استمع إلى المقال

لا شك في أن الولايات المتحدة تعاني من نقص كبير في العاملين ضمن مجال الأمن السيبراني، حيث هناك مئات الآلاف من الوظائف المتاحة، لكن هل تستطيع شركة “جوجل” سد الفجوة الحاصلة عبر جذب الطلاب الجامعيين إلى هذا المجال من خلال استثماراتها ومبادراتها المختلفة.

بعد أن أصبحت العيادات الطبية والقانونية المجانية شائعة الآن، تأمل “جوجل” في إضافة عيادات الأمن السيبراني إلى تلك القائمة من خلال الإعلان عن استثمارها 20 مليون دولار لإقامة وتوسيع 20 عيادة للأمن السيبراني في الجامعات الأميركية، وذلك بالتعاون مع اتحاد عيادات الأمن السيبراني.

على غرار العيادات في كليات الحقوق حيث يقدم الطلاب مساعدة قانونية لمجموعات محددة، تساعد عيادات الأمن السيبراني المنظمات المحلية التي تعاني من نقص الموارد في الحصول على المساعدة السيبرانية التي تحتاجها، مع تدريب مجموعة جديدة من العاملين في المجال السيبراني لتخفيف النقص المستمر في الموظفين.

فجوة المهارات ومكافحتها

خلال السنوات الأخيرة، بدأت عيادات الأمن السيبراني بالظهور في الجامعات، حيث قادت جامعة “كاليفورنيا بيركلي” الطريق في عام 2018، وتبعها آخرون، بما في ذلك جامعة “إنديانا” ومعهد “ماساتشوستس للتكنولوجيا” وأماكن أخرى.

وفقا لشركة “جوجل”، يوجد حاليا أكثر من 750 ألف وظيفة شاغرة في مجال الأمن السيبراني ضمن الولايات المتحدة، وتريد الشركة مساعدة الأشخاص في العثور على وظائف ذات رواتب جيدة في مجال التكنولوجيا.

نتيجة لذلك، المبادرة الجديدة تعالج العدد المتزايد للهجمات الإلكترونية – التي ارتفعت بنسبة 38 بالمئة على مستوى العالم في عام 2022 – ونقص المرشحين المدرّبين على إيقافها.

بدورها، تقدر المنظمة الدولية غير الربحية للأمن السيبراني “ISC2” أن هناك نحو نصف مليون وظيفة متاحة للأمن السيبراني في الولايات المتحدة، وهي قفزة بنسبة 17 بالمئة بالمقارنة مع عام 2022، بالرغم من الزيادة بنسبة 11 بالمئة للوافدين الجدد إلى هذا المجال.

في جلسة استماع أمام اللجنة الفرعية للأمن الداخلي في “مجلس النواب” حول الأمن السيبراني وحماية البنية التحتية، أدلى ممثلو “ISC2” ومنظمات الأمن السيبراني الأخرى بشهادات حول الحاجة إلى أن يكون “الكونغرس” والوكالات الفيدرالية أكثر نشاطا في تدريب القوى العاملة السيبرانية في أمريكا في المستقبل.

وفقا لذلك، يمكن لعيادات الأمن السيبراني مساعدة المنظمات بالتغلب على الشعور بالعدمية عند التعامل مع المتسللين. 

بينما تعتقد العديد من المجموعات أنه لا يوجد ما يمكن فعله ضد هجمات المتسللين أو برامج طلب الفدية، فإن عيادات الأمن السيبراني يمكنها تقديم حلول لمكافحة عدد كبير من التهديدات، حيث يمكن للطلاب مساعدة المؤسسات في التغلب على ما بين 80 و90 بالمئة من المشكلات، مع منحها موقفا أكثر مرونة. 

الطلب مستمر في الزيادة على خدمات عيادات الأمن السيبراني لأن المزيد من البيانات معرّضة للخطر، حيث يواصل الأشخاص نشر المزيد من المعلومات الحساسة عبر الإنترنت، مما يزيد من قابلية التأثر.

في الوقت الحالي، أصبحت الجهات الخبيثة تعرف كيفية تحقيق الأموال من خلال استغلال هذه البيانات الحساسة، الأمر الذي يزيد الحاجة إلى الأمن السيبراني.

الاستثمار في القوى السيبرانية الأميركية

لدعم وتوسيع عيادات الأمن السيبراني في 20 مؤسسة للتعليم العالي في جميع أنحاء الولايات المتحدة من أجل تعريف آلاف الطلاب بالمهن المحتملة في مجال الأمن السيبراني، تعهدت “جوجل” بتقديم تبرعات بقيمة 20 مليون دولار لهذه العيادات التي تعتمد على طلاب الجامعات لتقديم خدمات الأمن السيبراني المجانية للمؤسسات المحلية. 

من خلال نشر الطلاب في المنظمات المجتمعية لتحسين الدفاعات الرقمية، تهدف عيادات الأمن السيبراني بالجامعة إلى منح الطلاب خبرة في مجال الأمن السيبراني، وتحسين القدرة الدفاعية المحلية، وتوجيه الطلاب نحو العمل في مجال الأمن السيبراني.

بينما تساعد في حماية البنية التحتية الحيوية، مثل المستشفيات والمدارس وشبكات الطاقة، العيادات المجانية تمنح الطلاب المزيد من الفرص للتعلم وتحسين المهارات، بنفس الطريقة التي تقدم بها كليات القانون أو الطب عيادات مجانية في المجتمعات.

بحلول عام 2030، يأمل اتحاد عيادات الأمن السيبراني بإنشاء عيادات في كل ولاية، حيث يساعد تبرع “جوجل” في إنشاء عيادات جديدة، بالإضافة إلى توفير الموجّهين للطلاب العاملين فيها.

هذه العيادات تقدم خدمات أمنية مجانية بنفس الطريقة التي تقدم بها كليات القانون أو الطب عيادات مجانية في مجتمعاتها، حيث أنها تسمح للطلاب بالتّعلم وتحسين المهارات مع المساعدة في حماية البنية التحتية الحيوية، مثل المستشفيات والمدارس وشبكات الطاقة.

عادة ما يسجل الطلاب في فصل دراسي مرتبط بالعيادة حيث يتعلم مهارات الأمن السيبراني الأساسية ويتشارك مع المنظمات والشركات المحلية لإنشاء استراتيجية جديدة للأمن السيبراني لهم.

مباركة حكومية

الهجمات الإلكترونية تشكل خطرا متزايدا على الاقتصاد الأميركي، حيث كلفت مليارات الدولارات على مدى السنوات القليلة الماضية.

نتيجة لذلك تتوافق مبادرة “جوجل” مع الاهتمام المتزايد بالكونغرس للاستثمار في القوى العاملة السيبرانية بالولايات المتحدة وتوسيعه.

إعلان “جوجل” حظي بدعم أعضاء “الكونغرس”، حيث قال النائب الجمهوري من كاليفورنيا، جاي أوبيرنولت، “تعتبر معالجة التهديدات الإلكترونية أمرا ضروريا للقدرة التنافسية الاقتصادية للبلد وكذلك للأمن القومي”، مضيفا، “من المرجح أن تنتج الصين ضعف عدد طلاب علوم الحاسب الحاصلين على درجات الدكتوراه هذا العام مقارنة بالولايات المتحدة. نتيجة لذلك، نحن بحاجة إلى تحفيز الطلاب لمتابعة وظائف في مجالات مثل الأمن السيبراني لعكس هذا الاتجاه، ويجب علينا جميعا تبني فكرة أن نصبح متعلمين مدى الحياة”.

بينما قال النائب الديمقراطي من تكساس، خواكين كاسترو، “تساعد مبادرة جوجل في إضفاء الطابع الديمقراطي على الأمن السيبراني، وتوفير المزيد من فرص العمل والمزيد من الحماية لأولئك الذين لا يتواجدون في وادي السيليكون”، مضيفا، “الشركات الصغيرة قد تخسر مئات الآلاف من الدولارات كل عام، أنا ممتن لشركة جوجل لمواصلة التزامها بدعم نمو القوى العاملة اللازمة لفعل كل شيء بدءا من تأمين البنية التحتية الحيوية في المجتمعات المحلية إلى تعزيز أمننا القومي”.

في حين قالت كيمبا والدن، القائمة بأعمال المدير السيبراني الوطني لحكومة الولايات المتحدة، “استثمار جوجل يعترف بقيمة التدريب التجريبي، وهو مهم للأمن القومي والفرص الاقتصادية والابتكار الوطني، حيث توفر عيادات الأمن السيبراني فرصة للوصول إلى الوظائف في هذا المجال من خلال تمكين الطلاب من خلفيات وتخصصات مختلفة لتعلم المهارات السيبرانية”.

من جانبه، قال بيتشاي، “هناك حاليا أكثر من 650 ألف وظيفة متاحة للأمن السيبراني وهناك حاجة لقوى عاملة لمعالجة هذه المشكلة. رأينا هذا في الماضي عندما ذهبنا إلى المجتمعات ومراكز البيانات المفتوحة في المجتمعات الريفية، هذه المبادرة تولد الشرارة وتلهم المزيد من الناس”.

كما أوضح بيتشاي أن الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي في السياقات الأمنية لديه القدرة على جعل الأنظمة الرقمية أكثر أمانا، ومثلما يمكن للتكنولوجيا أن تخلق تهديدات جديدة، يمكنها أيضا المساعدة في مكافحتها.

استثمارات “جوجل”

وفقا للإعلان، فإن كل كلية أو جامعة أو كلية مجتمع محددة يتم منحها ما يصل إلى مليون دولار لزيادة الوصول والفرص للطلاب المهتمين بمتابعة وظائف في مجال الأمن السيبراني، حيث تبدأ في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2023 عملية تقديم الطلبات للكليات المهتمة بإنشاء عيادة الأمن السيبراني في مقرها الجامعي. 

استثمار “جوجل” في عيادات الأمن السيبراني يعد الأحدث في سلسلة تهدف إلى تعزيز القوى العاملة في هذا المجال، حيث يعمل موظفو الشركة ذوو الخبرة في المجال كمرشدين متطوعين في العديد من عيادات التعلم العملي للمساعدة في الدفاع عن المكاتب الحكومية الصغيرة والمستشفيات الريفية والمنظمات غير الربحية من القرصنة.

في عام 2021، وعدت “جوجل” باستثمار 10 مليارات دولار على مدى السنوات الـ 5 التالية لتعزيز الأمن السيبراني، بما في ذلك توسيع برامج الثقة، والمساعدة في تأمين سلسلة توريد البرامج، وتعزيز أمان المصدر المفتوح.

من خلال برنامج الشهادة المهنية، وعدت الشركة حينها بتدريب 100 ألف أميركي في مجالات، مثل دعم تكنولوجيا المعلومات وتحليلات البيانات، وتعلم المهارات المطلوبة بما في ذلك خصوصية البيانات والأمان.

خلال وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت الشركة عن برنامج بحث بقيمة 12 مليون دولار مع جامعات في نيويورك لخلق فرص التعلم والعمل عبر قطاع الأمن السيبراني.

بينما أعلنت “جوجل” في شهر أيار/مايو الماضي عن شهادة جديدة للأمن السيبراني تركز على إعداد الأشخاص للوظائف المبتدئة في مجال الأمن السيبراني في أقل من 3 أشهر، بالإضافة إلى برنامج التدريب الوظيفي في الشركة.

كما تخصص الشركة جزء من تمويل المبادرة الجديدة للمنح الدراسية للطلاب الذين يرغبون في الحصول على شهادة الأمن السيبراني لكن غير قادرين على تحمل التكاليف.

وفقا للشركة، تم تدريب أكثر من 200 ألف فرد في الولايات المتحدة وأكثر من نصف مليون شخص حول العالم واعتمادهم في برنامج شهادات “جوجل”، مما جعلها تفي بوعدها الذي قطعته في عام 2021. 

علاوة على ذلك، تمنح الشركة عيادات الأمن السيبراني مفاتيح الأمان “Titan”، التي توفر حماية قوية ضد التصيد الاحتيالي من خلال المصادقة الثنائية، بشكل مجاني.

منذ عام 2017، عملت مبادرة “Grow with Google” مع آلاف المنظمات الشريكة لتدريب وإعداد أكثر من 10 ملايين شخص في جميع أنحاء الولايات المتحدة على المهارات الرقمية التي تحتاجها الشركات.

على مدار العقدين الماضيين، جعلت “جوجل” الأمان حجر الزاوية في استراتيجية منتجاتها، وذلك عبر سد الثغرات الأمنية والقضاء على فئات كاملة من التهديدات للمستهلكين والشركات. 

من خلال جعل جميع منتجاتها آمنة بشكل افتراضي، تحافظ الشركة على أمان عدد أكبر من المستخدمين في العالم عبر حظر البرامج الضارة ومحاولات التصيد الاحتيالي ورسائل البريد العشوائي والهجمات الإلكترونية المحتملة. 

إلى جانب ذلك، نشرت “جوجل” أكثر من 160 بحثا أكاديميا حول أمان الحاسب والخصوصية ومنع إساءة الاستخدام، وتحذر شركات البرامج الأخرى من نقاط الضعف في أنظمتها، وتعمل فرقها المخصصة على مواجهة القرصنة والهجمات المدعومة من الحكومة، مما يجعل الإنترنت أكثر أمانا للجميع.

بشكل عام، لدى الولايات المتحدة عدد كافٍ من العاملين في مجال الأمن السيبراني لملء 69 بالمئة فقط من الوظائف السيبرانية المتاحة، وفقا لبيانات من منصة “CyberSeek”.

في النهاية، من المتوقع أن تجعل عيادات الأمن السيبراني الطلاب يساعدون المؤسسات الصغيرة التي تفتقر إلى أقسام التكنولوجيا من خلال تقييمات التهديدات وتثبيت الدفاعات، حيث يحصل هؤلاء الطلاب على الخبرة العملية لزيادة قابلية الحصول على الوظائف المتاحة في مجال الأمن السيبراني. بالمقابل، تحصل الولايات المتحدة على تنويع في مجال الأمن السيبراني من خلال تدريب هؤلاء الطلاب، مع حماية البنية التحتية الحيوية للبلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات