هل تتأثر “فوكسكون” بانتقال “أبل” خارج الصين؟

هل تتأثر “فوكسكون” بانتقال “أبل” خارج الصين؟
استمع إلى المقال

عملية صناعة الأجهزة الإلكترونية المختلفة لاتتم بالسهولة التي تبدو عليها، لذلك قد تجد هاتفا من “أبل”، ولكن الشركة ليست هي من تصنعه بنفسها، بل تُوكل مهمة صناعة الهاتف وتجميعه إلى شركة أخرى تمتلك معدات ومصانع مخصصة لهذا الأمر، وهنا يأتي دور “فوكسكون” الصينية. 

اسم “فوكسكون” تردد كثيرا في الآونة الأخيرة وخاصةً مع تصاعد الأزمات التي سببتها سياسة “صفر كوفيد” المطبقة من قبل بكين على المقاطعات المختلفة، وبينما يشار إلى “فوكسكون” لكونها المسؤولة عن صناعة هواتف “آيفون” وتجميعها في السنوات الماضية، إلا أن “أبل” بدأت تفكر الآن في الهجرة خارج الصين والاعتماد على مصانع أخرى لبناء هذه الهواتف، ولكن هل يؤثر هذا الانتقال في واردات شركة “فوكسكون”. 

قد يهمك أيضا: آبل بقرار جديد قد يبعد العاملين في التسويق الرقمي عن أجهزتها؟

من هي “فوكسكون”؟ 

من أجل إدراك الأثر الذي سيتركه انتقال “أبل” الحتمي خارج الصين وبعيدا عن مصانع “فوكسكون”، فإننا يجب أن نعرف أولا من هي “فوكسكون”، وما مقدار اعتمادها على “أبل” كمصدر لدخل الشركة. 

“فوكسكون” هي شركة صناعات تقنية تتخذ من الصين وتايوان أرضا لها، وهي تُعرف في تلك المنطقة باسمها الحقيقي وهو ” Hon Hai Technology Group”، وقد تأسست الشركة في شباط/فبراير 1974، وافتتحت الشركة أول مصنع لها في مقاطعة “شنتشن” الصينية عام 1988، ومنذ ذلك الوقت أقامت الشركة 15 مصنعا في الصين إلى جانب مهاجع للعاملين في هذه المصانع وقناة تلفزيونية خاصة بها وأكثر من مستشفى عام وبنك تابع لها. 

النجاحات التي تمكنت “فوكسكون” من تحقيقها في السنوات الأخيرة وضعتها في المرتبة رقم 20 ضمن قائمة “فورتشن 500” للشركات الأكثر ربحا حول العالم، وتقدر أرباح الشركة في عام 2021 بأكثر من 175 مليار دولار. 

Embed from Getty Images

أعداد العاملين في الشركة وصلت إلى أكثر من 1.29 مليون شخص في عام 2020، وهو التعداد الأحدث للعاملين فيها، وهي تمتلك أكثر من 130 مبنى تابع لها في 24 دولة حول العالم، ولكن تحتل “فوكسكون” مكانة خاصة في الصين تحديدا لأنها مسؤولة عن توظيف وإعانة مئات الآلاف، وهي توفر لهم ظروف عمل لا يجدونها في العادة لدى الشركات والمصانع الأخرى في الصين، وهذا هو السبب الذي يجعل 51 بالمئة من الموظفين يشجعون معارفهم على العمل بها. 

“أبل” تعد أكبر عملاء شركة “فوكسكون” رغم أن الشركة تتعاون مع شركات تقنية أخرى عملاقة مثل “سوني” و”Dell” و”جوجل” أيضا، ولكن وفق تقرير موقع “asia Fund Managers”، فإن “أبل” مسؤولة عن 50 بالمئة من إجمالي أرباح الشركة لعام 2022. 

الأرباح المهولة التي تأتي من وراء “أبل” دفعت الشركة لبناء مدينة كاملة يعمل كل من يقطن فيها بمصنع “فوكسكون” لصناعة هواتف “آيفون”، ويقدر عدد العاملين في هذا المصنع بأكثر من 350 ألف موظف بحسب آخر تعداد تم له في عام 2018 من موقع “Business Insider” الشهير،وهم مسؤولون عن صناعة نصف هواتف “آيفون” في العالم، ويقع هذا المصنع في “تشنغتشو” التي تعد إحدى أفقر مقاطعات الصين، ولكنها تحولت إلى قطاع مزدهر تماما بفضل هواتف “آيفون”. 

التعاون بين “أبل” ومصنع “فوكسكون” ما زال مستمرا منذ عام 2000 بعد أن تمكنت الشركة من تلبية طلبية لصناعة أجهزة “iMac”، وهو تعاون قائم على المصالح، إذ تحقق “فوكسكون” الكثير من الأرباح من وراء “أبل”، وتستفيد الأخيرة من تكاليف الصناعة المخفضة نتيجة انخفاض رواتب العاملين في المصنع وقبولهم بأي ظروف عمل مهما كانت. 

قد يهمك أيضا: صُنع في الصين.. ولكن بأيدي الإيغور المُصفَّدة (الجزء الثاني)

 لماذا الانتقال خارج الصين؟ 

للوهلة الأولى يبدو التعاون بين “أبل” و “فوكسكون” مثاليا، إذ غضت “أبل” الطرف عن ممارسات الشركة طوال الأعوام الماضية ولم تفكر أبدا في البحث عن مورّد آخر أو الانتقال إلى دولة أخرى بعيدة عن الصين، وذلك حتى بدأت الأزمة الأخير في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. 

بوادر الأزمة ظهرت مع تطبيق حكومة الحزب “الشيوعي” الصيني، لسياسة “صفر كوفيد”، وبدأت في إغلاق مصانع الشركات وحظر التجول في المناطق المحيطة بها، وهو الأمر الذي هدد مخزون “أبل” من الهواتف خاصة بعد إطلاقها لهاتف “آيفون 14” وعائلته، وما كان من “فوكسكون” إلا أن تغلق المصنع على العاملين به، وتعدهم بعلاوات كاذبة ونشر إعلانات توظيف كاذبة لجذب عاملين جدد إلى أرض المصنع أملا في إنتاج أكبر عدد ممكن من الهواتف.

Embed from Getty Images

العاملون في مصنع “فوكسكون” لم يقبلوا بظروف العمل هذه، وبدأوا في مجموعة من المظاهرات الاحتجاجية التي لم تنفض إلا بتدخل الشرطة واستخدام العنف معهم، ورغم أن المظاهرات في مصنع “أبل” لم تستمر لفترة طويلة، إلا أن أثرها لحق بأسهم الشركة وتوقعاتها المالية لعام 2022.

انخفاض بأكثر من 6 مليون هاتف “آيفون 14 برو” كانت النتيجة المباشرة لهذه المظاهرات، وهو الأمر الذي تسبب في خسارة “أبل” للملايين وجعلها تبدأ بالبحث عن بدائل جديدة لمصنع “مدينة الآيفون”، بالطبع لعب توتر العلاقات الأميركية الصينية دورا في هذا القرار، إذ تخشى “أبل” ألا تستطيع إدخال وبيع هواتفها التي كتب عليها “صنع في الصين”، والصين ترفض أن تخرج هواتفها دون هذا الشعار. 

الحلول البديلة 

بقاء “أبل” في الصين يضعها تحت رحمة قرارات بكين المجحفة والتي سبق وتسببت في خسائر مالية كبيرة للشركة، وقد بدأت الشركة بالفعل في البحث عن حلول بديلة للانتقال خارج الصين كان على رأسها الهند وفيتنام التي تمتلك “أبل” بالفعل مصانع بها. 

قد يهمك أيضا: جهود عمال التقنية لإنشاء النقابات العمالية ومعارضة كبرى الشركات لهم

“فوكسكون” كشركة تدرك أهمية تعاونها مع “أبل”، لذلك تسعى الشركة أيضا لبناء مصانع في الهند حتى تتمكن من العمل بالشروط التي ترغب بها “أبل” وتبتعد عن حكومة الحزب “الشيوعي” الحاكم، قدر الإمكان، ورغم أن “فوكسكون” قد تتمكن من إيجاد حلول بديلة للمحافظة على أعمالها مع “أبل” أو دونها، إلا أن آثار الانتقال ستكون أوضح مع العاملين في مصانع الصين، والأهم المصانع التي لا تعمل إلا في بناء هواتف “آيفون”، لأنهم سيجدون أنفسهم دون عمل فجأة مع انخفاض أرباح الشركة التي يعملون بها، وهو ما سيزيد من معدل الإقالات و سيزيد من صعوبة ظروف العمل في المصنع. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.