ما الدور الذي لعبته منصات التواصل الاجتماعي في الأحداث الأخيرة بالبرازيل؟ 

ما الدور الذي لعبته منصات التواصل الاجتماعي في الأحداث الأخيرة بالبرازيل؟ 
استمع إلى المقال

شوارع البرازيل شهدت في الأيام الماضية اندلاع مجموعة من التظاهرات المؤيدة للرئيس السابق جاير بولسونارو بعد خسارته بفارق بسيط لصالح لويز ايناسيو لولا دا سيلفا، إذ نادى مؤيديه بإعادة الانتخابات مرة أخرى كونها مزورة بحسب ادعاءاتهم. 

التظاهرات التي قادها مؤيدو الرئيس السابق لم تتوقف عند التجمعات السلمية فقط، بل تطورت إلى أعمال شغب كاملة، إذ استحوذ المتظاهرون على عدة مباني حكومية في البرازيل وأتلفوا الكثير من هذه المباني التي تضم تشكيلة واسعة من الأعمال الفنية المتعلقة بتاريخ البرازيل ذاته، وهي تظاهرات انتشرت دعوتها عبر منصات التواصل الاجتماعي الشهيرة في البرازيل.

الشائعات التي انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الأيام التي تسبق التظاهرات الحادثة مساء 8 كانون الثاني/ يناير في شوارع البرازيل مثلت الوقود المثالي لها، إذ أمضى مؤيدو الرئيس السابق وقتهم في نشر شائعات عن نزاهة العملية الانتخابية الأخيرة، وهي الشائعات التي ساهم بولسونارو في نشرها أيضا عبر مطالبته بإعادة الانتخابات ونقض بعض الأصوات بشكل علني في أكثر من مناسبة. 

Embed from Getty Images Embed

دور منصات التواصل الاجتماعي لم يقتصر على دعوات التظاهر الأخيرة فقط، بل امتد إلى أبعد من ذلك، إذ أمضى مؤيدو الرئيس السابق شهورا في نشر الشائعات عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي المنتشرة في البلاد مثل ”فيسبوك“ و“تيليغرام“ و“واتساب“ إلى جانب ”تيك توك“ الذي يضم مقاطع شاهدها مئات الآلاف وهي تشجع على التظاهرات وتصف المتظاهرين بكونهم ”وطنيين“ ومحاربين من أجل الحرية. 

كالنار في الهشيم 

المعلومات الخاطئة انتشرت منذ خسارة بولسونارو للانتخابات في تشرين الأول/ أكتوبر 2022 وذلك عبر جميع منصات التواصل الاجتماعي المختلفة سواء كانت مرئية أو مسموعة أو حتى مقروءة على يد مجموعة من مؤيدي الرئيس السابق الذين يتمتعون بقاعدة جماهيرية واسعة، وذلك قبل أن تزداد أعداد متابعيهم بعدها بحسب إحصائيات مؤسسة ”Rest Of World“ الصحفية المستقلة. 

اندلاع أحداث البرازيل ليست المرة الأولى التي نرى فيها تظاهرات تتحول إلى أعمال شغب بفضل دعوات على منصات التواصل الاجتماعي، إذ حدث الأمر ذاته منذ عام تقريبا في الولايات المتحدة بعد خسارة دونالد ترامب، الانتخابات فيما أطلقت عليه وسائل الإعلام ”الهجوم على مبنى الكابيتول“ في الولايات المتحدة، حيث لحق بالمبنى أضرار متنوعة شملت سرقة بعض محتوياته وتخريب البعض الآخر. 

التظاهرات في مبنى US Capitol في يناير الماضي – ويكي ميديا

الشركات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي تحاول جاهدة السيطرة على إنتشار البيانات الخاطئة ودعوات العنف عبر منصاتها، ورغم ذلك فإن هذه الدعوات تنتشر بشكل لا يمكن السيطرة عليه عبر جميع المنصات معا في آن واحد، لذلك فإن إزالتها من منصة واحدة لا يعني إيقافها تماما، بل قد تنتقل إلى منصة أخرى خاصة مع وجود بعض المنصات التي ترخي قبضتها مثل ”تيليغرام“. 

اهتمام بالمحتوى الإنجليزي والولايات المتحدة 

”ميتا“ تمتلك أكثر منصتين انتشارا في البرازيل، وهما ”فيسبوك“ و“واتساب“ وكلاهما ساهما بشكل كبير في نشر دعوات التظاهر إلى جانب المعلومات الخاطئة رغم محاولات الشركة المتعددة لمنع نشر مثل هذه الرسائل عبر منصاتها.

جهود ”ميتا“ ظهرت بوضوح في قمع التدخل الخارجي بالانتخابات الأميركية الأخيرة، إذ تمكنت المنصة من إحباط جهود صينية لنشر المعلومات الخاطئة وتغيير نتيجة الانتخابات، إلا أنها جهود مقتصرة على الولايات المتحدة واللغة الإنجليزية فقط. 

روبرت براغا وهي باحثة أميركية – برازيلية في شئون اللاتينيين ضمن مؤسسة “Equis” للأبحاث تقول بإن المحتوى الأسباني والبرتغالي المخالف لسياسات ”ميتا“ يبقى لفترة أطول من مثيله في اللغة الإنجليزية حتى وإن كان مترجما منها وتمت إزالة المحتوى الأصلي بالإنجليزية، ويوافقها جيور كريج الباحث في الانتخابات بمؤسسة ”الحوار الاستراتيجي“ البريطانية، إذ يرى أن ”ميتا“ لا تركز كثيرا على الدول الأخرى مثل الولايات المتحدة. 

”ميتا“ ترى أنها قامت بدورها في محاولة قمع أعمال الشغب، إذ جعلت البرازيل بأكملها منطقة خطرة خلال فترة الانتخابات وأثناء تصاعد التظاهرات، وحاولت حذف جميع المنشورات التي تشجع مثل هذه الأعمال، كما أنها وضعت علامة ”أرسلت أكثر من اللازم“ على جميع الرسائل التي أُعيد إرسالها عبر ”واتساب“، ولكن بحسب روز ماري سانتيني البروفسور في جامعة ريو دي جانيرو ورئيسة معمل ”NetLab“ لأبحاث الشبكات الاجتماعية بالجامعة، فإن هذه الجهود لازالت قاصرة، إذ قالت في حديثها مع موقع ”The Guardian“ ”لعبت منصات التواصل الاجتماعي دورا هاما في نشر الشائعات وتنظيم أعمال الشغب بأكملها“. 

السبب وراء القبضة المتراخية خارج الولايات المتحدة 

لا تتعمد منصات التواصل الاجتماعي إرخاء قبضتها خارج الولايات المتحدة، ولكنها لا تقوم بدورها على أكمل وجه، إذ أن ”ميتا“ مثلا تعتمد على متعاقدين خارجيين للتأكد من المعلومات المنشورة عبر منصاتها في بعض الدول، وذلك إلى جانب أدوات مراجعة المحتوى بشكل تلقائي، وذلك على عكس ما يحدث في الولايات المتحدة التي يتم التحقق من المعلومات ومراجعة المحتوى من فرق داخلية بالشركة. 

الاعتماد على المتعاقدين الخارجيين قد لا يكون سيئا دائما، ولكن في حالة ”ميتا“ فإن الشركة لا تعامل هؤلاء المتعاقدين بالطريقة ذاتها التي تعامل بها موظفيها، إذ يحصلون على رواتب أقل وظروف عمل أسوأ، وهو ما أكدت عليه فرانسيس هوغن مهندسة البيانات سابقا في ”ميتا“ وأحد أهم المبلغين عن مخالفات الشركة في حديثها مع صحيفة ”واشنطن بوست“. 

فرانسيس هوغن – مهندسة بيانات سابقة في “ميتا”

”تويتر“ على الصعيد الآخر قررت التخلص تماما من فريق الشركة في البرازيل، لذلك واجهت المنصة صعوبات جمّة في محاولة إيقاف الشائعات ودعوات التظاهر عبر المنصة، وهو الأمر الذي استفاد منه مؤيدو الرئيس السابق في البرازيل، ولكن في ”تويتر“ لم يقتصر الأمر على البرازيل فقط، إذ تعاني أغلب المنصة من غياب فرق مراقبة المحتوى حول العالم. 

إيقاف الشائعات دون المساس بالحريات الشخصية 

الخط الفاصل بين جهود المنصات لإيقاف الشائعات ودعوات العنف المختلفة عبرها واختراق خصوصية مستخدمي المنصة يزداد نحافة مع مرور الأيام خاصة بعد المخاوف الأمنية المختلفة التي تواجهها المنصات. 

”واتساب“ تعد أحد أكثر منصات التواصل الاجتماعي انتشارا في البرازيل، وهي المنصة الأولى لنشر الشائعات حول العالم، إذ تستمر الشائعات في الانتشار عبر المنصة وتتسارع مع مرور الزمن، وهو الأمر الذي أظهرته دراسة نشرت في المجلة الدولية للتكنولوجيا المبتكرة واستكشاف الهندسة، ورغم هذا الدور الكبير في نشر الشائعات، إلا أن إدارة ”واتساب“ لا تستطيع إيقاف جميع الحسابات التي تنشرها، وذلك ببساطة لأن المنصة لا تتطلع على الرسائل المرسلة بين الأطراف المختلفة. 

التشفير ثنائي الأطراف الذي تعتمد عليه منصة ”واتساب“ يمنعها من الوصول إلى بيانات الرسائل وتفاصيلها، ورغم ذلك فإن المنصة حاولت تحذير المستخدمين من الرسائل المزيفة والمعلومات الخاطئة عبر وضع تنبيه فوق أي رسالة تم إعادة إرسالها أكثر من مرة واحدة، كما وضعت حدا لعدد مرات إعادة الإرسال للرسالة ذاتها مهما كان محتواها، كما تشجع المنصة التبليغ عن المستخدمين الذين ينشرون شائعات خاطئة بداخلها. 

”تيليغرام“ على الصعيد الآخر تضع حرية المستخدمين فوق أي إعتبار، لذلك تحولت المنصة إلى مرتع للكثير من الجهات الإرهابية ومجموعات نشر المعلومات الخاطئة والتعامل مع المخترقين وإعادة نشر المحتوى المسروق، وهو ما جعلها أيضا مقرا للكثير من الجماعات المتطرفة في البرازيل بحسب تقرير “واشنطن بوست“. 

منصات التواصل الاجتماعي احتلت مكان القنوات التلفزيونية والجرائد المطبوعة، وبينما ساهم ذلك في نشر المعلومات وزيادة الثقافة العالمية، إلا أنه حمل المعلومات الخاطئة والشائعات مع المعلومات الصحيحة، لذلك فإن محاولة إيقاف انتشار الشائعات التي تؤدي للعنف هو أمر يقع على عاتق مستخدمي المنصة، وذلك حتى تقرر المنصات الإنفاق والاهتمام بالدول حول العالم بشكل متساو. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.