استمع إلى المقال

مواقع التواصل الاجتماعي بدأت لأول مرة كوسيلة للتعارف والتواصل مع الأصدقاء والعائلة، وتطورت لتتحول بعدها إلى ممارسة مرغوبة تستخدمها جميع الفئات العمرية.

لكن الإفراط في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بدأ يتزايد بشكل متسارع، ومع احتمالية كبيرة بوجود تداعيات خطيرة على صحتنا الجسدية والعقلية، بدأ القلق يعم الأوساط الصحية حول خطورة هذا الإفراط في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ما قد يصل إلى ما يدعى “إدمان مواقع التواصل الاجتماعي”.

فما هو إدمان مواقع التواصل الاجتماعي، وهل نحن من بين هؤلاء المُدمنين، وما هي آثار ومخاطر هذا الإدمان، وكيف يمكننا التغلب على هذا الإدمان.

أرقام صادمة

بحسب شركة “crossrivertherapy” المتخصصة في تقديم خدمات علاج تحليل السلوك التطبيقي للأطفال، فإن حوالي 70 بالمئة من المراهقين والشباب في الولايات المتحدة مدمنون على مواقع التواصل الاجتماعي. يقضي الشخص العادي ساعة و40 دقيقة يوميا على مواقع التواصل الاجتماعي.

أكثر من 50 بالمئة من الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و49 عاما لديهم إدمان على مواقع التواصل الاجتماعي، وأكثر من 60 بالمئة من الرجال وأكثر من 55 بالمئة من النساء مدمنين على مواقع التواصل الاجتماعي.

33 بالمئة من سكان العالم يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي، تميل النساء إلى استخدام هذه المواقع أكثر من الرجال، و يقضين وقتا أطول من الرجال، إذ تقضي النساء ما معدله 2.08 ساعة في اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقضي الرجال في المتوسط 1.81 ساعة في اليوم.

من بين الحقائق والإحصائيات الأكثر إثارة للصدمة حول مواقع التواصل الاجتماعي، أنه بحلول عام 2027، من المتوقع أن يصل العدد الشهري لمستخدمي الشبكات الاجتماعية النشطين لما يقارب 6 مليارات مستخدم، وفقا لموقع الاحصائيات الشهير “Statista“، وتجدر الإشارة إلى أن عدد مستخدمي الوسائط الاجتماعية في تزايد تدريجي منذ عام 2017.

قد يهمك: السوشيال ميديا في 2023.. ما المتوقع؟

المصدر: Statista

ما هو إدمان مواقع التواصل الاجتماعي؟

إن عملية الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي والتّعمق فيها، يُعد نشاطا اعتياديا، ولكنه بازدياد دائم على مدار العقد الماضي، وعلى الرغم من أن غالبية استخدام الناس لمواقع التواصل الاجتماعي لا يمثل مشكلة، إلا أن هناك نسبة من المستخدمين لا بأس بها قد أصبحوا مدمنين على مواقع الشبكات الاجتماعية، وانخرطوا في الاستخدام المفرط أو القهري.

في الواقع، يُعد إدمان مواقع التواصل الاجتماعي إدمانا سلوكيا يتميز بقلق مفرط مدفوعا برغبة لا يمكن السيطرة عليها لتسجيل الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي أو استخدامها، وإهدار الكثير من الوقت والجهد على هذه الوسائل بحيث يُضعف مجالات الحياة المهمة الأخرى.

على غرار العقاقير المسببة للإدمان، يمكن أن يؤدي محتوى مواقع التواصل الاجتماعي وكثرة الإعجابات إلى إطلاق مادة الدوبامين الكيميائية التي تعزز من الشعور بالسعادة، مما قد يفسّر سبب شعور بعض الأشخاص بالإدمان على هذه المنصات.

في كتاب جديد آخر، “Digital Madness“، يوضح عالم النفس نيكولاس كارداراس أن الأشخاص الذين يقفون وراء “فيسبوك” و “إنستجرام” وغيرهم، لم يصمموا منصاتهم لتكون إدمانا شديدا فحسب، بل أبقوها على هذا النحو حتى وسط أدلة متزايدة على أن الإفراط في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي له تأثير رهيب على الصحة العقلية والجسدية للناس.

إن عمالقة مواقع التواصل الاجتماعي على سبيل المثال وليس الحصر، مثل “فيسبوك” و “تيك توك” و “تويتر” و “يوتيوب” يضخون مليارات الدولارات في الإعلانات وتوظيف المهندسين الذين يتم الدفع لهم لجعل المحتوى أكثر إدمانا، ناهيك عن أدوات تتبع نشاط المستخدمين التي من مهمتها تقديم اقتراحات لتظهر للمستخدمين لزيادة عملية الجذب والإدمان.

هل نحن مدمنون على مواقع التواصل الاجتماعي؟

هناك بعض المؤشرات والعلامات التي تعطي فكرة جيدة عن وجود أو عدم وجود هذا الاعتماد أو الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي، سأقوم بسرد العلامات والأعراض الأكثر شيوعا لإدمان مواقع التواصل الاجتماعي أدناه.

  • التحقق من مواقع التواصل الاجتماعي أول شيء في الصباح وآخر شيء في الليل.
  • الشعور بالتوتر عندما لا يكون الهاتف الذكي في متناول اليد.
  • الشعور بعدم الاستقرار عندما لا يكون هناك اتصال بالإنترنت، أو تعطّل الشبكة الاجتماعية، أو تكون أبطأ من المعتاد.
  • الكذب بشأن مقدار الوقت الذي يقضيه على الإنترنت، فغالبا ما يشعر الأفراد الذين يعانون من إدمان مواقع التواصل الاجتماعي بالحرج من مقدار الوقت الكبير الذي يقضونه على هذه الوسائل.
  • استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أثناء المشي وقيادة المركبات.
  • تفضيل قضاء المزيد من الوقت في العالم الافتراضي على أمضاء الوقت مع الأصدقاء والعائلة.
  • الشعور بالسوء عند عدم الحصول على إعجابات أو إعادة تغريد أو مشاهدات.
  • الاستخدام المتزايد لمواقع التواصل الاجتماعي للتعامل مع المشاكل أو المشاعر السلبية مثل الملل أو القلق الاجتماعي أو التوتر أو الوحدة والهروب من المشاكل.
  • إهمال المسؤوليات مثل الدراسة أو العمل، وذلك بسبب استهلاك مواقع التواصل الاجتماعي جزء كبير من وقتنا وطاقتنا.

أسباب الإدمان

هناك الكثير من الأسباب والضغوطات التي تدفع الشخص إلى إدمان مواقع التواصل الاجتماعي، سأذكر الأسباب الأكثر شيوعا لإدمان مواقع التواصل الاجتماعي أدناه.

  • كل ما هو جديد

إن المحتوى والأفكار الجديدة التي تقدمها مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، لجذب الأشخاص كزائرين مستمرين إلى النظام الأساسي طوال الوقت، هذا يجعل الأفراد أكثر عرضة للاستهلاك المفرط والقهري لوسائل الإعلام عبر الإنترنت.

  • حياة أفضل

مواقع التواصل الاجتماعي تتيح للمستخدمين عرض الحياة بشكل انتقائي كما يرغب المستخدم تماما، وذلك من خلال اختيار أفضل اللحظات لتصويرها ومشاركتها مع الأصدقاء، ويأتي ذلك كنوع من الهروب من الواقع السيء الذي يعيشه المستخدم من وجهة نظره، وإظهار الجانب الذي يتمناه فقط على العالم الافتراضي.

  • القلق الاجتماعي

يمكن أن يؤدي عدم القدرة على إقامة علاقات واقعية والحفاظ عليها إلى جعل الشخص يتجه إلى مواقع التواصل الاجتماعي حيث يتم تسهيل الاتصالات. قد يفضّل الشخص الذي يعاني من القلق الاجتماعي قضاء الوقت في العالم الافتراضي؛ لأن المشاركة لا تتطلب تفاعلات من الحياة الواقعية.

كلام المختصين

إن كلمة إدمان تشعرنا بالقلق والرعب في أغلب الأحيان، فقد عهدنا أن ترتبط هذه الكلمة بالمخدرات بأنواعها والمشروبات الكحولية وما إلى هنالك من أنواع الإدمان التقليدية، ولكن مصطلح “إدمان مواقع التواصل الاجتماعي” جديد بعض الشيء، لذا لأي مرحلة يمكن أن يكون للاستهلاك المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي تداعيات سلبية.

للإجابة عن هذا السؤال وبعض علامات الاستفهام الأخرى، استعنا بالأخصائي الاجتماعي، دلشاد عمر، وهو عامل في مجال الصحة العقلية والنفسية لدى بعض المنظمات الإنسانية.

في حديث خاص لموقع “إكسڤار” وضّح أن من أكثر آثار إدمان مواقع التواصل الاجتماعي شيوعا هي القلق والاكتئاب، فمن الممكن أن يؤدي عدم وجود اتصال حقيقي وعميق مع الآخرين إلى ظهور أعراض الاكتئاب، وهذه الروابط الافتراضية التي تم إنشاؤها في مواقع التواصل الاجتماعي ميالة إلى أن تكون أقل إرضاء من الناحية العاطفية للمدمن، ونتيجة لذلك، لا يحصل المدمنون على مواقع التواصل الاجتماعي على فوائد التفاعل الاجتماعي الصّحي.

هناك أيضا، بالإضافة إلى الاكتئاب زيادة العزلة، فحتى هذه اللحظة هناك نقاش حول ما إذا كانت العزلة الاجتماعية تجعل الناس يتحولون إلى مواقع التواصل الاجتماعي، أو أن المدمنين هم من يطورون مشاعر العزلة لديهم، في كلتا الحالتين، توجد أدلة على أن قضاء وقت أقل في التفاعل وجها لوجه يمكن أن يتسبب في حالات مزاجية سلبية مثل العزلة الاجتماعية.

عمر يشير إلى أثر مهم آخر يولده الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو قلة النشاط البدني، فقضاء الكثير من الوقت على الهاتف يعني أن الشخص لديه وقت أقل لممارسة الأنشطة البدنية التي يمكن أن تساعد على توليد شعور بالإنجاز، وعلى الرغم من أن التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن يجعل الشخص يشعر بالرضا نوعا ما، إلا أن هذا التأثير مؤقت.

من أكبر العلامات التي تشير إلى أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أصبح مشكلة هي ضعف الأداء في العمل أو المدرسة، ويظهر ذلك جليا عندما تبدأ في التأثير سلبا على حياة الفرد، وشدد عمر أن إدمان مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى تشتيت انتباه الطلاب عن دراستهم، وبالمثل، قد يفقد المهنيون العاملون التركيز على المسؤوليات المتعلقة بالعمل.

أخيرا أشار عمر إلى جزئية مهمة وهي تدني احترام الذات، وأوضح أن فقدان احترام الذات يمكن أن ينبع من مقارنة الذات مع الصور التي تبدو مثالية للأشخاص والمنشورة على الإنترنت. نتيجة لذلك، أبلغ الأشخاص الذين يعانون من إدمان مواقع التواصل الاجتماعي عن مخاوفهم بشأن صورة الجسد، أو الأوزان الزائدة وأمور أخرى.

نصائح للتغلب من الإدمان

توجد عدة طرق قابلة للتنفيذ للتغلب على إدمان مواقع التواصل الاجتماعي، والتخلص من السموم الرقمية كما ندعوها في بعض الأحيان، يقول عمر، إن هذه النصائح تساعد المدمنين في التركيز على المحادثة والأنشطة وتعلم مهارات جديدة، وجعلهم مدركين أكثر بالعالم الملموس من حولهم.

  • إيقاف تشغيل الإشعارات لحسابات الوسائط الاجتماعية، مما يساعد على تحسين الإنتاجية الإجمالية وتقليل عوامل التشتيت. حيث يساعد هذا أيضا الشخص على أن يصبح أكثر حضورا للآخرين.
  • نقل التطبيقات بعيدا عن الشاشة الرئيسية إلى مجلد واحد، وهذا يساعد على تقليل الإغراء بفتح التطبيقات أول شيء عند استخدام الهاتف.
  • مراقبة مقدار الوقت الذي نقضيه على أجهزتنا. هناك تطبيقات يمكن أن تساعدنا مثل “Screen Time” و “Digital Wellbeing” في التحكم فيما يخص الاستخدام اليومي، كما لا بد من وضع إطار زمني معقول كتحديد ساعة واحدة فقط على الهاتف بعد العشاء.
  • الألتزام بجهاز واحد فقط، على سبيل المثال عدم استخدام الهاتف أثناء مشاهدة التلفاز أو استخدام الكمبيوتر.
  • التوقف عن استخدام الهاتف كمنبه، عوضا عن ذلك، نستخدم منبها تقليديا، وهذا ما يساعد على البقاء بعيدا عن جهازنا المحمول قبل النوم.
  • وضع الهاتف جانبا قبل النوم، فاستخدام الهاتف ليلا يؤدي إلى مقاطعة نوم الشخص من خلال الضوء الأزرق المنبعث من الأجهزة الإلكترونية. للضوء الأزرق تأثيرات محفّزة على الدماغ؛ مما يُبقي المرء مستيقظا، ويعطل أنماط النوم.
تطبيق Screen Time لإدارة الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي

نصيحة أخيرة

في حال لاحظنا بعض علامات إدمان مواقع التواصل الاجتماعي، فعلينا محاولة وضع بعض الحدود الواضحة حول مقدار أو عدد مرات تسجيل الدخول لمواقع التواصل الاجتماعي، ومقدار الوقت الذي نقضيه على هذه المنصات.

علينا أن نضع في اعتبارنا أن هذه الأنظمة الأساسية مصممة لجذب ولفت انتباهنا، لذا لا بد من التحكم باستخدامها عوضا عن السماح لهذه المواقع بالتحكم فينا، بهذه الطريقة، يمكن أن تكون مواقع التواصل الاجتماعي شيئا يعزز جودة حياتنا، عوضا عن أن تكون العكس.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.