ما وراء تركيز الشركات الصينية على بناء الهواتف الاقتصادية؟

ما وراء تركيز الشركات الصينية على بناء الهواتف الاقتصادية؟
استمع إلى المقال

في السنوات الأخيرة ظهرت مئات الشركات الصينية التي أطلقت آلاف الهواتف إلى الأسواق المحلية والعالمية، ورغم هذا الطوفان من الهواتف الصينية في الأسواق، إلا أن سوادها الأعظم كان من الهواتف الاقتصادية وقلة قليلة هي من الهواتف الرائدة ذات التقنيات الرائدة. 

ابتعاد الشركات الصينية على تقديم الهواتف الرائدة بالكثافة التي تقدم فيها الهواتف الاقتصادية يثير الشكوك، وهذا لأن أرباح الهواتف الرائدة تتجاوز تلك الاقتصادية بمراحل لدرجة أن بعض الشركات تركز على تقديم الهواتف الرائدة فقط مثل “أبل”. 

قد يهمك أيضا: أكسير حياة الهواتف المحمولة.. هل تتعمّد الشركات قتل هواتفها؟

إعادة الاستخدام حتى الملل 

الحديث عن جميع شركات الهواتف الصينية يزداد صعوبة يوما بعد يوم لأن أعدادها تتزايد بشكل مطّرد، وما تلبث الشركة أن تحقق أي نجاح حتى تقوم بالإنفصال إلى عدة شركات صغيرة تطور هواتف تنافس بعضها البعض، وتعد “شاومي” أحد أبرز الأمثلة على هذا الوضع مع الشركات الصينية، إذ بدأت الشركة مع عدة خطوط من الهواتف المحمولة، ثم انفصلت هذه الخطوط لتصبح شركات صغيرة تحت المظلة الكبيرة، لتجد أن هناك شركة تدعى “ريدمي” وأخرى تدعى “بوكو” وثالثة تدعى “شاومي” وجميعهم يطوّرون هواتف لا يمكن تفريقها عن بعضها البعض. 

الفلسفة ذاتها متّبعة مع بقية الشركات الصينية مثل “Realme” التي تُعد شركة فرعية من “Oppo” وهي ذاتها جزء من مجموعة “BBK” للهواتف المحمولة التي تمتلك عدة شركات أخرى منافسة مثل “Vivo” و “OnePlus”. 

تعدد الشركات الصغيرة التي تتبع ملكية فكرية واحدة يجعل الهواتف الصينية تتشابه إلى حدّ كبير حتى يصعب التفريق بينها وبين بعضها، ويظهر هذا التشابه بشكل واضح للغاية بين هواتف “Oppo” و “Oneplus”، إذ أنك تستطيع توقّع مواصفات هاتف “Oneplus” الجديد إذا ما تابعت مواصفات هاتف “Oppo” الرائد. 

قد يهمك أيضا: هل تعلم أن “الأيفون” أرخص من الهواتف الصينية؟

الفلسفة التي تتّبعها الشركات الصينية جميعها في قطاع الهواتف المحمولة يمكن تلخيصها في جملة واحدة، وهي أن تنافس ذاتك قبل أن ينافسك أحد آخر، وذلك من أجل الاستحواذ الكامل على سوق الهواتف المحمولة المتوسطة والاقتصادية. 

النتيجة الأولى والأوضح لهذه الفلسفة هو تشابه مواصفات الهواتف الصينية من الشركة الواحدة رغم اختلاف أسمائها، وإذا أردنا أن نضرب مثالا عن شركة “شاومي”، فإنك تجد الشركة أعادت استخدام معالج “Snapdragon 732” في 6 هواتف مختلفة صدرت خلال عامين تحت العلامات التجارية المختلفة التي تتبع الشركة، ويمكن تتبع الأسلوب ذاته مع جميع المعالجات التي تحصل “شاومي” على حقوق استخدامها. 

الشركة تحقق الكثير من الأرباح من وراء استخدام هذا الأسلوب في إعادة تدوير المكونات واستخدامها مرارا وتكرارا، إذ تستطيع الحصول على صفقة أفضل من المورّد كونها ستحصل على كمية أكبر من المعالج، وتزيد من حصتها السوقية التي وصلت مع “شاومي” في الربع الأخير من عام 2022 إلى 33 بالمئة عالميا، وذلك دون التكاليف الإضافية لتطوير هواتف جديدة أو تطويع شرائح جديدة، وكل ما تحتاج له الشركة من أجل إنتاج هاتف جديد عبر الشريحة ذاتها هو تغيير تصميمه الخارجي قليلا والعبث في تركيبة الذاكرة العشوائية لتجد نفسك أمام هاتف جديد يُباع بقيمة مختلفة رغم أن الشركة تمتلك مثله سابقا، ويمكنك تتبع هذا الأسلوب عبر جميع هواتف “شاومي” التي أطلقتها منذ أن بدأت ويبلغ عددها 320 هاتفا. 

 السواد الأعظم من الهواتف التي تطوّرها “شاومي” وتعيد استخدام مكوناتها هي هواتف اقتصادية في المقام الأول لأن الشركة لا تطلق إلا هاتفا رائدا واحدا في الجيل، ولا تحاول إعادة استخدام مكوناته بالطريقة ذاتها، وهو الأمر الذي يدعو للتساؤل، لماذا لا تحاول “شاومي” استخدام الفلسفة ذاتها مع الهواتف الرائدة رغم أنها قد تحقق أرباحا أكبر. 

سيطرة تامة على قطاع الهواتف الاقتصادية 

متوسط سعر بيع هاتف “شاومي” لعام 2021 كان 162 دولار وفقا لإحصائيات موقع “Statista”، ومع ذلك فإن الشركة تقدّم هواتف يصل سعرها لأكثر من 1300 دولار، ولكن انخفاض متوسط سعر بيع الهواتف لدى الشركة يعود لكون الغالبية الساحقة من الهواتف هي هواتف اقتصادية ومتوسطة. 

“شاومي” تباهت في آذار/مارس 2022 بالمبيعات التي حققتها في عام 2021، وقالت بأنها تمكنت من بيع 190 مليون هاتف محمول حول العالم كان منهم 24 مليون فقط للهواتف الرائدة، ويعني هذا أن الهواتف الرائدة لا تشكل أكثر من 12.6 بالمئة من إجمالي مبيعات “شاومي” السنوية إذا ما أخذنا مبيعات عام 2021 مقياسا. 

السيناريو ذاته يتكرر مع جميع الشركات الصينية الأخرى التي تقدم هواتف متوسطة بكثافة، إلى جانب وجود شركات أخرى لا تعمل إلا في الهواتف الاقتصادية منخفضة الثمن مثل “Lenovo” أو “Gionee”، وهي شركات صينية مغمورة لا تهتم إلا بهذا القطاع. 

لماذا هذا الاهتمام؟ 

في كانون الثاني/ يناير 2023 ظهر تقرير من أحد مصانع “Foxconn” الصينية المختصة بتجميع هواتف “آيفون” إلى جانب هواتف أندرويد أخرى، وأشار التقرير إلى عدد العاملين في خط إنتاج هواتف “أبل” مقارنة مع خطوط إنتاج هواتف الأندرويد الصينية الأخرى التي تُصنع في المصنع ذاته، وبحسب التقرير، فإن خط إنتاج “آيفون” يحتاج إلى 1200 عامل مقارنة مع 100 عامل فقط على خط إنتاج أي هاتف “أندرويد”، وذلك رغم أن عدد هواتف “أندرويد” الناتجة عن خط الإنتاج قد تتجاوز هواتف “آيفون” كثيرا. 

الاهتمام بخط إنتاج “آيفون” ليس لأن سعر مكونات الهاتف أغلى من مثيلاتها في “الأندرويد”، ولكن لأن “أبل” تمتلك معايير جودة أكثر صرامة من الشركات الصينية، ولا يرغب المصنع في خسارة “أبل” أو إنتاجها من الهواتف، لذلك فهو يهتم بها بشكل أكبر. 

الشركات الصينية تهتم فقط بإنتاج أكبر عدد ممكن من الهواتف دون البحث عن جودتها أو حتى محاولة ضمان هذه الجودة وهو ما يجعلها تركز على الهواتف الاقتصادية. 

معايير قبول أقل 

الهواتف الاقتصادية تستهدف فئة مختلفة عن تلك التي تشتري هواتف “آيفون”، وهم من لا يهتمون بالتقنية ولم يتلقوا التعليم الأمني الكافي ليخافوا من المراقبة وسرقة البيانات، كما أنهم لا يمتلكون معايير واضحة في جودة الهواتف التي يمتلكونها، لذلك أصبحوا العميل المثالي لشركات ترغب في تتبع جميع بياناتهم ولا تهتم لجودة هواتفها. 

الشركات الصينية تصب غالبية اهتمامها على الهواتف المتوسطة من تكاليف دعاية مع محاولات لإقناع المستخدم بأن هذا الهاتف المتوسط الرديء الذي لا يخضع لمعايير جودة صارمة هو كل ما يستحقه وقادر على منافسة هاتف “آيفون” الذي يكلف آلاف الدولارات، ولكن في الحقيقة هي محاولة لبيع منتج رديء للمستخدم الذي لا يعرف الفارق بين هذه المنتجات، وهو يجعل أسلوب الدعاية الخاص بهم أقرب إلى الدعاية الكاذبة. 

قد يهمك أيضا: هل يتعافى قطاع الهواتف المحمولة في مصر؟

المستخدم الذي يقتني هاتفا اقتصاديا يدّخر من قوت يومه وأولاده أملا في إمتلاك منتج جيد وذو قيمة تتناسب مع سعره، لذلك تجدهم دائما يبحثون عن أفضل هاتف يقدم “قيمة مقابل سعر”، ولكن الشركات الصينية لديها من التسامح مع الذات ما يتيح لها استباحة خصوصية هذا المستخدم من أجل الحصول على بياناته وأمواله معا. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.