استمع إلى المقال

“تيك توك” هو تطبيق الفيديو القصير الذي أصبح حديث العالم في السنوات الاخيرة، حيث يضم أكثر من 1.677 مليار مستخدم ، يشاهدون وينشرون أكثر من مليار فيديو يوميا، و يعتبر منصة الترفيه الأكثر استهدافا لفئة الشباب من بين المنصات الأخرى.

لكن هل هذا كل شيء عن “تيك توك”، هل هو مجرد تطبيق للمزح والرقص والغناء، أم أن هناك جانبا آخر لهذه المنصة، جانبٌ مظلم ومخيف، يهدد حياة وسلامة وأخلاق المستخدمين.

ففي السنوات الأخيرة، شهدنا انتشار العديد من التحديات على تطبيق “تيك توك”، التحديات التي تتطلب من المشاركين القيام بأفعال غريبة ومجنونة وخطيرة، من أجل الحصول على المزيد من المشاهدات والاعجابات والتعليقات، فبعض هذه التحديات يتعلق بالمظهر أو الملابس أو الطعام، بينما بعضها الآخر يتعلق بالصحة أو السلامة أو القانون.

لسوء الحظ، فإن هذه التحديات لم تكن مجرد مزحة بريئة، بل كانت سببا في حوادث مأساوية، راح ضحيتها أطفالا ومراهقين و كبار السن، فقد سمعنا عن حالات وفاة نتيجة التسمم أو الخنق أو الانفجار، وحالات إصابة نتيجة الحروق أو الجروح أو الكسور، وحالات اعتقال نتيجة السرقة أو التخريب أو التهديد.

فما هو سرّ هذه التحديات؟ ما هي الآثار السلبية لهذه التحديات على مختلف المستويات، وعلى عاتق من تقع المسؤولية والمساءلة عن هذه الانتهاكات.

تحديات الموت

هناك العشرات من  الأمثلة عن التحديات التي انتشرت على منصة “تيك توك” وأدت إلى حوادث مأساوية، هذه الأمثلة تبين مدى خطورة وجنون هذه التحديات، وكيف أنها لا تقدم أي قيمة أو فائدة للمشاركين أو المشاهدين، بل تعرضهم للخطر والضرر فقط.

تحدي القفز من القارب “boatjumping”

أحدث حالات الوفاة بسبب تحديات منصة “تيك توك” التي يبدو أنها لا تنتهِ، كانت أحداثها في ولاية ألاباما، حيث أصدرت السلطات المحلية رسالة تحذيرية بعد أن توفي أربعة أشخاص في الأشهر الأخيرة بسبب المشاركة في تحدي جديد وخطير على تطبيق “تيك توك”، والذي يتمثل في القفز من الجانب الخلفي لقارب يسير بسرعة عالية إلى نهر أو بحر، وتسجيل ذلك على الفيديو ونشره على التطبيق.

ممثل الشرطة المحلية، قال “في الأشهر الستة الماضية، كان لدينا أربع حالات غرق بسبب هذا التحدي”، وأضاف، “إنه شيء خطير جدا، فإذا كان القارب يسير بسرعة 40 أو 50 ميلا في الساعة، فإن المياه ستكون مثل الإسمنت لدى ملامستها”، وأوضح إلى أن التحدي المعروف باسم “boatjumping” ازداد بشكل ملحوظ خصوصا منذ بداية هذا العام، وتوفي أول ضحية في شباط/فبراير بعد أن غرق في النهر وهو يشارك في التحدي، وزوجته وأطفاله يشاهدونه من القارب.

“للأسف، سجلت زوجته لحظة موته”، قال رئيس الشرطة المحلية، وعلى الرغم من النهاية المأساوية، لم يلتفت ثلاثة آخرون إلى تحذيرات رجال الإنقاذ ولقوا نفس المصير.

فتيان كيا “The Kia Boyz”

هل تتخيل أن تستأجر سيارة، ثم تقوم بقطع أسلاكها وتشغيلها بدون مفتاح، ثم ترتكب جرائم عديدة، ثم تقوم بإعادتها إلى صاحبها، هذا ما يفعله بعض المستخدمين على تطبيق “تيك توك” في تحدي أقل ما يوصف بأنه جنوني وغير قانوني.

التحدي يسمى “The Kia Boyz”، ويتضمن تصوير المشاركين لأنفسهم وهم يسرقون ويخربون ويقومون بإرجاع السيارات، ونشر الفيديوهات على الإنترنت، على عكس التحديات الأخرى التي قد تكون غير ضارة أو مضحكة أو مبتكرة، فإن هذا التحدي هو خطير وغير قانوني وغير أخلاقي.

ولكن الأغرب من ذلك، هو أن هناك العديد من المستخدمين الذين يشاركون في هذا التحدي، أو يشجّعون القيام به، أو يشاهدونه، فهناك العديد من الفيديوهات على “تيك توك” التي تعلّم كيفية قطع أسلاك السيارة وتشغيلها بدون مفتاح، والمزيد من الفيديوهات التي تظهر المشاركين وهم يسرقون ويخرّبون السيارات.

كما أنهناك بعض الفيديوهات التي تُظهر أصحاب السيارات أو شهود العيان وهم يلقون القبض على هؤلاء “الفتيان” كما يطلق عليهم.

تحدي إشعال النار بالقطعة النقدية “The Penny Challenge”

هل تتصور أن تضع قطعة نقدية بين مقبس الكهرباء وموصل الشاحن، وتشاهد ماذا يحدث، هذا ما فعله بعض المستخدمين على تطبيق “تيك توك” في هذا التحدي الذي يدعى “The Penny Challenge”، ويتضمن تصوير المشاركين لأنفسهم وهم يضعون قطعة نقدية في الفراغ الصغير بين مقبس الكهرباء وموصل الشاحن، والذي يسبب تماسا كهربائيا وإشعال النار.

 هذا التحدي انتشر بشكل كبير في عام 2020، وشارك فيه العديد من المستخدمين، خاصة الأطفال والمراهقين، دون أن يدركوا مخاطره وآثاره، فقد أدى هذا التحدي إلى حدوث شرارات كهربائية وحروق في المقابس وانقطاع في التيار، وفي بعض الحالات، أدى إلى نشوب حرائق في المنازل أو المدارس.

تحدي الإغماء “blackout challenge”

في العام الماضي وتحديدا في شهر آب/ أغسطس، ذكرنا كيف تقوم خوارزمية تطبيق “تيك توك” على إبراز فيديوهات التحدي على حساب الفيديوهات الأخرى، في تقرير بعنوان “الخوارزمية القاتلة.. “تيك توك” يخنق الأطفال”، وتحدثنا أيضا في التقرير، عن تحدي الإغماء “blackout challenge” الذي يشجع من خلاله المشاركين فيه على خنق أنفسهم بالأحزمة أو السلاسل أو أي شيء مشابه، حتى يُغمى عليهم.

وقد أدى هذا التحدي إلى وفاة 80 شخصا وفقا لتقرير من مركز السيطرة على الأمراض، في الولايات المتحدة، وبيّن التقرير أيضا أن غالبية المتوفون هم أطفال كانت أعمارهم دون الـ 15 عاما.

المسؤولية والمساءلة

“تيك توك” تدعي أنها تحاول منع الاتجاهات الضارة بإظهار التحذيرات، وتقول أن أكبر التحديات التي تواجهها المنصة هي كيفية التوفيق بين التزامها بحرية التعبير ومسؤوليتها في حماية مستخدميها من الأذى.

فيما تزعم المنصة بأنها تتخذ بعض الخطوات للحد من انتشار التحديات الخطيرة، مثل عرض التحذيرات وكبح البحث، يرى بعض النقاد أن هذه الإجراءات غير كافية، ويقترحون أنه يجب على  “تيك توك” أن تحذف الفيديوهات وتحظر الحسابات التي تشجع أو تشارك في سلوكيات محفوفة بالمخاطر، خاصة تلك التي تستهدف أو تشمل الأطفال والمراهقين.

في حين تحظى منصة “تيك توك” بشعبية عالمية بكل ماتحمله من سلبيات ومخاطر، فإن الصين لديها إصدارها المحلي من التطبيق، ويدعى “Doyin”، وهو يشبه “تيك توك” في مزاياه، لكنه يختلف في سياساته، فالصين تفرض قيودا محلية شديدة على الفيديوهات في التطبيقات الأخرى، مثل “فيسبوك” و”واتساب” و”يوتيوب”، كما تطلب من المستخدمين الذين تقل أعمارهم عن 14 عاما استخدام “وضع المراهقين” في “Doyin”، الذي يحميهم من المحتوى غير اللائق والضار؛ كذلك، يقلل هذا الوضع من إدمان المراهقين على التطبيق، حيث يحدّ من مدة استخدامهم له ويراعي ساعات نومهم، أما فيما يخص الأطفال والمراهقين خارج حدودها، فهذا الشيء لا يعنيها على ما يبدو.

بعد تكرار حالات الوفاة التي نجمت عن تحدي  “تيك توك” “القفز من القارب”، قامت السلطات المحلية وسلطات تنفيذ القانون بأطلاق تحذيرات لحماية السكان من مخاطر هذا التحدي، ومنها.

توضيحات بأن تحدي القفز من القارب هو نشاط خطير وغير قانوني، ناهيك عن الإصابة بكسور في العمود الفقري أو الرقبة أو حتى الغرق

وحثّت السكان في حال مشاهدتهم لشخص يقوم بتحدي القفز من القارب، أن يقوموا بالإبلاغ عنه إلى أقرب دورية شرطة أو وحدة إنقاذ.

ودعت إلى عدم مشاركة أو نشر أو مشاهدة مقاطع فيديو لتحدي القفز من القارب على وسائل التواصل الاجتماعي، فهذا من شأنه أن يشجع على تكرار هذا السلوك الخطير.

آثار “تيك توك”

مما لا شك فيه أن أحد أبرز المخاطر التي ينشرها تطبيق “تيك توك” هو انتشار التحديات القاتلة، التي تدعوا المستخدمين إلى القيام بأفعال خطيرة أو مجنونة من أجل الحصول على المزيد من الإعجابات والمتابعين. والتي أدت إلى حدوث حالات وفاة أو إصابات خطيرة للعديد من المستخدمين، خاصة الأطفال والمراهقين كما ذكرنا أعلاه، الذين يتأثرون بسهولة بالضغط الاجتماعي والرغبة في التميز، ناهيك عن عشرات الدعوات ضد التطبيق في العديد من حالات انتهاك الخصوصية لمستخدمي التطبيق.

ليس هذا فحسب، بل أن تطبيق “تيك توك” يسبب آثار سلبية على مختلف المستويات للمستخدمين، فعلى المستوى النفسي، يؤدي استخدام هذا التطبيق إلى زيادة حالات الاكتئاب والقلق وانخفاض الثقة بالنفس، وتوليد شعور بالإدمان والانسحاب الاجتماعي، وعلى المستوى الثقافي، يؤدي استخدام هذا التطبيق إلى نشر قيم وأخلاق سلبية، مثل التعصب والعنصرية والجنسية والعنف، وتقويض الهوية والتراث الوطني والديني.

في الختام، يمكننا القول أن تطبيق “تيك توك” هو أحد أشهر التطبيقات الاجتماعية في العالم، ولكنه يحمل في طياته العديد من المخاطر والآثار السلبية على المدى البعيد، فالتحديات القاتلة التي ينشرها هذا التطبيق تهدد حياة وسلامة المستخدمين، وتنعكس بشكل سلبي على صحتهم النفسية والجسدية، وتؤثر على قيمهم وأخلاقهم وثقافتهم. 

كما أن هذا التطبيق يُسهم في إضاعة الوقت والطاقة والموارد، ويشجع على التقليد الأعمى والتنافس غير الصحي، ويزرع في نفوس المستخدمين الرغبة في الشهرة والانتباه بأي ثمن؛ لذلك، يجب على المستخدمين أن يكونوا حذرين وواعين للمخاطر التي يتعرضون لها عند استخدام هذا التطبيق، وأن يحدّوا من استخدامه والبحث عن بدائل أكثر فائدة وأمانا لإثراء حياتهم وتطوير مهاراتهم وإبداعاتهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات