استمع إلى المقال

لا شك في أن أجهزة الواقع المختلط القابلة للاتداء تثير مخاوف هائلة تتعلق بالخصوصية والأمن والأخلاق، لكن هل تجاهلت نظارة “ميتا” الذكية سبب فشل نظارة “جوجل” الذكية.

الجيل الجديد من نظارة “ميتا” الذكية 

بعد مرور عشر سنوات على الإطلاق الأولي لنظارة “جوجل”، وهي واحدة من أولى النظارات الذكية المجهزة بكاميرات والمتوفرة تجاريا، هناك ثورة تكنولوجية ثانية جارية في مجال الأجهزة القابلة للارتداء، وهي تتجاهل في الغالب الدروس المستفادة من الجولة الأولى.

في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، اعتلى مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، المسرح في حدث “Meta Connect”، وهو المؤتمر السنوي للشركة لمطوري الواقع الافتراضي، وكشف النقاب عن نظارات “ميتا” الذكية “Meta Smart Glasses”.

هذه النظارات، التي هي نتاج شراكة بين عملاقة التواصل الاجتماعي والشركة المصنعة لنظارات “راي بان”، تعتبر الجيل الثاني من النظارات المتصلة بالإنترنت التي نتجت عن هذا التعاون.

النظارات الأولى المسماة “Ray-Ban Stories“، الصادرة في عام 2021، تعرضت للنسيان إلى حد كبير، مع أن العدسات مجهزة بكاميرات مزدوجة يمكنها التقاط صور أو مقاطع فيديو مدتها 30 ثانية.

لكن نظارات “Meta Smart Glass”، التي وصلت إلى رفوف البيع بالتجزئة في 17 تشرين الأول/أكتوبر، تأخذ الأمور إلى أبعد من ذلك بكثير.

في البداية، زودت الشركة النظارات بمساعد المحادثة “Meta AI” المعتمد على النماذج اللغوية الكبيرة لشركة “ميتا” التي أثنت في السابق على جنكيز خان ودفعت نظريات المؤامرة الانتخابية. كما أنها عملت على توسيع قدرات الكاميرا من التقاط الصور والفيديوهات القصيرة إلى البث المباشر الكامل.

الإعلان عن النظارة كان بمثابة إطلاق عدد كبير من الأجهزة الأخرى التي سارعت للاستفادة من الاهتمام المرتفع بشأن الأجهزة القابلة للارتداء والعاملة بتقنية الذكاء الاصطناعي.

يشار إلى أن “ميتا” ليست الشركة الوحيدة التي تتبنى التكنولوجيا القابلة للارتداء والتي تدعم الذكاء الاصطناعي.

شركة “Humane” الناشئة في مجال التكنولوجيا المكونة من موظفين سابقين في شركة “أبل” وضعت جهازها الغامض “Ai Pin” على طية صدر سترة ناعومي كامبل أثناء سيرها على المدرج في أسبوع الموضة في باريس 2023. بعد أيام، أعلنت شركة “Rewind” عن تصنعها جهاز “Pendant” القادر على تسجيل ونسخ كل ما يقوله ويسمعه مرتديه.

من المؤكد أن هذه الأجهزة هي أجهزة تكنولوجية أكثر إثارة للإعجاب مما أعدته “جوجل” في عام 2013، لكن من الأفضل لهذه الشركات أن تتذكر أن نظارات “جوجل” الذكية لم تفشل لأن التكنولوجيا لم تكن جيدة بما فيه الكفاية، بل فشلت لأنها أخافت الناس كثيرا.

مخاوف الأجهزة القابلة للارتداء

الاندفاع للحصول على الأجهزة القابلة للارتداء يمثل مشكلة خصوصية ذات شقين، يتعلق شقها الأول بمقدار ما قد يتم التقاطه من حياتنا دون علمنا وموافقتنا بواسطة هذه الأجهزة، والشق الثاني يتعلق بإمكانية استخدام محادثاتنا وأنشطتنا وما شابه ذلك لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.

في أغلب الأحيان، هذه الأسئلة ليس لها إجابات واضحة. “ميتا” اعترفت على الأقل إلى حد ما بأن التسجيل بشكل سري في الأماكن العامة عبر النظارات من المرجح أن يخيف الناس.

لمعالجة هذه المشكلة، قامت الشركة بتضمين ضوء مؤشر عبر الإطارات، الذي من الناحية النظرية يخبر الآخرين بأن مرتديها يقوم بالتسجيل.

مع تجاهل أن المراجعات المبكرة تشير إلى أن الضوء ليس ملحوظا دائمًا، وأن “ميتا” حصلت على تحذيرات من منظمي الخصوصية في الاتحاد الأوروبي لجعلها ضوء المؤشر الخاص بها صغيرا جدا في “Ray-Ban Stories”، فإن هذه الطريقة لإعلام الآخرين بالتسجيل لا تزال غير كافية، وفقا لكالي شرودر، كبيرة المستشارين ومستشارة الخصوصية العالمية في مركز معلومات الخصوصية الإلكترونية.

عادة ما تكون أضواء المؤشر أو أصوات التنبيه أو المؤشرات المماثلة صغيرة جدا وغير قابلة للاكتشاف لدرجة أنه قد يكون من المفاجئ أن يلاحظها أحد المارة، ناهيك عن معرفة ما تشير إليه.

شرودر قالت، “إننا نسمع أصواتا ونرى أضواء صغيرة عبر أجهزة الأشخاص طوال الوقت عندما نتنقل حول العالم، ولن يخطر ببالي أبدا أن هذه الأشياء تهدف إلى الكشف بشكل هادف عن تسجيلي”.

اسم “ميتا” لم يكن يوما من الأيام مرادفا للخصوصية، ومن غير المرجح أن يغير مؤشر LED الأبيض ذلك.

نظرا للكمية الهائلة من بيانات المستخدم التي تمتلكها الشركة، هناك الكثير من المخاوف الإضافية بشأن كيفية استخدام المحتوى الذي تم التقاطه من خلال الكاميرات الموجودة داخل الإطار.

بعد كل شيء، فكرت الشركة علنا في تضمين ميزات التعرف على الوجه في نظاراتها الذكية الأولى، بالرغم من أن الشركة لا تقوم حاليا بتضمين أو تسويق هذه التكنولوجيا في أجهزتها القابلة للارتداء.

نظارات “جوجل” الذكية لم تتضمن أيضا تقنية التعرف على الوجه الخاصة بالشركة، لكن تمكن المستخدمون من اختراق نسختهم الخاصة من البرنامج لتشغيلها عبر الأجهزة.

من الواضح أن هدف الشركة من النظارات الذكية، على الأقل إلى حد ما، هو تزويد نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها بكمية كبيرة من المعلومات.

عندما أعلن عن نظارات “Meta Smart Glass”، قال زوكربيرج، “إذا فكرت في الأمر، فإن النظارات الذكية هي الشكل المثالي بالنسبة لك للسماح لمساعد الذكاء الاصطناعي برؤية ما تراه وسماع ما تسمعه”.

“ميتا” اعترفت باستخدام المنشورات العامة من “فيسبوك” و”إنستغرام”، بما في ذلك النصوص والصور، لتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها.

لكن الشركة تصر على أن الصور ومقاطع الفيديو مشفرة، مع جمعها للبيانات الأساسية فقط، لكن هناك عدم وضوح حول ما إذا كانت الشركة يمكنها أو قد تستخدم أي معلومات من نظاراتها الذكية لتعزيز الذكاء الاصطناعي الخاص بها.

ليس من غير المألوف أن تستخدم الشركات البيانات مجهولة المصدر لتدريب أنظمتها، مع ذلك، ليس من الغريب أيضا أن تكون عملية إخفاء الهوية غير كافية.

الباحثون قاموا ذات مرة بشراء بيانات سجل تصفح الويب للمواطنين الألمان وربطوها بالمعلومات المتاحة للجمهور للكشف عن عادات الأفراد عبر الإنترنت، بما في ذلك عادات مشاهدة المواد الإباحية للقاضي.

كما أنها تصبح أكثر تعقيدا عند أخذ البيانات التي تلتقطها الكاميرات والميكروفونات في الاعتبار.

شرودر حذرت من أن أنظمة التعرف على الوجه قد تكون قادرة على التعرف على المارة، وتوفر وظيفيا خريطة في الوقت الفعلي لمكان تواجدهم، اعتمادا على عدد الأجهزة القابلة للارتداء الموجودة حولهم، وقد تكون أنظمة تتبع المشية أو الصوت قادرة على التعرف على الفرد حتى لو كان وجهه مغطى.

بالإضافة إلى ذلك، لا توجد طريقة مجدية للأشخاص لاختيار تسجيل صورهم وإمكانية استخدامها لتدريب الذكاء الاصطناعي، حيث أن الشركة التي تستفيد من البيانات الشخصية والتي لم يوافق الشخص على تقديمها ولم تتخذ أي إجراء للسماح بجمعها تبدو غير أخلاقية.

المشاكل تعود من جديد

من الواضح أن الشركات الأخرى التي تقفز إلى مجال الذكاء الاصطناعي القابل للارتداء قد أعطت هذه القضايا الاعتبار على الأقل، بالرغم من أن إجاباتها غالبا ما تكون غامضة.

شركة “Humane” أشارت إلى أنها جهازها “Ai Pin” سيكون جهازا يعطي الأولوية للخصوصية مع عدم وجود كلمة تنبيه، وبالتالي لا يوجد استماع دائما، وهذا يعكس رؤية “Humane” لبناء المنتجات التي تركز على الثقة.

في حين سارعت شركة “Rewind” إلى الإعلان عن أن جهاز “Pendant” قادر على التسجيل بينما لا يزال في المراحل الأولى من التطوير لأنها أردت تسليط الضوء على أهمية الخصوصية بالنسبة لها.

من بين جميع الأجهزة القابلة للارتداء التي تعمل بالذكاء الاصطناعي والتي تم الإعلان عنها في الأسابيع الأخيرة، ربما حصل “Pendant” على أكبر قدر من النقد اللاذع عبر الإنترنت.

في حين تؤكد الشركة على أنها تتخذ نهج الخصوصية أولا وتخطط لتقديم ميزات لك لضمان عدم تسجيل أي شخص دون موافقته، إلا أنها قدمت فكرتين فقط حول كيفية تحقيق ذلك، إما عن طريق تخزين تسجيلات الأشخاص الذين لديهم موافقة شفهية على التسجيل، أو عن طريق إنتاج ملخصات نصية يتم إنشاؤها بواسطة أفضل حكم للذكاء الاصطناعي على التفاصيل المهمة، بدلا من النصوص الحرفية وعدم تنفيذ أي شيء بشكل قوي.

لكن يحسب لشركة “Rewind” أنها أكثر وضوحا فيما يتعلق بكيفية تعاملها مع البيانات، إذ أوضحت صراحة أنها لا تستخدم التسجيلات لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وأن جميع التسجيلات والنسخ يتم إجراؤها وتخزينها محليا عبر جهاز المستخدم.

الأجهزة الذكية القابلة للارتداء التي ظهرت من قبل لعبت دورا فضفاضا مع فكرة التسجيل في الأماكن العامة، وعندما شقت نظارات “جوجل” الذكية طريقها لأول مرة، منعت الشركات الأشخاص من ارتدائها، وجرى ازدراء مرتديها.

ختاما، لا تحاول الكثير من الشركات المصنعة للأجهزة الجديدة القادمة معالجة أسباب هذا التراجع العام منذ عقد مضى، وتفترض بدلا من ذلك أن الأمور قد تكون مختلفة هذه المرة، وتلقي باللوم على نظارات “جوجل” فيما يتعلق بمشاكل الخصوصية، معتقدة أنها ألحقت ضررا بالصناعة بأكملها، وتحاول الابتعاد عن المشاكل التي أحدثتها نظارة “جوجل”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات