استمع إلى المقال

الهاكر الأسطوري كيفن ميتنيك فارق الحياة. ليس المشهد حزيناً فقط بل يلتف حوله حيز هائل من الجدل والتأمل. 

قد يكون ميتنيك الشخصية الأكثر شهرة في عالم الهاكرز، إذ تمكن خلال فترة نشاطه المهني من اثارة تحديات قانونية وأخلاقية ومهنية معقدة، وربما انتهى ميتنيك، لكن النقاش الذي أثاره حين توجه نحو الاختراقات الإلكترونية والسيبرانية لا يزال مستمراً وربما لن ينتهي. 

التاريخ يعلمنا كيف يمكن أن تتغير موازين القيم والأنظمة المحيطة بالمجتمعات، ويذكرنا بأن ما كان مشروعاً في الأمس قد يعتبر جريمة اليوم. كان ميتنيك هو أول من ساهم بسرد هذه الحقائق وألقى الضوء على الفجوات في أنظمتنا القانونية والأخلاقية ضمن إطار الاختراقات الإلكترونية.

قصص ميتنيك، التي نُشرت باللغة العربية على منتديات الهاكرز في بداية الألفية، كانت مضخمة ومليئة بلمسات هوليوودية، ولكنها تشكل الذكريات التي رافقت الطفولة والمراهقة للكثيرين -وأنا منهم- قصصه كانت تسرد المستحيل الذي تمكن كيفن ميتنيك من إنجازه في روايات كانت أشبه بكوميكس يسرد قصص الأبطال الخارقين.

في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، تمكن ميتينك من اختراق عدة أنظمة إلكترونية تابعة لشركات اتصالات كبرى وجهات حكومية أميريية، وفي مقاييس اليوم، تندرج جميع أفعال الهاكر الأسطوري تحت فئة الجرائم غير الأخلاقية، ولكن تلك المقاييس لم تكن موجودة آنذاك، وميتنيك كان أول من فتح الباب لهذه النقاشات.

قبل ميتنيك.. لا مجال للاختراق

الإنترنت تأسس في بداية السبعينيات والويب في الثمانينيات، وتم تبني هذه الشبكات وتطبيقاتها في بداية التسعينيات، ولكن أول اختراق نفذه ميتنيك كان في العام 1979، وحواكم لأول مرة في 1988 بتهمة سرقة مواد ذات ملكية فكرية (كود برمجي)، أي أنه لم يتم محاكمته بسبب الاختراق نفسه؛ لأن المحاكم لم تكن ناضجة لتستطيع تغطية هذا النوع من المحاكمات.

القانون الأول الذي جرم الجرائم الإلكترونية في أميركا تم طرحه في العام 1986، وغالباً كان ميتنيك محرضاً على صياغة تلك القوانين. بالمجمل قضى ميتنيك 5 سنوات في السجون الفيدرالية الاميركية، و كان المطلوب رقم واحد على قوائم “FBI” لفترة وجيزة. 

عندما كان الهاكر روبين هودا

في الثمانينيات، كان الاختراق يستهدف المؤسسات الكبيرة ولم يكن يطال الأفراد. لقد كانت هذه العمليات نوعاً من المتابعة المثيرة للشخص الذي يقف خارج تلك المؤسسات، متابعاً لمواجهات رقمية ضد مؤسسات تمتلك ميزانيات مليارية.

لكن مع الوقت، تطورت هذه العمليات لتصبح جرائم مُنظمة تشمل السرقة، الابتزاز والتهديد ضد الأفراد، مما أضفى صورة سلبية على عالم الاختراق.

عندما لم تكن أنونيموس موجودة

في عام 1997، أخترق نشطاء موقع “ياهو” للمطالبة بإطلاق سراح ميتنيك. هذا الحادث قد يعتبر أولى حالات النشاط السيبراني التضامني، والذي أرسى لتأسيس جماعات الهاكرز النشطة مثل أنونيموس.

سأتحول لهاكر جيد وأفتح الطريق للمزيد

بعد خروجه من السجن، أسس ميتنيك شركة استشارات للأمن السيبراني، مُقدماً الدعم للشركات لتقييم أمن شبكاتها. ساعده هذا العمل في تأسيس فكرة الفرق الحمراء أو الهاكرز الجيدين، الذين يعملون على تأمين الشبكات ضد الهجمات التي قد تأتي من جهات تخريبية.

أحد المؤسسين

إذا حاولت مشاهدة برنامج تلفزيوني من الخمسينيات وتقييمه بمقاييس اليوم، قد تجده غير مقبول أو مخيب للآمال. كذلك، علينا النظر إلى ما قام به ميتنيك من هذه الزاوية. لقد كان هاكراً تقنياً، يستكشف الثغرات في الأنظمة غير المحمية، لم يكترث لأي شيء اخر سوى إظهار ضعف أنظمة الحماية الإلكترونية والسيبرانية. 

رغم أنه دفع الثمن لأفعاله، فقد استمر في تأسيس ما نعرفه اليوم كعالم الهاكرز الجيدين، حيث أن القوانين والأعراف المهنية الجديدة سمحت للهاكرز الجيدين بفعل ما هم جيدين به ولكن مع توفير رواتب ومسارات مهنية وحماية قانونية تقديراً لقدراتهم.

بعد وفاته، يبقى ميتنيك رمزاً؛ لأن الابتكار قد يتطلب تحدي القواعد القائمة. لقد أثر في العالم بطرق عديدة، متحولاً من “سوبرمان الهاكرز” إلى أحد الرواد في مجال الأمن السيبراني. نتذكره اليوم ليس فقط كمجرم سابق، ولكن كشخص استغل قدراته لتقديم تحسينات للعالم الرقمي. 

اللعنة على مرض السرطان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات