استمع إلى المقال

في عام 1992 صاغ كاتب روايات الخيال العلمي “نيل ستيفنسون” في روايته الشهيرة تحطم الثلج “Snow Crash” كلمة الميتافيرس “Metaverse” لأول مرة، كعالم موازٍ للعالم الحقيقي، بهدف الهروب من الكآبة والفوضى والخراب في الحياة الواقعية.

يبدو أن منصة العالم الافتراضي “ميتافيرس” التي وعد بها مارك زوكربيرغ، والتي من المفترض أن تصبح المنصة التقنية الأهم منذ ظهور شبكة الإنترنت حسب تطلعات صاحبها، لا تخلو من الكآبة والفوضى، اللتين حاول ستيفنسون الهروب منهما قبل قرابة ثلاثين عاماً.

توقعات بعيدة عن الواقع

وفقًا لوكالة رويترز، انخفضت إيرادات شركة ميتا بنسبة 4% في الربع الثالث المنتهي في 30 سبتمبر/ أيلول الماضي. وهذا ما أدى إلى تعميق انخفاض الإيرادات الذي بدأ في الربع السابق، عندما سجلت الشركة أول انخفاض في الإيرادات على الإطلاق بنسبة 0.9%.

كان الأمر الأكثر إثارة للقلق هو تقدير الشركة بأن إيرادات الربع الرابع ستكون في حدود 30 مليار دولار إلى 32.5 مليار دولار، كما توقعت ميتا أن يبلغ إجمالي نفقاتها للعام 2023 بأكمله 96 مليار دولار إلى 101 مليار دولار، وهو أعلى بكثير من تقديرات إجمالي النفقات لعام 2022 البالغ 85 مليار دولار إلى 87 مليار دولار.

تأتي التوقعات المخيبة للآمال في الوقت الذي تتعامل فيه ميتا مع مجموعة من الضغوطات والمشاكل، ومنها تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي بشكل عام، والمنافسة من قبل تيك توك، وتغييرات إعدادات الخصوصية من قبل آبل، والمخاوف بشأن الإنفاق الهائل على ميتافيرس.

زيارات نادرة لعالم الميتافيرس

أفادت صحيفة وول ستريت جورنال في الشهر الماضي، أن معظم مستخدمي ميتافيرس لا يعودون إلى منصة Horizon Worlds بعد شهر واحد من الاستخدام، وهي لعبة افتراضية مجانية مخصصة لمستخدمي الميتافيرس.

source: Meta

وقالت الصحيفة إن منصة Horizon Worlds تعاني من مجموعة من المشاكل، بحيث تراجع عدد المستخدمين إلى 200 ألف مستخدم نشط شهريا، بعد أن وصل إلى 280 ألفاً في شهر فبراير/شباط 2022، كما أن التطبيق يعاني من مشاكل تقنية، فيما تشير إحصاءات وول ستريت جورنال، إلى أن 9% من العوالم التي بناها المستخدمون، تمت زيارتها من قبل 50 شخصًا فقط، في حين أن معظمهم لا يتلقون أي زيارات على الإطلاق.

يأتي ذلك إضافة إلى ارتفاع سعر سماعة الرأس Quest 2 الافتراضية، حيث تصل قيمتها إلى 400 دولار للوصول إلى النظام الأساسي، وهذا ما يمنع المستخدم العادي من الوصول إلى عالم ميتافيرس. وفي حال حصول البعض على فرصة لتجربة المنصة، فالأخطاء مازالت مستمرة، والعوالم فارغة دون تفاعل من المستخدمين. وهو ما يشير إلى أن موظفي ميتا أنفسهم لا يستمتعون بالمنصة، قائلين إن هناك مشكلة في “الجودة”.

تحرشات جنسية افتراضية

ادعت امرأة بريطانية تبلغ من العمر 43 عامًا أن عصابة من الشخصيات الرمزية الذكور في Horizon Venues قد تحرشوا بها جنسيًا، وهناك بلاغات أخرى من بعض المستخدمين الإناث أيضًا عن حالات للتحرش الجنسي والتلمس الرقمي، وهذا ما دفع ميتا إلى إنشاء ميزة أمان يطلق عليها اسم Personal Boundary، لن تسمح افتراضيًا للأفاتار في Horizon Worlds و Horizon Venues بالوصول إلى مسافة أربعة أقدام تقريبًا من بعضها البعض. وذكرت شركة “Insider” الإعلامية على موقعها، أن عدد الرجال في عوالم الميتافيرس، يفوق عدد النساء بنسبة اثنين إلى واحد.

source: Meta

وغرد فيفيك شارما، نائب رئيس هوريزون على حسابه الخاص في منصة تويتر، موضحًا أن ميزة Personal Boundary ستخلق مساحة شخصية أكبر للأشخاص، وتجعل من السهل تجنب التفاعلات غير المرغوب فيها. وفي حال حاول شخص ما الدخول إلى حدود شخص آخر، فسيقوم النظام بإيقاف حركته عند وصوله إلى الحد.

وشهد شاهد من أهلها

بالمر لوكي الذي باع Oculus VR الشركة المختصة في إنتاج نظارة الواقع الافتراضي إلى فيسبوك مقابل 3 مليارات دولار، ثم أطاحت به الشركة لاحقًا، شبّه الميتافيرس الخاصة بزوكربيرغ، بأنها عبارة عن مشروع خاص به يتطلب استثمارًا ضخمًا، دون تقديم أي ضمان للآخرين، مبينا أنه لا يعتقد أنه منتج جيد حاليًا، مؤكداً إن غالبية أعضاء فريق القائمين على مشروع الميتافيرس سيوافقونه الرأي بذلك. جاء حديث لوكي خلال ظهوره في مؤتمر “Tech Live” الخاص بصحيفة وول ستريت الذي انتهت فعالياته مؤخراً.

سفينة ميتا إلى أين؟

ركز المؤتمر السنوي لشركة ميتا “Connect” الأخير على ميتافيرس، التي تصورها المؤسس والرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ كعالم رقمي غامر من شأنه أن يشكّل قفزة كبيرة في عالم التكنولوجيا. ولكن لم يكن هذا رأي نيل كامبلينج، المحلل ورئيس الأبحاث في ميرابود، وهي مجموعة مصرفية من كبار المستثمرين حول العالم، حيث وصف حدث ميتا بكلمة واحدة وهي “يائس”.

قد يهمك: فيسبوك يخسر مُستخدمِيه لأوّل مرّة في تاريخه

 قال كامبلينج أنه لا عجب أن يشعر المستثمرون باليأس. فقد انخفضت أسهم ميتا، مرة أخرى قبل بضعة أيام إلى 127 دولارًا، وهو أدنى سعر لها منذ أواخر عام 2018. مؤكداً أن زوكربيرج يواصل توجيه سفينة ميتا نحو مسار غير معروف يسمى ميتافيرس، وهو مصمم على إنفاق مليارات الدولارات في محاولة لإعادة اختراع نفسه.

 وقدر كامبلينغ أن الشركة ستنفق حوالي 15 مليار دولار هذا العام على ميتافيرس، هذا بالإضافة إلى 10 مليارات دولار خسرتها العام الماضي، وهذا ما خلق سؤالاً كبيراً لدى المستثمرين، مفاده إلى أين يمضي مشروع ميتافيرس؟

ميتافيرس… مستقبل أم فقاعة

انقسمت الآراء بالنسبة لمشروع ميتافيرس بين مؤيد ومعارض، فهل الميتافيرس هو مستقبل الإنترنت حقًا؟ أم هو مجرد وهم وضرب من الخيال؟. حول هذا الانقسام في الآراء في مستقبل الميتافيرس، أوضحت منشئة المحتوى التقني مرام عبد الحفيظ، في حديث خاص لموقع إكسڤار، أنه في الوقت الحالي، وعلى الرغم من كل هذه الانتكاسات، فما تزال هناك الكثير من الشركات والمستثمرين يتنافسون لشراء الأراضي والعقارات الافتراضية، ومنهم من يستثمر في العملات المشفرة التي ستكون هي عملة الميتافيرس المتداولة.

أكدت عبد الحفيظ أهمية إدراك أن ميتافيرس لا يعني فيسبوك، فصحيح بأن زوكربيرغ قد أعلن عن ميتافيرس في مؤتمره وتحدث عنه بشكل تفصيلي، ولكن هناك الكثير من الشركات العملاقة التي تتنافس لاستضافة هذه المنصة العالمية، ولا بد من أن تكون الشركة المستضيفة قادرة على تقديم بنية تحتية قوية، ومنصة ضخمة لاستضافة الميتافيرس.

تضيف منشئة المحتوى أن هناك توقعات بأن فيسبوك غير قادر على السيطرة على الميتافيرس، فقد تحصل شركة ميتا على حصة أو أسهم فقط فيه، وقد تفشل حتى في الحصول على ذلك، لأنه سيكون هناك صراع كبير على الحصص، وبالأخص إن ميتا لديها مشاكل كبيرة تتعلق بانتهاكات في خصوصية مستخدميها. هذه النقطة مهمة جداً وفق المختصة، ففي العوالم الافتراضية حماية البيانات لها أهمية قصوى. وليس من المستبعد أن نشهد إجماعاً من الكثير من الشركات والمستثمرين والمطورين للعمل معًا لاستضافة وتطوير مشروع الميتافيرس بشكل تشاركي، حسب عبد الحفيظ.

وفق وجهة نظر منشئة المحتوى فإنه في غضون 10 إلى 15 عاماً، سيصبح مشروع الميتافيرس واقعاً فعلياً، وستصبح الأجهزة القابلة للارتداء والشرائح الإلكترونية القابلة للزرع في أجساد المستخدمين، هي البديل لهواتفنا والكمبيوترات، فهناك رغبة لدى الكثير من المطورين والمستخدمين للوصول إلى هذه المرحلة من التطور، هذا لا يعني، بأنه لن يكون هناك عقبات. “تبقى هذه النظرة مجرد تكهنات، ولكننا في الوقت الراهن نخطو الخطوات الأولى نحو مشروع الميتافيرس” تختتم عبد الحفيظ.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.