هل تؤذي وسائل التواصل الاجتماعي عقول المراهقين؟

هل تؤذي وسائل التواصل الاجتماعي عقول المراهقين؟
استمع إلى المقال

استخدام وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة أصبح السّمة السائدة في جميع المجتمعات حول العالم، وهو استخدام غير مشروط بسبب سهولته، إذ يستطيع الشخص الوصول إلى جميع منصات التواصل الاجتماعي عبر ضغطات بسيطة في هاتفه. 

منصات التواصل الاجتماعي تنتشر بشكل أكبر وسط الفئات العمرية الأصغر وتحديدا وسط المراهقين، وبينما تمتلك هذه المنصات الكثير من الآثار النفسية السلبية، إلا أن أحدث دراسة أجرتها جامعة نورث كارولينا في تشابل هيل أظهرت مخاطر الاستخدام المتكرر على الوظائف الدماغية والطريقة التي يستجيب بها الدماغ للمؤثرات الخارجية في المراهقين تحديدا. 

الدراسة التي أجرتها الجامعة تعد أول دراسة طويلة من نوعها تبحث في تأثير منصات التواصل الاجتماعي على الوظائف الدماغية، إذ كانت الدراسات عادة تبحث في التأثير النفسي لهذه المنصات دون البحث في التأثير العضوي لها. 

قد يهمك أيضا: وسائل التواصل الاجتماعي والطب.. بين الخدمات المجانية والتشخيص الخاطئ

تغير في وظائف الدماغ 

الطريقة التي يستجيب بها الدماغ للمؤثرات الخارجية تختلف من شخص لآخر بناء على طريقة عمل دماغه وتطوره، ولذلك نجد اختلافات كثيرة في الأذواق وطرق الاستجابة للمؤثرات الخارجية، ورغم أن جزءا كبيرا من هذه الاختلافات يرجع إلى عوامل نفسية، إلا أن بعضها يحدث بسبب اختلاف استجابة الدماغ إلى العوامل الخارجية والمواد الكيميائية والهرمونات التي يفرزها نتيجة لهذه المؤثرات، حيث تؤثر هذه المواد الكيميائية بشكل كبير في تصرفات الإنسان وتجعله يتجه إلى تصرف بدلا من آخر. 

التغير في المواد الكيميائية التي يفرزها الدماغ يؤدي إلى تغير في وظائف الدماغ وتصرفات الشخص، وهي تغيرات يمكن عكسها عبر الأدوية النفسية أو عبر العلاج النفسي، لذلك رغم أنها لا تؤثر في بنية الدماغ العضوية، إلا أنها تؤثر كثيرا في وظائفه وطريقة عمله. 

الهدف من الدراسة كان قياس مقدار التغير في الوظائف الدماغية للمراهقين بين أعمار 12 عاما و15 عاما وهي فترة تمتاز بسرعة نمو الدماغ والتعامل مع المؤثرات الخارجية بطرق مختلفة، كما أن التغيرات في سلوك المراهقين في هذه الفترة قد تترك أثرا دائما يصاحبهم أثناء نموهم وانتقالهم إلى المراحل العمرية الأكبر. 

عدد المشاركين في الدراسة وصل إلى 169 مراهق بين الصف السادس والسابع من مدرسة إعدادية في ريف كارولينا الشمالية، كما وزعت الدراسة المشاركين فيها إلى مجموعات بناء على معدل استخدامهم لمنصات التواصل الاجتماعي ومعدل فتح تطبيقات هذه المنصات، ونتج عن هذا التوزيع ثلاثة مجموعات، المجموعة الأولى كانت من المستخدمين المعتادين الذين يفتحون التطبيقات 15 مرة في اليوم أو أكثر، وأما المجموعة الثانية كانت للمستخدمين المعتدلين الذين استخدموا التطبيقات بين مرة واحدة إلى 14 مرة يوميا، وأما المجموعة الثالثة كانت للمستخدمين الذين يفتحون التطبيقات مرة واحدة أو أقل يوميا. 

مزيج من الألعاب الإلكترونية مع فحوصات الدماغ أثناء اللعب ساعد الباحثين على تحديد مدى استجابة المشاركين في التجربة للمؤثرات الاجتماعية الخارجية، وتحديدا بحثهم عن ردة الفعل الإيجابية والمكافآت من المحيطين بهم. 

قد يهمك أيضا: الاكتئاب عندما تتسبب به وسائل التواصل الاجتماعي

التجربة تمت ثلاثة مرات بين كل مرة والأخرى عام واحد حتى يتمكنوا من قياس التغير في وظائف الدماغ أثناء تقدم المشاركين في العمر، وكانت الألعاب تعمل على إرسال إشارات إيجابية أو سلبية عبر عرض صور لأشخاص يضحكون ويثنون عليهم أو صور لأشخاص منزعجين من تصرفاتهم، وذلك لكل مجموعة من المجموعات الثلاثة للاختبار. 

المجموعة الأولى أظهرت الاستجابة الأكبر للمؤثرات الخارجية، إذ أظهرت فحوصات الدماغ الخاصة بهم نشاطا إضافيا في ثلاثة مناطق رئيسية بالدماغ وهي: 

  • منطقة معالجة المكافآت وهي المنطقة التي تستجيب للمؤشرات الإيجابية مثل ربح الأموال أو التصرفات المتهورة
  • المنطقة المسؤولة عن تحديد أهمية الأشياء المحيطة ومقدار بروزها في البيئة المحيطة
  • قشرة فص الجبهة، وهي الجزء المسؤول عن تنظيم والتحكم في تصرفات الشخص. 

“المراهقون الذين يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي بكثرة يصبحون أكثر حساسية للمؤثرات الخارجية ويستجيبون لها بشكل أكبر من غيرهم”-

إيفا تيلزر أحد القائمين على الدراسة

نتائج التجربة لا تشير حصرا إلى ضرر دائم في الدماغ أو تغير سلبي في سلوك هؤلاء المراهقين، ولكنها تنذر بسهولة التأثير فيهم واستجابتهم للمؤثرات الخارجية، وهو ما يجعلهم عرضة للإصابة بأمراض نفسية مختلفة مثل الإكتئاب أو القلق الاجتماعي.

آثار متعددة 

الدراسة التي أجرتها جامعة نورث كارولينا تتفق مع دراسات أخرى حول التأثيرات النفسية لمنصات التواصل الاجتماعي، إذ ربطت دراسة أخرى بين استخدام منصات التواصل الاجتماعي والإصابة بالإكتئاب الحاد والقلق الاجتماعي المزمن.

آثار منصات التواصل الاجتماعي السلبية قد تمتد إلى ما هو أبعد من الإكتئاب والقلق الاجتماعي، إذ قد تصل إلى نشر الحقد والضغينة والتشجيع على المقارنات السيئة، وذلك بفضل تركيز الخوارزميات على نشر المحتوى المثالي والذي يظهر حياة المشاهير بشكل مثالي لا تشوبه شائبة، وهو ما يترك آثار سلبية لدى المراهقين الذين لا يمتلكون الخبرة الكافية لمعرفة صدق هذه الادعاءات. 

الشركات المطورة لمنصات التواصل الاجتماعي تدرك هذه المخاطر جيدا، إذ نشرت صحيفة وول ستريت تقريرا توضح فيه محتوى وثائق مسربة من شركة “ميتا” تظهر معرفة المنصة بالآثار الضارة لمنصة “إنستجرام” على الصحة العقلية لدى المراهقين وخاصة الفتيات. 

اقرأ أيضا: تيك توك يسبب بعض الأمراض العصبية لدى المراهقين

التأثير على صحة الفتيات لم يقتصر على الإكتئاب أو القلق الاجتماعي، بل امتد إلى مشاعرهن حول أجسادهن، إذ تشجعهم المنصة على المقارنة بينهم وبين مشاهير المنصة، وهو ما يوصل الفتيات في النهاية إلى التنمر على الهيئة الجسدية الذي قد يدفع بعضهم إلى الانتحار, وهو ما حدث مع إحدى الفتيات في ماليزيا بعد أن نشرت استفتاء على حساب “إنستجرام” خاصتها وجاءت النتائج تشجعها على الإنتحار. 

حالة الفتاة الماليزية ليست الوحيدة ولكنها الأحدث، وقد تكررت سابقا في 2018 بعد أن قامت مولي راسل بريطانية الأصل والتي تبلغ من العمر 16 عاما بالانتحار بعد رؤية صور تشجع على الانتحار في “إنستجرام”. 

السيطرة بدلا من المنع

 منصات التواصل الاجتماعي المختلفة أصبحت جزءا لا يمكن فصله من حياة الكثيرين حول العالم ومن مختلف الأعمار، وبينما يمتلك الكبار القدرة على تقويض آثار هذه المنصات، إلا أن المراهقين والأصغر سنا لا يمتلكون هذه القدرة لقلّة خبرتهم في الحياة. 

محاولة منع الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي أو حتى الحد منها ليست أمرا هينا يمكن القيام به بين ليلة وضحاها، إذ يتطلب هذا الأمر تقديم حلول بديلة لجذب اهتمام المراهقين، وهو ما لا يستطيع الكثير من الأهالي القيام به، وفي تلك الحالة يصبح الحل الأفضل هو محاولة السيطرة على آثار هذه التجربة والانتباه لها قبل حدوثها. 

السيطرة على آثار التجربة تعني تقديم الدعم النفسي والمعنوي اللازم للأطفال حتى يتمكنوا من تخطي تلك المرحلة بدون أي أضرار سلبية دائمة، وذلك بإستخدام جميع الطرق والوسائل المتاحة أمام الأهالي سواء كانت تحديد الجلسات النفسية مع الأطباء المختصين أو تقديم الحلول البديلة. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.