استمع إلى المقال

بغض النظر عن كونها مخصصة للفضاء الخارجي، فإن وكالة “ناسا” تركز أيضا على حل المشكلات التي يعاني منها الكوكب من خلال تطوير المفاهيم والتصاميم الخادمة لهذه الغاية، لكن هل يمكن لطائرتها الجديدة إنقاذ الكوكب، وهل تساهم في مكافحة أزمة المناخ. 

تاريخ “طائرات إكس”

بالرغم من أن وكالة “ناسا” مرتبطة عادة باستكشاف الفضاء، لكن شاركت في الماضي بتطوير العديد من مشاريع الطائرات، التي أصبحت تعرف باسم “طائرات إكس“، لمجموعة واسعة من الأغراض البحثية، مثل عارضات للتقنيات أو المفاهيم، والصواريخ الاختبارية غير المأهولة، وحتى كنماذج أولية.

هذه الطائرات التجريبية، مثل (إكس -15) و(إكس -29) و(إكس -59)، صممتها وطورتها إدارة مهام أبحاث الطيران التابعة للوكالة لدفع حدود تكنولوجيا الطيران واستكشاف مفاهيم وتقنيات جديدة لطائرات المستقبل.

نتيجة لذلك، يمثل برنامج “طائرات إكس” جهدا مستمرا للحكومة الأميركية، ويشارك فيه عدد من الشركات المصنّعة في القطاع الخاص، وذلك بهدف دفع الحدود الخارجية لتكنولوجيا الطيران.

البرنامج يتمتع بتاريخ غني يعود إلى أربعينيات القرن الماضي، حيث ظهر مفهوم هذه الطائرات رسميا في عام 1944 بصفته برنامج مشترك بين اللجنة الوطنية الاستشارية للملاحة الجوية (NACA)، والبحرية الأميركية (USN)، والقوات الجوية للجيش الأميركي (USAAF) من أجل متابعة البحث في الطائرات العالية السرعة.

لاحقا، أصبحت (NACA) الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (NASA)، وأصبحت (USAAF) هي القوات الجوية الأميركية (USAF)، ومنذ ذلك الحين، قامت منظمات أخرى، مثل وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة (DARPA) وسلاح مشاة البحرية الأميركية (USMC)، برعاية مشاريع “طائرات إكس”.

من الأمثلة البارزة لهذا البرنامج (إكس -1)، التي أصبحت أول طائرة مأهولة تكسر حاجز الصوت، و(إكس -15)، التي سجلت ارتفاعا وسرعة قياسية عديدة في الخمسينيات والستينيات.

بالرغم من أن “طائرات إكس” تهدف إلى إحداث ثورة في تكوينات الطائرات، لكنها مُصممة لأغراض البحث فقط، مع استخدامها لاختبار التصاميم والتقنيات.

نتيجة لذلك، لم تدخل أي من “طائرات إكس” الإنتاج فعليا أو حتى عملت كنموذج أولي، بدلا من ذلك، يتم اعتماد التكنولوجيا في تصميمات الطائرات الأخرى.

لكن “ناسا” واصلت في السنوات الأخيرة دفع حدود برنامج “طائرات إكس” عبر مشاريع مثل (إكس -57 ماكسويل)، وهي طائرة تعمل بالكهرباء بالكامل تهدف إلى إظهار تقنيات الدفع الكهربائي المتقدمة، و(إكس -57 كيوست)، وهي طائرة أسرع من الصوت وذات ارتفاع منخفض مصممة لاختبار تقنيات الطيران الهادئ الأسرع من الصوت.

بصفتها منصات للبحث والتطوير، تسمح “طائرات إكس” لوكالة “ناسا” وشركائها بجمع البيانات والتحقق من صحة التقنيات الجديدة وتمهيد الطريق لمستقبل الطيران.

“ناسا” تريد إنقاذ الكوكب

نظرا لأنها تهدف إلى الوصول إلى الكواكب والنجوم في الفضاء الخارجي، فإن “ناسا” تركز أيضا على المشكلات التي يعاني منها كوكبنا، بما في ذلك الاحتباس الحراري، حيث تُعد صناعة الطيران التجاري مساهما كبيرا في تغيير المناخ، وتمثل 2.5 بالمئة من انبعاثات الكربون العالمية.

مع تزايد عدد المسافرين، تتوقع “الأمم المتحدة” أن تتضاعف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الطائرات 3 مرات بحلول عام 2050، حيث تنتج رحلة عبر المحيط الأطلسي نحو طن من ثاني أكسيد الكربون لكل راكب، التي تصل إلى نحو نصف البصمة الكربونية التي يمكن أن ينتجها الشخص عن طريق تناول الطعام لمدة عام.

في ظل استخدامها المكثف، تمثل الطائرات ذات الممر الواحد، التي تشكل العمود الفقري للصناعة، أكثر من نصف انبعاثات الطيران في جميع أنحاء العالم، لذا، فإن إنشاء تصميمات وتقنيات لنسخة أكثر استدامة من هذا النوع من الطائرات له تأثير عميق بالانبعاثات.

هذا الأمر دفع الوكالة للكشف عن (X-66A)، الطائرة الجديدة الساعية للإعلان عن جيل جديد محتمل من الطائرات ذات الممر الواحد الأكثر استدامة.

على عكس معظم الطائرات التجريبية التابعة لوكالة الفضاء، لم يتم تصميم الطائرة الجديدة التابعة لـ “طائرات إكس” لكسر حواجز السرعة أو حمل رواد الفضاء أو اختبار احتمالات القتال الجوي دون طيار، بل مُصممة لمكافحة تغير المناخ.

(X-66A) تساعد بتشكيل مستقبل الطيران، وهي حقبة جديدة تكون فيها الطائرات أكثر اخضرارا ونظافة وهدوءا، وتخلق إمكانيات جديدة للجمهور والصناعات الأميركية على حد سواء.

للوصول إلى الهدف المتمثل في عدم وجود انبعاثات صافية للطيران بحلول عام 2050، فإن القطاع بحاجة إلى مفاهيم طائرات تحويلية. من خلال طائرة (X-66A) التجريبية، تهدف “ناسا” إلى إظهار أنواع تقنيات توفير الطاقة وتقليل الانبعاثات التي تحتاجها صناعة الطيران.

الطائرة الجديدة تبدو وكأنها طائرة شراعية عملاقة بأجنحة طويلة نحيفة مدعومة بدعامات مائلة لتقليل السحب. في حال جرى اعتماده على نطاق واسع، يمكن للتصميم ذي الأجنحة المدعمة أن يحول السفر الجوي المستدام كما نعرفه. 

من المتوقع أن تؤدي عناصر الطائرة الجديدة مثل تكوين الجناح المعتمد على مفهوم “ترانسونيك تروس” للطائرة ذات الأجنحة الرفيعة والطويلة للغاية المثبتة بدعامات قطرية، جنبا إلى جنب مع أنظمة الدفع والمعمارية، إلى تقليل استهلاك الوقود بنسبة 30 بالمئة مقارنة بأفضل الطائرات المتوفرة حاليا في فئتها.

على عكس تصميم الجناح المنخفض الذي يهيمن على تكوين الطائرات التجارية اليوم، فإن تصميم “بوينغ” الجديد له أجنحة رفيعة للغاية مدعمة بدعامات ذات مسافات أكبر ونسب أبعاد أعلى تمتد فوق الجزء العلوي من جسم الطائرة الأنبوبي.

هذا الأمر يقلل من السحب، ويسمح بمجموعة متنوعة من أنظمة الدفع، من المحركات النفاثة الأكبر إلى المراوح المكشوفة، كما أنه سريع، حيث يشير الجزء “ترانسونيك” من اسم المفهوم إلى قدرته على الطيران بسرعة أقل من سرعة الصوت، أو نحو 965 كيلومتر في الساعة.

الطيران المستدام

هذا المشروع يُعد أحد الأنشطة في إطار برنامج أنظمة الطيران المتكامل التابع لوكالة “ناسا” وعنصرا رئيسيا في الشراكة الوطنية للطيران المستدام التابعة للوكالة، التي تركز على تطوير تقنيات طيران مستدامة جديدة.

نتيجة لذلك، فإن المشروع يعتمد على جهود “ناسا” في مجال الطيران والمناخ، ويهدف لإحداث ثورة في تصميم الطائرات ذات الممر الواحد من خلال إدخال تغييرات رئيسية على هيكل الطائرة، مثل تصميم جديد للأجنحة.

في بيان صحفي، حددت وكالة “ناسا” الطائرة التي يجري بناؤها في إطار مشروع الطيران المستدام بصفتها أحدث طائرة ضمن برنامج “طائرات إكس”، حيث أطلقت القوات الجوية الأميركية على الطائرة اسم (X-66A).

بناء هذه الطائرة يجري بالتعاون مع شركة “بوينغ”، بحيث تُمثل أول “طائرات إكس” التي تركز بشكل خاص على مساعدة الولايات المتحدة في تحقيق صافي انبعاثات صفرية من طيران الركاب بما يتماشى مع خطة العمل المناخية للطيران في الولايات المتحدة للـ “البيت الأبيض”.

من أجل ذلك، تعاونت “ناسا” مع “بوينغ” في هذا المشروع، حيث تُعدل شركة الطيران طائرتها (MD-90) لتصنيع طائرة بجسم أقصر ومحرك جديد وتصميم الجناح. من المتوقع أن يكون للطائرة أجنحة طويلة رفيعة مع محركات مثبتة أسفلها ودعامات ديناميكية هوائية للدعم.

بعد فترة وجيزة من إعلان الوكالة عن جائزة مشروع الطيران المستدام في وقت سابق من هذا العام، سعت “ناسا” و”بوينغ” للحصول على وضع “طائرات إكس”، الذي تمنحه القوات الجوية الأميركية لبرامج التطوير الهادفة لإنشاء تكوينات طائرات تجريبية ثورية.

هذا التصنيف مخصص لطائرات البحث، لكنه يعني أن طائرة (X-66A) تكون التالية في سلسلة طويلة من الطائرات التجريبية المستخدمة للتحقق من صحة التصاميم المبتكرة التي غيرت الطيران.

بالنظر إلى الدروس المكتسبة من التصميم والبناء واختبارات الطيران، تحصل طائرة (X-66A) على فرصة لتشكيل مستقبل الطيران والمساهمة في إزالة الكربون من الفضاء.

في هذا التعاون، أبرمت وكالة “ناسا” اتفاقية قانون الفضاء الممول مع شركة “بوينغ”، التي من خلالها تستثمر الوكالة 425 مليون دولار على مدار 7 سنوات، بالإضافة إلى خبرتها الفنية ومرافقها، بينما تساهم الشركة وشركاؤها بالجزء المتبقي من التمويل، المقدر بنحو 725 مليون دولار.

بمجرد أن تبني “بوينغ” طائرة تجريبية كاملة الحجم، تكمل “ناسا” الاختبارات في أواخر العشرينيات من القرن الحالي، وإذا سارت الأمور على ما يرام، يمكن للجمهور رؤية التقنيات الجديدة في الطائرات التجارية في وقت ما في ثلاثينيات القرن الحالي.

الطريق لا يزال طويلا

مفهوم الجناح الجديد يشبه إلى حد كبير أجنحة الطائرات التجارية الموجودة الآن، حيث لا يمكن للتكوين الجديد للطائرات وحده جعل طائرات الجيل القادم أكثر اخضرارا، بل هناك حاجة إلى مواد أخف وزنا وديناميكا هوائية أفضل وأنظمة دفع محسنة وعمليات أكثر مباشرة لتحقيق أكبر قدر ممكن من الكفاءة وإحداث أكبر تأثير.

بشكل عام، من الصعب جعل الطائرات أكثر كفاءة، حيث أن تكوين الطائرات هو مجرد جزء واحد من الحل، بينما أنظمة الدفع الأكثر كفاءة ووقود الطائرات الأنظف هما الجزءان الآخران اللذان يحتاجان إلى التوافق معا. بعد ذلك، قد تظهر تصميمات لأنظمة الدفع الهجينة التي تستخدم وقود الطائرات والبطاريات لتشغيل طائرة. 

بالرغم من أن الطائرات العاملة بالكهرباء بالكامل تحلق بالسماء، لكن قد تمرّ عقود قبل رؤية طائرات ركاب كبيرة تعمل بالبطاريات. على المدى القريب، يبدو الهيدروجين كبديل قابل للتطبيق للوقود الأحفوري الذي نضعه حاليا في الطائرات. 

في العام الماضي، اختبرت شركة “رولز رويس” بنجاح محرك نفاث يعمل بالهيدروجين، وهو الأول من نوعه في العالم. نتيجة لذلك، ما نراه قبل تلك الاختراقات الكبيرة هو المزيد من التحسينات التدريجية.

نتيجة لذلك، قد تظهر بعض التحسينات التدريجية قبل حدوث الاختراقات الكبيرة، في أوائل عام 2023، عرضت “رولز رويس” نظام الدفع الجديد للطائرات (UltraFan)، الذي يوفر قفزة بنسبة 25 بالمئة في الكفاءة ويعمل بوقود الطيران المستدام بنسبة 100 بالمئة، وهو وقود حيوي مشتق من نفايات المواد.

بالرغم من أنه ليس وقودا أحفوريا تقليديا، إلا أن وقود الطيران المستدام ينفث الكربون في الغلاف الجوي، كما أنه يعاني من نقص في المعروض.

بعض الرحلات التجارية تستخدم وقود الطائرات المستدام الممزوج بوقود الطائرات التقليدي. في عام 2021، أصبحت شركة “United” الأولى في تاريخ الطيران بقيادة طائرة مليئة بالركاب ضمن رحلة من شيكاغو إلى واشنطن العاصمة مدعومة بوقود طيران مستدام بنسبة 100 بالمئة.

لذا، فإن ابتكارا مثل وقود الطيران المستدام هو خطوة بالاتجاه الصحيح، ويمكن وصفه بأنه تغيير تطوري، لكنه ليس المطلوب لجعل السفر الجوي صديقا للبيئة، حيث يتمثل التغيير الثوري في تغيير مصدر الطاقة، على سبيل المثال، عند التغيير إلى الهيدروجين أو خلايا وقود الهيدروجين قد تُوصف تلك الخطوة بالقفزة الكبيرة.

ختاما، صناعة الطيران تعمل على الاستدامة لكي تكون صديقة للبيئة، حيث أن كل جيل من الطائرات التي تم إصدارها كان أفضل بنسبة 15 و20 و25 بالمئة من الجيل الذي حل محلها، لكن ما تحاول “ناسا” فعله الآن هو تخطي جيل كامل للمساعدة في حل مشكلة المناخ.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات