تبنّي شبكات الجيل الخامس في الشرق الأوسط: إلى أين وصلنا وما العقبات؟

تبنّي شبكات الجيل الخامس في الشرق الأوسط: إلى أين وصلنا وما العقبات؟
استمع إلى المقال

إن رد الفعل على قراءة عنوان يتحدث عن تبنّي شبكات الجيل الخامس في الشرق الأوسط في منطقتنا قد يكون متباينًا تباين الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لدول هذه المنطقة، فمن المعروف أن المنطقة العربية تضم دولًا غنيةً وأخرى فقيرة، ودولًا مستقرةً سياسيًا، وأخرى قد مزقتها الحروب.وبالتالي، قد يرد أحدهم على هذا السؤال بالقول إنه ومنذ مدة يتنعم بخيرات، ولْنَقُل بسرعات شبكات الجيل الخامس 5G، وفي الطرف الآخر قد يرد أحدهم بسؤال من قبيل، عن أي جيل خامس تتحدث أنت؟ فنحن لا نزال نكافح من أجل اتصال ثابت بالإنترنت عبر شبكات الجيل الثالث 3G.

وعلى كل حال، دعونا في هذا التقرير نستعرض مدى تبني شبكات الجيل الخامس في الشرق الأوسط، فنقول لمن يجد في دولته القدرة على توفيره هذه السرعات الهائلة؛ أين وصلنا، ولمن يتحسر عليها ما العقبات التي تحول دون وصولها إليه.

ولكن قبل الحديث عن تبني شبكات الجيل الخامس، أود أن أقدم بنبذة عن شبكات الجيل الخامس، ماهي؟ وما الفرق بينها وبين شبكات الجيل الرابع 4G؟ وكيف تعمل باختصار؟ وما فوائدها؟ ثم التحديات التي منها ننطلق لعقبات انتشار هذه التقنية في الشرق الأوسط.

ما شبكات الجيل الخامس 5G؟

إن عبارة 5G هي اختصار لـ fifth generation، وتعني الجيل الخامس، وتحديدًا الجيل الخامس من معايير الاتصالات اللاسلكية. وهذا الجيل هو الآن الأحدث في عالم الشبكات ونقل البيانات.

ومنذ أن بدأ التبشير بهذا الجيل من معايير الاتصالات اللاسلكية قبل بضع سنوات، أخذ العالم يترقب التحولات التي ستجري بسبب السرعات الهائلة التي تَعِد بها شبكات 5G.

الفرق بينها وبين شبكات 4G و 3G؟

تمتاز شبكات 5G بأنها توفر سرعات لنقل البيانات قد تصل إلى 20 غيغابت في الثانية بناءً على متطلبات IMT-2020. وللمقارنة، فإن الحد الأقصى لشبكات الجيل الرابع 4G لا يتعدى 1 غيغابت في الثانية، لذا فإن الفارق بينهما يبدو شاسعًا.

ومن منظور الخدمات المتاحة للمستخدمين، يمكن اعتبار 3G، و 4G، و 5G على أنها مراحل متصاعدة من التطور، إذ تتيح شبكات 3G اللاسلكية تصفح الويب، واستخدام مواقع التواصل، والتجارة الإلكترونية، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة ومتنوعة من تطبيقات الأجهزة المحمولة، ثم جاءت شبكات 4G بالترفيه الرقمي، والأجهزة القابلة للارتداء، والتقنية المالية.

وأخيرًا، تَعِد شبكات 5G بتقنيات ثورية، مثل: الواقع الافتراضي، والواقع المعزز، والروبوتات، والسيارات الذاتية القيادة وغيرها الكثير.

كيف تعمل شبكات 5G؟

كما هو الحال مع أي اتصالات خلوية أخرى، يقوم جهاز المستخدم برقمنة البيانات – الصوت والصور وما إلى ذلك – ثم نقلها إلى هوائي عبر أمواج الراديو، ثم يمرر اتصال الألياف الضوئية السلكية أو الاتصال اللاسلكي البيانات إلى الإنترنت، ثم تُنقل البيانات إلى هوائي الوجهة، ثم إلى جهاز الاستقبال.

وعلى غرار شبكات الجيل الرابع 4G، فإن شبكات الجيل الخامس 5G تقوم على نظام من الخلايا التي يتصل كل منها بأساس الشبكة، ولكن يكمن الاختلاف مع شبكات 4G في الترددات اللاسلكية المستخدمة لنقل البيانات واستقبالها بين أجهزة المستخدمين وهوائيات الخلايا.

وتمتاز شبكات 5G بأنها قادرة على استخدام ترددات موجات ميليمترية ذات نطاق أعلى وأقصر من حيث المسافة – وهو أمر غير موجود في شبكات 4G. ويتيح ذلك للهوائيات الخلوية دعم تقنية MIMO – وتعني: المدخلات المتعددة، والمخرجات المتعددة – اللازمة لسرعات 5G المرتفعة، واتساع النطاق الترددي، وقدرات تعدد الأجهزة.

ومع ذلك، فإن هذه الترددات، التي تواجه صعوبة في اختراق النوافذ والجدران، لا تنتقل بعيدًا. وحتى الآن، تعتمد شبكات 5G على أعداد كبيرة من “الهوائيات الصغيرة” لضمان التغطية. ومن السهل تطبيق ذلك في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، أما في المناطق الريفية، فإن شبكات 5G تستخدم التردد الفرعي sub-6GHz بالتعاون مع تغطية الجيل الرابع الحالية.

وتتيح الحرية في اختيار الترددات للمشغلين انتقاء الطيف الترددي الذي يناسب احتياجاتهم الجغرافية – مثل: المناطق الحضرية، أو الريفية، أو الكثافة السكانية العالية أو المنخفضة، وما إلى ذلك – وقد ركزت غالبية برامج الجيل الخامس التجريبية التي تم إنشاؤها حتى الآن في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على التردد 3.5 غيغاهرتز الذي يقدم أفضل حل للتنوع السكاني في المنطقة والتحضر والتنمية المتنقلة؛ ومع ذلك، فإن المشغلين يفضلون استخدام ترددات الموجات الميليمترية الأعلى.

فوائد شبكات 5G واستخداماتها

يحدد تقرير (الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول) GSMA بعنوان “5G في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” ثلاث مزايا واضحة لاعتماد 5G، وهي:

  • النطاق العريض المتنقل المحسّن، وهذا يعني تبادل البيانات على نحو أسرع، واستخدام السحابة المحسّن، والترفيه الرقمي، والرياضات الإلكترونية، وتطبيقات الواقع الافتراضي والمعزز.
  • إنترنت الأشياء، حيث سيُحسَّن مفهوم إنترنت الأشياء بدرجة كبيرة، وذلك من خلال تطبيقات متقدمة للأجهزة القابلة للارتداء، والمباني الذكية، والمدن الذكية، وما إلى ذلك.
  • الاتصالات المنخفضة الكمون، حيث من المتوقع أن تثمر القفزة في السرعة تحسينات في الأتمتة الصناعية، والروبوتات، والسيارات ذاتية القيادة، وحتى الجراحة عن بُعد.

ومن بين تلك الاستخدامات، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تركز على مجالين، هما: المدن الذكية، والسيارات.

وفيما يتعلق بالمدن الذكية، فيمكن القول إن المناطق الحضرية هي ملعب إنترنت الأشياء، حيث تتمتع منطقة الخليج بواحد من أعلى معدلات التحضر في العالم، ويمكن أن تساعد التقنية وتطبيقات تقنية المعلومات في معالجة قضايا الكثافة السكانية والنمو. ويمكن استخدام القدرات المتزايدة التي توفرها شبكة الجيل الخامس لتحسين مستويات المعيشة للمواطنين، ومعالجة التلوث، والازدحام المروري، وحتى تغير المناخ. وحاليًا، هناك مبادرات للمدن الذكية جارية في الكويت، وعُمان، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة.

أما السيارات الذاتية القيادة فهي حالة استخدام شائعة لشبكات الجيل الخامس نظرًا لمتطلبات البيانات، التي تربط بين الخرائط العالية الدقة، وبيانات حركة المرور في الوقت الفعلي، وبالطبع القيادة. وقد حددت دبي هدفًا يتمثل في جعل 25% من جميع الرحلات داخل المدينة تجري بواسطة سيارات ذاتية القيادة بحلول عام 2030، لذا فهي تحتاج إلى شبكات الجيل الخامس لتحقيق هذا الهدف.

تحديات شبكات الجيل الخامس 5G

بطبيعة الحال، فمع تنفيذ أي تقنية جديدة، تظهر عقبات يجب التغلب عليها. أما التحديات الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فهي:

  • التكلفة: يمكن أن تكون الترقية مكلفة وشبكات 5G ليست استثناءً. إذ إن الحصول على الخلايا الأصغر والمزيد من الهوائيات التي تتطلبها الترددات الراديوية العالية يعني إنفاق المزيد من الأموال.
  • اللوائح التنظيمية: إن قدرة شبكات الجيل الخامس على إحداث تحول أكبر في مجتمعاتنا الرقمية تعني أن التنظيم الحكومي عنصر لا مفر منه. وسيكون للوائح المتعلقة بتوفر التردد والبنية التحتية تأثير. وبالمثل، تفرض بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ضرائب خاصة بالهواتف المحمولة، ومن شأن إلغاءها أن يحسن القدرة على تحمل التكاليف واعتمادها.
  • توفر الأجهزة: على المستوى العملي الأساسي، لا يزال عدد انتشار الأجهزة التي تدعم شبكات 5G محدودًا.

وقبل الحديث عن العقبات التي تحول دون الإسراع في تبني شبكات الجيل الخامس 5G، دعونا الآن نوضح قليلًا مدى انتشارها في المنطقة.

وبحسب تقرير نشره موقع IDATE في شهر تموز/ يوليو من العام الماضي، فإن شبكات 5G تتوفر تجاريًا في 6 بلدان اعتبارًا من أوائل عام 2020، وهي: البحرين، والكويت، وعُمان، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية.

وتتصدر دول مجلس التعاون الخليجي في الشرق الأوسط شبكات الجيل الخامس بفضل اعتمادها القوي لشبكات الجيل الرابع والدعم الحكومي الكبير.

وبحلول عام 2023، ستتوفر شبكات 5G تجاريًا في 6 دول أخرى في الشرق الأوسط، وهي: الأردن، ومصر، ولبنان، والمغرب، وفلسطين، وإيران.

ونلاحظ هنا أن دول الخليج التي تتنعم بوفرة اقتصادية، كانت سباقة في تبني شبكات الجيل الخامس 5G، حتى أنها جعلت من تبنيها أولوية كجزء من جهودها للانتقال من الاعتماد على النفط إلى اقتصادات الخدمات القائمة على المعرفة.

وقبل سنوات أعلنت تلك الدول عن خطط شاملة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية تسميها “الرؤية”، وهي تهدف إلى تقديم خدمات عامة أفضل، والتنويع الاقتصادي من خلال التقدم التقني. فأعلنت السعودية عن “رؤية 2030” وأعلنت الإمارات عن “رؤية 2021”.

وتقول شركة الاتصالات السعودية STC أنها نشرت تغطية 5G على كامل البلاد اعتبارًا من تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وتسعى هيئة تنظيم الاتصالات في الإمارات العربية المتحدة إلى أن تُتِم حاليًا تغطية بنسبة 80% في جميع أنحاء البلاد، وقبل عام 2025 ستكون التغطية كاملة.

أما فيما يتعلق بالدول الأخرى في المنطقة، فمن المحتمل أن تتخلف عن شبكات 5G بسبب قضايا التنمية الاقتصادية، إذ إن الطلب على خدمات 5G يُستمد إلى حد كبير من التنمية الاقتصادية للدولة – حيث تتحسن ظروف العمل ومستويات معيشة المستهلك، وتؤدي الزيادة في الطلب على التقنية المتقدمة إلى تطوير 5G. وبالتالي، فإن أكبر نمو لشبكات 5G يحدث الآن في دول مجلس التعاون الخليجي.

ويتأكد الارتباط بين التطور الاقتصادي والجيل الخامس من خلال غيابه في المنطقة خارج دول مجلس التعاون الخليجي، حيث أن معظم الدول غير الخليجية إما لا تزال تستخدم شبكات الجيل الثالث 3G فقط، أو أنها أدخلت حديثًا شبكات الجيل الرابع 4G، مدفوعة بانتشار الهواتف الذكية بسبب مطالب الطبقة المتوسطة المتنامية.

وفي أواخر عام 2018، أصبحت شبكات الجيل الثالث شبكة الجوال المهيمنة في المنطقة. وسيؤدي الاعتماد على شبكات الجيلين السابقين في المنطقة إلى إعاقة توسع شبكة الجيل الخامس.

وتشير التقديرات إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستمتلك 50 مليون اتصال بشبكات الجيل الخامس، وستكون نحو 20 مليونًا من هذه الاتصالات في دول مجلس التعاون الخليجي الأقل كثافة سكانية بحلول عام 2025.

كما أن البلدان التي تعاني من الصراع، مثل: ليبيا، وسوريا، واليمن، والعراق، فمن المرجح أن تستمر في استخدام شبكات الجيل الثالث والرابع وتكافح من أجل العثور على الاستثمار أو القدرة على تطوير شبكة 5G شاملة على مستوى الدولة بسبب ضعف البنية التحتية (نظرًا لعدم الاستقرار).

تجدر الإشارة أيضًا أن الصراع التجاري والتقني الأمريكي-الصيني سيؤدي إلى الحد من انتشار شبكات 5G في المنطقة، خاصةً بعد أن طالبت الولايات المتحدة حلفاءها بالتخلي عن معدات شركة هواوي الصينية، التي تعد الأكبر في هذا السوق مع أسعار منافسة.

وفي النهاية، ما كان رد فعلك على قراءة عنوان التقرير؟ أأنت ممن يعيش في دولة توفر خدمات شبكات الجيل الخامس 5G منذ مدة، مثل: السعودية، والإمارات، وقطر، أم أنك لا تزال تكافح للحصول على اتصال إنترنت ثابت عبر شبكات الجيل الثالث 3G، أم أنك وسط بينهما وتستخدم شبكات الجيل الرابع 4G وتأمل أن تسرع دولتك في توفير خدمات 5G.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.