استمع إلى المقال

لقد عاشت التكنولوجيا تطورا هائلا على مر العصور، حيث استطاعت أن تتغلب على التحديات، وتحقق ما كان يُعتبر ضربا من المستحيل في الماضي، ومن بين الجوانب المدهشة لهذا التطور المتسارع، هي أبحاث تطوير الأطراف الاصطناعية، التي باتت تعدّ أملا حقيقيا للأشخاص ذوي الإعاقة البدنية.

في هذا العصر الحديث، أصبحت الأطراف الاصطناعية تجسيدا للإبداع الرقمي وتحديا للتقنيات التقليدية المحدودة، فقد تطورت هذه الأطراف لتتجاوز مجرد استبدال الأطراف المفقودة، حيث تعمل اليوم على تحسين جودة حياة الأفراد وتوفير فرص جديدة للتفاعل والتميز.

الأطراف الاصطناعية تمتلك القدرة على تعويض الأطراف المفقودة أو التالفة، وتمكين الأفراد من القيام بالأنشطة اليومية بطريقة مستقلة، إنها ليست مجرد أدوات بديلة، بل هي تقنيات مبتكرة تساهم في استعادة الأمل وتحفيز الثقة بالنفس لدى الأفراد الذين يواجهون صعوبات جسدية.

مع ذلك، كانت هناك تحديات تواجه الأطراف الاصطناعية التقليدية، حيث كانت تفتقر إلى المرونة والوظائف المتقدمة، وتواجه صعوبة في التكيف مع حركات الجسم الطبيعية وتوفير تجربة مريحة وفعالة للمستخدمين؛ ومع ذلك، مع التقدم التكنولوجي المتسارع، تم تجاوز هذه التحديات بشكل كبير، وتم تطوير أطراف اصطناعية حديثة تتميز بالمرونة والتكنولوجيا المتقدمة.

باستخدام التكنولوجيا الحديثة مثل تصميم ثلاثي الأبعاد والاستشعار والتحكم، أصبح بإمكاننا اليوم أن نشهد أطرافا اصطناعية مبتكرة تتجاوز التوقعات السابقة بأشواط، ومن خلال دمج التطورات الحديثة بالذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، يمكن للأطراف الاصطناعية أن تتفاعل وتتكيف مع حركات الجسم، وتوفر تجربة استخدام سلسة وفعالة.

باختصار، فإن الأطراف الاصطناعية الحديثة تمثّل الأمل الذي يحققه الإبداع الرقمي في مستقبلنا، وبفضل التطور التكنولوجي المتسارع، فإنها تحولت من كونها أدوات بديلة إلى رموز للقدرة البشرية على التغلب على التحديات وتحقيق النجاح والتميز، إنها بداية جديدة لحياة أكثر إشراقا واستقلالية للأفراد الذين يستخدمونها.

لمحة مختصرة عن تاريخ تطور الأطراف الاصطناعية

منذ الأزل، كانت الإبداعات التكنولوجية تسعى لتحسين حياة البشر وتوفير حلول للتحديات التي يواجهونها، ومن بين تلك التحديات، تأتي الحاجة إلى تطوير وتحسين الأطراف الاصطناعية، التي تعد من أهم الابتكارات الطبية في تاريخ البشرية.

أقدمُ استخدامٍ مؤكد لطرف اصطناعي يعود إلى الفترة ما بين 950 و 710 قبل الميلاد، ففي عام 2000، اكتشف باحثون في علم الأمراض مومياء من تلك الفترة دُفِنَت في مقبرة مصرية قرب طيبة القديمة تمتلك إصبع قدم كبير اصطناعي؛ هذا الإصبع، المكون من الخشب والجلد، أظهر دلائل على الاستخدام الفعلي، وبأنه لم يكن مجرد أداة.

ساق كابولا الرومانية هي مثال على طرف اصطناعي قديم يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد. وهي عبارة عن ساق خشبية مغطاة بحديد وبرونز، تم اكتشافها في قبر روماني في كابولا في إيطاليا. وقد تم تصميمها لتناسب حذاء روماني معين، وتحتوي على مفصل مرن في الكاحل. وقد تم عرضها في المتحف البريطاني في لندن.

في عام 2015، صُمِّمَ ذراعا اصطناعية من قِبَل شاب أميركي يُدْعَى إيستون لاتشابيل بعد أن شعر بالملل في صفه، وجد بديلا أرخص للأطراف الاصطناعية المكلفة المتوفرة آنذاك.

في عام 1995، قام ميلر وشيلدرس بإجراء دراسة أولية حول التزامات رأسية في الأقدام الاصطناعية، وجدوا أن استخدام قدم اصطناعية تحتوي على نظام تخزين طاقة يؤدي إلى تحسين كفاءة المشي والجري للأشخاص ذوي بتر أسفل ساق.

في عام 1997، طور باكلي وزملاؤه “الكاحل الاصطناعي الحيوي المرن” الذي يحاكي نموذج الجسم العضلي الهيكلي للإنسان، هذا الكاحل يتكون من مفاصل مغطاة بمواد ناعمة تقلد الأنسجة الرخوة حول الكاحل البشري، مما يوفر الثبات والمرونة.

تم إجراء محاكاة بالعناصر المحدودة لتحديد التصميم المناسب للمواد المطاطية، وتقييم صلابة الكاحل تحت ظروف خارجية مختلفة، وحساب محاور دوران الكاحل أثناء المشي، أظهرت النتائج أن الكاحل الحيوي لديه خصائص صلابة متغيرة، ويمكنه التكيف مع مختلف أسطح الطرق، وكما أنه يتمتع بمحاور دوران مشابهة لتلك التي في الكاحل البشري، وبالتالي يستعيد وظيفة المفصل التالوقربي والفرعي.

التكنولوجيا في خدمة تطوير الأطراف الاصطناعية

في السنوات الأخيرة، شهدنا تقدماً هائلاً في مجال التكنولوجيا المستخدمة في تطوير الأطراف الاصطناعية. من خلال استخدام مجموعة متنوعة من التقنيات والابتكارات، تم تعزيز وظائف الأطراف الاصطناعية وتحسين أدائها على نحو ظاهر. فيما يلي نستعرض بعضا من أبرز التكنولوجيات المستخدمة في هذا المجال.

استخدام الاستشعار وتقنيات التحكم لزيادة وظائف الأطراف الاصطناعية، هذه التقنية تسمح بتوصيل الأطراف الاصطناعية بالأعصاب الموجودة في بقية الجسم، مما يوفر إحساسًا باللمس والحرارة والألم والضغط. كما تسمح بالتحكم في حركات الأطراف الاصطناعية بشكل طبيعي وسلس عن طريق استخدام إشارات كهربائية من المخ أو العضلات. بعض الأمثلة على هذه التقنية هي.

الأطراف الاصطناعية المزودة بجلد اصطناعي، هذه الأطراف تحتوي على مستشعرات تقلد خلايا الجلد البشري، وتستطيع نقل معلومات عن درجة حرارة وقوام وشكل وحجم وموضع الأشياء التي تلامسها. هذه المستشعرات تتصل بالأعصاب عبر أقطاب كهربائية، مما يسمح للمستخدم بالشعور بالأشياء كأنه يستخدم طرفًا طبيعيا.

الأطراف الاصطناعية التي تستخدم تقنية البلوتوث، هذه الأطراف تستخدم اتصال بلوتوث للتحكم في حركاتها عبر تطبيق على هاتف ذكي. يمكن للمستخدم اختيار برامج مختلفة للأطراف الاصطناعية حسب نشاطاته وظروفه. كما يمكن للتطبيق جمع بيانات عن أداء وحالة الأطراف الاصطناعية وإرسالها إلى المختص للحصول على نصائح وإصلاحات.

استخدام الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة في تحسين أداء الأطراف الاصطناعية، هذه التقنية تسمح بجعل الأطراف الاصطناعية قادرة على التعلُّم من تجاربها وبياناتها، وتكيُّف سلوكها ووظائفها مع متغيرات البيئة والظروف. كما تسمح بإضافة مزيد من المهارات والإمكانات للأطراف الاصطناعية.

الأطراف الاصطناعية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، هذه الأطراف تستخدم خوارزميات ونماذج ذكاء اصطناعي لتحليل بيانات المستشعرات والإشارات الكهربائية، وتوليد حركات متناسبة مع نية وحالة المستخدم. هذه الأطراف تتميز بالسرعة والدقة والسلاسة في التحكم، وتقلل من الجهد والإجهاد على المستخدم. بعض الأمثلة على هذه الأطراف هي.

اليد bebionic، هذه اليد تستخدم استشعارات لقراءة إشارات العضلات في ذراع المستخدم وتحويلها إلى حركات متنوعة ودقيقة. تستخدم اليد خوارزمية ذكاء اصطناعي لتحديد أفضل حركة لليد بناء على نية المستخدم والبيئة المحيطة، تحتوي اليد على 14 موضعاً مختلفا للإصبع، وتستطيع حمل أوزان تصل إلى 45 كيلوغراما.

الساق C-Leg، هذه الساق تستخدم استشعارات لقياس زاوية وسرعة وتسارع المفصل، وتستخدم نظام ذكاء اصطناعي لضبط قوة التثبيت والإفراج للساق. تستطيع الساق التكيف مع مختلف أنواع المشي والأسطح، وتزيد من الثبات والأمان للمستخدم. تحتوي الساق على بطارية قابلة لإعادة الشحن، وتستطيع التواصل مع جهاز ذكي عبر تقنية البلوتوث.

اليد الروبوتية Esper، هي مثال على تقنية متطورة في مجال الأطراف الاصطناعية. هذه اليد تستخدم تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنشاء هيكل لين ومرن من المطاط السيليكوني، وهي مزودة بنظام التعلم الآلي، تحتوي على محركات ومستشعرات، هذه اليد تستطيع التحكم في حركات أصابعها بشكل مستقل ودقيق، وتستجيب لإشارات كهربائية من المخ أو العضلات. هذه اليد تهدف إلى تحسين جودة حياة الأشخاص الذين فقدوا أطرافهم، وتوفير حل رخيص وسهل لإنتاج الأطراف الاصطناعية.

تجربة محلية

مع مفرزات الحرب السورية التي تجاوزت عقدا من الزمن، كانت الحاجة مُلحّة للأطراف الصناعية في المناطقة، من أجل مساعدة إعاقات وبتر أطراف علوية وسفلية وتشوهات زادت من معاناة أصحابها، خاصّة الفقراء والعاجزين عن أداء تكاليف العلاج على نفقتهم، هذا ما أوضحه لنا هوار حنان رشيد، قائد فريق قسم الأطراف الاصطناعية في الهلال الأحمر الكردي، في حديثه عن التجربة المحلية في مدينة القامشلي التي تقع في أقصى الشمال الشرقي من سوريا.

هوار أشار إلى أن مركز “الأطراف الاصطناعية في مدينة القامشلي التابع للهلال الأحمر الكردي أحد المراكز التي تستقبل مصابي الحرب أو المرضى أو التشوهات الخلقية من مبتوري الأطراف أو المصابين بتشوهات، أو من يحتاجون أجهزة المساعدة والتقويم والشلل.

المركز قدم خدماته بشكل مجاني منذ افتتاحه في عام 2021، وهو مكون من عدة أقسام مثل الدعم النفسي والمعالجة الفيزيائية وقسم صناعة وتركيب الأطراف، وأضاف هوار “يقدّر عدد العاملين في المركز أكثر من 35 شخصا ما بين فنيين واختصاصيين وإداريين.”

هوار أوضح أن هناك مراحل متعددة حتى حصول المستفيد على الطرف الاصطناعي المناسب له، منها المعالجة الفيزيائية والدعم النفسي، فالمركز يسعى لتلبية أغلب احتياجات المنطقة قدر الإمكان وبالقدرات المتوفرة، هناك بعض الحالات التي نعجز عن مساعدتها مثل مرضى السكري؛ بسبب عدم توفر المواد المطلوبة، أما ما يخص الحالات الأخرى، فيتم تلبية احتياجاتهم بالكامل، ويتم تصميم الأطراف في المركز بشكل كامل، سواء كانت الحالة بسبب تشوهات خلقية منذ الولادة أو بسبب الحرب مثل البتر؛ بسبب الألغام الأرضية التي زرعتها التنظيمات الجهادية.

تصميم العديد من الحاضنات أو الأطراف يتم في المركز مثل أطراف السلكون أو الأطراف فوق اللقيمات أي فوق مفصل الركبة والعديد من الأنواع الأخرى، وأضاف هوار قائلا، “نحن نسعى للتأقلم مع كل مريض وبحسب احتياجاته الخاصة حيث يتم تقييم المصاب وبحسب التقييم يتم تصميم الطرف المناسب، في السابق كانت الأطراف شبه ثابتة، أما الآن أصبحت الأطراف متحركة ومرنة، وتم توفير أطراف كربونية تُستخدم ألياف الكربون كمادة أساسية لتقوية الأطراف وزيادة متانتها وهي متكيفة مع البيئة، وهناك أيضا ركبة اصطناعية، وهي تتطور مع الوقت، ولدينا أيضا الركبة الهوائية والمتحركة، والتي تتكيف بحسب بيئة المستفيد مثل الأرض الوعرة، وتناسب مع الأعمار كلها.”

مستقبل واعد وآمال كبيرة

استخدام التقنيات المتقدمة مثل الاستشعار وتقنيات التحكم، والذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، والتقنيات الحديثة في صناعة الأطراف الاصطناعية، يسهم بشكل كبير في زيادة وظائفها وتحسين أدائها.

من الضروري تعزيز الدعم للبحث والابتكار في هذا المجال، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى ابتكار أطراف اصطناعية أكثر تطورًا وفعالية. يجب أيضًا توسيع الوصول إلى الأطراف الاصطناعية المتقدمة للأفراد، بغض النظر عن خلفيتهم الاقتصادية أو احتياجاتهم الخاصة، لتحسين جودة حياتهم وتمكينهم من المشاركة الكاملة في المجتمع.

باستمرار التطور التكنولوجي وبمساندة الأفراد المبدعين والمؤسسات المختصة، يمكن أن نتطلع إلى مستقبل واعد لتطوير الأطراف الاصطناعية. من المهم أن نتذكر أن وراء كل طرف اصطناعي يوجد إنسان يعاني ويحتاج إلى الدعم والتكنولوجيا المناسبة. إن توجيه الاهتمام والموارد اللازمة لهذا المجال سيساهم في تحسين حياة الأشخاص ذوي الإعاقة وتمكينهم من تحقيق إمكاناتهم الكاملة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات