جوردون إي مور.. ما لا تعرفه عن مبتكر “قوانين مور” الشهيرة

جوردون إي مور.. ما لا تعرفه عن مبتكر “قوانين مور” الشهيرة
استمع إلى المقال

قلّة من المبتكرين في عصرنا هذا يقارعون جوردون إي مور، في ابتكاراته التي لا يوجد شخص على وجه الأرض لا يستخدمها، وذلك لأنه واحد من المسؤولين عن تأسيس عملاق الشرائح الأميركي “إنتل” الذي تعتمد عليه أغلب الحواسيب في معالجاتها المركزية حول العالم. 

مور توفي يوم الجمعة الماضية 24 آذار/مارس على فراشه في هاواي عن عمر يناهز 94 عاما، استطاع خلالها أن يترك بصمة باقية تتحدى الزمن في الكثير من الابتكارات المختلفة إلى جانب “إنتل” ربما كان أشهرها “قانون مور” الذي يفسر ويتوقع تطور شرائح الحاسوب. 

لحظة البداية 

وُلد مور لواحدة من أقدم عائلات الأنجلو الأميركية في ولاية كاليفورنيا، إذ استقر جده الأكبر في مدينة كاليفورنيا في 1847 مع المهاجرين الأوائل، ثم تنقلت عائلته بين المدن والقرى المختلفة قبل أن يعود إليها جوردون مجددا عام 1950. 

قد يهمك أيضا: أنشأت “ChatGPT” وبدايتها من “تسلا” من هي ميرا موراتي؟

والد جوردون كان ضابط الأمن الرئيسي في قرية صغيرة تدعى بيسكاديرو في مقاطعة سان ماتيو التابعة لولاية سان فرانسيسكو، واستمر في هذا المكان حتى أصبح نائب رئيس المقاطعة، وهو الأمر الذي اضطرهم للإنتقال إلى مدينة ريدوود حتى تبدأ رحلة جوردون إي مور، من أجل أن يصبح الرجل الذي عرفناه اليوم. 

اهتمام مور بالكيمياء كان المحرك الأساسي في حياته في مختلف مراحلها، وذلك منذ نعومة أظافره، حيث أعجب بالكيمياء نتيجة لعبة أطفال تهدف إلى تعريفهم بالعمليات الكيميائية البسيطة، ومنذ تلك اللحظة، بدأ مور في مطاردة الكيمياء عبر جميع المراحل الدراسية حتى حصل على درجة الدكتوراه في علوم الكيمياء الفيزيائية عام 1954 من “معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا”. 

أحلام مور في الكيمياء تحطمت على صخرة الواقع عندما بدأ بالعمل في معامل جامعة “جون هوبكنز” للفيزياء التطبيقية في ماريلاند، لذلك عندما عرض عليه  شوكلي الإنتقال للعمل معه في شركته الناشئة التي كانت تعمل في صناعة أشباه الموصلات في كاليفورنيا، وهي الشركة التي أعطت تسميّة “وادي السيليكون” لتلك المنطقة في الولاية. 

مجموعة من المهندسين في شركة "شوكلي" لأشباه الموصلات يجلس على رأس الطاولة مور ونويس
مجموعة من المهندسين في شركة “شوكلي” لأشباه الموصلات يجلس على رأس الطاولة مور ونويس

تخصص مور في واحدة من أعقد العمليات في وقتها من أجل صناعة أشباه الموصلات، وهي تحويل السيليكون النقي المعتاد إلى موصل كهربائي حتى يمكن تثبيت أشباه الموصلات والشرائح عليه، وقد كانت هذه العملية في وقتها إحدى الركائز التي تُبنى عليها صناعة أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية، ورغم أن شوكلي هو الذي طلبه للعمل معه، إلا أن أسلوب إدارته للشركة لم يعجب مور وبعض العلماء معه بسبب صرامته المبالغ فيها وتعقيده للكثير من الأمور البسيطة، وهو الأمر الذي دفعهم للثورة عليه، وعندما فشلت ثورتهم ولم يعودوا قادرين على إزالته من إدارة الشركة، قرروا الإنفصال لبناء شركة جديدة مدعومة من “Fairchild” التي كانت رائدة وقتها في صناعة الكاميرات وأدواتها المختلفة. 

البداية الحقيقية 

حياة مور لم تعد كما كانت منذ أن أسس شركة “Fairchild Semiconductor”، إذ تمكن في وقت قياسي من أن يصبح أحد الركائز العلمية والإدارية الأساسية في الشركة، إذ ابتكر الكثير من التقنيات المميزة التي أثّرت في صناعة الشرائح وأشباه الموصلات ومازالت تستخدم حتى يومنا هذا، ومن ضمن هذه الإبتكارات المميزة كان الاعتماد على الألمونيوم ليكون نقطة الاتصال بين الموصلات، وذلك إلى جانب بناء أول معالج مدمج في التاريخ عام 1961، حيث شارك في ابتكار تقنية “Planar Process” التي سهلت طباعة الدوائر الإلكترونية فوق شرائح السيليكون. 

رحلة مور مع “Fairchild” لم تستمر لفترة طويلة رغم أنها شهدت إصدار القانون الأشهر في علوم الحاسب وهندسة الشرائح وهو “قانون مور” الذي ينص على أن عدد الموصلات التي يمكن وضعها على أي شريحة سيتضاعف كل عامين، مما يعني أن قوة هذه الشرائح ستزيد كل عامين. 

روبرت نويس( اليسار) و جوردون مور (اليمين)

الإدارة الجديدة في ” Fairchild” لم تؤمن بأهمية صناعة الشرائح وأشباه الموصلات، وبسبب الكثير من الخسائر في عمليات التصنيع إلى جانب حملات الإقالة والتسريع المختلفة، قرر جوردون إي مور مع روبرت نويس ترك “Fairchild” والانتقال لبناء شركتهم الخاصة التي أطلقوا عليها “Intel”، وهي الشركة ذاتها التي تتربع على عرش شرائح الحواسيب المكتبية والمحمولة حتى يومنا هذا. 

نحو العالمية وما بعدها 

التركيز الأساسي لشركة “Intel” في بداية حياتها كان حول دمج الذواكر مع شرائح السيليكون التي تصنعها الشركة، ورغم أن الشركة كانت تمتلك اثنين من عباقرة هندسة الشرائح وأشباه الموصلات، إلا أنها كانت أمام تحدي صعب شكلته المنافسة اليابانية.

قد يهمك أيضا: براشانت ساوثيكال.. اسم ساطع في عالم تحليل البيانات

في منتصف حقبة 1980، تمكنت “Intel” من التصدر في سباق صناعة الشرائح وأشباه الموصلات نتيجة إتقانها لعملية دمج الذواكر مع الشرائح وقدرتها على زيادة عدد الموصلات في شرائحها، لتصبح الشركة الأكبر في عالم معالجات الحواسيب، لتستحوذ على 80 بالمئة من مبيعات الحواسيب في أواخر القرن الماضي. 

غالبية الابتكارات والنجاحات التي تمكنت “intel” من تقديمها كانت بقيادة جوردان إي مور، الذي شغل منصب الرئيس التنفيذي للشركة في الفترة من 1975 حتى 1987 ثم استمر كرئيس مجلس الإدارة حتى عام 1997. 

جوردون مور أثناء حديث في سان فرانسيسكو
SAN FRANCISCO – SEPTEMBER 18: Intel co-founder Gordon Moore smiles as he speaks during a conversation with National Public Radio host Dr. Moira Gunn at the 2007 Intel Developer Forum September 18, 2007 at the Moscone Center in San Francisco, California. The Intel Developer Forum runs through September 20th and features several Intel technology speakers. (Photo by Justin Sullivan/Getty Images)

النجاحات التي عاشتها “intel” تحت رئاسة مور كانت أغلبها بفضل نظرته المستقبلية وحبه الكبير للكيمياء الفيزيائية، وهو ما مكّنه من إيجاد الكثير من الابتكارات دائما حتى أصبحت “Intel” العملاق الذي نعرفه اليوم، ورغم ذلك فإن مور أضاع فرصة بناء أول حاسوب من يديه قبل أن تبتكره “أبل”، إذ قال مور في مقابلة مع صحيفة “The newyork times”

“قبل أن تبتكر “أبل” أول حاسوب لها بفترة كبيرة، قدم لي أحد مهندسينا فكرة أن نبني حاسوب منزلي يمكن للشخص استخدامه في المنزل، وأتذكر بوضوح تعجبي وقتها، إذ قلت له لماذا قد يرغب أحدهم في حاسوب منزلي؟” 

حياة شخصية هادئة 

النجاح الذي حققته ابتكارات جوردن إي مور لم تجلب له الشهرة التي يستحقها خاصةً عندما تقارن بينه وبين أحد مشاهير عالم التقنية مثل ستيف جوبز، إذ طالما حافظ مور على تواضعه وبساطته، وتصفه زوجته بأنه كان يحب الملابس العادية أكثر من الملابس الفارهة ويتسوق من متاجر “Costco” بنفسه، كما حافظ على هوايته في الصيد طوال حياته. 

جوردون مور وزوجته بيتي
جوردون مور وزوجته بيتي

ثروة مور تقدر ب7.46  مليار دولار وفق آخر تقارير “بلومبرغ” الأميركية، ضمن مقياس أغنى 500 شخص في العالم، وقد أسس جمعية خيرية بالتعاون مع زوجته Betty في عام 2015 وهب لها 5 مليار دولار من ثروته، وهي تهدف لمواجهة التغيرات البيئية والحفاظ عليها وتحديدا على منطقة خليج سان فرانسيسكو، ومازالت الجمعية تمارس أنشطتها حتى يومنا هذا. 

أثر جوردون مور لا يزول 

الأثر الذي تركه جوردون إي مور في عالم الحواسيب والتقنية بشكل عام لا يمكن أن يزول، وربما يُعد الأهم على الإطلاق في هذا المجال وقد لا تقل أهميته مستقبلا عن قوانين أينشتاين، إذ إن أي فتح تكنولوجي جديد أو ثورة صناعية مستقبلية مبنية على الحواسيب ستعتمد على ابتكارات مور. 

دون مساهمات مور لم نكن لنرى الحواسيب المحمولة مثل الذي استخدمه اليوم في كتابة هذا المقال أو هاتف ذكي صغير بقوة هائلة مثل الذي تمسكه في يدك الآن، ورغم أن العالم قد لا يعترف بأهمية ابتكارات مور، إلا أن مُحبيّ التقنية جميعا يعرفون أهمية ابتكاراته وكيف غيرت شكل حياتهم. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.