“تويتر” وحماية حقوق الإنسان.. كيف أصبح خط الإبلاغ الأول عن الانتهاكات؟

“تويتر” وحماية حقوق الإنسان.. كيف أصبح خط الإبلاغ الأول عن الانتهاكات؟
استمع إلى المقال

إيلون ماسك استحوذ على منصة “تويتر” في محاولة لجعل المنصة أكثر حرية ولكن الحقيقة، هي أن “تويتر” لطالما كانت سلاحا يستخدمه المتظاهرون حول العالم في محاولة للدفاع عن أنفسهم في أوقات التظاهرات السلميّة التي تحاول السلطات قمعها بالعنف المبالغ فيه، وهذا الدور ليس جديدا على “تويتر“، إذ اتخذت المنصة دورا في غاية الأهمية أثناء التظاهرات والثورات التي قامت عام 2011 وانتشرت في الدول العربية مما أدى لخلق مفهوم جديد.

ثورات تويتر”، هو المفهوم الجديد الذي ابتُكر استجابة لدور المنصة الكبير في مساعدة المتظاهرين على تنظيم جهودهم والتنسيق فيما بينهم لحماية أنفسهم من بطش السلطات بهم.

ولكن كيف انتقل “تويتر”، من كونه منصة تواصل اجتماعي معتادة مثل “فيسبوك” أو غيرها ليصبح أحد أقوى الأدوات في أيدي المتظاهرين حول العالم؟

قد يهمك أيضًا: سياسة “صفر كوفيد“.. مسمار آخر في نعش التقنية الصينية؟

السرعة هي مفتاح اللغز

“تويتر” يُعد أحد أسرع منصات التواصل الاجتماعي في نقل الأخبار ونشرها، وتزداد هذه السرعة تحديدا عندما نتحدث عن الأخبار التي تهم شريحة كبيرة من المستخدمين، إذ يكفي أن يُغرّد شخص واحد عن حدث ما ويستخدم الوسوم المناسبة حتى ينتشر الخبر كالنار في الهشيّم، ليصل إلى ملايين المستخدمين حول العالم في وقت واحد.

الفضل في ذلك يعود إلى خوارزمية “تويتر” في عرض التغريدات إلى جانب طريقة كتابة التغريدة أو التوصيفات المختلفة، إذ تعتمد المنصة على التغريدات القصيرة نسبيا مقارنةً مع المنصات الأخرى مثل “فيسبوك“.

تلك السرعة جعلت المتظاهرين يعتمدون على “تويتر” بشكل رئيسي في تنسيق تحركاتهم، أو حتى طلب المساعدة والعون في النقاط التي تحتاج إلى ذلك، وربما كان تأثير ذلك واضحا في الثورة المصرية 2011، تحديدا أثناء تعرّض المتظاهرين لهجوم عنيف من قوات الأمن المتخفية في ملابس مدنية بالتعاون مع عصابات قطع الطرق، مستخدمين الخيول والجمال لتشتيت المتظاهرين وإحداث إصابات جسيّمة وبالغة بين صفوف المتظاهرين.

في تلك اللحظة تحول “تويتر” إلى منصة إسعافات أولية وأداة لتنسيق الجهود بين المستشفيات الميدانية، حيث استخدمه المتظاهرون في تنسيق نقل الإسعافات الأولية بينها، إلى جانب طلب المساعدة من المواطنين القاطنين في المناطق المحيطة ومن خارج حدود التظاهرات، ولم يقتصر استخدام المنصة على الإسعافات الأولية فقط، بل اعتمد عليه المتظاهرون من أجل تنسيق جهود الدفاع ومواجهة العصابات المدفوعة، لذلك أنقذ “تويتر” حياة الآلاف في ذلك الوقت، وساهم في الحفاظ على تلك التظاهرات حية لأطول فترة ممكنة.

السلطات المصرية في ذلك الوقت أدركت دور “تويتر” الحيوي في التظاهرات، وحاولت إيقافه عن العمل في أكثر من مناسبة، ولكن في كل مرة كان المتظاهرون يجدون طرقا جديدة للوصول إلى المنصة لإعادتها للحياة مجددا.

إرث مستمر

Embed from Getty Images

الدور الذي يشغله “تويتر” يستمر حتى يومنا هذا رغم انتهاء تظاهرات المنطقة العربية منذ أحد عشر عاما، وقد عادت المنصة إلى صدارة المشهد السياسي مع تصاعد وتيرة التظاهرات في إيران عقب مقتل مهسا أميني على يد الشرطة الإيرانية، منذ أكثر من شهرين تقريبا.

“تويتر” كان خط النجاة وشاهد حي على الأحداث الإيرانية كما كان مع أشقائهم في مصر، إذ اعتمد عليه المتظاهرون لمشاركة مشاهد مباشرة من الأحداث إلى جانب تسجيل الأحداث السابقة والإصابات والانتهاكات التي حدثت في حقهم، ورغم أن الحكومة الإيرانية ضيقت الخناق على استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي المختلفة، إلا أن المواطنين وجدوا طرقا مختلفة للوصول إلى “تويتر”، عبر استخدام شبكات VPN وأدوات تخطي الرقابة المختلفة.

قد يهمك أيضًا: تويتر أصبح ملكًا لإيلون ماسك.. ما تِبعات ذلك على الموقع نفسه وموظفيه ومستخدميه؟

مجموعات حقوق الإنسان المختلفة مثل “HRNA” أو الهيئة الإخبارية لنشطاء حقوق الإنسان، تعتمد أيضا وبشكل كبير على “تويتر” في جمع الإحصائيات المختلفة ومتابعة الحدث بشكل حقيقي، حيث لا تقدم وسائل الإعلام الرسميّة أي تغطية للموقف الحقيقي والتفاصيل المتنوعة المتعلقة به، وبحسب أحدث تقارير المجموعة، فإن أكثر من 450 متظاهرا، قد قتلوا منذ بداية الأحداث ومن ضمنهم 64 طفلا واحتُجز أكثر من 18 ألف شخص.

هذه التغطية جعلت حسابات الهيئات الحقوقية تزدهر أكثر وتجذب الكثير من المتابعين، إذ زاد عدد متابعي حساب “1500tasvir” المعارض للحكومة الإيرانية ليصل إلى 400 ألف متابع في نسخته الفارسية، ويمثل ذلك نموا بمقدار 55 ألف متابع خلال شهر أيلول/سبتمبر الماضي وهو ذروة الأحداث.

وفي جزء آخر من الكرة الأرضيّة وتحديدا في الصين، اتخذت إدارة “تويتر” الدور ذاته في التظاهرات الناتجة عن سياسة “صفر كوفيد“، إذ اعتمد عليه المتظاهرون لتغطية جميع الأحداث المتعلقة بالتظاهرات ونقل مطالبهم وثورتهم إلى سكان العالم أجمع، وذلك رغم الجدار الناري العظيم الذي تقيمه الصين حول الإنترنت داخل حدودها.

مستقبل غامض

Embed from Getty Images

إدارة “تويتر” تغيرت، ورغم ذلك استمرت المنصة حتى الآن في القيام بالدور ذاته، ولكن هل يستمر ذلك إلى المستقبل القريب. إذ أن التغييرات التي أجراها إيلون ماسك على “تويتر”، قد تؤثر مباشرة على ذلك الدور وخاصة بعد إزالة فريق أخلاقيات الذكاء الصنعي بالمنصة، وهو الفريق المسؤول عن جعل خوارزميات المنصة أكثر شفافيّة.

أعداد العاملين في “تويتر” حاليا انخفضت كثيرا بسبب عمليات الاستقالة وتقليل العمالة من جانب إدارة الشركة، ومهما كانت تلك الوظائف التي تخلى إيلون ماسك عنها، إلا أنها كانت تمثل جزءا من عملية الإنتاج اليومية لدى “تويتر” والحفاظ على المنصة قيد العمل، وهو ما قد يصبح تحديا في حالة حدوث ضغط كبير على المنصة أثناء حدوث أي تظاهرات كبيرة الحجم.

قد يهمك أيضًا: اليد الخفيّة وراء دعم الوليد بن طلال لصفقة تويتر

“تويتر” تحول إلى شركة الشخص الواحد، إذ يتحكم إيلون ماسك، في غالبية قرارتها بعد أن كانت تخضع لمجلس إدارة وعدة فرق مراقبة داخلية، تضمن شفافية المنصة والقرارات التي تتخذها سواء كانت إعادة الحسابات المحظورة، أو حتى حظر حسابات جديدة ومراقبة المحتوى، التي كانت تمتلك سياسة واضحة تجعلك قادرا على توقع نوعية المحتوى التي قد يزيلها “تويتر“.

سياسة مراقبة المحتوى وإزالته في المنصة، لم تعد قادرة على مواكبة الضغط الواضح من الحسابات الوهمية التي تقوم بإرسال تغريدات مغرضة تهدف لإخفاء الحقيقة، وهي السياسة التي اتبعتها الحكومة الصينية تحديدا لقمع التظاهرات في “تويتر” وإخفاء الأخبار الحقيقية عن تظاهراتهم داخل المنصة.

إزالة الفرق المسؤولة عن حقوق الإنسان والأخلاقيات داخل المنصة يهدد الدور الذي اتخذه “تويتر” في كونه منصة لنشر الحقيقة، وقد ينتهي الأمر بجعل “تويتر” أقل حرية بدلا من زيادة الحرية في المنصة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.