استمع إلى المقال

تصاعدت التوترات بين واشنطن وموسكو بشكل لافت مؤخراً، حيث أعلنت الحكومة الروسية عن فرض عقوبات على 227 مواطناً أميركياً. في هذه الخطوة التي تُعدّ ردّاً مباشراً على الإجراءات الأميركية ضد روسيا، تضمنت القائمة صحفيينَ بارزينَ متخصصينَ في الأمن السيبراني والأمن القومي، إلى جانب مسؤولينَ حكوميينَ وأساتذة جامعيين. 

هذا التصعيد يعمق الشرخ بين الدولتين، خاصة في ظل الحروب السيبرانية والمعارك الرقمية التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من السياسة الدولية في القرن الحادي والعشرين.

ومع تزايد اعتماد العالم على التكنولوجيا، يبرز المجال السيبراني كساحة حيوية للتنافس الجيوسياسي، حيث تسعى روسيا إلى تأكيد هيمنتها وتوسيع نفوذها من خلال استخدام الهجمات السيبرانية كأداة رئيسية في استراتيجيتها. هذه الديناميكية تضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى العلاقات فيما بينهما، مما يشير إلى عصر جديد من الصراع الدولي يتميز بالحروب السيبرانية والمناورات الرقمية كعناصر رئيسية في السياسة الدولية.

الخناق يشتد على الصحفيينَ الأميركيين

البيان المُعلن عنه يوم الخميس الفائت، تضمن عقوباتٍ على عدد من الصحفيينَ الأميركيينَ، بينهم جيف سيلدين، المعروف بتغطيته لقضايا الأمن القومي في إذاعة “صوت أميركا”، إلى جانب عدّة مراسلينَ آخرين من وسائل إعلام مثل “واشنطن بوست”، و”نيويورك تايمز”. 

هذا القرار جاء لأن روسيا تعتقد أن هؤلاء الأميركيينَ قاموا بأفعال تضرّ بمصالح روسيا، إذ ببساطة تشعر روسيا بأن هؤلاء الأشخاص عملوا ضدها، ولذلك قررت معاقبتهم. وكجزء من هذه العقوبات، قررت الحكومة الروسية أيضاً منع هؤلاء الأميركيين من دخول البلاد، معاقبةً لهم على أفعالهم التي تعتبرها مضرة بمصالح روسيا.

في إطار تحليل تأثير العقوبات الروسية الأخيرة على مجال الأمن السيبراني والتكنولوجيا، أوضح جون كيربي، مستشار اتصالات الأمن القومي الأميركي في مؤتمر صحفي بـ “البيت الأبيض”، أن هذه العقوبات تعكس استمرارية سياسة “الكرملين” القمعية ضد الصحفيينَ وأي محاولات لحرية التعبير، التي يراها بوتين تهديداً لأجندته الشخصية ومصالحه.

كيربي، أشار إلى أن هذه الخطوات تبرز الخطر المتزايد الذي يواجهه الأميركيون في روسيا، مما يعزز الحاجة إلى إعادة النظر في وجودهم هناك، خاصة لمن يعملون في قطاعات حساسة كالتكنولوجيا والأمن السيبراني. وهذه التطورات تُلقي الضوء أيضاً على الخطر الكبير الذي يمثّله نظام بوتين، ليس فقط على الحريات الفردية وإنما كذلك على الأمن الرقمي العالمي واستقرار الفضاء السيبراني.

ليس بجديد على “الكرملين” اتخاذ خطوات عقابية ضد الصحفيينَ الأميركيينَ الذين لا تتماشى تقاريرهم مع سياستها. ففي تاريخها الحديث، سبق وأن فرضت الحكومة الروسية عقوبات على الصحفية يولاندا لوبيز في آيار/مايو 2023، مما يؤكد على نمط متّسق في استهداف الأصوات الإعلامية الناقدة. 

كما يواصل “الكرملين” تعزيز هذا المسار بفرضها المزيد من العقوبات على الصحفيينَ، مشدّداً الخناق على مَن يُعتبرون غير متوافقين مع خطّها السياسي.

التصدي الأميركي لدول التجسس

واشنطن تُعد من بين الدول الرائدة عالمياً في دعم حرية التعبير والقتال ضد برامج التجسس الإلكترونية، خصوصاً تلك الصادرة عن دول تشتهر بمحاولاتها للتجسس والتأثير الرقمي. وبين هذه الدول، تبرز روسيا، إيران، كوريا الشمالية، والصين، كأبرز المنتجين لبرمجيات التجسس المتقدّمة والعمليات السيبرانية الهجومية التي تستهدف البنية التحتية الرقمية الحيوية والمعلومات الحساسة حول العالم.

في هذا السياق، تكتسب مجموعات القرصنة المدعومة من الحكومات، مثل “أي بي تي” (APT 29) المعروفة أيضاً باسم “كوزي بير” (Cozy Bear)، أهمية خاصة، فهذه المجموعة التي تعمل تحت رعاية الحكومة الروسية، ثبت تورّطها في العديد من العمليات الهجومية التي تستهدف بشكل خاص الأجهزة والمؤسسات الحكومية الأميركية، في محاولة للحصول على معلومات سرّية وتأثير سياسي.

الولايات المتحدة تستجيب بقوة للتحديات السيبرانية من خلال تعزيز دفاعاتها الإلكترونية وصياغة استراتيجيات متقدمة لردع الهجمات الرقمية. وهذه الجهود تشمل التركيز على حماية الحقوق الأساسية مثل حرية التعبير عبر الإنترنت، وتؤكد على دور حماية البيانات والخصوصية كعناصر أساسية في الأمن القومي والديمقراطية.

بالإضافة إلى ذلك، تعتبر واشنطن مواجهة برمجيات التجسس والهجمات السيبرانية المتعمدة جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيتها للدفاع عن الأمن الوطني، وهذه العملية لا تقتصر فقط على حماية المصالح الأميركية، بل تهدف أيضاً إلى صيانة الأمن الإلكتروني كمساحة آمنة ومستقرة ضد التهديدات والاختراقات الخبيثة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات