شركات التكنولوجيا الآسيوية في حيرة من أمرها إثر العقوبات الأميركية على روسيا

شركات التكنولوجيا الآسيوية في حيرة من أمرها إثر العقوبات الأميركية على روسيا
استمع إلى المقال

منذ بدء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فرض عقوباتٍ اقتصادية على روسيا جراء اجتياحها أوكرانيا، تشكّل ما يشبه حالة الطوارئ بين الشركات الكبرى التي تسعى للامتثال لهذه العقوبات مع خفض الضرر على عائداتها إلى أدنى حد. ولعلّ أبرز الشركات التي وجدت نفسها في مأزق هي الشركات التقنية الآسيوية؛  التي تصنع وتصدّر شحنات كل شيء تقني تقريبًا، من معدّات الاتصالات والهواتف الذكية إلى أجهزة الكمبيوتر وأجهزة الألعاب.

مفاجأة ليست بالسارّة

في أقل من أسبوع، أحدثت العقوبات تأثيرًا فوريًا في روسيا، ويحتمل أن يصل أثرها إلى أي منتج أو خدمة تقنية مصدرها الولايات المتحدة. إذ فاجأ كم العقوبات الكبير ونطاقها والواسع العديد من شركات التكنولوجيا الآسيوية على حين غرة. وكان هذا أكثر تأثيرًا بالنسبة لتلك الشركات التي لم تشارك في حملة الولايات المتحدة على شركة هواوي الصينية.

وعلى سبيل المثال، أوضح جيمس هوانج، رئيس شركة “Getac Holdings” التايوانية المتخصّصة في الحلول الحوسبية والميكانيكية، أن الشركة سارعت إلى تشكيل فريقًا من ثمانية أشخاص لدراسة العقوبات الاقتصادية وقوانين التصدير الأمريكية. وقال: “إنّها صعبة للغاية ومعقدة وغامضة. حتى أنّني اضّطررت إلى البحث عن مصطلح “الاستخدام المزدوج”، وما زلنا غير متأكدين تمامًا مما إذا كانت منتجاتنا تندرج في نطاق الضوابط التصدير أم لا.”

التقنيات والمنتجات ذات الاستخدام المزدوج هي تلك التي تخدم الاستخدامات المدنية والعسكرية. ويُعدّ هذا معيارًا رئيسيًا في تحديد ما إذا كانت الشحنات تخضع لضوابط التصدير.

وشركة “Getac”، ثاني أكبر صانع لأجهزة الكمبيوتر “القوية” في أوروبا، هي واحدة من العديد من شركات الإلكترونيات الآسيوية التي تحقّق مبيعات عالية وتنتشر منتجاتها في روسيا.

كما تمتلك كل من سامسونج الكورية الجنوبية وشاومي الصينية حصصًا رائدة في سوق الهواتف الذكية في روسيا، في حين أن شركتي آيسر (Acer) وإيزوس (Asus) التايوانيتين، وكذلك لينوفو الصينية هم لاعبين رئيسيين في أجهزة الكمبيوتر في روسيا. وتنتج شركة “LG” الكورية الجنوبية أيضًا، الأجهزة المنزلية وتبيعها في روسيا، بينما تبيع سوني اليابانية أجهزتها الإلكترونية هناك.

نطاق عقوبات هو الأوسع

يدور الخلاف حول “قاعدة المنتج الأجنبي المباشر” أو (Foreign Direct Product Rule)، وهي أداة رئيسية لدى لجنة مراقبة التجارة الأمريكية. يتم استخدامها لمنع شحن البضائع التي تحتوي على تقنيات أمريكية أو تم تطويرها باستخدام تقنيات أميركية إلى كيانات محدّدة، حتى لو كانت هذه المنتجات من صنع شركات غير أمريكية. وتم استخدام هذه القاعدة لمنع وصول هواوي إلى منتجات مورّدي الشرائح (أشباه الموصلات) العالميين.

يقول الخبراء إن نطاق القيود هذه المرة يتجاوز بكثير أشباه الموصلات والمكونات الأخرى ليشمل معدات أمن الاتصالات والمعلومات وأجهزة الاستشعار والليزر وأجهزة الكمبيوتر، وربما الإلكترونيات الاستهلاكية مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية.

كما يمكن أن تقع أجهزة الكمبيوتر المتطورة، مثل أجهزة الكمبيوتر التي تحمل قدرات عالية لمعالجة الرسوم المتقدمة، ضمن نطاق العقوبات. وذلك لأن المنطق يقول أن قوة الحوسبة والمكونات المتطورة لهذه الأجهزة يمكن تسخيرها للأغراض العسكرية.

تتمثل الخطوة الأولى في تحديد ما إذا كان المنتج أو المكوّن خاضعًا لقاعدة المنتج الأجنبي المباشر في العثور على رقم تصنيف مراقبة الصادرات (ECCN)، والذي تتم مقارنته بعد ذلك مع اللوائح التجارية الأمريكية. لكن هذه ليست مهمة بهذه البساطة.

الإفلات من العقوبات.. مهمة لا تحتمل الخطأ

لم تصنّف جميع الشركات المصنّعة منتجاتها، وبالتالي لن يعرف البعض أي أرقام لتصنيف مراقبة الصادرات ستطبق على منتجاتها. ولمعرفة ذلك، تعمل هذه الشركات أحيانًا مع مشترٍ أو مُصنِّع آخر لتحديد رقم تصنيف مراقبة الصادرات للمنتج. وهذا يتطلب عادةً الجلوس مع مهندس أو مطوّر للتّعرف على منتج ما وتحديد خصائصة الموصوفة في ذاك الرقم.

بالنسبة للإلكترونيات الاستهلاكية القياسية مثل الهواتف الذكية، فإن الشحنات إلى روسيا لن تخضع لضوابط التصدير إذا تمكّنت الشركات من التأكد من أن المستخدمين النهائيين هم مستخدمون مدنيون وغير حكوميين وغير عسكريين.

لكن لا تزال هناك عقبة أخرى. وهي أنه قد يكون من الصعب للغاية تحديد المستخدمين العسكريين النهائيين الذين لم يتم تحديدهم على وجه الخصوص من قبل وزارة التجارة الأميركية. ولن تكون الشركات على استعداد دائمًا للإجابة على الأسئلة التي قد تُطرح عليها بشأن دعمها السابق للنشاطات العسكرية أو قد يمنعها القانون المحلي من الإجابة على الأسئلة المتعلقة بقوانين مراقبة الصادرات الأمريكية.

قال إريك تشين، رئيس الإدارة العامة في شركة “Advantech” التايوانية لأنظمة إنترنت الأشياء: “ما زلنا نقيّم ما إذا كنا بحاجة إلى تعيين مستشار خارجي لمساعدتنا في التّحقّق من اللوائح الجديدة للرقابة على الصادرات مع الحفاظ على مصالحنا بما يتناسب مع لوائح حكومتنا المحلية”. هذا على الرغم من أن أعمال الشركة في روسيا تمثّل حوالي 1% فقط من الإيرادات.

في إشارة أخرى على سلوك هذه الشركات الحذر، سارت شركة “MSI” التايوانية، أكبر شركة لتصنيع أجهزة الكمبيوتر للألعاب في روسيا، على خطى شركتي “Intel” و “AMD” الأمريكيتين في وقف مبيعات منتجاتها في روسيا لتجنب أي انتهاكات. إذ يقول الخبراء إن عدم الامتثال لقواعد التجارة الأمريكية يمكن أن يؤدي إلى عقوباتٍ قاسية.

وليس غريبًا أن ترى الشركات تدفع مئات الملايين من الدولارات كغرامات لعدم الامتثال. فحتى الشركات التي تقع بالكامل خارج الولايات المتحدة يجب أن تهتم بالعواقب المحتملة؛ لأن الإخفاق في الامتثال يمكن أن يؤدي إلى وضعها في إحدى” القوائم السوداء” للولايات المتحدة، وهي مكانٌ لا ترغب أية شركة في وجود اسمها فيها.

أضرار تجارية جانبية.. تُقدّر بالمليارات

شركات التكنولوجيا الآسيوية

سيؤدي الانسحاب من روسيا إلى عواقب تجارية وخيمة أيضًا. إذ أظهرت بيانات شركة “Counterpoint” لأبحاث السوق أن شحنات الهواتف الذكية من سامسونج في روسيا نمت بنسبة 1% في عام 2021، وازداد شحن شاومي بنسبة 29%. ووفقًا لوكالة “Lightcounting” للأبحاث، فإن شركة سامسونج توفر أيضًا معدات اتصالات للدولة الروسية، مثلها مثل هواوي و “ZTE” الصينيتين.

كما تتصدر شركة “HP” الأميركية وشركات لينوفو وآيسر و “Asustek” التايوانية سوق أجهزة الكمبيوتر في روسيا؛ وهي سوق صغيرة نسبيًا على أية حال من الناحية العالمية. كما أن لـ “HP” وآبسر بعض العقود الحكومية في روسيا.

وتتناقض الاستجابة الحذرة للعديد من شركات التكنولوجيا الآسيوية مع نظرائهم الغربيين مثل آبل وجوجل ومايكروسوفت؛ الذين سارعوا إلى إدانة الحرب وتعليق العمليات أو المبيعات في روسيا. 

ويمكننا أن نفهم سبب تردّد شركات التكنولوجيا الآسيوية والتايوانية عمومًا في الكشف عن علاقاتها مع روسيا وكيف تتعامل مع العقوبات، حيث قد لا يكون لديها حكومات أو لوائح قوية وواضحة وراء ظهورها، وأن أسواقها ليست بحجم نظيراتها الغربية.

إضافةً إلى ذلك، لا تعرف هذه الشركات إلى متى ستستمر الحرب، وهي ليست فقط حذرة من انتقام لاحق من روسيا وحلفائها وعملائها هناك. كما أنها تحمل مخاوف من العواقب الجيوسياسية المحتملة من الصين، أحد أقوى حلفاء روسيا في القارة والعالم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات