تعزيزا للجهود على الأرض.. مبادرات رقمية للاستجابة لآثار الزلزال

تعزيزا للجهود على الأرض.. مبادرات رقمية للاستجابة لآثار الزلزال
استمع إلى المقال

في ليلة السادس من شباط/فبراير، استفاق الناس في جنوب شرق تركيا وشمال غرب سوريا، على زلزال بلغت شدته 7.8 على مقياس ريختر طال الجميع دون اعتبار لمناطق إقامتهم والدولة أو الجهة التي تسيطر عليها، وبينما انشغلت غالبية صنّاع القرار المعنيين من مختلف الجهات بالمهاترات السياسية وتراشق التصريحات الدبلوماسية من مكاتبهم، هرعت بعض المنظمات، والمبادرات الأهلية لإغاثة أولئك المتضررين تحت الأنقاض وفوقها الذين قد تقتلهم مماطلة السياسة.

كما هو الحال على الأرض، ظهرت بعض المبادرات في الفضاء الرقمي تضاهي وتتكامل في عملها مع تلك التي تعمل في الميدان للتخفيف من وطأة الكارثة على مجموعة من البشر خذلهم معظم من “دافع” عنهم و”حارب” لأجلهم في وسائل الإعلام. 

موقع “زلزال” السوري

موقع “زلزال” هو موقع بسيط يساعد على تحديد وتنظيم بيانات تتعلق بالأماكن والمناطق المنكوبة والفِرق العاملة على إيصال المساعدات لها على الأراضي السورية، وهو من تطوير “المنصة السورية مفتوحة المصدر”، أول منصة على “GitHub” مخصصة لجمع المطوّرين السوريين من ثقافات وخبرات مختلفة معا للعمل على مشاريع بلغات ومهام وإصدارات مختلفة بهدف تحفيز نشر مفهوم المصدر المفتوح في مجتمع البرمجيات السوري، كما تساهم في رفع كفاءة المطوّرين من خلال العمل على الأنظمة والفرق الموزعة.

“زلزال” هو موقع خرائط تفاعلية مبسطة يهدف إلى تنظيم المعلومات اللازمة للناس في الداخل والخارج السوري بعيدا عن تشتتها على وسائل التواصل الاجتماعي، الموقع يهدف إلى توثيق مراكز المساعدة ومساعدة الجهات العاملة على الأرض والفرق التطوعية في إيصال المساعدات للمحتاجين والمتضررين في المراكز الآمنة ومراكز الإيواء المنشورة بياناتها على مواقع التواصل الاجتماعي، من الجهات الرسمية والحكومية، وكذلك المبادرات المجتمعية الأهلية.

الموقع يقوم على مرحلتين أساسيتين من الاستجابة، المرحلة الأولى كانت بتحديد الأماكن المنهارة وتحديد أماكن الأشخاص العالقين تحت الأنقاض حتى تبدأ عمليات البحث والإنقاذ، وبحسب القائمين على الموقع، تمت هذه الخطوة بدقة عالية جدا، ولم يعد هناك أية بيانات جديدة لتُضاف سوى المواقع يلي نُشرت سابقا على وسائل التواصل الاجتماعي تحت وسم #خرائط_أنقاض، وتم إيصال هذه الخرائط والمعلومات إلى الجهات التي تعمل على الأرض، والمنظمات والفرق الإغاثية النشطة في مختلف المناطق داخل سوريا.

أما المرحلة الثانية من الاستجابة للكوارث، فهي تحديد أماكن النقاط الطبية والمشافي وحالتها (فعالة/جزئيا/غير فعالة) الموجودة تحت وسم #خرائط_مناطق_طبية حتى يتم توجيه الناس إلى هذه النقاط، وتوجيه المساعدات الطبية والبشرية إلى تلك النقاط. الدكتور بهاء الحفار، أحد القائمين على الموقع يوضح أن الأمر أكبر من معالجة كسور ورضوض، إذ يوجد أشخاص بحاجة غسيل كلية، ونقل دم، وحالات لا تعد ولا تحصى من الممكن أن تتفاقم إن لم تقدم لهم عناية صحية لائقة.

حتى الآن، تم إدخال بيانات أكثر من 350 نقطة من مراكز إيواء ونقاط طبية مختلفة، وبحسب الدكتور الحفار، تكمن أهمية هذه الخريطة، بالإضافة إلى تحديد أماكن مراكز الإيواء والفرق على الأرض، في توزيع الحاجات بكل المدن السورية وتوجيه الدعم بالشكل المناسب “يمكن أن يتواجد ما يكفي من الطعام حاليا في حلب، لكن لن يكون الأمر كذلك بعد أسبوع، إذ يجب حصر أماكن إقامة الناس حاليا من أجل توجيه المساعدات بشكل متوازن”.

بالإضافة إلى الخرائط، موقع “زلزال” يوفر نوعين من الاستمارات، الأولى موجهة للأشخاص الذين هم بحاجة مساعدة، إذ يسمح الموقع بمشاركة البيانات مع الجهات الداعمة، مع احترام خصوصية البيانات بأعلى المستويات، والثانية تستهدف الجهات الداعمة، إذ يطلب الموقع تسجيل البيانات الخاصة بالجهة وما المجال الذي تنشط فيه ومعلومات التواصل لديها ليُرسل لها بيانات المحتاجين ومراكز الإيواء.

موقع “زلزال” ينوه إلى أنه غير مسؤول عن طبيعة البيانات ودقتها، فهي في نهاية المطاف مجموعة من قبل المستجيبين على الموقع الذين أدخلوا البيانات من مختلف الأماكن. كما يشير إلى أن الهدف من الموقع فقط تسهيل جمع البيانات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي وتنظيمها بحسب المواقع المذكورة على الخريطة.

موقع “أعطِ وخذ” 

“أعطِ وخذ” هو مبادرة فردية طورها شاب سوري يدعى أنطوان صادر بهدف المساعدة في تشبيك الأفراد الذين يريدون المساعدة مع الأفراد الذين يحتاجونها. الموقع يتيح خيارين للمتبرعين، إما إضافة الخدمة التي يريدون التبرع بها من خلال زر “تبرع”، أو الضغط على “طلب” والبحث عن خدمة يطلبها منهم أحد.

أما للمحتاجين، فيوفّر الموقع خيارين أيضا، إما الضغط على زر “طلب” لكي يستطيعوا طلب خدمة، أو الضغط على “تبرع” والبحث عن رقم متبرع.

الموقع يوفر أيضا في صفحته الرئيسية محركا للبحث في المناطق المتضررة عن متطوعين ومناطق للسكن وأدوية وحليب أطفال ومهندسين لإجراء الكشوفات على المنازل والمنشئات وبطانيات للتدفئة، كما يسمح للمتبرعين بالبحث عن أماكن الحاجة لهذه الأشياء من أجل إرسالها بدقة.

الموقع يحتوي كذلك على محرك ثنائي يتعلق بالمفقودات، حيث يمكن لمن وجد شيئا أن يدخل معلوماته ويتيحه للعامة، ولمن فقد شيئا أن يدخل معلوماته بهدف معرفة صاحبه في حال وجد، كما يوفر خريطة للملاجئ ومراكز الإيواء في كافة المدن المتضررة.

منصة “الاستجابة السورية”

بمبادرة تطوعية من شباب سوريين من كل مكان، وبقيادة أيهم العاني، تم إنشاء قاعدة بيانات لضحايا الزلزال المفقودة أو الناجية من مختلف المناطق المتضررة، إذ تم جمع هذه البيانات من مصادر مختلفة من لوائح المشافي المنشورة، و الجهات العاملة على الأرض، والتقارير التي أبلغ عنها أهالي وذوي الضحايا عبر الاستبيان المنشور على منصة “الاستجابة السورية” أو عن طريق منصات التواصل الاجتماعي.

حتى الآن، تم تسجيل أكثر من 6000 حالة، والحالات الجديدة ما زالت تُسجل باستمرار، وبحسب العاني، تتم الآن معالجة البيانات الموجودة وتطوير الموقع الخاص بالمبادرة لعرض المعلومات بشكل أفضل والتحقق من مصداقيتها قدر المستطاع.

منصة “الاستجابة السورية” تتيح للأفراد والجهات العاملة على الأرض إضافة ناج إلى قاعدة بيانات الناجين المتاحة للعامة، كما تتيح إضافة مفقود من قبل ذويه، ليتم تنبيههم أوتوماتيكيا إذا تمت إضافته إلى قاعدة بيانات الناجين.

العاني ينوه إلى أن الموقع الكامل سيكون جاهزا خلال أيام، لكن رغم ذلك، تم إطلاق خدمة البحث دون تأخير لأن “قلق الناس لا ينتظر”، بحسب تعبيره، مضيفا أن الفريق التقني ما زال يعمل على إنهاء إطلاق نسخة الموبايل من الخدمة بشكلها النهائي و تطويرها و التغلب على مشكلاتها للوصول لسرعة التصفح المريحة خلال أيام قليلة.

روبوت فريق “سند” 

نشر فريق “سند” التنموي على صفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي دعوة لتطوير روبوت للبحث عن الناجين تحت الأنقاض، إذ ذكر الفريق أنه يعمل بالتعاون مع مختبرات “TechnoLab” على تطوير روبوت قادر على الدخول تحت الأنقاض والبحث عن الناجين، ووصل الفريق إلى النموذج الأولي له ونشر عدة مقاطع من عملية الاختبار، ولكنه أوضح أنه ما زال بحاجة للمزيد من الأشخاص التقنيين والاختصاصيين لتطوير الروبوت للوصول للنموذج الأمثل. 

بحسب الفريق، فإن مواصفات الروبوت التي تم الوصول إليها حتى الآن هي:

•  أبعاد جسم صغيرة جدا، وهي أصغر من أقطار الإطارات، وبالتالي الصدمات تتلقاها الإطارات عوضا عن جسمه.

•  بإمكانه الاستمرار بالحركة ولو انقلب جسمه بالكامل.

•  يتم التحكم به عن بُعد، ويحمل كاميرا وفلاش لتزويد من يقوده بالرؤية.

•  بطارية ليثيوم 3.7 فولط صفيحية لحفظ المساحة وتزويده بالكهرباء اللازمة لمحركاته. 

الروبوت الآن بحاجة للتزويد بحساس صوت لتتبع الناجين، وتطوير بروتوكول اتصال، وتطوير خاصية تحديد الموقع لضمان استمرارية الاتصال مع الروبوت تحت الأنقاض، وعليه، نُشر دعوة لكل مَن يستطيع المساهمة في تطوير الروبوت تقنيا من مهندسي الحواسيب والتحكم، والاتصالات، والتصميم الميكانيكي، أو أي اختصاص آخر يصب في هذه الاختصاصات.

الفريق ينوه إلى أنه سيتم العمل بشكل مشترك بين جميع الجهات والتقنيين لتطوير الروبوت بالتنسيق مع الفريق التقني الخاص بمختبرات مؤسسة “سند الشباب” التنموية في دمشق، حلب وحماة.

من يمتلك الخبرات المذكورة ويستطيع المساعدة ويرغب بمعرفة مزيد من التفاصيل يمكنه التسجيل من خلال هذه الاستمارة

موقع “معلومات الكارثة” التركي

موقع “معلومات الكارثة” أو (Afet Bilgi) هو موقع ويب أنشأته مجموعة من طلاب وخريجي جامعة الشرق الأوسط التقنية التركية للتحقق من المعلومات المهمة وتقديمها بطريقة مبسطة للمقيمين في تركيا للتعامل مع تِبعات زلزال كهرمان مرعش الذي حدث يوم 6 شباط/فبراير.

الموقع يعتمد على قاعدة بيانات من صنع الإنسان بالكامل، ويعمل بمبادئ الدقة والسرعة والبساطة، ويشير القائمون على الموقع إلى أنه “عند الاتصال بنا، نطلب منك راجين تقديم المعلومات التي تم التحقق منها فقط، والتعاون معنا لمكافحة المعلومات المضللة”.

الموقع متاح بأربع لغات، التركية والعربية والكردية والإنجليزية، وينقسم إلى أربعة أقسام رئيسية بالإضافة إلى خريطة توضح المعلومات الواردة في تلك الأقسام.

القسم الأول، مخصص لمن يريد المساعدة، ويوفر الموقع من خلال هذا القسم روابط للتبرع بالمال، وفرص التبرع بالعناصر البشرية، ونقاط الهلال الأحمر للتبرع بالدم ونقاط التبرع بالخلايا الجذعية.

القسم الثاني، مخصص للخدمات الصحية، ويوفر الموقع من خلاله أماكن وأسماء المستشفيات المتاحة لاستقبال الحالات، والصيدليات الثابتة والميدانية، والبياطرة (أطباء الحيوانات).

القسم الثالث، مخصص للحاجات العامة، ويوفر الموقع من خلاله أماكن الملاجئ المؤقتة، وأماكن التجمع الآمنة، ومواقع توصيل الطعام ونقاط الإخلاء، ومعلومات عن مساعدات النقل وأماكن محطات الوقود.

القسم الرابع، مخصص للموارد الأساسية المهمة، ويتيح الموقع من خلاله أرقام هواتف “مهمة” تعود لجهات ومنظمات إغاثية وأفراد قادرين على المساعدة بمختلف أشكالها، وروابط “مهمة” كذلك لجهات حكومية وغير حكومية قد يحتاجها المرء، وبعض النصوص المفيدة كذلك.

خرائط أقمار صناعية مباشرة

صور الأقمار الصناعية تعطي لمحة عن التحدي الذي يواجه طواقم الإنقاذ وتسلط الضوء على الدمار الواسع في المدن والبلدات والقرى في مناطق من تركيا وسوريا في أعقاب الزلزالين الكبيرين الذين وقعا في 6 شباط/فبراير وما تلاهما من توابع في وقوع آلاف القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى والمشردين في درجات حرارة شديدة البرودة.

حصلت شركة “European Space Imaging” على صور أقمار صناعية عالية الدقة للمناطق المتضررة في تركيا وسوريا باستخدام قمر “GeoEye-1” الصناعي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، وتكشف الصور المناطق السكنية المتضررة، والخيام المؤقتة التي أقيمت في ملاعب كرة القدم، والازدحام الشديد على الطرق الفرعية والطرق السريعة، والتي تم إغلاق العديد منها بسبب أضرار الزلزال، ويوفر هذا الرابطهذا الرابط أيضا) تحديثات الصور ومقارنات ما قبل الزلزال بما بعده، وستواصل “European Space Imaging” مراقبة وإصدار صور لمناطق متعددة متأثرة في تركيا وسوريا.

أما مركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة “يونوسات”، فيوفّر خريطة حية ومباشرة تعرض البيانات الجغرافية المكانية المتعلقة بالزلزال في تركيا وسوريا. إذ يستخدم برنامج يونوسات التقنيات الجغرافية المكانية وتحليل صور الأقمار الصناعية أثناء حالات الكوارث والنزاع لدعم جهود الإغاثة الإنسانية، وتقدم الخريطة نظرة عامة بصرية على الهياكل التي تضررت أو قد تكون قد تضررت من الزلزال، وتقدم معلومات قيّمة لمنظمات الإغاثة والاستجابة للكوارث في جهودها للاستجابة للأزمة المستمرة.

الزلزال ليس “تريند”، وإن كان من المؤكد توقف الإعلام عن الحديث عنه بهذه الكثافة بعد أسبوعين من الآن، فهناك ملايين المتضررين الذين فقدوا منازلهم وعائلاتهم وأحبائهم بفعل الكارثة، والذين سيعانون من آثارها لأشهر قادمة، وربما سنوات، ناهيك عن الآثار النفسية التي سترافقهم ما حيوا، وعليه، فإن تكاتف الجهود للوقوف إلى جانب هؤلاء، كلٌّ بما يستطيع، هو اختبار الإنسانية الأصعب الذي علينا جميعا خوضه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.