استمع إلى المقال

في أعقاب استيلاء إيلون ماسك على “تويتر” وما تبعه من إحداث تغييرات وتراجع عنها وفوضى عارمة في كافة أنحاء المنصة، بدأ الناس يبحثون عن بدائل. العديد من أولئك الناس راهنوا على منصة “ماستودون” على أنها ستكون البديل القادم، والتي اجتذبت أكثر من مليوني مستخدم جديد منذ استحواذ ماسك على “تويتر”، بحسب مؤسسها يوين روكو.

“ماسك” بالطبع، لم يُعجبه ذلك، إذ حظر يوم الجمعة حساب “ماستودون” الرسمي من “تويتر”، مع تمييز الروابط التي تؤدي إلى “ماستودون” بأنها “قد تكون ضارة”، دون إيضاح الأسباب الحقيقية وراء هذا القرار.

مثل “تويتر”، يسمح “ماستودون” للمستخدمين بالنشر ومتابعة الأشخاص والمؤسسات وإبداء الإعجاب بمشاركات الآخرين وإعادة نشرها. لكن رغم التشابه في العديد من المزايا، فإن “ماستودون” ليست منصة واحدة، بل اتحاد من الخوادم المترابطة التي تعمل بشكل مستقل.

خوادم “ماستودون” تعتمد على برامج مفتوحة المصدر طورتها منظمة ألمانية غير ربحية اسمها “Mastodon gGmbH”، ويُطلق على خوادم “ماستودون” المترابطة، جنبا إلى جنب مع الخوادم الأخرى التي يمكنها الاتصال بخوادم “ماستودون”، اسم “الكون الفدرالي”.

“سجن” القواعد

أحد الجوانب الرئيسية للكون الفدرالي يتمثل في أن كل خادم تحكمه القواعد التي وضعها الأشخاص المشغلين له. حيث هناك المئات من خوادم “ماستودون”، تسمى “النماذج” (instances)، حيث يمكنك إعداد حسابك، وهذه النماذج لها قواعد ومعايير مختلفة لمن يمكنه الانضمام والمحتوى المسموح به، وبعض هذه النماذج لها تخصصات محددة مثل الاقتصاد أو التكنولوجيا أو الفن.

في المقابل، وضعت منصات التواصل الاجتماعي الكبرى مثل “فيسبوك” و”تويتر” الجميع في مكان واحد ضخم. ووضعت قواعد موحّدة يجب على ملايين أو مليارات الأشخاص المسجلين اتّباعها.

إذا لم تعجب المستخدم هذه القواعد أو لم يتبعها، ستضطره الشركة المشغلة للمنصة إلى مغادرتها، وحينها لن يكون قادرا على جلب علاقاته معه إلى منصة وسائط اجتماعية مختلفة، أو التحدث إلى الأشخاص الذين بقوا في القديمة. استفادت هذه المنصات من الخوف الناتج عن الضياع لحبس الناس فيما يشبه بمجمع كبير خاضع للمراقبة الشديدة حيث تم التنقيب عن سلوك النزلاء الخاص لبيع الإعلانات.

في مجموعة خوادم “ماستودون”، إذا لم يعجبك ما يفعله شخص ما، فيمكنك قطع العلاقات والانتقال إلى خادم آخر مع الاحتفاظ بالعلاقات الافتراضية التي لديك. هذا يزيل الخوف من الضياع الذي قد يؤدي إلى حبس المستخدمين في خادم فيه سلوك سيئ لأشخاص آخرين.

عيوب جوهرية

رغم تلك المزايا التي يقدمها نموذج الخوادم المتحدة في “ماستودون”، تبقى له عيوب محتملة، قد تنفر المستخدمين في زمنٍ انخفضت فيه مدة انتباه مستخدمي الإنترنت إلى أقل من 8 ثوان.

الانضمام المربك

عند البحث في جوجل عن “Mastodon”، فإن النتيجة الأولى التي تظهر هي “mastodon.social”، والتي تظهر فيها صفحة اشتراك لا تحتوي عمليا على وصف للخدمة أو ميزاتها، وبعض المنشورات العشوائية من أشخاص عشوائيين.

ذلك لأن “mastodon.social” ليست الصفحة الرئيسية لـ “ماستودون”، بل مجرد خادم واحد أو “نموذج” من بين العديد من الخوادم التي تشكل شبكة “ماستودون” اللامركزية. أما لمعرفة المزيد حول “ماستودون” ككل وتصفح الخوادم الأخرى، يجب التوجه إلى رابط “Join.matodon.org“، لكنك لن تعرف هذا أبدا من زيارة “mastodon.social”.

حتى بعد اكتشاف ذلك، فإن الانضمام إلى خادم جديد قد يمثل مشكلةً بحد ذاته، حيث لا تسمح بعض الخوادم بمشاهدة موجز عام للمشاركات عليها قبل الانضمام، وحتى بالنسبة للخوادم التي تتيح ذلك، يجب على المستخدم النقر فوق “انضمام”، ثم النقر فوق “الاطلاع على ما يحدث” في صفحة منفصلة. إنها عملية مربكة بعض الشيء.

التشتت مع كثرة الخوادم

المشكلة الأكبر في “ماستودون” هي عدم قدرتها على توحيد وجودك عبر خوادم متعددة. نظرا لأن معظم خوادم “ماستودون” صغيرة إلى حد ما، فإن أفضل طريقة للانضمام إليها وبدء استخدامها هي تصفح صفحات الخلاصات (feeds) “المحلية”، والتي تعرض كل ما ينشره المستخدمون علنا، ويمكن الاستفادة من ذلك في العثور على أشخاص مثيرين للاهتمام لمتابعتهم.

لكن نظرا لأن كل خادم يعمل كإصدار منفصل من “ماستودون”، فإن المشاركة في خوادم متعددة يعد أمرا شاقا. إذ يجب الاحتفاظ بملفات شخصية منفصلة وقوائم متابعين منفصلة خاصة بكل منها، ولا توجد طريقة لعرض عدة خلاصات “محلية” في صفحة خلاصات موحدة.

صحيح أن “ماستودون” يسمح بمتابعة أشخاص من خارج الخادم الخاص الذي ينتمي إليه المستخدم، ولكن ذلك يصبح معقدا عندما يستخدم الشخص أكثر من خادم، إذ يتعين عليه أن يعرف ليس فقط من يتابعهم، ولكن من أي حساب يتابعهم.

قد يكون هذا النهج منطقيا إذا كان كل خادم يشبه “تويتر” من حيث الحجم ونادرا ما يحتاج المستخدمون إلى قضاء وقت خارج خادم واحد، ولكن في الوقت الراهن، تحتاج المنصة إلى المزيد من الطرق للتنقل بين المجتمعات ومزامنة ملفات التعريف الخاصة بها فيما بينها.

قد يهمك: دليل الإنتقال من Twitter إلى Mastodon مفتوح المصدر

تطبيق محدود الإمكانيات

مشاكل “ماستودون” تتفاقم مع تطبيقات الجوال الخاصة به، مما يجعل استكشاف الخوادم واكتشافها أكثر صعوبة. فباستخدام موقع “ماستودون” الإلكتروني، يمكن على الأقل تصفح المشاركات العامة لكل خادم قبل الانضمام، لكن هذا الخيار ليس متاحا في تطبيق الجوال، إذ يجب اختيار الخادم بناءً على وصف قصير له فقط.

حتى بعد القيام بذلك، يفتقر تطبيق “ماستودون” للجوال إلى عرض الخلاصات “المحلية” كما في نسخة الويب. هذا يعني أنه لا يمكن رؤية ما ينشره الأشخاص في الخادم بسهولة، ويجب بدلاً من ذلك البحث عن مستخدمين فرديين لمتابعتهم.

هذا يذكّر بالأيام الأولى لـ “تويتر”، عندما تخلى عدد كبير من المستخدمين عن المنصة بعد تسجيل الاشتراك مباشرة لأنهم لم يعرفوا ما يفعلون عليها.

كما لم يتم إعداد تطبيق الجوال للتنقل بين الخوادم أيضا. فإذا شعر المستخدم بالملل من خادم وقرر الذهاب إلى آخر، فإن الخيار الوحيد هو تسجيل الخروج من حسابه والاشتراك في خادم جديد من البداية.

شعور بعدم الاستقرار

هناك تحديات مالية وتقنية كبيرة في صيانة الخوادم التي تنمو مع ازدياد عدد الأعضاء ونشاطهم. بعد انتهاء موجة تدفق المستخدمين الأخيرة، قد يتوقع مستخدمو “ماستودون” مطالبتهم بدفع رسوم العضوية أو حملات جمع التبرعات لتغطية تكاليف الاستضافة التي يمكن أن تصل إلى مئات الدولارات شهريا لكل خادم.

كما يوجد في “ماستودون” خيار طارئ يتمثل في قطع خوادم تماما عن الخوادم الأخرى، بما لا يدع مجالا كبيرا لإصلاح الصلات وإعادة الربط. بمجرد قطع الارتباط بين خادمين، سيكون من الصعب إعادته. يمكن أن يؤدي هذا تردد المستخدمين في الانتقال من خوادمهم وتعزيز الاستقطاب داخل الخوادم، كما في مجموعات فيسبوك، على سبيل المثال.

“ريديت” الجديد بدل “تويتر”؟

ماستودون ليست منصة، بل شبكة لا مركزية من الخوادم. هذا يعني أنه لا توجد سلطة مركزية تمتلك منصة الاتصالات بالكامل وتحكمها، أي عكس امتلاك ماسك لـ “تويتر” وتغيير رأيه حول كيفية عمل النظام الأساسي في أي لحظة.

عندما تنضم إلى خادم، فإن ما تنشره يكون مرئيا داخل هذا الخادم المحدد، وما تراه بالمقابل هو ما ينشره الآخرون على هذا الخادم وفق الترتيب الزمني وحسب، أي ليس هناك خوارزميات قائمة على الذكاء الصنعي تعرف ما تفضله وتعرضه لك.

هذا يتناقض بشكل صارخ مع “تويتر”، حيث يكون كل ما تغرده متاحا لجميع مستخدمي الموقع، ما لم يكن حسابك محميا للمتابعين فقط، ويمكن أن يظهر لكل من تتقاطع اهتماماتهم مع اهتماماتك وتوجهاتك.

بصفته شبكة لامركزية مفتوحة المصدر، فإن جمهور “ماستودون” المستهدف هو من جيل الشباب البارع في التكنولوجيا، وقد يجد الكثير من هؤلاء أن “ماستودون” هو بيئة مرحّب بها طال انتظارها، بينما تكون بالنسبة لآخرين مجرد موقع معقّد آخر.

“ماستودون” يمكن أن يكون “ريديت” الجديد أكثر من “تويتر” الجديد. نهجه اللامركزي يفسح المجال لمجتمعات الإنترنت الأصغر والأكثر تماسكا، والتي لكل منها تفضيلات المحتوى الخاصة بها واهتماماتها وقواعدها.

يمكن لـ “ماستودون” أن يحقق قفزة نوعية إذا استطاع المستخدمون تصفح محتوى تلك المجتمعات، والتنقل بينها في أي وقت وبسهولة، ولكن بقي لديهم طرق سهلة للتفاعل مع أي شخص آخر على الشبكة. بحيث تكون فكرة متابعة مستخدمين محددين شيئا ثانويا غرضه مواكبة الأشخاص المفضلين، بدلا من أن تكون الطريقة الرئيسية لاستخدام الخدمة.

قد يهمك: نشر “ملفات تويتر”.. إيلون ماسك في مأزق؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.