أي ثمنٍ تدفعه مصر للرقمنة برعاية “هواوي”؟

أي ثمنٍ تدفعه مصر للرقمنة برعاية “هواوي”؟
استمع إلى المقال

دفعت “هواوي” ثمن الحظر الأميركي عليها غاليًّا في جميع القطاعات التي كانت تعمل بها الشركة بدايةً من قطاع الهواتف المحمولة، الذي تأثر كثيرًا مع حظر خدمات غوغل، وانتهاءً بقطاع الاتصالات الكبرى، وشبكات الجيل الخامس التي كانت “هواوي” بدأت في تورديها للكثير من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة. 

لم تقف “هواوي” مكتوفة الأيدي أمام هذا الحظر، إذ وجدت ملاذًا آمنًا في مبادرات “الرقمنة” والتحول الرقمي التي انتشرت في الكثير من دول العالم، بدايةً من دول المنطقة العربية المختلفة مثل دول الخليج ومصر تحديدًا، وإنتهاءً بالدول الإفريقية التي بدأت تخطو ببطء في عالم الرقمنة والتحول الرقمي. 

بينما تغلق الحكومات الغربية التي تقدر حريّات شعوبها أبوابها في وجه هواوي، تفتح الحكومات العربية ذراعيّها لاستقبال مبادرات “هواوي” المختلفة، وهو ما ظهر بوضوح من خلال تعاون هواوي مع الحكومة المصريّة في الآونة الأخيرة، ضمن مبادرة التحول الرقمي بحلول عام 2030 التي تبنتها الحكومة مؤخرًا. 

نقطة البداية ثم التوسع  

تؤكد الحكومة المصريّة على كون “هواوي” شريكاً استراتيجياً هاماً لقطاع الاتصالات والتكنولوجيّا منذ عام 2020، وهو العام الذي بدأت فيه الحكومة المصريّة رفع كفاءة البنيّة التحتية لقطاع الاتصالات داخل الدولة، عبر ترقيّة معداتها، وأجهزة البنيّة التحتية المختلفة فيها، وهو ما تزامن مع مباحثات الحكومة المصريّة متمثلة في وزير الاتصالات الدكتور عمرو طلعت، مع وفد من شركة هواوي عام 2020 أيضًا. 

امتد تعاون هواوي مع الحكومة المصريّة إلى الكثير من الجوانب، إذ بدأت بتقديم الخوادم وأجهزة توزيع البيانات والإنترنت الرئيسية حول البلاد، واستمرت بعد ذلك في تقديم أجهزة توزيع الإنترنت المنزلية “الراوتر” بشكل مخفض السعر أو مجاني في بعض الحالات، عند الاشتراك مع شبكة المصريّة للاتصالات، المسؤولة عن توزيع الإنترنت في البلاد. 

اقرأ : التداعيات الأمنية لاتفاقية معدات الاتصالات الصينية السورية

في تصريح خاص بموقع إكسڤار، لـ أ.خ، وهو موظف في إحدى سنترالات المصريّة للإتصالات قال: “جميع الأجهزة التي يعتمد عليها السنترال تحمل شعار هواوي، وهي الشركة المسؤولة عن صيانتها وإصلاحها حال حدوث أي عطل”. 

في الأعوام الأخيرة بدأ التعاون يأخذ أشكالاً جديدة تقدم لهواوي صلاحيات أكثر تقدمًا داخل منظومة الإتصالات المصريّة، إذ تعمل الهيئة المصريّة للاتصالات على ترقيّة النظام المعلوماتي والإداري الخاص بها عبر دمج خدماتها الرئيسية الثلاثة (شرائح الهواتف المحمولة – خطوط الهاتف الأرضي – خدمات الإنترنت) معًا في واجهة واحدة، تسهل على موظفيها التعامل مع هذه الخدمات، ولكن هذا النظام الجديد يأتي مطورًا من قبل هواوي، مع احتفاظها بصلاحيّات خاصة داخل النظام لا يستطيع أحد الوصول إليها إلا إذا كان فردًا من فريق هواوي البرمجي. 

امتد التعاون أيضًا إلى وزارة الإنتاج الحربي، التي وقعت بروتوكلًا مع هواوي لتطوير منهج الأكاديمية المصرية للهندسة والتكنولوجيا، وذلك حتى تقوم بدمج المحتوى الأكاديمي لهواوي في مجال الشبكات، والذكاء الصنعي، والحوسبة السحابية، والبيانات الضخمة، ضمن برامج الأكاديمية المصرية، كما اتفقت المصرية للاتصالات مع هواوي على بناء أول نقطة تخزين لمحتوى الإنترنت  التابع لشركة هواوي داخل مصر، وذلك في المركز الإقليمي للبيانات التابع لشركة المصرية للاتصالات، وهو ما يوفر لهواوي وصولًا مباشرًا لمحطات الإنزال البحرية العشر الخاصة بالمصريّة للاتصالات، والواقعة على السواحل البحريّة حول مصر، لذلك ستتمكن هواوي عبر هذه المحطات من الوصول إلى أكثر من 60 دولة متصلة بالإنترنت عبر الكابلات البحريّة التي تمر بمصر. 

ومما لا شك فيه أن دخول عصر اتصالات 5G في مصر سيكون على يد هواوي كنتيجة للتعاون بينها وبين الحكومة المصريّة، وهو التعاون ذاته الذي حدث في منطقة الخليج العربي داخل السعودية وقطر والإمارات. 

أصبحت هواوي بعد كل هذه الخطوات الشركة الأكثر نفوذًا داخل الأراضي المصريّة، إذ تمتد أذرعها إلى جميع قطاعات الإتصالات المختلفة، بدايةً من خوادم وأجهزة توزيع الإنترنت، ثم مرورًا بالأنظمة التي تعتمد عليها “المصريّة للاتصالات” الموزع الرئيسي للإنترنت في مصر، وانتهاءً بالكابلات البحريّة، ومراكز البيانات الضخمة داخل مصر والبرامج التدريبية للعاملين في ذلك القطاع. 

موقع مصر الحساس في مجال الاتصالات 

تُمثل مصر بوابة المنطقة العربية وإفريقيا وآسيا أيضًا من ناحية البنيّة التحتية للإنترنت، وذلك لأنها تحتل المركز الثاني في عدد الكابلات البحريّة التي تمر من خلالها، حيث يمر بها 17٪ من إجمالي الكابلات البحريّة التي تصل آسيا وإفريقيا ببقيّة العالم، وتستحوذ “المصريّة للاتصالات” تحديدًا على 24 كابل بحري، وهو إجمالي الكابلات البحريّة التي تمر عبر مصر. 

اقرأ: هل تسعى الصين إلى استغلال مبادرة الحزام والطريق لتصبح أكبر “قاطع طريق” في العالم؟

وقعت المصريّة للاتصالات في عام 2020 اتفاقيّة شراكة مع تحالف يضم 8 من مقدمي خدمات الاتصالات حول العالم، من أجل إنشاء الكابل البحري الجديد 2Africa، الذي يعد أحد أكبر مشاريع الكابلات البحريّة حول العالم. 

بسبب تعاون مصر مع “هواوي” وبناء مركز البيانات الجديد الذي يوفر لها وصولًا إلى هذه الكابلات البحريّة، فإن هواوي الآن أصبحت قادرة على الوصول إلى 17٪ من إجمالي الكابلات البحريّة في العالم إلى جانب الكابل البحري الأكبر في إفريقيا وهو مشروع 2Africa، وهو ما يمثّل كابوساً للمهتمين بالأمن الرقميّ والخصوصيّة حول العالم. 

خطورة “هواوي” في هذا الموقع 

تحاول هواوي دحض جميع الادعاءات الموجهة إليها من الحكومة الأميركية، وتدعيّ دائمًا أنها لا تحاول سرقة البيانات أو التجسس على الدول الأخرى عبر شبكاتها ومعداتها، ورغم ذلك فإن الدلائل التي تظهر من الدول الأخرى تُثبت عكس ذلك. 

تحدثت فودافون – إحدى أكبر شركات الاتصالات في أوروبا والعالم مع موقع بلومبيرغ حول هذا الأمر، وقالت بشكل واضح إنها وجدت ثغرات أمنيّة في 2019 ضمن الأجهزة والمعدات التي زودتها بها هواوي من أجل شبكتها في إيطاليا، وعلى الرغم من تأكيد الأخيرة أن أجهزتها خاليّة من الثغرات والأبواب الخلفيّة في عام 2011، إلا أن تحقيق فودافون أثبت وجود هذه الأبواب حتى عام 2019، وهي الأبواب التي أتاحت لهواوي الوصول لشبكات الإنترنت الأرضي لملايين المستخدمين والشركات في إيطاليا، دون القدرة على تحديد حجم الضرر الذي وقع من هذا الأمر. 

يستمر مسلسل ثغرات هواوي لعام 2019 مع الاتحاد الإفريقي ومقره في أديس أبابا في إثيوبيا، إذ اكتشف الإتحاد أن الكثير من البيانات المخزنة في خوادمه، والجلسات الخاصة والسريّة داخل مبنى الاتحاد، أُرسلت جميعًا إلى خوادم داخل شنغهاي الصينية، وهي خوادم تستطيع هواوي والحكومة الصينية على حد سواء الوصول إليها بسهولة، بل ويجبر القانون الصيني هواوي على توفير صلاحيات للحكومة الصينية من أجل الوصول إلى البيانات المخزنة في هذه الخوادم. 

اقرأ: الخليج العربي .. أرض صراع صيني أميركي جيو – تكنولوجي

من الجدير ذكره أن معدات الاتصالات المستخدمة في مبنى الإتحاد الأفريقي، و أجهزة فودافون في  إيطاليا، كانت مقدمة مجانًا من قِبل هواوي، بل كانت أجهزة قبضت هواوي ثمنها كاملًا دون تقديم أي دعم أو معونة أو حتى مبادرات تعاون بينها وبين هذه الهيئات، فيما لا توجد أي معلومات حول “تكلفة” معدات المصريّة للاتصالات، ولا وجود لمناقصة عامة تستطيع أي شركة الدخول فيها، إلا أن أغلب التوقعات تدور حول كون هذه المعدات مجانيّة أو مقدمة عبر دعم من هواوي للحكومة المصرية ضمن خطوات الرقمنة، وهو ما دفع وزارة الاتصالات لأن تنظر لهواوي على أنها “شريك استراتيجي” في مستقبل الرقمنة في مصر.

لا يمكن التأكد بشكل كامل من دوافع هواوي الخفيّة من مد أذرعها ودعم الحكومة المصريّة في مجال الاتصالات داخل الدولة، ولكن ما يمكن التأكد منه هو تصرفات الشركة السابقة، وسجلها الحافل بالاختراقات الأمنيّة، وهو الأمر الذي يدفعنا جميعًا للتوقف وطرح السؤال الحقيقي “ما هو الثمن الحقيقي لدعم هواوي داخل مصر؟” 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.