استمع إلى المقال

بكين تدعي بأنها تتمتع بالسيادة في ما يتعلق بتقنيات “5G” التي تمثل مستقبل الإنترنت عبر الهواتف، وهو ادعاء لا يتهاون الحزب “الشيوعي” الصيني، في دعمه عبر بيانات الشركات التابعة له مثل ما تقوله “هواوي” في موقعها الرسمي، لكن هل حقا الأمر كذلك.

تقنيات “5G” تمثل مستقبل الاتصالات الخلوية بالإنترنت والمكالمات المعتادة، وذلك لأنها توفّر سرعات وجودة تصل إلى 20 ضعف السرعات التي تقدمها تقنيات “4G”، ولكن هل كانت الصين حقّا أول من طوّرت تقنيات “5G” واستخدمتها. 

قد يهمك أيضا: أسعار معدّات شبكات الجيل الخامس المنخفضة: لماذا القلق؟

الريادة ليست صينية 

بكين تؤكد مرارا وتكرارا على ريادتها في مجال تقنيات “5G” وذلك لأنها كانت أول من أطلقت تقنية “5G” أو أسرع مَن تبنتها ونفذتها على نطاق واسع لتغطي الصين بأكملها، ولكن الحقيقة أبعد من ذلك كثيرا، إذ أن الصين ليست من أوائل الدول التي أطلقت التقنية رسميا أو حتى تمتلك أكبر معدّل تبني للتقنية، وحتى نتمكن من الحديث عن أول من أطلق تقنية “5G”، يجب أن نوضّح الفرق بين التقنيات الاختبارية أو المرحلة الاختبارية للتقنية ومرحلة الإطلاق الواسع والإتاحة للعامة، حيث يشير الإطلاق الرسمي عن إتاحة الشبكة للاستخدام العام، لأنها في ذلك الوقت تكون متاحة لجميع المستخدمين حتى وإن لم تكن في جميع المدن. 

الإطلاق الرسمي لتقنيات “5G” في الصين كان في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وذلك عبر الشبكات الثلاثة المملوكة من قبل الحزب “الشيوعي” الصيني، ورغم ادعاءات وسائل الإعلام الصينية، فإن هذا ليس أول إطلاق رسمي لتقنيات “5G” في العالم. 

الولايات المتحدة سبقت موعد إطلاق الصين الرسمي للتقنية بأكثر من 6 أشهر، إذ أطلقتها شبكة “Verizon” رسميا للهواتف المحمولة في نيسان/أبريل من العام ذاته، وذلك بعد إطلاقها شبكات الهواتف الأرضية التي تدعم التقنية ذاتها في عام 2018. 

كوريا الجنوبية سبقت الصين في ذلك أيضا، إذ بدأ الإطلاق الرسمي في نيسان/إبريل عام 2019 وفق ما نقلته “رويترز” سابقا، ولا تتوقف ريادة كوريا الجنوبية عند كونها أول من أطلقت التقنية فقط، بل يمتد الأمر إلى معدلات التبني واستخدام التقنية في المدن المختلفة، إذ كانت أول من نشرت تقنيات “5G” بشكل واسع في أكثر من 85 مدينة بحلول عام 2020، وذلك رغم أن الولايات المتحدة كانت قدمتها في 50 مدينة فقط، وربما تعد سرعة تبني شبكات “5G” في الولايات المتحدة أبطأ قليلا من كوريا الجنوبية إلا أن هذا يعود لتنوع مزودي خدمات الهاتف إلى جانب اتساع الرقعة الجغرافية للولايات المتحدة والتي تتفوق في حجمها على الصين وكوريا الجنوبية. 

جودة خدمات “5G” التي تقدمها هذه الدول تُعد جزءا مهما من التجربة، وربما يكون أهم من الوقت الذي استغرقته التقنية حتى الظهور، وفي هذا الجانب تتفوق كوريا الجنوبية بوضوح على جميع منافسيها وفق تقييم موقع “OpenSignal“، إذ تفوقت كوريا الجنوبية على دول العالم في أكثر من جانب مثل سرعات التحميل ووقت توافر الخدمات وغيرها من هذه الجوانب. 

لماذا الاهتمام بالريادة في تقنيات “5G”؟ 

السباق على مركز أول من قدم تقنيات “5G” شهد معركة محتدمة بين الكثير من الشركات حول العالم وفي الدولة الواحدة، وهو صراع ظهر بوضوح في تقرير “رويترز” الذي ادعت كون كوريا الجنوبية أول من استخدمت التقنية، حيث أرسل مزودو شبكات المحمول في أميركا رسائل اعتراض للصحيفة مدّعين بأنهم قدموا الخدمة قبل كوريا الجنوبية بأيام. 

تقرير “رويترز” يرجع هذا السباق بسبب حجم الاستثمارات التي قد تجلبها شبكات “5G” للشركات، إذ يشير التقرير إلى توقعات “IHS Markit” بأن يصل حجم الأرباح الناتجة عن هذا القطاع إلى 12.3 تريليون دولار بحلول عام 2035، وهو ما سيدفع الشركات لإستثمار أكثر من 275 مليار دولار في أميركا فقط. 

المتحدث الرسمي لشركة “AT&T” قال في خطابه إلى “رويترز“: 

أنفقنا أكثر من 130 مليار دولار في الخمسة أعوام الماضية من أجل ترقية شبكاتنا، لذلك نرغب في الحصول على التقدير الذي نستحقه، من المهم أن نكون الأول في مجالنا”. 

هل تستحق كل هذا العناء؟ 

الترويج الذي يحدث لتقنيات “5G” يجعلك تشعر بأن حياتك دون هذه التقنية لن تستمر، ورغم أن التقنية تقدم تطورا مذهلا عن الجيل السابق من شبكات الاتصال “4G”، إلا أنه تطور لن يكون ملموسا إلا باستخدام معدات خاصة. 

فرق السرعة في استقبال وإرسال البيانات بين تقنية “5G” وتقنية “4G” يصل إلى عشرين ضعف الأخيرة، ورغم ذلك فإنك تحتاج إلى هاتف محمول أو حاسوب مزوّد بشرائح اتصال “5G” حتى يتمكن من العمل والاستفادة من التقنية بشكل جيد. 

السبب في هذا الفرق بين التقنيتين يعود إلى الترددات التي تستطيع التقنية العمل بها، إذ تعمل تقنية “4G” على ترددات أقل من 6 غيغاهرتز، بينما تبدأ الترددات في تقنية “5G” منذ 30 غيغاهرتز وحتى 300 غيغاهرتز، وهو ما يضمن نقل أسرع للبيانات واستقبال أسرع أيضا. 

قد يهمك أيضا: اتهامات لشبكة الجيل الخامس بإسقاط الطائرات

التجربة اليومية لهذا الفرق ستكون ملموسة في سرعة تحميل الملفات الكبيرة، إذ قد يستغرق تحميل ملف بحجم 10 غيغابايت عبر تقنية “4G” حتى دقيقة وعشرون ثانية، ويستغرق تحميل الملف ذاته عبر تقنية “5G” أقل من 4 ثوان تقريبا. 

جانب آخر من تفوق تقنيات “5G” يظهر في وقت الاستجابة للأوامر أو كما تُعرف بـ “Latency”، وهو الوقت الذي تستغرقه الأوامر حتى تصل إلى الخوادم وتعود إلى المرسل مرة أخرى، ويصل هذا الوقت في تقنيات “4G” إلى 98 مللي ثانية تقريبا، ولكن مع تقنيات “5G” ينخفض إلى أقل من 5 مللي ثانية فقط. 

السرعات الجديدة التي تتيحها شبكات “5G” ليست التفوق الوحيد لهذه التقنية، إذ تعتمد الشبكات على تقنية تدعى “Small cell Technology” حتى تعمل وتنتشر إلى مختلف المناطق، وهي تتخلى عن أبراج الشبكات الضخمة التي كانت مستخدمة سابقًا في شبكات “4G” والأجيال الأقدم لصالح وحدات صغيرة تستقبل الإشارات وتعيد إرسالها مرة أخرى، وهي تغطي حتى 2.5 كيلومتر تقريبا من المساحة قبل أن تتوقف شبكتها. 

تقنية “Small Cell” لشبكات “5G”

الانتقال إلى تقنية “Small Cell” يقلل الحمل البيئي لبناء أبراج شبكة ضخمة تعتمد على مصادر طاقة متنوعة ومختلفة حتى تتمكن من تغطية المنطقة بشبكة الهاتف المحمول، لذلك فهي قد تكون اختيارا أنسب. 

المعدات المستخدمة لتقوية شبكات “5G” تمثل الخطر الأكبر أيضا في هذه التقنية، إذ تستطيع عبر اختراقها التجسس على جميع المكالمات والرسائل والمعلومات الواردة عبر هذه الشبكة، لذلك لا يمكن ترك مثل هذه التقنية في يد من يعرف عنهم التجسس لمصالحهم الشخصية، وهو ما اتبعته أميركا والكثير من الدول الأخرى في محاولة حظر معدات الاتصال التابعة لشركة “هواوي” الصينية. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.