استمع إلى المقال

في عالمنا المعاصر، أصبح الحفاظ على البيئة والتركيز على الاستدامة من الأولويات الهامة للمجتمعات والحكومات والشركات، وينطبق هذا بشكل خاص على قطاع التكنولوجيا والإلكترونيات، الذي يشهد تطورا سريعا وتغيرا مستمرا في المنتجات والخدمات، ومن بين هذه المنتجات، تبرز الهواتف المحمولة كأحد أكثر الأجهزة الإلكترونية استخداما وانتشارا في العالم.

في هذا السياق، يلزم الشركات المصنعة بتصميم هواتف ببطاريات قابلة للإزالة، وذلك من أجل تعزيز الاستدامة وسهولة إصلاح الأجهزة الإلكترونية، يهدف هذا القانون إلى تقليل المخلفات الإلكترونية وتحديد أهداف لإعادة تدوير المواد المستخدمة في البطاريات، كما ينص على أن تكون البطاريات “مصممة بطريقة يمكن للمستهلكين إزالتها واستبدالها بسهولة”.

في هذا التقرير، سنستعرض خلفية هذا القانون، وسنحلّل تأثيراته المحتملة على صناعة الهواتف المحمولة والبيئة، كما سنناقش التحديات والفرص التي قد تنشأ من تطبيق هذا القانون، وسنختتم بالنتائج المتوقعة.

نظرة على القانون

في 14 حزيران/يونيو 2023، وافق البرلمان الأوروبي على قانون جديد يهدف إلى تعزيز الاستدامة وسهولة إصلاح الأجهزة الإلكترونية، بما في ذلك الهواتف المحمولة، ينتظر القانون الموافقة الرسمية من قبل المجلس، ومن المتوقع أن يدخل حيز التنفيذ بحلول عام 2027.

الهدف الرئيسي لهذا القانون هو التقليل من المخلفات الإلكترونية، التي تشكل تهديدا كبيرا للبيئة والصحة العامة؛ فوفقا لتقرير لقناة “Euronews” عام 2022، فإن أوروبا تنتج حوالي 12 مليون طن من المخلفات الإلكترونية سنويا، وهو ما يعادل 16.6 كيلوغرام لكل شخص؛ ومع ذلك، يتم جمع وإعادة تدوير أقل من 40 بالمئة من هذه المخلفات.

لذلك، يسعى القانون إلى فرض معايير أكثر صرامة لجمع وإعادة تدوير البطاريات المستخدمة في الأجهزة الإلكترونية، كما يسعى إلى تشجيع التصميمات التي تسهّل على المستهلكين إزالة واستبدال البطاريات بأنفسهم، دون الحاجة إلى خدمات متخصصة أو أدوات خاصة.

الاستدامة والبيئة

يمكن أن يكون هذا القانون مفيدا للغاية للمساهمة في حماية البيئة وزيادة الاستدامة في قطاع التكنولوجيا والإلكترونيات، وذلك لأنه يمكن أن يساعد على تقليل كمية المخلفات الإلكترونية التي تنتجها استهلاك وإهلاك الهواتف المحمولة والبطاريات، كما يمكن أن يساعد على تحفيز صناعة إعادة التدوير، التي تستخدم المواد المسترجعة من البطاريات لإنتاج منتجات جديدة أو طاقة نظيفة.

وفقا للأمم المتحدة، فإن المخلّفات الإلكترونية هي أسرع مخلفات نمو في العالم، وتشكل خطرا على الصحة والبيئة بسبب احتوائها على مواد سامة مثل الزئبق والرصاص والكادميوم، وتشير التقديرات إلى أنه تم إنتاج 53.6 مليون طن متري من النفايات الإلكترونية في جميع أنحاء العالم في عام 2019، بزيادة 21 بالمئة في 5 سنوات فقط، وأن نسبة قليلة جدا منها تُعاد تدويرها بشكل صحيح.

إعادة التدوير

فيما يتعلق بالبطاريات، فإن استخدامها وإزالتها يؤثران بشكل كبير على البيئة، فالبطاريات تستهلك كمية كبيرة من الموارد والطاقة في عملية التصنيع، وتحتوي على مواد خطرة قد تسرب إلى التربة أو الماء أو الهواء إذا لم يتم التخلص منها بشكل سليم، كما أن استخدام بطارية قديمة أو مستهلكة قد يؤدي إلى تقليل أداء الجهاز أو زيادة استهلاكه للطاقة.

لذلك، فإن جعل البطاريات قابلة للإزالة والاستبدال قد يحسن من جودة وعمر الهواتف المحمولة، ويقلل من الحاجة إلى شراء أجهزة جديدة على نحو متكرر، كما قد يسهل على المستخدمين التخلص من البطاريات القديمة بطريقة مسؤولة، وإعادة تدويرها أو إعادة استخدامها لأغراض أخرى.

تحديات وفرص

هذا القانون قد يواجه بعض التحديات والمقاومة من قبل الشركات المصنّعة للهواتف المحمولة والبطاريات، التي قد ترى أنه يمثل تهديدا لأرباحها أو ميزتها التنافسية، فقد يضطرون إلى تغيير تصميماتها وعملياتهم واستراتيجياتهم للتكيف مع متطلبات القانون، مما قد يزيد من التكاليف والصعوبات والمخاطر، كما قد يخشون من أن يؤدي جعل البطاريات قابلة للإزالة والاستبدال إلى تقليل الطلب على منتجاتهم الجديدة أو خفض أسعارها.

فعلى سبيل المثال، قد تواجه الشركات المصنّعة صعوبة في تحقيق التوافق بين متطلبات القانون والمعايير الفنية والجودة للبطاريات، فقد يكون من الصعب تصميم بطارية قابلة للإزالة والاستبدال دون التأثير في حجم أو شكل أو وزن الجهاز، كما قد يكون من الصعب ضمان سلامة وأداء البطارية عند استخدامها أو إزالتها أو استبدالها من قبل المستخدم نفسه؛ علاوة على ذلك، قد تواجه الشركات المصنّعة مشكلة في حماية حقوق الملكية الفكرية أو المعلومات السرية المتعلقة بتصميم وإنتاج البطاريات.

لكن من ناحية أخرى، يمكن أن يفتح هذا القانون باب الفرص لبعض الشركات والقطاعات التي تستفيد من تعزيز الاستدامة وإعادة التدوير، فقد يؤدي إلى زيادة الطلب على شركات إعادة التدوير، التي تقوم بجمع ومعالجة وتحويل المخلفات الإلكترونية إلى مواد أو طاقة جديدة، كما قد يؤدي إلى زيادة الطلب على مقدمي الخدمات المتخصصين في إزالة واستبدال البطاريات، سواء كانوا مستقلين أو مرتبطين بشركات الهواتف المحمولة.

إعادة التدوير

على سبيل المثال، قد تستفيد شركات إعادة التدوير من هذا القانون بزيادة كمية وجودة المخلفات الإلكترونية التي يمكن استخلاص مواد ثمينة منها، مثل الذهب أو الفضة أو النحاس، كما قد تستفيد من هذا القانون بتحسين سمعتها وعلاقتها مع الشركات المصنعة والمستهلكين، التي قد ترغب في التعاون معها لتحقيق أهداف الاستدامة؛ فضلا عن ذلك، قد تستفيد شركات إعادة التدوير من هذا القانون بزيادة فرص الابتكار والتطوير في مجال إنتاج الطاقة النظيفة من المخلفات الإلكترونية.

بالمثل، قد يستفيد مقدمو الخدمات المتخصصين في إزالة واستبدال البطاريات من هذا القانون بزيادة عدد وتنوع العملاء الذين يحتاجون إلى خدماتهم. كما قد يستفيدون من هذا القانون بزيادة دخلهم وأرباحهم، خاصة إذا كانوا يقدمون خدمات عالية الجودة وسريعة ومريحة، بالإضافة إلى ذلك، قد يستفيدون من هذا القانون بزيادة فرص التعلم والتحسين في مجال إصلاح وصيانة البطاريات.

النتائج المتوقعة

يمكن أن يكون لهذا القانون تأثير كبير على صناعة الهواتف المحمولة وشركات تصنيع الإلكترونيات، وذلك على المدى القصير والطويل، فقد يؤدي إلى تغيير في سلوك المستهلكين والمنافسة بين الشركات المصنعة والمعايير الفنية والقانونية.

من جهة، قد يعزز هذا القانون الابتكار، ويشجع على تطوير بطاريات قابلة للتغيير بسهولة ويمكن إصلاحها، فقد يدفع الشركات المصنعة إلى تحسين جودة وأداء وكفاءة البطاريات، وإطالة عمرها الافتراضي، وتقليل استهلاكها للطاقة، كما قد يدفعهم إلى استخدام مواد أقل سمّية أو أكثر قابلية لإعادة التدوير في تصنيع البطاريات.

من جهة أخرى، قد يؤدي هذا القانون إلى بعض التحديات أو المخاطر لصناعة الهواتف المحمولة وشركات تصنيع الإلكترونيات، فقد يؤثر في استراتيجية التسويق والتسعير والتوزيع للشركات المصنعة، التي قد تضطر إلى تقديم خيارات أو حلول جديدة للمستهلكين، كما قد يؤثر في التوافق مع المعايير الفنية والقانونية للأسواق الأخرى، التي قد تتبع نظاما مختلفا عن الاتحاد الأوروبي.

تحقيق التوازن

في هذا التقرير، استعرضنا خبر صدور القانون الجديد من الاتحاد الأوروبي الذي يفرض على مصنعي الهواتف تصميم بطاريات الهواتف المحمولة قابلة للإزالة، تناولنا خلفية هذا القانون، وحللنا تأثيراته المحتملة على صناعة الهواتف المحمولة والبيئة، كما ناقشنا التحديات والفرص التي قد تنشأ من تطبيق هذا القانون، وختمنا بالنتائج المتوقعة ورأينا الشخصي.

من الواضح أن هذا القانون يهدف إلى تعزيز الاستدامة وسهولة إصلاح الأجهزة الإلكترونية، وتقليل المخلفات الإلكترونية وزيادة إعادة التدوير، ومن الواضح أيضا أن هذا القانون له فوائد عديدة للبيئة والمستهلكين، لكنه قد يواجه بعض التحديات والمقاومة من قبل الشركات المصنعة.

في ضوء ما سبق، نعتقد أن هذا القانون هو خطوة إيجابية نحو تحقيق التوازن بين التكنولوجيا المبتكرة والاستدامة البيئية في المستقبل، ونأمل أن يتم تطبيقه بشكل فعّال ومسؤول، وأن يسهم في رفع مستوى الوعي والمسؤولية لدى جميع الأطراف المعنية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات