الناتو يدعم الشركات الناشئة.. شراكة جديدة بين الدفاع والتقنية؟

الناتو يدعم الشركات الناشئة.. شراكة جديدة بين الدفاع والتقنية؟
استمع إلى المقال

لا يخفى على أحد الشراكة العميقة بين “وادي السيليكون” ووزارة الدفاع الأميركية، لكن هل يسير حلف “الناتو” على خطى “البنتاغون” من حيث التبني والاستثمار في الشركات التقنية الناشئة لضمان تطوير وامتلاك تلك التقنيات.

بعد الإعلان عن خططه منذ ما يقرب من عامين، أصبح لدى “الناتو” رسميا صندوقه الأول بمهمة تتمثل في تأمين مستقبل دائم لمليار مواطن من مواطني الحلف، وذلك عبر دعم الشركات الناشئة التي تبني تكنولوجيا استراتيجية تدعم أهداف منظمة حلف شمال الأطلسي.

برأس مال يبلغ مليار يورو (1.1 مليار دولار) يأتي بشكل جماعي من الدول الأعضاء، فإن صندوق الابتكار يخطط للاستثمار مباشرة في الشركات الناشئة، فضلا عن الاستثمارات غير المباشرة في صناديق رأس المال الاستثماري الأخرى المتعلقة بالشركات الناشئة التي تركز على التقنيات الجديدة.

مجالات التركيز تشمل الذكاء الاصطناعي والتحكم الذاتي، والتكنولوجيا الحيوية، والحوسبة الكمومية، وتكنولوجيا الفضاء والأنظمة التي تفوق سرعة الصوت، والطاقة، والاتصالات من الجيل التالي.

البلدان الـ 23 المشاركة في أول صندوق فرعي لصندوق الابتكار التابع إلى “حلف الناتو”، هي بلجيكا وبلغاريا والتشيك والدنمارك وإستونيا وفنلندا وألمانيا واليونان والمجر وأيسلندا وإيطاليا ولاتفيا وليتوانيا ولوكسمبورغ وهولندا والنرويج وبولندا والبرتغال ورومانيا وسلوفاكيا وإسبانيا وتركيا والمملكة المتحدة. 

من المفترض أن تنضم السويد أيضا إلى المجموعة بعد انضمامها الكامل إلى “الناتو”، بحيث يضيف ذلك 40 مليون يورو إضافية إلى المجموعة.

لكن من اللافت للنظر أن الولايات المتحدة وكندا لم تشاركا في صندوق الابتكار، الأمر الذي يعني وفقا لاتفاقيات الشراكة المحدودة أن الصندوق لا يمكنه الاستثمار في الشركات التي يوجد مقرها في أي من البلدين.

“الناتو” يتبنى الشركات الناشئة

لطالما لعب الحلف دورا فاعلا في عمليات الشراء، لكن صندوق الابتكار ينقل تركيزه إلى العمل مع الشركات التي قد يكون لها أيضا تأثير غير مباشر بالمواقف الأمنية للدول الأعضاء فيها، بحيث يشمل ذلك الأمن السيبراني والتقنيات التي يمكن أن تساعد البلدان في تطوير طاقة أفضل أو استقلال الموارد الأخرى.

في السنوات الأخيرة، أصبحت مثل هذه الأولويات مهمة بشكل خاص، حيث سلط الغزو الروسي والحرب اللاحقة في أوكرانيا الضوء على مدى ترابط البلدان اقتصاديا في أوروبا، وكيف يمكن أن يكون لانقطاع سلاسل الإنتاج والإمداد في أحدها آثار هائلة وضارة ببلدان أخرى. 

بالمثل، فإن الاعتماد المفرط على شركات التكنولوجيا الفردية لخدمات معينة هو أمر محفوف بالمخاطر، وبالتالي فإن تنويع الأسواق ورصد الأموال لهذا الجهد يساعد أيضا في بناء الموقف الأمني لدى حلف “الناتو”.

في الوقت نفسه، من الواضح أن تبني التقنيات والابتكارات الأحدث قد شكل عنصرا حاسما في كيفية دفاع الدول عن نفسها في القرن الحادي والعشرين، كما تستخدم الدول تلك الابتكارات للهجوم أيضا، وليس مجرد الدفاع.

بالنظر إلى الدور الذي تلعبه الشركات الناشئة في اقتصاد الابتكار هذا، فإن اتخاذ “الناتو” خطوات أكبر للاستفادة من ذلك يعد أمرا بالغ الأهمية في الوقت الحالي، حيث يعد صندوق الابتكار جزءا من عملية يجريها حلف “الناتو” ليزيد مشاركته مع الشركات الناشئة والشركات التي تركز على الابتكار. 

علاوة على ذلك، في عام 2021، أطلق الحلف مسرع الابتكار الدفاعي لشمال الأطلسي (DIANA) للدعم والعمل بشكل أوثق مع الشركات الناشئة التي تبني حلول ثنائية التقنية، أي تلك التي قد يكون لها تطبيق مباشر وواضح جدا في الأنشطة الأساسية لحلف “الناتو”، ولكن أيضا في التطبيقات الطويلة المدى التي قد لا تكون كذلك.

هذا المسرع يهدف إلى تعزيز التعاون عبر المحيط الأطلسي بشأن التقنيات الحيوية والمشاركة مع القطاع الخاص وكذلك الهيئات المدنية بما في ذلك الأوساط الأكاديمية. اعتبارا من شهر حزيران/يونيو 2023، هناك 91 مركز اختبار في 21 دولة في جميع أنحاء أوروبا، و 11 مسرّعا في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة. 

تحديات التقنية العميقة وحلول “الناتو”

الصندوق يعتزم الاستثمار مباشرة في الشركات الناشئة الواقعة ضمن 23 دولة حليفة مشاركة، وكذلك الاستثمار في صناديق التقنية العميقة التي لها تأثير كبير عبر منطقة عبر المحيط الأطلسي، على مدى 15 عاما.

مبادرات التقنية العميقة تتميز بعمليات بحث وتصميم عالية التكلفة لمواجهة مشكلة معينة. كأداة استثمارية، تتميز التقنية العميقة عن شركات التكنولوجيا التقليدية التي عادة ما يكون لديها متطلبات منخفضة للبحث والتطوير ولكن تكاليف أعلى للتسويق وتحليلات الأعمال حيث تسعى الشركة إلى التوسع وفهم مدى ملاءمتها للسوق. 

على النقيض من ذلك، تتطلع التقنية العميقة إلى معالجة التحديات المحددة جيدا، التي لها قاعدة عملاء معترف بها، ولكنها تحتاج إلى الاستثمار بشكل كبير في التكنولوجيا التي قد تعمل أو لا تعمل من أجل تحقيق الحد الأدنى من المنتجات القابلة للتطبيق.

نظرا لارتفاع التكاليف الأولية وعدم اليقين، قد يكون العثور على داعمين أمرا صعبا منذ البداية، لكن هذه الاستثمارات ضرورية للقطاع الخاص لتعزيز الحلول التكنولوجية التحويلية.

صندوق الابتكار لديه قائمة طويلة من الأهداف الطموحة التي يسعى إلى تحقيقها من خلال دعم مبتكري التقنية العميقة.

نتيجة لفهم المتطلبات المعقدة لهذا العمل، فإن الصندوق لديه خطط لتوفير الأموال على المدى الطويل من أجل تلبية الاحتياجات والجداول الزمنية لمبتكرين التقنية العميقة ولتأمين مستقبل دائم لمليار مواطن في الحلف.

على خطى “البنتاغون”

في أواخر التسعينيات، أنشأت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية كيانا غير ربحي يسمى “إن-كيو-تل” (In-Q-Tel) يستثمر في شركات التكنولوجيا بهدف تزويد الوكالة بأحدث تكنولوجيا المعلومات لدعم قدرة الاستخبارات الأميركية.

المهمة الأساسية لهذا الكيان كانت الاستفادة من الابتكارات التي يطورها القطاع الخاص، مع التركيز على “وادي السيليكون”، حيث يتمثل دوره في الاستحواذ على الابتكارات التكنولوجية وجلب الأفكار الجديدة

من خلال توجيه الأموال إلى الشركات الناشئة، فإن الوكالة كانت تسعى للحصول على ميزة على منافسيها العالميين، وذلك عبر استخدام صناديق الاستثمار.

بالرغم من أن هذا الكيان كان يبدو مستقلا عن الوكالة، لكنه تابع لها بالكامل. بغض النظر عن كونه يعمل في الأماكن العامة، لكن منتجاته سرية. 

في عام 2005، ضخت فيه الوكالة ما يقرب من 37 مليون دولار، لكن التمويل السنوي ازداد بحلول عام 2014 إلى نحو 94 مليونا، وقد نفذ 325 استثمارا في مجموعة من شركات التقنية.

خلال عام 2003، مول هذا الكيان الشركة الناشئة “كي هول” (Keyhole)، التي اشترتها جوجل في عام 2004 وغيرت اسمها إلى “جوجل إيرث”.

بخلاف ذلك، تشتمل محفظة “إن-كيو-تل” (In-Q-Tel) على شركات ذات مشاريع مستقبلية مثل، “سيفي” (Cyphy)، و”أطلس ويرابل” (Atlas Wearables)، و”فيول ثري دي” (Fuel3d)، و”سونيتوس” (Sonitus).

على غرار “إن-كيو-تل” (In-Q-Tel) في الولايات المتحدة، فإن فكرة الصندوق تتمثل بوجود استثمارات استراتيجية، مع بعض الاستثمارات التي تتعلق بالخدمات التي قد تستخدمها الدول الأعضاء، أو الحلف. 

نتيجة لذلك، فإن صندوق الابتكار يركز بشكل أساسي على استثمارات المرحلة المبكرة، أي في مرحلة ما قبل التأسيس، كما قد يستثمر في مراحل لاحقة، وذلك عبر دفعات أولية تصل إلى 15 مليون يورو، على أن يجري الإعلان عن الاستثمارات الأولى في شهر أيلول/سبتمبر القادم. 

بحسب الحلف، فإن الهدف هو أن يعمل صندوق الابتكار كشركة تقليدية لرأس المال الاستثماري، بحيث تكون هناك أموال مستقبلية مستمرة، وهو مصمم ليستمر.

العديد من البلدان أنشأت صناديق سيادية لدعم الشركات الناشئة والمستثمرين في مجال التكنولوجيا، سواء في بلدانهم أو في مناطق جغرافية أخرى وفئات يُنظر إليها على أنها استراتيجية، لكن صندوق الابتكار يمثل أول صندوق متعدد السيادة لرأس المال الاستثماري، ويغطي المساهمات من أعضاء “الناتو”.

ختاما، بالنظر إلى البيروقراطية والضوابط والتوازنات التي وضعها حلف “الناتو” منذ إنشائه بعد الحرب العالمية الثانية، فإنه من الصعب تحديد كيفية عمل صندوق الابتكار، كما من الصعب معرفة إذا كان قادرا على التحرك بطريقة أكثر ذكاء ليكون أكثر استجابة لنظام الشركات الناشئة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
2 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات