مواصفات الهواتف الصينية.. عندما تكذب الأرقام

مواصفات الهواتف الصينية.. عندما تكذب الأرقام
استمع إلى المقال

الهواتف الصينية غزت الكثير من الأسواق العالمية ورغم أن بعض هذه الهواتف لازالت تعمل بعيدة عن الحظر الأميركي وتستطيع الوصول إلى خدمات “جوجل”، إلا أن هذا لا يعني أنها بعيدة عن المساءلة عندما يتعلق الأمر بالخداع التسويقي الذي يصل حدّ الكذب الصريح. 

الهواتف التي تنتجها هذه الشركات لا حصر لها، وإذا أخذنا “شاومي” كمثال، فإنك تجد الشركة تُطلق العديد من الهواتف سنويا مع تسميات مختلفة، ولكن في الداخل تتشابه مواصفات هذه الهواتف بشكل كبير وربما يتشابه تصميمها الخارجي أيضا رغم اختلاف أسعارها، وبينما لا يشكل تشابه المواصفات عيبا في حدّ ذاته، إلا أن الكذب في هذه المواصفات ومحاولة تزوير نتائج الاختبارات المختلفة هي الكارثة التي تمارسها هذه الشركات.

 قد يهمك أيضا: هل تعلم أن “الأيفون” أرخص من الهواتف الصينية؟

اكتب ما شئت فلن يراجع أحد 

هناك مَثل مصري قديم يتحدث عن مفهوم الكذب الذي لا يمكن التأكد منه، إذ يتحدث المَثل عن مضيفة طيران تخبر الركاب بأنهم على ارتفاع 20 ألف مترا فوق سطح البحر، وهنا يخرج أحد الركاب ليقول ” قلِ ما شئت فلن يُراجع أحد خلفك” في إشارة أنه لا يمكن لأحد من ركاب الطائرة قياس الارتفاع ومعرفة إن كان حقيقيا أم كذبا، وهذه هي السياسة التي تتبعها “شاومي” مع هواتفها. 

“شاومي” تدّعي بأن الهاتف قد يمتلك 12 غيغابايت من الذاكرة العشوائية، ومعالج مركزي ذو ثمانية أنوية قادر على تقديم أداء خارق في جميع الألعاب وتطبيقات الحياة اليومية، ثم تتبع ذلك بأرقام اختبارات أجرتها الشركة بالتعاون مع تطبيقات شهيرة مثل “Geekbench” الذي يقيس قوة المعالج المركزي في الهاتف إلى جانب بقية مواصفاته، وبعد ذلك تقوم بإرسال هذه المواصفات والأرقام إلى المراجعين والمواقع التقنية المختلفة لنشرها ضمن مراجعاتها أو حتى في أخبار منفصلة. 

الإيمان بأن هذه الأرقام صحيحة أو واقعية هو أشبه بالإيمان بعبارات البيع التي يتفوه بها التجار في الأسواق العامة وكلاهما يتشاركان النتيجة النهائية، وهي منتج تالف لن يعيش أكثر من عام واحد. 

التأكد من المواصفات التي تضعها “شاومي” أو غيرها من الشركات في هواتفها أمر شبه مستحيل، إذ يتطلب ذلك تفكيك الهاتف بشكل كامل ومراجعة كل قطعة مكوّنة فيه، وحتى إذا تمكنتَ من مراجعة هذه القطعة خارجيا، فإنك لن تستطيع معرفة مواصفاتها بمجرد النظر وستحتاج إلى اختبارها في معامل ومختبرات خاصة لتتأكد فعلا من كون المواصفات كما تدّعي “شاومي”، إذ إن الصين اشتهرت بتقليد شكل المنتجات وصناعة المنتجات المُقلّدة التي تبدو مثل الأصلية ولكن تختلف عنها في الجودة والمواصفات الفنية. 

“شاومي” وغيرها من الشركات الصينية تدرك ذلك جيدا، لذلك تركّز دائما في دعايتها على ذكر هذه الأرقام والتباهي بها وكأنها ضمنت تجربة مستخدم فريدة من نوعها دون الحاجة إلى أي تجارب أخرى، ولكن كما نقول دائما، فإن حبل الكذب قصير. 

كيف تكذب “شاومي”؟ 

“Geekbench” هو أحد أشهر التطبيقات التي تختبر الهواتف المحمولة ومواصفاتها بشكل مكثّف وتعرض نتائج رقمية عن أداء هذا الهاتف، وهي الطريقة الأسهل لوصف أداء الهاتف أمام غير العاملين في التقنية، إذ أنه من السهل أن تقول أن الهاتف “X” حقق نتيجة 100 ألف نقطة مقارنة مع الهاتف “Y” الذي حقق 80 ألف نقطة. 

السهولة في توصيف أداء الهاتف المحمول وتحويله إلى أرقام يمكن فهمها وقياسها، جعل الكثير من شركات الهواتف المحمولة تتجه إلى التطبيق من أجل الاستفادة منه في معلوماتها الدعائية، إذ يخدم هذا المفهوم الهدف الأسمى لهذه الشركات وهو الوصول إلى الأموال في جيبك وإجبارك على شراء هاتف جديد كل عام، ولكن عندما يتعلق الأمر بالمراجعين التقنين، فإن الإعتماد على مثل هذه التطبيقات يفقده أهم أدواره، وهو تقديم تجربة عملية وواقعية للمنتج حتى لا يُخدع أحد المستخدمين به مستقبلا.

قد يهمك أيضا: انخفاض عالمي في شحنات الهواتف الذكية.. ما الأسباب؟

“شاومي” هي إحدى الشركات التي لها باعٌ طويل في الكذب وخداع تطبيق “Geekbench”، إذ عمدت الشركة لتخصيص أداء الهواتف وتحسينها حتى تصل إلى أعلى النتائج في التطبيق فقط دون الاهتمام ببقية التطبيقات أو حتى تجارب الاستخدام اليومي. 

التّصرف الذي تتّبعه “شاومي؛ دفعت الشركة المالكة للتطبيق بأن تهدد بحظر هواتف “شاومي” تماما ومنعها من استخدام التطبيق، إذ اعتمدت الشركة على هذه الطريقة مع هواتف “Xiaomi 12 Pro” و “12X” من الفئة الرائدة إلى جانب هواتف “Xiaomi Mi 11” الاقتصادية سابقا. 

عملية الخداع هذه تتم عبر تحديد بيئات عمل مختلفة داخل الهاتف للتطبيقات المختلفة، لذلك عندما يتعرف هاتف “شاومي” على لعبة أو تطبيق اختبار، فإنه يحدّ من جميع العمليات التي تجري في خلفية الهاتف ويوجه كامل قوته إلى هذا التطبيق فقط، ولكن في التطبيقات الأخرى لا يتم إيقاف هذه العمليات، مما ينتج أداء ضعيفا فيها. 

الاختلاف الواضح بين أداء الهاتف في تطبيقات الاختبار وتطبيقات الحياة اليومية المعتادة يجعل نتائج تطبيقات الاختبار غير موثوقة وكاذبة، ويمكنك أن تحصل على نتيجة تصل إلى 200 ألف نقطة في اختبار مثل “Geekbench” لتشعر بأن هاتفك رائد وذو أداء مميز، ثم تفاجئ بأن الهاتف لا يستطيع تشغيل لعبة “الثعبان” الخاصة بالهواتف القديمة. 

جزء من المشكلة في الأداء اليومي التي تعاني منها الهواتف الصينية هو وجود تطبيقات غير مفيدة بشكل كبير، وتشتهر “شاومي” بهذا الأمر حيث تفاجئ بأن هاتفك مليء بالتطبيقات المختلفة التي تضم إعلانات وتجمع عنك الكثير من البيانات. 

عندما تستخدم الشركات الأخرى التطبيقات الافتراضية أو كما يُطلق عليها “Bloatware”، فإنها تترك لك حرية حذفها أو استخدامها، ولكن “شاومي” كمثال لا تترك لك هذه الحرية مما جعل الكثير من المطورين المستقلين يقدمون تطبيقات خاصة بهم تكسر حماية الهاتف وتساعدك على حذف تطبيقات “Bloatware” بداخله.

دور المراجعين التقنين 

مفهوم “المراجع التقني” لم يكن بهذا الشكل سابقا، إذ لم تكن الشركات قادرة على التواصل مع الجميع، وبالتالي من أجل تقديم مراجعة تقنية كان على صانع المحتوى شراء القطعة من ماله الخاص ثم تجربتها لعدة أشهر وبعد ذلك تقديم رأيه عنها. 

الوضع اختلف كثيرا اليوم، إذ يطلب البعض مبالغ مالية ضخمة من الشركات حتى يقبل بتقديم مراجعة عن هاتفها، ورغم أن هذا الأمر هو حق مكتسب لصانع المحتوى الذي يمتهن المراجعة التقنية، إلا أن الشركات تنظر إلى هذه المبالغ على أنها ” مصاريف دعاية وإعلان”، وبالتالي ترى الشركة بأن المراجع يجب أن يذكر مميزات المنتج فقط دون ذكر أي عيب من عيوبه، وربما تذهب حتى حد تقديم نص مراجعة مكتوب من أجل ذكر الجوانب التي تراها الشركة مناسبة. 

الأسلوب الذي تتبعه الشركات مع المراجعين التقنين جعل دورهم يتحول من شخص يمتلك المعرفة والقدرة على إختبار الأجهزة المختلفة إلى بوق دعائي ينشر تصريحات الشركات الدعائية إلى مختلف المستخدمين، ويصل ذلك إلى حد منع المراجع من الوصول إلى هواتف الشركة إذا لم يستجب لطلباتهم الإعلانية. 

الكثير من المراجعين في الوطن العربي والعالم أجمع يعتمدون على تجربة الهواتف بشكل يومي، وهو الدور الرئيسي الذي يجب عليهم القيام به، ولكن مع وجود الكثير من الدخلاء على هذه المهنة بسبب كونها مربحة ماديا، فإن قطاع جديد من المراجعين التقنيين الذين لا يمتلكون القدرة التحليلية اللازمة ظهر وأصبح هو البوق المفضل في أروقة الشركات. 

هل يجب أن أصدق الأرقام؟ 

الأرقام تكذب عندما تحاول الشركة تطويعها لرغبتها الخاصة، وبالتالي جعلها تخبر القصة التي يرغب بها قسم التسويق بدلا من قسم الرقابة أو قسم الاختبارات الفنية، لذلك يجب على كل مستخدم أن يحكم على الأرقام من خلال نظرته الخاصة، وذلك عبر تحديد الاحتياجات الأساسية له وما ينتظره من الهاتف قبل أن يفكر في تصديق أرقام الإختبارات ودعاية الشركات. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.