استمع إلى المقال

بعد أن أسقط الجيش الأميركي بالون تجسس مشتبه به من الصين منذ حوالي أسبوعين، وثلاثة أجسام طائرة أخرى مجهولة الهوية، ستعود النقاشات حول ماهية الأجسام الطائرة المجهولة، وقدراتها، ولماذا كانت موجودة هناك حيث أُسقطت  في المقام الأول.

على الرغم من أن مدير وكالة المخابرات المركزية السابق مايكل هايدن قال إن تهديد البالون الأولي لرفاهية الأميركيين كان مبالغا به إلى حدّ كبير، وصف آخرون الحادث بأنه دعوة للاستيقاظ، إذ يأمل مستشار الأمن القومي السابق لترامب إتش آر ماكماستر أن يؤدي ذلك إلى “لحظة سبوتنيك”، أي عندما اتخذ الروس الخطوة الأولى في سباق الفضاء الأميركي مع الاتحاد السوفيتي، بل إن صحيفة “وول ستريت جورنال” حذرت من أن يشكل البالون الأخير هوّة بين تقنيات التجسس الأميركية والصينية.

المنطاد الأول كان يطير عبر الولايات المتحدة على ارتفاع حوالي 60 ألف قدم، وربما كان يجمع معلومات استخباراتية، إذ حلق فوق مواقع عسكرية، وقال “البنتاغون” إنه كان منطادا للمراقبة، وهو ما نفته وزارة الخارجية الصينية، قائلة “إنه منطاد مدني يُستخدم للبحث، وخاصة لأغراض الأرصاد الجوية”، وفي هذه الأثناء، تجري استعادة حطام البالون وفحصه لمعرفة المزيد عن التكنولوجيا الصينية.

في الأيام الثلاث الأخيرة، أعلنت الولايات المتحدة إسقاطها عددا من الأجسام الغريبة التي كانت تحوم فوق إقليم يوكون الكندي، وألاسكا، وبحيرة ميتشيغان، كما أعلنت الصين كذلك رصدها جسما غريبا طائرا وشروعها بعمليات إسقاطه.

مع وصول الخطاب حول التهديد الصيني إلى درجة مفرطة، هناك شيء واحد مؤكد، هو أن الفضاء محط اهتمام كلّاً من المقاولين العسكريين ورأس المال الخاص. هذا ما أجمع عليه خبراء الصناعة العسكرية والمستثمرين في الأشهر الأخيرة حول الاتجاهات العامة التي يجب مراقبتها في العام المقبل، إذ أكد الكثير منهم أن التقنيات المتعلقة بالفضاء، وكذلك الأقمار الصناعية والطائرات المسيّرة، هي صناعة مزدهرة.

على الرغم من أن كل واحدة من هذه التقنيات تفعل أشياء مختلفة كليا عن الأخرى وتعمل على ارتفاعات مختلفة، إلا أن جميعها ساحات لمنافسة أميركية-صينية، وتقنيات سيتم فيها اختبار الأتمتة والذكاء الصنعي.

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أطلق بالفعل وحدة “قوات الفضاء”، لكن سباق الفضاء الجديد هذا ليس مجالا حكرا على الحكومات، إذ يتنافس المستثمرون من القطاع الخاص لاختيار الشركات الناشئة في الصناعة التي يرغبون ضخ أموالهم فيها، حيث انضم قادة سابقون للأمن القومي في الولايات المتحدة إلى المجالس الاستشارية لبعض تلك الشركات لتقديم رؤى استراتيجية حول المشهد الجيوسياسي.

في عام 2021 وحده، تم استثمار أكثر من 45.7 مليار دولار من رأس المال الخاص في صناعة الفضاء، بينما شهد العام الماضي انخفاضا في تلك الأموال (21.9 مليار دولار)، ولكن ربما كان ذلك نتيجة لضخامة الاستثمارات غير الاعتيادية التي شهدها عام 2021.

على الرغم من موجات تسريح العمال الكبرى في الآونة الأخيرة من الشركات العاملة في قطاع التكنولوجيا، فإن الشركات العاملة في قطاع الفضاء، والتي تملك برامج متطورة وتَعِد بتقديم أجهزة وآليات فائقة، تجتذب استثمارات كبيرة، والآن حان دور دخول البالونات المشهد.

منافسة تجارية وجيوسياسية

عكس ما كان متوقعا، اتضح أن البالونات هي بالفعل جزء من الترسانة الأميركية، حيث أنفق “البنتاغون” 3.8 مليار دولار عليها على مدار العامين الماضيين، وفقا لصحيفة “بوليتيكو”، كما نشر الخبير العسكري جورج هويل على “لينكد إن”، “تعتبر البالونات ذات الارتفاع العالي من الأشياء التي يعد الاستثمار فيها ذكيا بحق، فهي رخيصة وسهلة النقل ويمكن إرسالها إلى الميدان بأعداد كبيرة، وهي مرنة من ناحية الحمولة”، مما يعني أنه باستطاعتها أن تحمل كاميرات أورادارات، وفي حالات معينة أخرى يمكن أن تُرسل البالونات سلاحا.

البالونات هي تقنية قديمة، عرضة للرياح العاتية، لكن نقاط ضعفها تترجم أيضا إلى مزايا ونقاط قوة، لأنها تطير على ارتفاع منخفض بما يكفي لتجنب اكتشافها، وعليه، يتوقع الخبراء بعض التركيز على التكنولوجيا “المضادة للبالونات”.

كيفن ليو وانغ، رجل الأعمال الذي يكتب نشرة “Chiral Defense” البريدية يقول إنه لا يهتم بما إذا كان البالون الأخير تقنية صينية متفوقة على الولايات المتحدة في حد ذاتها أم لا، لكنه يرى هذه الحادثة على أنها رمز للمنافسة بين الولايات المتحدة والصين على الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار، فهي نوع من المنافسة الجيوسياسية من جانب، وصناعة وسوق مزدهرة للغاية من جانب آخر.

الجميع تقريبا متفق على أهمية الصناعة

من المرجح الآن أن يتم الاستفادة من هذه الاتجاهات من قبل شركات التكنولوجيا الأميركية الخاصة والمقاولين العسكريين والباحثين الذين يدرسون سباق الفضاء، وبحسب كاري بينجن من مركز “الدراسات الاستراتيجية والدولية” في جلسة استماع أخيرة لـ “الكونغرس”، فإن بكين توسّع قطاعي الفضاء الحكومي والتجاري بسرعة.

في العام الماضي، جادل النائب مايك غالاغر، وهو شخصية جمهورية صاعدة في مجال الأمن القومي، بأن 

“البنتاغون” يجب أن يشتري تقنيات الأقمار الصناعية التجارية الخاصة، والتي قال إنها تتطور بشكل أسرع من المواكبة الحكومية لها.

إحدى الدلائل على مدى أهمية الشركات الناشئة في مجال الأقمار الصناعية والفضاء هي أنها أصبحت بمثابة مأوى أخير للمسؤولين العسكريين والاستخباراتيين المتقاعدين، منها الشركة المزودة لصور الأقمار الصناعية “Planet”، وهي أحد الاستثمارات الكبيرة للرئيس التنفيذي السابق لـ “جوجل”، إريك شميدت.

هناك أيضا شركة “HawkEye 360”، التي تستخدم مجموعتها من الأقمار الصناعية ترددات الراديو لمساعدة عملائها من الجيش والمخابرات على تتبع الأحداث على الأرض، والتي انتقل إليها العديد من صانعي السياسة الأميركيين السابقين، وشركة “Maxar Technologies”، وهي شركة أقمار صناعية معروفة بصورها عالية الدقة للأرض.

آثار حادثة البالون الأخيرة لن تظهر على صناعة الفضاء والأقمار الصناعية على الفور، ولكن الشعور بما قد يحدث كان واضحا في حدث في وقت مبكر من هذا الشهر – قبل انتشار أخبار البالون – في وسط مانهاتن، في حدثٍ استضافه بنك “وادي السيليكون”، حيث تحدث عضو في صندوق “الجبهة الأميركية” للتمويل بصراحة مطلقة واستفاضة حول الفوائد الاستثمارية في التقنيات المتقدمة لمواجهة الصين. 

إذا حدث واجتاحت الصين تايوان، فإن بعض استثماراتنا يمكن أن تصل إلى 10 أضعاف بين عشية وضحاها.

الصندوق الاستثماري مدعوما من قبل إريك شميدت وقطب التكنولوجيا بيتر ثيل، الشريك المؤسس لـ “بايبال”، وفي الصفحة التعريفية في الموقع الإلكتروني بالصندوق، تتم مقارنة استثماراته المتطورة بما كان عليه الحال في سباق الفضاء بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

بدوره، يعمل مستشار الأمن القومي السابق لترامب، إتش آر ماكماستر، في مجلس إدارة الصندوق وكعضو في مجلس إدارة “شيلد كابيتال”، وهي مجموعة استثمارية أخرى تركز على المجال العسكري ،والتي تشمل محفظتها شركات الأقمار الصناعية، مثل “Hawk”، بالإضافة إلى بعض مصنّعي الطائرات المسيّرة.

ماكماستر قالها بصريح العبارة “تذكر ما حدث عام 1957 عندما أعلن الروس إطلاق قمرهم الصناعي، ربما تكون هذه [حادثة البالون] دعوة للاستيقاظ، تبين حاجتنا إلى التنافس بشكل أكثر فعالية ضد الحزب “الشيوعي” الصيني، وحزب المجتمع الصيني، وإجراءاتهم ضدنا”.

قد يهمك: من “تيك توك” إلى البالونات.. مساعي الصين الحثيثة على التجسس

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.