استمع إلى المقال

عالم الإنترنت مر به الكثير من المجرمين والمخترقين منذ بزوغه للمرة الأولى، ولكن قلّة من هؤلاء تمتعوا بالأهمية والنفوذ الذي حصل عليه كيفين ميتنيك في ذورة نشاطه بنهاية القرن الماضي، إذ بزغ نجمه مع ظهور الإنترنت وكان سببا في وضع الكثير من الصور النمطية للمخترقين ومجرمي الإنترنت. 

رحلة ميتنيك انتهت بالأمس في منزله عن عمر يناهز 59 عاما، راود خلالها الكثير من الأنشطة الإجرامية عبر الإنترنت لدرجة أن صحيفة “نيوريورك تايمز” وصفته في عام 1995 بأنه مجرم الإنترنت الأخطر على الإطلاق، ولكن ماذا فعل حتى يستحق هذا اللقب. 

نابغة منذ الصغر

رحلة ميتنيك مع الاختراق والجرائم الرقمية بدأت حتى قبل ظهور الإنترنت وانتشار الحواسيب بالشكل الذي نعهده اليوم، إذ برع في إقناع من يقف أمامه بأي شيء يرغب فيه حتى يكشف عن أكثر المعلومات خطورة وسرية. 

ميتنيك ولد في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا عام 1963، ورغم أن حياته الأسرية لم تمر بأي لحظات أو صعاب تذكر، إلا أنه دائما ماكان يجد حلولا مبتكرة لكسر القوانين والوصول لمبتغاه، ويُذكر بأنه تمكن من خداع سائق حافلة عندما كان يبلغ من العمر 12 عاما، إذ أقنع السائق بإرشاده إلى المكان الذي يبيع آلة قطع تذاكر الحافلة من أجل مشروع في المدرسة، وما كان من الرجل إلا أن أخبره ليفاجئ بأن ميتنيك اشترى الآلة وظل يستخدم خط الحافلات في المدينة مجانا. 

في تلك اللحظة، اكتشف ميتنيك متعة المغامرة ودفعة الأدرينالين التي تقدمها حياة الجريمة، وقرر منذ وقتها أن يطارد هذه المتعة طوال حياته منتقلا إلى الجريمة التالية التي كانت سببا في اعتقاله عندما كان يبلغ من العمر 17 عاما حين سرق مجموعة من الكتب والأكواد الخاصة بحواسيب “Pacific Bell”. 

الشرطة اعتقلت ميتنيك في تلك المرة، وأرسلته ليقضي عاما في مركز لإعادة التأهيل لأن القاضي الفيدرالي رأى أن ميتنيك مدمن على العبث مع الحواسيب وجرائمها، ولكن هذا لم يكن كافيا لردعه، إذ انتقل من أكواد الحواسيب إلى أكواد الهواتف المسروقة التي كانت تسمح له بإجراء مكالمات طويلة المدى بشكل مجاني قبل أن يعود مجددا إلى الحواسيب منفذا سرقته الكبرى. 

السرقة العظمى 

في عام 1994 اعتُقل كيفين ميتنيك وقامت الشرطة بتفتيش حواسيبه وأجهزته لتتفاجأ بوجود ملف يحتوي على أرقام وبيانات 20 ألف بطاقة ائتمانية سرقت من شركة تزويد الإنترنت”Netcom”، بعض من هذه البيانات كانت تخص رجال دولة هامين إلى جانب رؤساء شركات تعمل في مجال الأمن الرقمي وتعمل في “وادي السيليكون”، ورغم أن الاعتقال تم في عام 1994، إلا أن ميتنيك كان مطلوبا لجرائم رقمية متعددة قبل تلك الفترة، وظل هاربا لمدة عامين قبل أن تتمكن المباحث الفيدرالية من إلقاء القبض عليه وسجنه لمدة 5 أعوام. 

في السجن، تحول ميتنيك إلى أسطورة شعبية لكونه تمكن من سرقة مئات الآلاف من الدولارات بسهولة ولأنه أحد أساطير الاحتيال، تمكن من خداع المستخدمين حتى يحصل على كافة بياناتهم السرية، معلنا بذلك بداية عصر الاحتيال الإلكتروني. 

شعبية واسعة 

شعبية ميتنيك لم تكن فقط داخل جدران السجن الذي قضى فيه 5 أعوام، بل امتدت إلى خارجه عبر مجموعة من التظاهرات الرقمية التي تم خلالها اختراق خوادم الكثير من المواقع الكبيرة في ذلك الوقت مثل “ياهو” وموقع صحيفة “نيويورك تايمز”، وفي كل مرة كانت الرسائل تتحدث عن الظلم الذي تعرض له ميتنيك وكيف أنه شخصية عبقرية فذة. 

ميتنيك أمضى 5 أعوام في السجن، ليخرج منه شخصا جديدا في بداية عصر جديد، وهو عصر الأمن السيبراني والرقمي، وليجد في هذا المجال ما يرضي غريزة المغامر فيه، وهو الأمر الذي دفعه إلى دخول هذا المجال وإنشاء شركة الاستشارات الأمنية التي ظل يملكها حتى وفاته. 

المال ليس سببا 

محامي ميتنيك تمكن من إقناع القاضي بأن موكله شخص مدمن ومريض مما دفع القاضي لتوقيع عقوبة مخففة عليه، ورغم أن ميتنيك فعلا كان يعاني من “متلازمة أسبرغر”، إلا أنه كان مدمنا على المغامرة والأدرينالين. 

هذا الإدمان كان واضحا في تعليقات ميتنيك عبر الكتب التي قام بكتابتها وجميع المقابلات التي أجراها، إذ قال صراحة بأنه لم يكن يسرق بسبب المال، بل كان يهوي متعة السرقة والتحديات التي كان يخوضها من أجل إتمام سرقاته، لهذا عندما خرج من السجن، عاود ميتنيك مغامراته عبر شركته الأمنية محاولا حماية عملائها بدلا من سرقتهم. 

أسطورة ميتنيك يتخللها الكثير من التناقض والجدل، وذلك لعدة أسباب، أهمها أن ميتنيك ظهر في وقت لم يكن من الرائج استخدام الإنترنت والحواسيب ولم يتمكن الجميع من فهمها بشكل جيد، لذلك ظن البعض بأنه قادر على اختراق حواسيب وزارة الدفاع وإطلاق الصواريخ النووية عبر مكالمة هاتف صغيرة. 

التهويل في قدرات ميتنيك خلق له طائفة واسعة من المتابعين الذين ظنوا أنه يعمل مثل روبن هود، وأنه مظلوم في هذا العالم، ولكن في الحقيقة، فإن جزء من مغامرات ميتنيك جعله مجرما من المقام الأول، وذلك قبل أن يتجه للاستشارات الأمنية، ليتحول من أخطر مجرم رقمي على وجه الأرض إلى أقوى استشاري أمني يمكنك التحدث معه. 

ميتنيك أسس شركة جديدة أطلق عليها” KnowBe4″ مع عدة شركاء، وهي الشركة التي ظل يعمل من خلالها حتى وفاته نتيجة صراع استمر 14 شهرا مع سرطان البنكرياس. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات