استمع إلى المقال

لا حدود لعمليات التجسس الصينية، ومن الواضح أن بكين مصرة على سلك هذا الطريق الذي يهدد الأمن القومي لدول العالم أجمع، دون أي إعارة منها للقوانين الدولية، وإصرارها يتجلى من خلال تنوع العمليات التجسسية واختلافها وتزايدها.

التنوع في عمليات التجسس الصينية يتم من خلال القراصنة الهكرز، وعبر شركات الهواتف الذكية مثل “هواوي”، وتطبيقات التواصل الاجتماعي وأبرزها “تيك توك”، وكذلك عبر البالونات، وغيرها العديد من الطرق، ومعظم تلك العمليات تتم برعاية بكين نفسها.

في آخر الجديد، توصل باحثون في “ألفابيت”، الشركة الأم لشركة “جوجل”، إلى أن قراصنة صينيين يرعاهم “الحزب الشيوعي” الحاكم، طوروا تقنيات تتجنب أدوات الأمن السيبراني الشائعة وتمكنهم من الاختراق في الشبكات الحكومية والتجارية، والتجسس على الضحايا لسنوات دون أن يتم اكتشافهم.

صحيفة “وول ستريت جورنال“، قالت إنه على مدار العام الماضي، اكتشف محللون في شركة الأمن السيبراني “مانديانت” التابعة لـ “جوجل”، وجود عمليات اختراقات للأنظمة التي لا تكون عادة أهدافا للتجسس الإلكتروني.

قد يهمك: التأثيرات الجيوسياسية للتقنيات الصينية.. أهم المخاطر على المجتمع الدولي 

عيوب لم تُكتَشف

بحسب تشارلز كارماكال، كبير مسؤولي التكنولوجيا في “مانديانت”، فإن الهجمات تستغل بشكل روتيني عيوبا لم تكتشف من قبل وتمثل مستوى متطور جديد من الصين، فيما ربط الباحثون النشاط بمجموعة قرصنة يشتبه في أنها مرتبطة بالصين لأسباب متعددة، بما في ذلك ملفات الضحايا.

الباحثون استشهدوة بالجهات التي تعرضت للاختراق بشكل متكرر والتي تشمل أوروبا وأميركا، والدرجة العالية من الاحترافية والتطور الملحوظ ومستوى الموارد المطلوبة، بالإضافة إلى تحديد كود البرمجيات الخبيثة الغامضة المعروف أنه تم استخدامه فقط من قبل الجهات الفاعلة في الصين في الماضي.

كارماكال قال، إنه باستثناء هجوم عام 2021 واسع النطاق على خوادم تشغل برنامج البريد الإلكتروني الخاص بشركة “مايكروسوف إكسجينج”، والذي كان مرتبطا بالصين، كانت هجمات بكين موجهة بدقة وغالبا ما تصيب عددا قليلا فقط من الضحايا الحكوميين ورجال الأعمال ذوي القيمة العالية.

التكتيكات التي تم استخدامها متخفية لدرجة أن مانديانت، تعتقد أن نطاق التدخل الصيني في الأهداف الأميركية والغربية، من المحتمل أن يكون أوسع بكثير مما هو معروف حاليا”، على حد قول كارماكال.

كبير مسؤولي التكنولوجيا في “مانديانت”، أردف أن “طريقة الهجوم الإلكتروني يصعب علينا التحقيق فيها، ومن المؤكد أنه من الصعب جدا على الضحايا اكتشاف هذه الاختراقات بأنفسهم (…) حتى مع تقنيات الاكتشاف لدينا، يصعب عليهم العثور عليها”.

قد يهمك: ما خطورة مناوشات الصين لكابلات الإنترنت التايوانية البحرية على الاقتصاد العالمي؟ 

من يتحمل العبء الأكبر؟

النتائج هذه تأتي وسط مخاوف متزايدة بشأن اتساع نطاق التجسس الصيني ضد الغرب بعد اكتشاف بالون صيني الشهر الماضي يستخدم للتجسس فوق المجال الجوي الأميركي، إضافة إلى ضغط من الحزبين في واشنطن لحظر تطبيق وسائل التواصل الاجتماعي “تيك توك” بسبب مخاوف تتعلق بأمن البيانات. 

البالون الصيني تجاوز الحدود الأميركية قبل إسقاطه، وبحسب تصريحات “البنتاغون” فإنه معد خصيصا لعمليات التجسس المختلفة، طما أن محتوياته تساعده في التجسس على أهدافه والعمل لفترات طويلة عن بعد.

البالون كان يحتوي على كاميرات ورادارات مختلفة وألواح طاقة شمسية، غير أن بكين أنكرت كونه بالون تجسس، وقالت إنه “مدني غير مأهول” ووصفت التصرف الأميركي عبر إسقاطه بأنه “مفرط القوة” 

لكن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كريستوفر وراي، كان له رأي آخر بقوله حينها، إن بكين لديها برنامج قرصنة أكبر من جميع البلدان مجتمعة، وغالبا ما تفضل تهديد الأشخاص والشركات عبر سرقة بياناتهم بدلا من التفاوض معهم. 

كارماكال قال، إن مقاولي الدفاع والوكالات الحكومية وشركات التكنولوجيا والاتصالات يبدو أنهم يتحملون العبء الأكبر للهجمات المرتبطة ببكين المكتشفة حديثا، مردفا صحيح أن العدد النسبي للضحايا الذين تم التعرف عليهم قد يكون ضئيلا -ربما بالعشرات- إلا أن التأثير كبير بسبب أهمية ما يُسرق من معلومات.

قد يهمك: هل تتأثر “فوكسكون” بانتقال “أبل” خارج الصين؟ 

نسق متصاعد لمكافحة التجسس الصيني 

الدول الأوروبية ومعها أميركا لا تتوقف عن مكافحة النشاط التجسسي الصيني، واتضح ذلك مؤخرا من خلال المواجهة الكبيرة لتطبيق “تيك توك”، عندما قررت الحكومة البريطانية حظر استخدامه على الهواتف الرسمية للوزراء وموظفي الدولة لأسباب أمنية، إذ التحقت بذلك بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا التي حظرت بدورها التطبيق في هواتف مسؤوليها لأسباب أمنية أيضا.

تطبيق “تيك توك” كان يحاول بشتى الطرق جمع بيانات مستخدميه حول العالم، فهو من بين العديد من الأدوات بيد حكومة بكين التي تستغلها في مساعيها الحثيثة للتجسس، مثلما كانت تستغل “هواوي” للهدف ذاته، إذ أثارت الشركة الصينية الكثير من مخاوف التجسس وسرقة المُلكية الفكرية في الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى.

في تقييم سنوي للتهديدات العالمية نُشر في وقت سابق من هذا الشهر، قال مسؤولو المخابرات الأميركية، إن الصين “ربما تمثل حاليا التهديد الأوسع والأكثر نشاطا واستمرارا للتجسس السيبراني على شبكات الحكومة الأميركية والقطاع الخاص”.

من جانبه لم يخف كارماكال قلقه من تزايد العمليات التجسسية الصينية، بقوله: “هناك كثير من أنشطة التجسس التي لم يتم اكتشافها بعد. نعتقد أن المشكلة أكبر بكثير مما نعرفه اليوم”.

أخيرا تعدّدت السبل الصينية لكن الهدف واحد، إذ غالبا ما تستهدف حكومة بكين قطاعات الصناعة والوكالات الحكومية في العالم بعمليات تجسس مصممة لجمع أكبر قدر ممكن من الأسرار التجارية والبيانات الشخصية، غير أن مكافحة تلك المساعي تسير بنسق متصاعد، الأمر الذي يحد من أهداف بكين المتجاوزة لكل القوانين الفكرية والدولية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.