استمع إلى المقال

عندما يتقاطع عالم التكنولوجيا الحديثة مع سياق التشريعات وحقوق الإنسان، ينشأ جدل مستحق للنقاش حول الحماية والحرية، الأمان والخصوصية، تتزاحم الآراء وتتعارض القيم، وهكذا يظهر خلاف قانوني عاتٍ بين شركة “أبل” الأميركية والحكومة البريطانية حول مشروع قانون الأمان عبر الإنترنت.

في عصر يعتمد على الويب كمصدر رئيسي للمعلومات والتواصل، تبرز أهمية حماية المجتمع من المحتوى الضار وغير القانوني، خاصة عندما تكون الفئات الهشة والأطفال هم هدف المتنمرين والإرهابيين، تقف الحكومة البريطانية حازمة في سبيل تطبيق مشروع قانون الأمان عبر الإنترنت، لكن هناك من يعارض هذه المبادرة.

شركة “أبل”، الرائدة في عالم التكنولوجيا، تثور ضد بعض بنود القانون، وبخاصة تلك المتعلقة بالتشفير وخصوصية منتجاتها، فالتشفير من طرف إلى طرف يمثل حجر الزاوية في سياستها للحفاظ على خصوصية مستخدميها وحمايتهم من التجسس والاختراقات، هل ستضطر “أبل” إلى إزالة بعض خدماتها من السوق البريطانية إن تم تطبيق هذا القانون، وكيف ستؤثر هذه الجدلية على مصير الأمان والخصوصية الرقمية للملايين من المستخدمين.

هذا التقرير يستكشف مشروع قانون الأمان عبر الإنترنت وتداعياته، ويقدم آراء خبراء التكنولوجيا والمدافعين عن حقوق الإنسان، ونتعمق في أبعاد هذا النقاش الهام، ونتعرف على الرؤى المتناقضة للأطراف المعنية.

خلاف قانوني

شركة “أبل” الأميركية تواجه خلافا قانونيا مع الحكومة البريطانية بشأن مشروع قانون الأمان عبر الإنترنت، الذي يهدف إلى حماية الأطفال والبالغين من المحتوى الضار وغير القانوني على الإنترنت، وقد أعلنت الشركة أنها قد تضطر إلى سحب بعض خدماتها، مثل فايس تايم (FaceTime) وآي مسج (iMessage)، من السوق البريطانية إذا تم تطبيق هذا القانون وفرض تغييرات على أمن وخصوصية منتجاتها.

ما هو مشروع القانون؟

مشروع قانون الأمان عبر الإنترنت هو مجموعة جديدة من القوانين التي تهدف إلى حماية الأطفال والبالغين من المحتوى المسيء وغير القانوني على الإنترنت، مثل المضايقات والتحرش والإرهاب والعنف والابتزاز والاستغلال الجنسي للأطفال، يقضي هذا القانون بأن تكون شركات التكنولوجيا، مثل شركات التواصل الاجتماعي والمحادثات والألعاب، مسؤولة عن حذف أو منع ظهور هذا المحتوى على منصاتها، أو تزويد المستخدمين بأدوات للإبلاغ عنه أو التحكم في رؤيته، كما يقضي هذا القانون بأن تخضع هذه الشركات للإشراف والتفتيش من قبل هيئة تنظيم الاتصالات في المملكة المتحدة “OFCOM”، التي يمكنها فرض غرامات مالية أو حظر خدمات أو مديري شركات في حالة انتهاك قواعد الأمان.

ما وراء معارضة “أبل”؟

شركة “أبل” تعارض بعض بنود هذا القانون، خصوصا التي تتعلق بخصائص أمان وخصوصية منتجاتها، مثل التشفير من طرف إلى طرف (E2EE)، وهي التقنية التي تضمن ألا يستطيع أحد قراءة المحادثات إلا المرسل والمستقبل، تزعم الشركة أن هذه التقنية هي حاسمة لحماية خصوصية المستخدمين من المراقبة وسرقة الهوية وخرق البيانات.

كما تزعم أن هذه التقنية لا يمكن كسرها أو تجاوزها دون إضعافها أو إنشاء باب خلفي (backdoor) للحكومة أو الجهات الأخرى، وترى شركة “أبل” أن هذا القانون يمكن أن يمنح وزارة الداخلية البريطانية سلطة التحكم في مستوى الأمان والتشفير المسموح به، ويمكن أن يعرض مستخدمي الشركة في المملكة المتحدة لخطر أكبر.

ردة فعل بريطانيا

الحكومة البريطانية تقول إن هذا القانون مصمم لحماية الجمهور من المجرمين والمغتصبين والإرهابيين، الذين يستخدمون التشفير لإخفاء نشاطاتهم الإجرامية على الإنترنت، وتقول الحكومة أيضا إنها تحتفظ بالتشريعات جميعها قيد المراجعة لضمان قوتها وفعاليتها، وأن هذه المشاورة هي جزء من هذه العملية، وأنه لم يتخذ أي قرار بشأنه بعد، كما تقول الحكومة إنه من الممكن توفير حلول تقنية تعني أن محتوى الرسائل المشفرة يمكن فحصه بحثا عن مواد مسيئة للأطفال، دون إضعاف التشفير نفسه.

آراء الخبراء

توجد آراء مختلفة بين خبراء التكنولوجيا والمدافعين عن حقوق الإنسان حول هذا القانون، فبعضهم يؤيد هذا القانون باعتباره ضروريا لحماية الأطفال والبالغين من المحتوى الضار وغير القانوني على الإنترنت، وأن شركات التكنولوجيا يجب أن تكون مسؤولة عن سلامة مستخدميها على منصاتها، وبعضهم يعارض هذا القانون باعتباره تهديدا لحرية التعبير وخصوصية المستخدمين على الإنترنت، وأن شركات التكنولوجيا يجب ألا تضطر إلى إضعاف أمان منتجاتها أو تزويد الحكومة بالوصول إلى المحادثات المشفرة، كما يقول بعضهم إن هذا القانون سيخلق سابقة خطيرة، قد تستخدم من قبل حكومات أخرى قمعية، للسيطرة على محتوى الإنترنت والتجسس على المستخدمين.

التوازن الصعب بين الأمان والخصوصية

في ختام هذا التقرير، نجد أن هذا الخلاف بين شركة “أبل” والحكومة البريطانية حول مشروع قانون الأمان عبر الإنترنت يرسم صورة معقدة للتوازن بين الأمان والخصوصية، من جهة، تتجاوز شركة “أبل” الحدود في حماية خصوصية مستخدميها، وترى أن إضعاف التشفير يعرضهم للمزيد من المخاطر؛ ومن جهة أخرى، تسعى الحكومة البريطانية للحد من الإرهاب والجرائم على الإنترنت، وتروج للتفتيش والمراقبة الأكثر صرامة.

هذا النزاع القانوني المعقد يبرز التحديات التي تواجه المجتمع في عصر الرقمنة، حيث يتحايل الجميع على توازن دقيق بين الأمان والحرية، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بحماية الأطفال والمجتمع بشكل عام، وبالرغم من تباين وجهات النظر حول هذا المشروع، فإن الوصول إلى حل شامل ومتوازن يتطلب التفاهم المستمر والحوار البناء بين جميع الأطراف المعنية.

هل ستغيب تطبيقات “فايس تايم” وآي مسج فعلا في بريطانيا، هذا السؤال لا يزال مفتوحا، ويعتمد على نتائج المشاورات والتفاوض بين الحكومة وشركة “أبل”، وعلى رأي البرلمان والقضاء في هذا القانون، لكن ما يبدو واضحا هو أن هذا القانون سيكون له تأثير كبير على شكل وطبيعة الإنترنت في المملكة المتحدة، وعلى حقوق ومسؤوليات مستخدميه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات