية المستوى، وأصبحت المنصة بسرعة المكان الأمثل للمشاهير والشخصيات المؤثرة للتواصل مع جماهيرهم.

التنافس الكبير

نجح نمو التطبيق في جذب انتباه عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي الآخرين، الذين سرعان ما أدركوا التهديد المحتمل الذي يشكله “كلوب هاوس”، كان “تويتر” هو الأول في إطلاق منافس لـ “كلوب هاوس”، وهو ميزة تُدعى “المساحات” (Spaces)، التي تسمح للمستخدمين بالمشاركة في محادثات صوتية مباشرة داخل تطبيق “تويتر”، كما أطلقت منصة “Discord” ميزة مشابهة تُدعى “قنوات المسرح” (Stage Channels).

كلوب هاوس

استمرار النمو

رغم التنافس المتزايد، استمرت “كلوب هاوس” في النمو، ووصلت إلى قيمة تقدير بلغت مليار دولار في تموز/يوليو 2021 بعد جمع مبلغ 100 مليون دولار في تمويل، نجح التطبيق في تأسيس نفسه كلاعب رئيسي في صناعة وسائل التواصل الاجتماعي، وبدى مستقبله مشرقا وواعدا.

إلى الهاوية

شعبية منصة “كلوب هاوس” انخفضت بصورة ملحوظة بعد فترة نجاح سابقة، ويعود ذلك لعدة أسباب هذه بعضها.

مشاكل الأمان والخصوصية

رغم النمو السريع للتطبيق، إلا أنه بدأت تظهر مخاوف حول سياسته في مجال الأمان والخصوصية، واجهت منصة “كلوب هاوس” انتقادات بسبب طريقتها في التعامل مع بيانات المستخدمين وسياستها في مراقبة المحتوى، كما وُجِهت للتطبيق اتهامات بأنه أصبح بيئة لتفشي خطاب الكراهية وتضليل المعلومات.

التأثيرات الخارجية

مع تقديم برامج التطعيم، تم تخفيف إجراءات الإغلاق المفروضة بسبب جائحة “كوفيد-19″؛ بالتالي، بدأ الناس في الخروج والتفاعل مع الآخرين والأصدقاء والزملاء وجها لوجه، مما أثر في جاذبية استخدام تطبيق “كلوب هاوس”؛ علاوة على ذلك، قرار فتح التطبيق لمستخدمي نظام “أندرويد” في أيار/مايو 2021 أثر بشكلٍ معين على “حصرية” التطبيق لأجهزة “آيفون” التي دفعت بنموه في عام 2020.

مشكلات المحتوى

مع ازدياد محتوى المستخدمين على الإنترنت، زادت النقاشات السيئة وغير المرغوب فيها، اتضح أن العديد من الغرف الافتراضية لم تكن تخصص نفسها للحوار البنّاء، بل كانت تستخدم بشكل أكبر للترويج للشهرة الشخصية أو للعمليات الاحتيالية، تجاوبا مع تلك المخاوف المتزايدة، أعلنت منصة “كلوب هاوس” عن سلسلة من التحديثات لسياستها في مجال الأمان والخصوصية، وقدمت أيضا ميزات جديدة تسهل على المستخدمين الإبلاغ عن سوء الاستخدام وخطاب الكراهية.

رغم التحديثات، بدأ نمو “كلوب هاوس” في التباطؤ، فالتطبيق واجه منافسة متزايدة من منصات وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، ولم يعد هو اللاعب الوحيد في مجال الصوت المباشر عبر الإنترنت، بدأت ميزة “Spaces” من “تويتر” وميزة “Stage Channels” من “Discord” في الحصول على شعبية، وبدأ المستخدمون في استكشاف خيارات أخرى.

الزلزال المدمر

في نهاية المطاف، مرت منصة “كلوب هاوس” بتجربة مثيرة تكتسب منها العديد من الدروس، على الرغم من نجاحها الكبير وارتفاعها السريع في بدايتها، إلا أنها واجهت تحديات داخلية وخارجية أفقدتها جزءا من تألقها.

إضافة إلى التنافس المتزايد من قبل منصات أخرى وقضايا الأمان والخصوصية، فإنها تأثرت بشدة بانتهاء فترة الإغلاق الناتجة عن جائحة “كوفيد-19″، إن الناس عادوا إلى حياتهم اليومية، وتفاعلوا مع بعضهم البعض وجها لوجه، مما أثر في جاذبية تطبيق “كلوب هاوس” وجعلها تفقد جزءا من جاذبيتها.

من الجدير بالذكر أن قرار إزالة ميزة الدعوات الخاصة ساهم في تدفق سريع لأعضاء جدد وإزالة أي حالة من حالات الحصرية، والأهم من ذلك، فإن إدارة “كلوب هاوس” لم تتمكن من تحديد نموذج أعمال ربحي أو مقياس يمكن تطبيقه بنجاح، ولم تكن على دراية بالعناصر الأساسية التي تجعل من منصة وسائل التواصل الاجتماعي ناجحة.

إن قصة “كلوب هاوس” تذكرنا بأهمية التطور والتكيف المستمر لمنصات وسائل التواصل الاجتماعي، إن العالم الرقمي دائم التغيير، ومن المهم دائما أن تتعلم من التجارب السابقة وتطور لتلبية احتياجات المستخدمين، وتحافظ على جاذبيتك وأمانك، إن ما حدث لـ “كلوب هاوس” يجسد على نحو ملموس كيف يمكن للنجاح السريع أن يكون زلزالا مدمرا إذا لم تتخذ التدابير الصحيحة للحفاظ على استدامته.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات