استمع إلى المقال

“ريديت” واجهت خلال مسيرتها العديد من الاحتجاجات، التي مرت بسلام دون إحداث تأثيرات كبيرة، لكن هل يستطيع الاحتجاج الجديد المستمر منذ عدة أيام إجبار قيادة الشركة على تغيير السياسات الجديدة. 

بعد أن كان من المفترض أن يستمر الاحتجاج لمدة 48 ساعة، أصبح من غير الواضح الآن المدة التي قد تظل فيها أجزاء من الموقع متوقفة في ظل تمسك المستخدمين بالاحتجاج على سلسلة من سياسات الشركة الجديدة ورفض قيادة المنصة تقديم تنازلات.

الآلاف من المنتديات الفرعية ضمن المنصة أصبحت خاصة احتجاجا على قرار الشركة ببدء فرض رسوم على المطورين الخارجيين بدءاً من شهر تموز/يوليو القادم.

المشرفون كانوا يأملون في أن يجبر الإجراء الرئيس التنفيذي للشركة على إعادة النظر في الرسوم المفروضة على المطورين.

استمرار الاحتجاج يؤثر بملايين المستخدمين، حيث يلتزم أكثر من 300 منتدى فرعي بعدم العمل، مع ادعاء المشرفين أن مديري “ريديت” أزالوا المشرفين الذين يدعمون الاحتجاج من أجل إجبار المنتديات الفرعية على العودة إلى العمل.

الرئيس التنفيذي ادعى أن الاحتجاج على مستوى الموقع لم ينتج عنه أي تأثير كبير بالإيرادات، بالرغم من أنه من غير المرجح أن يظل هذا هو الحال إذا استمر التوقف على نطاق واسع.

الاحتجاج كان من المفترض أن ينتهي قبل عدة أيام، بحيث تعود المنتديات الفرعية إلى العمل مرة أخرى، لكن من الواضح أنه مستمر إلى أجل غير مسمى بعد عدم التوصل إلى حل بشأن النزاع على الأسعار. 

في كلتا الحالتين، قد نرى قريبا مدى تأثير احتجاج مستخدمي الموقع والتوقف الجماعي للمنتديات الفرعية على أرباح “ريديت”، وهو السبب الأساسي الذي حفز ما يحتج عليه مستخدمو الموقع في المقام الأول.

في حين أن الاحتجاج ركز في البداية على قرار بدء فرض رسوم، فقد نما منذ ذلك الحين، حيث اقترح العديد من المستخدمين أنهم غير راضين بشكل عام عن الطريقة التي يُدار بها الموقع.

ما هو “ريديت”

في حال كنت لا تعرف، فإن “ريديت” هي منصة لتجميع الأخبار الاجتماعية الأميركية، وتقييم المحتوى، والمناقشة، حيث يُرسل المستخدمون المسجلون محتوى إلى الموقع، مثل الروابط والمنشورات النصية والصور ومقاطع الفيديو، التي يتم التصويت عليها أو رفضها من قبل الأعضاء الآخرين. 

كما يجري تنظيم المشاركات حسب الموضوع في لوحات أنشأها المستخدم تسمى المجتمعات أو المنتديات الفرعية. 

المشاركات التي تحتوي على عدد أكبر من الأصوات تظهر في الجزء العلوي من المنتديات الفرعية، وإذا تلقت عددا كافيا من الأصوات المؤيدة، فإنها تظهر بالصفحة الأولى للموقع. 

مسؤولو “ريديت” يشرفون على المنتديات الفرعية، كما يتم إجراء الإشراف أيضا من قبل وسطاء خاصين بالمجتمع، ليسوا من موظفي المنصة.

اعتبارا من شهر شباط/فبراير 2023، احتل “ريديت” المرتبة الـ 10 بين أكثر المواقع زيارة في العالم والمرتبة الـ 6 كموقع الويب الأكثر زيارة في الولايات المتحدة.

في عام 2005، تأسست المنصة بواسطة ستيف هوفمان وأليكسيس أوهانيان، مع آرون شوارتز، في حين استحوذت عليها شركة “كوندي ناست” في عام 2006، بينما أصبحت “ريديت” شركة فرعية مستقلة عن الشركة الأم في عام 2011.

خلال عام 2014، جمعت المنصة 50 مليون دولار في جولة تمويل بقيادة سام التمان ومجموعة من المستثمرين، من بينهم مارك أندريسن وبيتر ثيل ورون كونواي وسنوب دوج وجاريد ليتو، حيث قُدرت قيمة الشركة بمبلغ 500 مليون دولار في ذلك الوقت.

بعد عدة جولات تمويل خلال السنوات السابقة، قُدرت قيمة الشركة في عام 2021 بنحو 15 مليار دولار، وتقدمت “ريديت” في ذلك الوقت بطلب للاكتتاب العام.

مجانية الإنترنت انتهت

من الواضح أن الفترة المجانية لوسائل التواصل الاجتماعي لأنك أنت المنتج شارفت على النهاية، وأيام الحصول على أفضل تجربة عبر المنصة دون دفع الثمن قد ولت، حيث تشهد المنصات، مثل “فيسبوك” و”تويتر” و”ريديت”، انخفاضا كبيرا في أرباحها الهائلة أو تشعر بالضغط لتحقيق ربح مستمر.

السبب يعود إلى أن بياناتك لم يعد لها قيمة كما كانت سابقا، أو أن المنصات لم تكن قادرة على تحقيق الدخل المستدام منها في المقام الأول، وتحتاج الآن إلى معرفة كيفية تحقيق الدخل.

في حالة “ريديت”، لا يُطلب من المستخدمين إنفاق الأموال، بل تريد المنصة ذلك من المطورين الذين يقفون وراء التطبيقات التي يعتمد عليها العديد من مُستخدمي “ريديت” للقراءة والإشراف.

لكن المستخدمين شعروا بالغضب بسبب هذا الأمر، وقد قاموا باحتجاجات مثل هذه في الماضي لتوضيح وجهة نظرهم. 

بصرف النظر عن بعض التنازلات الصغيرة، لا يبدو أن الشركة مستعدة لتغيير رأيها بشأن هذا الأمر.

الاحتجاج عبر التوقف عن العمل 

بالنسبة للمنصة، فإن قيمتها الأساسية تنبع من المجتمع والمستخدمين، الذين ينشرون ويعلقون ويديرون المنتديات الفرعية مجانا، الأمر الذي يعني الملايين من ساعات العمل غير المأجور التي لا تستطيع المنصة الاستغناء عنها.

لكن “ريديت” ليست مجرد مجتمع، بل إنها أيضا نشاط تجاري، وتأتي احتياجات هذا النشاط التجاري في المقام الأول، وفي الوقت الحالي، توضح الشركة أنها بحاجة إلى كسب المزيد من المال. 

نتيجة لذلك، تفرض الشركة قريبا رسوما على الوصول التجاري إلى واجهة برمجة تطبيقاتها التي يعتمد عليها العديد من المطورين الخارجيين لتشغيل تطبيقاتهم المستندة إلى “ريديت”. غالبا ما تكون هذه التطبيقات أفضل وأسرع ولديها ميزات أكثر من تلك الخاصة بالمنصة. 

إلى جانب ذلك، تمنع المنصة المحتوى الجنسي الصريح عن التطبيقات الخارجية، مع الاستمرار في السماح به في تطبيقها الرسمي، مع الإشارة إلى أن الغالبية العظمى من الخدمات التي تستخدم واجهة برمجة تطبيقاتها لن تتأثر، وأن الأدوات غير التجارية التي تساعد المشرفين لن يتم تحصيل رسوم منها. 

كما تطرح المنصة أدواتها للإشراف من أجل استبدال ما قد يخسرونه بمجرد تنفيذ تغييرات واجهة برمجة التطبيقات.

في شهر نيسان/أبريل الماضي، عندما أعلنت المنصة لأول مرة عن فرض الرسوم للوصول إلى واجهة برمجة تطبيقاتها، صاغت القرار كاستجابة لشركات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تجمع محتواها لبناء نماذجها اللغوية الكبيرة المربحة بينما لا تدفع للمنصة أي شيء في المقابل.

مطورو تطبيقات “ريديت” لم يعتقدوا أن هذه الخطوة قد تؤثر بهم، حيث أن منتجاتهم جعلت تجربة المنصة أفضل لسنوات عديدة.

لكن في نهاية شهر أيار/مايو الماضي، قال كريستيان سيليج، مطور “أبولو”، أحد أشهر تطبيقات “ريديت”، “المنصة تريد مني دفع نحو 20 مليون دولار سنويا للاستمرار في العمل. هذا المبلغ أكثر بكثير مما كان “أبولو” يحققه”. 

لاحقا، أعلن سيليج عن توقف تطبيق “أبولو” عن العمل في 30 حزيران/يونيو الحالي، في اليوم السابق لتفعيل أسعار “ريديت” الجديدة، كما أوضحت العديد من التطبيقات الخارجية الأخرى أنها تخطط للتوقف أيضا.

نظرا للتأثير الذي تحدثه خطة المنصة لخفض التكاليف قريبا، نظمت مجموعة من المستخدمين، وكثير منهم مشرفين، مقاطعة مؤقتة، حيث أصبحت المنتديات الفرعية خاصة أو مقيدة لمدة 48 ساعة.

وفقا لموقع يتتبع أخبار التوقف، في بداية الاحتجاج تحول نحو 8800 منتدى فرعي إلى الوضع الخاص، بعضها يضم عشرات الملايين من المشتركين، وظل نحو 4800 منتدى فرعي خاصا حتى الآن.

على المدى القصير، التوقف كان له بعض التأثير، بما في ذلك الكثير من اهتمام وسائل الإعلام وحتى التسبب في تعطل “ريديت” بشكل مؤقت لأن المنصة لم تستطع التعامل مع العديد من المنتديات الفرعية التي أصبحت خاصة في نفس الوقت، لكن الطويل المدى، لم يتضح التأثير بعد.

بينما كان من المفترض أن يستمر التوقف ليومين فقط، أوضحت بعض المنتديات الفرعية أن التوقف مستمر إلى أجل غير مسمى، في حين لا تزال بعض المنتديات الفرعية تنتظر تقرير ما يجب فعله بعد ذلك.

المنصة غير مهتمة

عندما تدخل تغييرات أسعار واجهة برمجة التطبيقات حيز التنفيذ في الأول من شهر تموز/يوليو القادم، وتتوقف التطبيقات الخارجية عن العمل، قد تظهر مدى أهميتها بالنسبة إلى المستخدمين، وبالتالي للمنصة نفسها.

لكن لا يبدو أن “رديت” مهتمة. في رسالة إلى الموظفين، قال الرئيس التنفيذي، ستيف هوفمان، “مثل الاحتجاجات السابقة ضمن المنصة، أتوقع مرورها”

ردا على الاحتجاج، قدمت “ريديت” بعض التنازلات الصغيرة، مثل الوعد بأن تطبيقات إمكانية الوصول لن تخضع لتسعير واجهة برمجة التطبيقات وأن المشرفين يكونون قادرين على رؤية المحتوى الجنسي الصريح عبر جميع المنتديات الفرعية العامة للمساعدة باتخاذ قرارات الإشراف.

دون وجود خطط لأية تغييرات إضافية، أشارت المنصة إلى أنها تريد الحصول على أجر عادل مقابل الوصول إلى واجهة برمجة تطبيقاتها.

وجهة نظر الشركة تتمثل في أنها تنفق الكثير من الأموال لتوفير الخدمات التي تحتاجها واجهة برمجة تطبيقاتها لكي تعمل، مما يعني أنها تدفع مقابل حصول مطور آخر على المال، على سبيل المثال، لدى تطبيق “أبولو” 50 ألف مستخدم يدفعون مقابل استخدام التطبيق.

التطبيقات الخارجية لا تحتوي على إعلانات “ريديت” ضمنها، مما يعني أن المنصة لا تكسب المال بشكل مباشر منها، كما أن الشركة تستعد للاكتتاب العام الأولي في وقت لاحق من هذا العام، وتحتاج إلى دعم ماليتها. 

من ناحية أخرى، كانت المنصة راضية لسنوات عن التطبيقات الخارجية، حيث لم يكن لديها تطبيق حتى عام 2016، عندما استبدلت تطبيق “ألين بلو”، وهو تطبيق تابع لجهة خارجية حصلت عليه في عام 2014، بتطبيق جديد يحمل علامتها التجارية.

لكن تطبيق المنصة الرسمي لا يحتوي على بعض الميزات والأدوات التي توفرها العديد من التطبيقات الخارجية، والتي يريدها الكثير من المستخدمين. بدلا من جعل تطبيقها منافسا لتلك التطبيقات، اتخذت “ريديت” قرارا قد يتسبب بإغلاق تلك التطبيقات.

بشكل عام، من المهم أن تستطيع المنصة تحقيق الدخل، ويريد معظم المشرفين نجاحها، لكن يجب أن يكون هناك حل وسط يعود بالنفع المتبادل على كل من المنصة والمشرفين والمستخدمين.

في النهاية، إذا كنت لا تستخدم “ريديت”، فقد تعتقد أن مجموعة من منتديات الإنترنت تظل متوقفة عن العمل لبضعة أيام أو حتى بشكل دائم هو أمر لا علاقة لك به، لكن إذا كنت تستخدم أي منصات تواصل اجتماعي أخرى أو أي منصة مجانية عبر الإنترنت، فقد تكون المسألة أكثر صلة بك مما تعتقد، حيث يتغير نموذج عمل الإنترنت المجاني والمفتوح، وتتغير معه تجربتك أيضا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات