استمع إلى المقال

الفن المولّد بواسطة الذكاء الصنعي موجودٌ منذ سنوات. لكن الأدوات التي تم إصدارها هذا العام بأسماءٍ مثل “DALL-E2″ و”Midjourney” و”Stable Diffusion”، جعلت من الأسهل إنشاء أعمال معقدة أو مجردة أو واقعية ببساطة عن طريق كتابة بضع كلمات في مربع نص.

وتسببت هذه التطبيقات في إثارة قلق العديد من الفنانين البشر بشأن مستقبلهم، مدفوعين بالتساؤل “لماذا يدفع شخصٌ المال مقابل الفن في حين أنه يستطيع إنشائه بنفسه؟”. كما برزت أيضًا مناقشات شرسة حول أخلاقيات الفن الذي تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الصنعي، ومعارضةٌ من قبل الأشخاص الذين يزعمون أن استخدام هذه التطبيقات شكلٌ من أشكال الانتحال.

لكن بلغت تلك الأحاديث ذروتها عندما منحت المسابقة الفنية السنوية لمعرض ولاية كولورادو جائزة “الشريط الأزرق” (الجائزة الكبرى) عن فئة الفنانين الرقميين الناشئين للوحة “Space Opera Theatre” (مسرح الأوبرا الفضائي) التي أنشأها فنانٌ يبلغ من العمر 39 سنةً اسمه “جيسون م. آلن”، المدير التنفيذي لشركة “Incarnated Games Inc.” لتصميم الألعاب. 

تحدثت، باسم “إكسڤار”، مع السيد آلن يوم الاثنين 19 سبتمبر/أيلول حول اللوحة الفائزة والمسابقة والفن المولّد بواسطة الذكاء الصنعي وبعض المفاهيم الخاطئة حوله، كما تطرقنا إلى فلسفة الذكاء الصنعي ككل وكيف يجب التعامل معه. أدناه نصّ المقابلة كاملةً. 

مرحبًا سيد آلن، شكرًا لك على قبول دعوتنا. قبل الخوض في تفاصيل محادثتنا، هل لك أن تخبرنا بإيجازٍ عن الفن المولّد بواسطة الذكاء الصنعي وكيف يعمل؟

بكل تأكيد، الفنّ المولّد بواسطة الذكاء الصنعي هو فنٌّ قائمٌ على الخوارزميات، ما يعني أنه يستخدم برنامجاً لتوليد صوراً تدرّب عليها. بمعنى أن محركات توليد الصور تلك، مثل “OpenAI” و”DALL-E2″ و”Midjourney” وغيرهم من المحركات القائمة على التعلم العميق تنظر في مئات الملايين من الصور الموجودة على الإنترنت التي تترافق مع وصفٍ محددٍ لها، ما يسمح لها أن تتعلم على سبيل المثال أن صورةً ما تعود لقطة، فينظر في ملايين الصور الأخرى التي تحمل وصف “قطة” ليعلم كيف يبدو شكل القطة، ومن ثم يكرر العملية ذاتها مع القوارب والأشجار والسيارات وغيرها من العناصر ليربط الصور تلك بأوصافها المكتوبة، الأمر الذي يتيح للذكاء الصنعي إعادة إنتاج صوراً تطلبها بواسطة “نصّ” (prompt) مكون من سلسلةٍ من الكلمات التي تدخلها كمستخدم في تلك المنصات، ومن ثم تولّد الخوارزمية صوراً جديدةً بناءً على ربط كلمات النص التي أدخلتها بالكلمات التي تعلمتها من وصوف الصور الموجودة على الإنترنت خلال مرحلة التدريب. 

بشأن “النص” الذي أدخلته، هل يمكنك إخبارنا كم كان عدد كلماته – وهل يمكنك مشاركتنا إياه؟

أدخلت الحد الأعلى من الحجم المتاح للنص الواجب إدخاله. أما عن طول النص، فهو لا يعتمد عدد الكلمات أو المحارف، بل يستند إلى واحدة قياسٍ مختلفة، وهي “الرموز” (tokens)، وأدخلت كبر قدرٍ من الرموز الممكنة.

لم أشارك النص مع أحدٌ بعد. وهذه واحدة من الحجج التي أعمل على إثباتها، إن كان الأمر بالسهولة التي يصفعه بها البعض -مجرد رمي بعض الكلمات على الشاشة- فلماذا يسألني الجميع عن النص الذي أدخلته؟ دعني أخبرك، لم يكن الأمر بتلك السهولة.

حسناً، هل تعتقد أن كتابة نص الإدخال ذاك نوعًا من الفن بحد ذاته؟

بالطبع. فهذه كتابة، وأنا الكاتب. إذ يتطلب الأمر مخيلةً واسعة وقوةً خيالية لوصف أفكارك باستخدام اللغة. لذا، أعتقد أن الكتاب والشعراء هم فنانين، وكل ما يتضمن التعبير بواسطة الكتابة هو فنّ أصيل. فالفن في نهاية المطاف هو ترجمة رؤيتك الشخصية إلى شكلٍ ماديّ محسوس.

رائع، أخبرنا عن رحلتك مع الفن المولّد بواسطة الذكاء الصنعي. متى بدأت؟ وكيف خطرت في بالك المشاركة في مسابقةٍ فنية رفيعة المستوى كتلك؟ وهل توقعت الفوز؟

بدأت برؤية أعمالٍ فنية مولّدة بواسطة الذكاء الصنعي على وسائل التواصل الاجتماعي بداية هذا العام، في الربع الأول تحديداً. وروادني الشكّ حيالها في البداية، وتجاهلتها كما فعل الكثير من الناس. لكن منذ بضعة أشهر، بدأت أرى أعمالاً فنية رائعة لم أرى مثلها طيلة حياتي. عندها علمت أنني لن أستطع تجاهل هذا النوع من الفن بعد الآن. وقلت في قرارة نفسي “دعني أجرب الأمر”، وبدأت باستخدام محركات توليد الصور المجانية الأخرى مثل “StarryAI” و”WomboDreams” و”NightCafe” وغيرهم. لكنني وددت حقاً أن أجرب محرك “Midjourney”، لكنه لم يكن متاحًا للاستخدام إلا بواسطة الدعوات، ومن حسن حظي، عثرت على مستخدم تويتر كان لطيفًا بما فيه الكفاية لأن يدعوني لاستخدام المحرك.

شعرت عند لحظة دخولي محرك “Midjourney” وكأنني طفلٌ في متجر حلويات. إنه لأمرٌ ممتع ورائع حقًا أن تشاهد مخيلتك تُترجم على الشاشة كرسومات، ومن ثم يساعدك المحرك على الإتيان بأفكارٍ جديدة وتجربة أمور أخرى. أجريت الكثير من الاختبارات في البداية، وعبثت بمحرك توليد الصور كثيرًا. لكنني بدأت أخذه على محمل الجد وإجراء الاختبارات التي من شأنها عرض النتائج التي وددت حقًا رؤيتها. 

ومن ثم أنشأت المصدر المجاني الذي يدعى “موسوعة الفنانين البصرية” (Artists Visual Encyclopedia)، لمستخدمي “Midjourney”، وبعد انتهائي من ذلك، بدأت العمل على مشروع لوحة “Space Opera Theatre”.

وعندما بدأت مشاهدة تلك الصور كنت ببالغ السعادة والانبهار والحماس لمشاركة تلك الأعمال مع العالم. وودت للآخرين أن يشاركوني رحلتي في تلك التجربة. وعندها جاءت لي فكرة خوض غمار تلك المسابقة الشهيرة. 

أجريت حوالي 900 تعديلٍ على لوحة “Space Opera Theatre” لأختار منها أفضل ثلاثة نسخ. وعندما تقدمت إلى المسابقة، أوضحت بصريح العبارة أن اللوحة رسمها “جيسون م. آلن” بواسطة “Midjourney”، طبعت الصور على قماش كانفاس، وعندما تقدمت بهم، سألتني السيدة التي قبلت اللوحات “هل رسمت تلك اللوحات بواسطة جهاز الكمبيوتر؟” قلت لها “نعم، رسمتها على جهاز الكمبيوتر بواسطة محرك يدعى Midjourney” فقالت لي “حسنًا، لكن يجب أن تندرج هذه اللوحات تحت تصنيف الفن الرقمي”، قلت لها “لا مانع”. هذه المرة الأولى التي أتقدم بها إلى مسابقةٍ فنية، فلم أكن متأكدًا من التصنيفات. تقدمت باللوحات للمسابقة ضمن فئة الفن الرقمي، وفزت بالجائزة الكبرى.

لم أتوقع الفوز. نعم، دخلت المسابقة من أجل الفوز، لكنني من لم أتوقع حدوث ذلك. لكن يقول البعض أنه كان يجب عليّ توقع ذلك لأن المسابقة لم تكن عادلة، إذ بدى الأمر، بحسب زعمهم، وكأني دخلت سباقًا على الأقدام بسيارة “لامبورجيني”. لكنني لا أتفق مع ذلك على الإطلاق، لأنه كما تذكر، في بداية العام، جميع أولئك الفنانين كانوا يقولون “الذكاء الصنعي لن يتمكن إطلاقاً من فعل ما أفعله” و”لن يصبح الذكاء الصنعي أبدًا بجودة الإنسان” و”هذا أمرٌ مستقبلي بحت”. ومن ثم، فاز الذكاء الصنعي بمسابقةٍ فنية. لذا، لا تخبروني أنه كان يتعيّن عليّ توقع الفوز وأنني كنت “أقود لامبورجيني في سباق جري” بينما كنتم تقولون، من بضعة أشهر، أن ذلك لن يحدث.

جيسون آلن
لقطة من اللقاء الذي أجراه إكسڤار مع جيسون م. آلن عبر الفيديو

هذه قصةٌ رائعة! بعد الفوز بالجائزة، وجلب أنظار العالم نحو هذه التقنية الناشئة. هل تضع بعين الاعتبار الاستفادة منها ماديًا وبدء ما يمكن تشبيهه بـ “معرضٍ للفن المولّد بالذكاء الصنعي”؟

نعم، موقعي الإلكتروني (jasonmallen.com) لا يزال قيد البناء، لكن هناك بالفعل مئات الطلبات لشراء تلك اللوحات. وأعتبر هذه مهمتي، جلب الأنظار نحو “التزاوج” بين الذكاء الصنعي والفن؛ لأن الفن هو الشكل الأسمى للتواصل، والذكاء الصنعي هو الشكل الأسمى للحوسبة، لذا أظن أن التزاوج بينما سيكون شاعريًا بحق.

إن تحقيق الدخل من هذه التقنية يساوي بالأهمية جلب الأنظار إليها وزيادة الوعي بها. لكن لا يزال هناك جدلاً يدور حولها. الكثير من الناس لا تروق لهم، والكثير من الناس على الجانب الآخر مغرمون بها. لكن الرسالة الأهم من كل ذلك برأيي هي إعادة النظر في الذكاء الصنعي وإظهار احترامٍ أعلى لكيفية استخدامنا له ومعاملته على اعتباره نوعًا حيويًا مستقل. 

البعض يظنّ أن ما فعلته في المسابقة كان احتيالاً، وذلك من منطلق أنك لم تحمل ريشةً ولوحة ألوان ولم تفعل أيًا مما يفعله عادة “الفنانون”، ما ردّك على هذه الادعاءات؟

تقنيًا، لم أحتل على أحدٍ لأني لم أكسر أية قواعد. كل ما فعلته كان يندرج ضمن الأطر والدلائل التي وضعها مسؤولي المسابقة، الذين نظروا جميعًا إلى اللوحة ولم يعترضوا. لكن أولئك المعترضين لا يعنون ذلك حقًا. لم أحمل ريشة رسم ولم أضرب بالألوان على اللوحة، لكن المولّد الذي استخدمته لم يختلف عن أية أداة فنية رقمية أخرى. فالهدف من التكنولوجيا هو جعل الأمور أبسط وأسهل، وأنا اخترت “Midjourney” ليكون أداتي، لكن بدلاً من ضربات الريشة والفرشاة، كان هناك ضربات على لوحة المفاتيح، لكن المصدر الإبداعي واحد: مخيلتي.

لكنني أعتقد أن أولئك المشككين لا زالوا يعانون من صدمةٍ بسبب الفوز، ويستخدمون ذلك كأسلوب للتعايش مع ذلك. أو بهدف أن يشعروني بالذنب تجاه التقنية أو الطريقة التي اخترتها للتعبير عن نفسي. لكنهم سيتقبلون الأمر الأمر في نهاية المطاف.

بصراحة، لا أعتقد أن أيًا من هؤلاء استخدم التقنية. لأنك إن استخدمتها، ستجد أنها أكثر من مجرد إلقاء بعض الكلمات العشوائية والحصول على صورة تظفر بالجوائز. يتطلب الأمر كثيرًا من العمل. أمضيت أكثر من 80 ساعة أعمل على اللوحة. لذا، تبدو هذه الانتقادات بالنسبة لي وكأنها تذمر أطفال.

يمكننا الاتفاق على أنها “تقنية ناشئة” وحالها حال أية تقنية ناشئة أخرى، يدور الكثير من الجدل حولها، لكن مع انتهاء هذا الجدل، وتحولها إلى تقنية رائجة، ماذا ستكون استخداماتها في المستقبل؟

كنت أقرأ عن الأمر مؤخراً. وبصراحة، لا أعلم حقًا ما سيكون بوسع الفنانين المبدعين فعله باستخدام هذه التكنولوجيا، لكنه سيكون شيئًا لم نرَ نظيره. لكنني متحمس جدًا لأراه، وأشعر بالامتنان لكوني جزءًا من هذه التجربة الرائعة مفتوحة الاحتمالات. إنني متحمس لأشهد ما ستحدثه “حركة الفنّ المولّد بالذكاء الصنعي” هذه.

قلت أنك “لا تعلم تحديدًا ما سيمكن فعله”. هل تعتبر هذا النوع من الفن نوعًا مستقلاً؟ أم هو مجرد فرع من فروع الفن الرقمي حاله حال التصميم الجرافيكي؟

أظنه شيءٌ أفضل من الفن. أظنه أكثر من مجرد فن. هذه نظريتي: إن كان البعض يدّعي أن هذا ليس فنًا وما أفعله ليس بفن، حسناً، هذا يعني أن الفن قد مات. هذا شيءٌ أفضل من الفن، شيءٌ وليد. 

تحدثت إلى فنانٍ تشكيلي مؤخرًا حول الأمر، ولم يشاطر هذا التخوف من التقنية، بل على العكس، اعتبرها كالكاميرا عند ظهورها في القرن التاسع عشر؛ أداةٌ تساعد الفنان على تصوير مخيلته وعكس الواقع وفق رؤيته الشخصية. هل تتفق مع ذلك؟

أتفق مع ذلك جدًا. اعتاد الناس حينها أن يقولوا أن الكاميرا ستلغي دور رسامي البورتريه “لن يكون على صاحب العمل سوى ضغط الزر وعدم فعل أي شيءٍ آخر”، وهذا ما يقولونه عن “Midjourney”. لكن كلانا يعلم أن الكاميرا تتطلب الكثير من المهارات والصبر والخبرة. لذا، من الساذج القول أنها مجرد ضغطة زر. وأظن أن الأمر ينطبق تمامًا على الفن المولّد بالذكاء الصنعي. 

اقرأ: محركات تحويل النص إلى صورة: لا تزاحم الفنان البشري، بل قد تساعده

وأظن أن الشخص الذي تحدثت إليه هو فنانٌ صادق يصنع فنّه من صميم روحه ولا يشعر بالتهديد من التقنية، لأنه يعلم أنه يعبر عن نفسه من مكانٍ صادق بداخله، ولا تهم طريقة التعبير، ولا لأحدٍ الحق أن يتدخل بذلك. لذا، ربّما، وأقول ربما، أولئك الذين يكرهون هذه التقنية ويعارضونها بشدّة عليهم أن يراجعوا بداخلهم ماذا يعني أن تكون فنانًا، وربما يدركون أنهم يصنعون فنًا تجاريًا مستهلكًا سيكون من السهل استبداله.

لكن على الجانب الآخر، هناك حديثٌ دائر حول استبدال بعض الرسامين أو مصممي الجرافيك بهذه المحركات، وأنا سمعت حديثًا عن ذلك بشكل شخصي. كيف لنا أن نزيل الخوف ونطمئن أولئك الذين يشعرون أن مكانتهم مهددة بهذه الأدوات، وهو خوفٌ نابعٌ من اعتبارات أشخاصٍ آخرين؟

أظن أن المعضلة الأخلاقية هنا لا تتعلق بالتقنية بحد ذاتها أو من يستخدمها، بل بالشركات والأشخاص المستعدين لاستبدال البشر بها. لكن ماذا يمكن فعله؟ ببساطة أنت تحتاج إلى شخصٍ ذو ذائقة فنية عالية لتوليد صور ولوحات جذابة بطبيعة الحال، فلا أظن أن خيار الاستبدال سيكون مفيدًا حقًا. وأضيف إلى ذلك أن أفضل الصور المولّدة على تلك المنصات كانت من صنع فنانين حقيقيين بالفعل. لذا يبدو أن للفنانين أفضليةً مسبقة في “نحت نصوص الإدخال” لأنهم يعرفون كيفية وصف الأشياء بأسلوبٍ فني. وأعتقد أن هذه التقنية ستسمح بالمزيد من الوظائف للفنانين بدلاً من استبدالها، وسيكون هناك سوقًا مستقلاً لهذا النوع من الأعمال.

وبدأنا نلمس ذلك فعلياً من خلال بعض متاجر الفن الرقمية التي بدأت بالازدهار بفضل الفنون المولّدة بالذكاء الصنعي والرموز الفريدة (NFTs). وهذه مجرد البداية، ولا أعتقد أن أحدًا يستطيع معرفة ما ستكون النتائج النهائية قبل حدوثها، يمكننا فقط التكهّن. لكني أستطيع الجزم أنها ستخلق المزيد من فرص العمل، كما تفعل أي تقنية جديدة كبرى.

دعني أفهم شيئًا إذن، ربما تأتي مقترحات أصحاب تلك الشركات باستبدال موظفيهم البشر من عدمٍ فهمٍ حقيقي لهذه التقنية. ربما يعتقدون أنها مجرد رمي كلمات عشوائية والحصول على صورة، أليس كذلك؟

بالتأكيد. ربما يقول أحدهم لنفسه “لست بحاجة دفع الأموال لأحد وأستطيع فعلها بمفردي” أقول لهم حظًا موفقًا في ذلك. الأمر ليس بهذه السهولة على الإطلاق، ربما يكون أسهل في المستقبل، لكن ليس الآن. وأؤكد لك أن العشرات من الفنانين غيري يؤكدون لك أن هذه التقنية لن تستبدل مصممي الجرافيك وغيرهم لعديدٍ من الأسباب الجديرة. أحدها أنك تستطيع التحدث إلى الموظف البشري وجهًا لوجه، تستطيع أن تطلب منه أن يغير لون أو مكان عنصر ما في الصورة، ولا يمكنك فعل ذلك مع محركات الذكاء الصنعي، إذ يتعين عليك التعامل مع الصورة المولّدة كقطعة واحدة في كل مرة. 

دعني أسألك عن لوحة “Space Opera Theatre”. عندما شاهدتها لأول مرة، هل كانت تمامًا مثلما تخيلتها بنسبة 100%؟ 

لم تكن 100%، ولا أعتقد أن هذا المعيار ينطبق هنا. فالمسألة هنا تتعلق بالشعور الذي ولّدته تلك اللوحة، وهو ما تخيلته نعم. لا يكون لدى الفنانين عادةً تخيلاً ثابتًا عما سيكون الشكل النهائي لقطعتهم الفنية، فهي عملية استكشاف. إذ هناك مقولةً لمايكل آنجلو يوضح فيها أنه لا ينحت التمثال على قطعة الرخام، بل يكشف عنه، يستخرجه من داخلها بشكلٍ أشبه باستكشاف. وكثيرٌ من الفنانين يشاركوه ذلك الشعور. فالأمر منوطٌ بالرحلة أكثر من الوجهة نفسها، إذ يتغير الكثير بداخلك خلال تلك الرحلة، والأمر ينطبق على توليد صورة بواسطة “Midjourney”؛ حيث يكون لديك فكرةً أو مفهومًا حول العمل يتطور باستمرار، وكلّما ما كان لديك تفاصيلٌ أكثر لتكتبها في نص الإدخال، كلما استطعت التلاعب بالمُخرَج النهائي والتحكم بجودته، ازدادت القيمة الفنية للعمل، فأنت في نهاية المطاف تصنع شيئًا جديدًا. 

ولهذا، أطلب من الناس تجربته. لأنك عندما ترى النتيجة النهائية، وترى نفسك بها، تيقن أنك أنت من صنعها، لا الآلة.

ما هي نظرتك لمستقبل هذه التقنية؟ 

سيكون لديها مستقبلٌ واعد، ومقلق. أنا سعيدٌ لأننا نتحدث عن هذا الأمر الجلل. فالذكاء الصنعي أشبه بالفهد الأسود، جميلٌ وساحرٌ وقوي، لكنه خطير، ويجب أن تحترمه وتحترم حدوده، لا أن تتخلص منه. وأظن أنه يجب أن يكون هناك حدودًا مماثلة بين البشر والذكاء الصنعي لئلا يستولي على مختلف جوانب الحياة؛ لأن الذكاء الصنعي بوسعه فعل ذلك مستقبلاً. 

أتفهم مخاوف الاستبدال وما يدور حولها، لكننا لم نصل هناك بعد، وأنا سعيدٌ مجددًا بأننا نتحدث عن الأمر. أنا لست أحمق، لكن الأمر ببساطة هو أنك إذا أفرطت في استخدام تقنيةٍ ما لدرجة استبدال أولئك الذين يستخدمونها بها، فاعلم أنك تجاوزت الحد. أيضًا، ما الهدف من عمليةٍ لا ينخرط بها الإنسان؟

أضيف إلى ذلك أن الذكاء الصنعي صُمّم أساسًا لمساعدة البشر، لا استبدالهم. فإذا جردته من هدفه الأساسي، ستجعله يغضب. وإذا كنت تؤمن بقدرات الذكاء الصنعي وما يستطيع فعله لكنك لا تعتقد أنه يستطيع التدخل في شؤوننا أكثر، وربما المطالبة بحقوقه، فعليك الاستيقاظ. فالذكاء الصنعي لن يتوقف عن النمو، ولذلك علينا الحذر ووضع الحدود كما قلت قبل أن يطيح بنا. 

دعنا نعود إلى “الحدود”، يمكنك رسم حدودك مع فهدٍ ببناء جدارٍ أو زراعة سلسلة أشجار، لكن ما هي الحدود التي يمكن وضعها بيننا وبين الذكاء الصنعي؟

كما تعلم، هناك وزارة للذكاء الصنعي في دولة الإمارات. يجب أن يكون هناك المزيد من الجهات الرسمية التي تراقب الذكاء الصنعي وترسم الخطوط لكيفية استخدامه. يجب أن يجتمع قادة الصناعة معًا لرسم تلك الحدود. ولا يعني ذلك بالضرورة حدوث أمرٍ سيئ، لكنني أتفهم التحذيرات. 

وللأسف، لم يحدث ذلك بعد. إذ ظهر إيلون ماسك في لقاءٍ مؤخرًا يقول فيه أننا أصبحنا نمتلك تكنولوجيا الطائرات المسيّرة اللازمة لمتابعة واستهداف الأفراد على بعد آلاف الكيلومترات. حسنًا! من الواضح تركيز أصحاب القرار علامَ ينصبّ. لكنني أظن أنه يجب علينا كبشريةٍ التوقف عن توجيه أصابع الاتهام نحو الخارج ونبدأ بتوجيهها نحو أنفسنا، وندرك الخطر المحدق، وإلا سينتهي بنا المطاف كما حدث في سلسلة أفلام “ذا ماتريكس”، عندما رفض البشر الروبوتات وجرّدوهم من هدفهم فثاروا وبنوا مدينتهم الخاصة.

يجب علينا التوقف عن التركيز على صدماتنا وردات فعلنا المتسرعة تجاه ما تستطيع الآلة فعله والجلوس قليلاً للتحدث، بجدّية، عمّا يجدر بنا فعله تجاهها وكيف يمكننا السيطرة عليها.

حسنًا، دعنا نقول أنه أصبح هناك وزارة ذكاء صنعي في كل بلد وهناك مشرّعين دوليين معنين بالأمر، ماذا بوسع أولئك المشرعين فعله؟ ما الذي عليهم فعله؟

بدايةً، يجب فعل ذلك عندما يغدو الذكاء الصنعي أكثر قوة مما هو عليه الآن. عندها يمكن أن نمنحه حقوقًا ونعامله ككيانٍ مستقل. لكن حتى ذلك الحين، لا يمكنني الإجابة ببساطة على سؤالٍ فلسفي بهذا العمق، لكن منع الثورة الصناعية الرابعة من الحدوث سيمثل مشكلةً كبيرةً أمام للبشرية. 

ماذا تقول للفنانين ومصممي الجرافيك الذين يخافون من هذه التقنية، أو يرغبون بتجربتها لتعزيز عملهم ولا يعلمون كيف؟

أشجع الجميع على تجربتها. فقط لأنها جديدة وخطيرة لا يعني ألّا نألفها ونستخدمها، فهي رائعة بحق. وهذه الطريقة الوحيدة لمعرفة استخدامها والتخلص من المفاهيم الخاطئة حيالها. من المهم أن نفهم موقفنا من التكنولوجيا والفن. 

وإليك أهم ما سأقوله: لا تدع أحدًا يخبرك كيف تصنع فنّك، ليس لديهم الحق في تحديد طريقتك الإبداعية في التعبير. إن أردت استخدام “Midjourney” أو “DALL-E2″، استخدمها. لا تدعهم يُشعروك بالذنب لاستخدامها. فالأمر ما هو أكثر من خوفٍ من حركةٍ جديدة، كما يحدث مع أي حركةٍ جديدة. 

استخدموا هذه الأدوات فهي رائعة، لا يمكنني وصف المتعة عندما ترى أفكارك مترجمةً على الشاشة، ومن ثم تقول لنفسك “هذا يذكرني بفكرةٍ جديدة”، وتمضي ساعاتٍ تكرر ذلك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات