لماذا أصبحت مصر عنق الزجاجة في طريق الكابلات البحرية؟

لماذا أصبحت مصر عنق الزجاجة في طريق الكابلات البحرية؟
استمع إلى المقال

تمتع مصر بموقع جغرافي مميز كونها تمثل نقطة التقاء بين ثلاث قارات ( أوروبا- أفريقيا- آسيا)، وهو ما أتاح لها وصولًا سهلًا لتلك القارات، ولا يقف تميز النطاق الجغرافي لمصر عند هذه النقطة، بل يجعل 17٪ من إجمالي الكابلات البحرية للإنترنت حول العالم تمر من خلالها. 

وعلى الرغم مما يقدمه هذا الموقع من مزايا، إلا أنه أصبح نقمةً على مزوديّ الكابلات البحرية للإنترنت، والشركات التي تحاول الاستفادة من موقع مصر المميَّز، وأصبح ذلك واضحًا بعد حادثة انقطاع الإنترنت عن ملايين المستخدمين حول العالم في 7 يونيو/ حزيران الماضي.

قطع بسيط تسبب في أزمة عالمية

صورة تعبيرية عن ضرر في كابل بحري – مصدر الصورة شاترستوك

تعرض الكابل البحري AAE-1 إلى قطع بسيط أثناء مروره داخل مصر، وعلى الرغم من أن هذا القطع لم يستمر فترة طويلة، إلا أن آثاره لمست سبع دول، وأثرت في عدة خدمات محوريّة، وذلك وفق ما قاله روزاليند توماس المدير التنفيذي لمؤسسة SAEx التي تخطط لبناء كابل بحريّ جديد يزود العالم بالإنترنت، في تصريحٍ لموقع آرس تكنيكا.

تمتد الكابلات البحرية للإنترنت لمسافة تزيد عن 1900 كيلومتر في قاع البحر الأحمر، قبل أن تعبر الأراضي المصريّة لأقل من 200 كيلومتر، في طريقها إلى البحر الأبيض المتوسط، وعلى الرغم من كونها معرضةٌ للتلف من السفن البحريّة ومراسيها، إلا أن القطع الذي تسبب في غياب الإنترنت عن 90٪ من البنية التحتية للإنترنت في إثيوبيا، بدا لسبب مجهول قد حدث داخل الأراضي المصريّة، وظل سبب القطع مجهولأً حتى اليوم، على الرغم من التحقيقات التي تمت حوله. 

يهمك أيضًا: الكابلات البحرية كمواقع للنزاع والسباق نحو السيادة على البيانات

يرى دوغ مادوري – رئيس قسم التحليلات في شركة كنتيك لمراقبة الإنترنت، أن مصر أصبحت نقطة اختناق للبنية التحتية للإنترنت في الآونة الأخيرة، وذلك لأن الطريق الأقصر بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط يمر عبر قناة السويس التي تمثل أيضًا نقطة اختناق لمسار الشحن البحري حول العالم، والأمر الأهم أن مسار كابلات الإنترنت فوق الأراضي المصريّة ليس محميًا بالشكل الكافي، ولا توجد خرائط توضّحه، مما يجعل المراقبة أمرًا صعبًا.

موقع قوة استثنائي

Photo by Sora Shimazaki:- مصدر الصورة Pexels /

تمتع مصر بقوة استثنائية عندما يتعلق الأمر بالكابلات البحريّة، هذه القوة تجعل الحكومة قادرةً على فرض شروطها الخاصة، وهي قوة ازدادت كثيرًا بعد الحرب الروسيّة الأوكرانيّة. 

يؤكد نيكول ستاروسيلسكي أحد الباحثين في مجال الإعلام والثقافة والاتصال في جامعة نيويورك ذلك، إذ يقول “تمتع مصر بسطوة كبيرة في مجال الاتصالات، وهو ما يجعلها اليد العليا في جميع المناقشات المتعلقة به”، هذه القوة تتيح لمصر فرض “رسوم” على عبور الكابلات البحرية للإنترنت في أراضيها، وهي رسوم يرى مركز البيانات الديناميكية أنها “إبتزازيّة” وفقًا لتقرير صدر عنه سابقاً. 

وصلت أرباح مصر من الرسوم إلى 2.9 مليار جنيّه مصري عام 2019 وفقًا لتقرير الشركة المصرية للاتصالات، وتعود هذه الأرباح جميعًا إلى شركة المصرية للإتصالات التي تمتلك بمفردها أحقيّة بناء وامتلاك البنيّة التحتية المتعلقة بالإنترنت داخل حدود الدولة، وعلى الرغم من وجود الكثير من مزودي الاتصالات الآخرين، إلا أن المصريّة للاتصالات تحتكر هذا المجال تمامًا كونها الشركة الرسميّة التابعة للدولة.

استهلاك الإنترنت المصري لا يمثل شيئًا لهذه الكابلات

يعاني مستخدمو الإنترنت في مصر من ضعف شبكات الإنترنت وبطئها الشديد، وذلك على الرغم من مرور الكابلات البحريّة بكثافة من خلالها، وهو ما قام موقع إكسڤار بتغطيته سابقًا في مقال منفصل، ولكن بشكل عام، فإن مصر لا تستهلك إلا 1.9 تيرا بايت في الثانيّة مقارنةً مع السعة الكليّة لأحد الكابلات التي تصل إلى 38 تيرا بايت في الثانيّة الواحدة. 

يهمك أيضًا: أي ثمنٍ تدفعه مصر للرقمنة برعاية “هواوي”؟

وفقًا لتصريح رئيس شعبة الاتصالات في  إتحاد الصناعات المصريّة حمدي الليثي لجريدة إنتربرايز، فإن الحكومة المصريّة تحتاج لاستثمار 120 مليار جنيه مصري لتتمكن من توسعة شبكة الكابلات الضوئيّة بداخلها، وتقديم سرعات إنترنت أفضل مما سبق، ومن خلال التوسع الكبير الذي تقوم به الحكومة في مجال الاتصالات، وترقيّة البنيّة التحتية لها داخل الدولة، ومحاولة إيصالها إلى الحدود المقبولة عالميًا، وصلت مصر إلى المركز الخامس بين الدول الإفريقية وفق معيار Speedtest العالمي. 

حلول مقترحة

تحاول الكثير من الهيئات والجهات إيجاد حل لمرور الكابلات البحريّة داخل الأراضي المصريّة، إما عبر مناطق أخرى، أو عبر توسعة مناطق مرورها داخل الأراضي المصريّة، وهو ما تحاول الحكومة القيام به وفق آلان مولدين الباحث في قسم الإتصالات في شركة تيليجيوجرافي، إذ تحاول الحكومة بناء نقطة عبور جديد في مدينة رأس غارب إلى جانب ممر أرضٍ جديد موازٍ لقناة السويس الحاليّة

ولكن هل تكون هذه الحلول كافيّة لحماية الكابلات البحريّة للإنترنت؟ إذ تعد هذه الكابلات هشةً وعرضة للتلف بسهولة، حيث تعرضت لأكثر من 100 حادث تسبب في انقطاع الإنترنت أو ضعفه عالميًا كان أحدثها ما تسببت به غواصة روسيّة من ضرر للكابل البحري الموجود في أوكرانيا، مما أثر على بقيّة دول العالم. 

بناء على ما سبق، فمن الواضح أنه إلى أن يصبح الإنترنت الفضائي قادرًا على تلبية احتياجات العالم من الإنترنت أو حتى المساعدة فيها، فإن الكابلات البحريّة بشكل عام وما يمر منها في مصر بشكل خاص، ستظل نقطة اختناق لا يمكن الهروب منها. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.