استمع إلى المقال

تقنيات الواقع الافتراضي واجهت منذ ظهورها للمرة الأولى وانتشارها بين المستخدمين الكثير من المقاومة، وذلك لأن جزءا كبيرا من المستخدمين لم يكن مستعدا لمثل هذه التقنيات، إلى جانب ضعف المنافسة في هذا القطاع وقلّة التطور الفعلي للخدمات المقدمة. 

الاستخدامات المحدودة وقلّة عدد الشركات العاملة فيه وبالتالي قلّة الاختيارات المقدمة في خوذ الواقع الافتراضي كان العائق الأكبر أمام انتشار هذه التقنيات بين مختلف المستخدمين، ورغم دخول الكثير من الشركات العملاقة مثل “ميتا” و “مايكروسوفت” و”HTC” في هذا القطاع، إلا أن التطور فيه ظل بطيئا بمعدل كبير. 

ظهور فكرة “الميتافيرس” وانتشارها بين المستخدمين بالتزامن مع انتشار تقنيات “البلوك تشين” قدم فرصة ذهبية للشركات التقنية العاملة في هذا القطاع حتى تتمكن من الدفع بنظاراتها وآليات الواقع الافتراضي إلى الأمام، ولكن سرعان ما خمد الاهتمام العالمي بـ “الميتافيرس”، وتبعه ضعف الإقبال على نظارات الواقع الافتراضي، ولكن هذا الأمر على وشك التغير، إذ شهدنا في الشهور الماضية تطورا كبيرا في نظارات الواقع الافتراضي، فهل يشرق المستقبل أمام هذه التقنية. 

ظهور نظارات الواقع الافتراضي الأول 

الشائع، أن نظارات الواقع الافتراضي هي تقنية حديثة وليدة القرن الحالي، ولكن في الحقيقة، فإن الظهور الأول لنظارات الواقع الافتراضي كان منذ ثمانينات القرن الماضي، عندما بدأ جارون لانيير مؤسس معامل “VPL” للأبحاث في تطوير تقنية نظارات وقفازات الواقع الافتراضي. 

التكلفة المرتفعة لصناعة هذه النظارات إلى جانب تكلفة اقتنائها المرتفعة كانت حاجزا أمام انتشار التقنية بشكل واسع بين الجمهور، لذلك ظلت حتى عام 2010 تقنية مرتفعة التكلفة ومقتصرة على الاستخدام التجاري فقط. 

جارون لانيير مؤسس معامل “VPL”

في عام 2010 قدم بالمر لوكي أول نموذج من خوذة الواقع الافتراضي “Oculus Rift” التي كانت مخصصة لاستخدام الجمهور، ورغم أن الخوذة في ذلك الوقت كانت مجرد نموذج اختباري، إلا أن الإقبال الواسع عليها جذب الاهتمام العالمي من مختلف الشركات، وهو الأمر الذي تسبب في استحواذ “ميتا” التي كانت تدعى “فيسبوك” آنذاك على الشركة عام 2014 في صفقة بلغت قيمتها 2 مليار دولار

بعد ذلك في عام 2017، أطلقت “Oculus” أول نظارة واقع افتراضي لها تحت اسم “Oculus Rift” مقابل 499 دولار قبل أن ينخفض سعرها في العام ذاته إلى 399 دولار، وتبعتها بعد ذلك الشركات الأخرى في تقديم نظارات الواقع الافتراضي مثل “HTC Vive”و “Playstation VR” وغيرها.

عقبات متعددة 

رغم انجذاب الشركات للاستثمار في هذا القطاع، إلا أن عدد نظارات الواقع الافتراضي كان أقل من عدد أصابع اليد الواحدة، وذلك لأن التقنية رغم نضجها وتقديم استخدامات كثيرة لها، لم تتمكن من جذب المستخدمين بالشكل الكافي، وظلت بالنسبة للكثيرين مجرد حيلة باهظة الثمن لا يمكن استخدامها باستمرار. 

غياب الاستخدامات اليومية الحقيقية لهذه التقنية كان السبب الرئيسي في حصر التقنية كمجرد أداة تسلية تستخدم لعدة ساعات ثم تترك شهورا دون استخدامها، وهذا الابتعاد عن التقنية تسبب في عرقلة التطور التقني للنظارات، لذلك لم نشهد أي قفزات حقيقية في المجال منذ أن استقر اللاعبون الكبار فيه. 

سهولة استخدام التقنية أيضا كانت من العقبات التي منع انتشارها بالشكل الكافي، إذ إن حجم نظارات الواقع الافتراضي الكبير كان سببا في تنفير الكثير من المستخدمين الذين يعانون من حالات طبية خاصة وأن النظارة في أغلب الأحوال كانت غير قابلة للاستخدام من قبل مرتدي النظارات الطبية أو من يعانون من مشاكل في النظر بشكل عام، كما أن الاستخدام المطول لنظارات الواقع الافتراضي كان يتسبب في الشعور بالإرهاق في العينين وإحساس بالدوار لا يزول إلا عند ترك النظارة لفترة طويلة. 

ظهور نظارات الواقع المعزز 

التقنيات التي استُخدمت في تطوير نظارات الواقع الافتراضي كان لها الفضل الأول في ظهور نظارات الواقع المعزز وتقنياته المختلفة، ويشير مصطلح الواقع المعزز إلى إضافة طبقة افتراضية من المعلومات والمحتوى فوق صورة الواقع المعتاد، وذلك إما لعرض معلومات إضافية أو حتى لعرض شاشة كبيرة إضافية. 

الشرح الأوفى لهذه التقنية هي عرض معلومات حول الأشياء الموجودة في واقعنا المعتاد، وذلك يعني أن نظارة الواقع المعزز لا تعزل المستخدم عن الواقع أو تحجم الرؤية بشكل كامل، وبينما تبدو فكرة الواقع المعزز أقل استخداما من الواقع الافتراضي، إلا أنها لاقت نجاحا جماهيريا كبيرا جذب إليها الكثير من الشركات.

الفضل في النجاح الذي حققته نظارات الواقع المعزز يعود إلى الاستخدامات المتعددة لهذه التقنية إلى جانب سهولة امتلاك النظارات لسعرها المنخفض مقارنة مع نظارات الواقع الافتراضي ولأنها لا تسبب في مشاكل طبية مثلها. 

استخدامات نظارات الواقع المعزز تنوعت كثيرا في الآونة الأخيرة بداية من عرض شريط معلومات وتنبيهات مباشرة في النظارة وحتى عرض شاشات حاسوب كاملة بأحجام كبيرة تصل إلى 130 بوصة أمام عينك. 

القبول الجماهيري الواسع الذي لاقته نظارات الواقع المعزز دفع الشركات إلى البدء في دمج تقنياتها مع تقنيات الواقع الافتراضي، وذلك من أجل تقديم نظارة تمزج بين التقنيتين معا لجذب أكبر قدر من المستخدمين. 

ماذا تغير حتى يصبح المستقبل مشرقا؟ 

حتى مع نمو قطاع نظارات الواقع المعزز، فإن قطاع الواقع الافتراضي والنظارات بشكل عام لم يشهد تلك القفزات الكبيرة من الشركات الكبيرة في المجال، وظل الواقع المعزز حكرا على الشركات الصغيرة مثل “LG” أو “TSL” أو “HoloLens”، ولكن كل ذلك تغير بالأمس. 

في الأمس، أعلنت “ميتا” عن الجيل الثالث من نظارة “Quest” المخصصة للواقع الافتراضي، وأضافت إليه ميزة الواقع المختلط الذي يجمع بين الواقع المعزز والواقع الافتراضي، وهو الأمر الذي لم تقم به الشركة في جميع الأجيال السابقة من نظاراتها. 

كما عمدت إلى خفض وزن النظارة بمقدار 40 بالمئة حتى يصبح من السهل استخدامها وإرتدائها من الجميع دون الشعور بالدوار أو الانزعاج، وحسنت كثيرا من معالج النظارة ليصبح أكثر قدرة على تقديم أداء قوي ومميز،  ولكن ما الذي دفع “ميتا” لأخذ كل هذه الخطوات معا في جيل واحد. 

الإجابة على هذا السؤال تكمن في الشائعات المنتشرة حول نظارة “أبل” للواقع المعزز والافتراضي، ورغم أنه لا توجد معلومات واضحة عن هذه النظارة بعد، إلا أن المؤكد هو أنها ستظهر في مؤتمر “WWDC” القادم. 

“أبل” من الشركات القادرة على تغيير مفهوم المستخدمين عن التقنيات وجذب المستخدمين إليها بشكل كبير وتحويلها إلى تقنيات رائجة، وهو الأمر الذي حدث مع الساعات الذكية والسماعات اللاسلكية أيضا، لذلك حاولت “ميتا” استباق “أبل” والإعلان عن الجيل الجديد من نظارتها الافتراضية. 

ولكن يظل السؤال الرئيسي مطروحا حتى إن أعلنت “أبل” عن نظاراتها للواقع الافتراضي والمعزز، هل نرى مستقبلا مشرقا لهذه التقنية؟ أم تظل حيلة باهظة الثمن للتسلية. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات